في كتابه - الجزائر المنشودة – كتب الشيخ محفوظ نحناح "ينظر كثير من الناس للسيّاسة بعين الشك والارتياب، نظرة سلبية مليئة بالخوف والحذر، وربما بشيء من الاحتقار والكراهية، وأصبح الكثير منهم يرى الكذب والنفاق والخداع صفات طبيعية لرجل السياسة، منطلقين في حكمهم هذا من تأثير رواسب التجارب الماضية، أو من تأثير وسائل الإعلام المختلفة اللاهثة خلف الفضائح والقضايا المثيرة في عالم السياسة والسياسيين أو من تأثير واقع يومي مليء بمخازي و تعفنات بعض المشتغلين بالسياسة والدائرين في فلكها." و هذا مفهوم السياسة عند السواد الاعظم من الناس فعي تبدو لهم لعبة حقيرة قواعدها النفاق و الخداع و بيع الاوهام يمارسها رجل السياسة للوصول الى السلطة و التحكّم في مصير البلاد بمن فيها من عباد و ثروات و كرسي العرش ليس إلاّ فرصة للثّراء و الشُّهرة, فانعكس هذا سلبا على الوضع العربي و مجتمعاتنا, حيث تجاهل المواطن العمل السياسي كما تجاهل رجل السياسة هواجس المواطن و مشاكله و باتت العلاقة بينهما موسمية تتغطى عليها الاكاذيب و النفاق و المجاملات في مراسيم الانتخابات و قد تتوطد هذه العلاقة اكثر فيُصوّتُ النظام بدل الناخب و يريحه من عناء الادلاء بصوته . أدّت هذه السلبية الى خلق دكتاتوريات كبّلت الحريات و الطّاقات لكنها - و الحمد لله- بدأت تنهار تباعا, وتبعا لما سبق فإنّ اهمّ ضامن لتأسيس ديمقراطية في عالمنا العربي ان نكون ايجابيين في تعاملنا مع الشأن السياسي و نولي العمل السياسي الاهمية التي يستحق و خصوصا عند فئة الشباب. ما نراه مهمّا الآن هو محاولة دحض تلك الفكرة النمطية عن ,العمل السياسي و السياسة ككل, التي تقول بأنها عمل قذر و خديعة و نؤسس لترسيخ مفهوم جديد للعمل السياسي و تبيان ان لا فصل بين ما هو اخلاقي و ما هو سياسي. كل عمل, اذا تجاهل العامل الاخلاقي و الضابط القيمي, انحرف عن مساره و اصبح خطرا حتى وان حقق هذا العمل انجازات باهرة و الامثلة في ذلك عديدة فأمريكا تجد تعارضا بين الاخلاق مصالحها الاقتصادية و الاستراتيجية, حسب تعبيرها, و بالتالي هي ترتكب ابشع الجرائم تحت مظلّة نشر الديمقراطية و الحرب على الارهاب المزعوم, و في نفس السياق لخّص المفكّر الليبيرالي- ميكافيلي- السياسة في قوله " السياسة لا تخرج عن فن ادارة المصالح الذاتية والجماعية خارج الاعتبارات الأخلاقية المعيارية" , هذا يوضّح المفهوم الغربي للعمل السياسي. و في مقابل ذلك و من المنظور الاسلامي فالعلاقة بين السياسة و الاخلاق هي علاقة تماهي و تداخل و لا مجال للفصل بينهما. و هي في المفهوم الشرعي تدبير شؤون الناس و الحرص على تصريف شؤونهم بما يتوافق و مصالحهم وفق الضوابط الدينية ( أي ان المصالح يجب ان لا تتعارض مع احكام الشريعة) كما انها ليست طريقا للوصول الى السلطة للتحكّم في العباد و البلاد, ثمّ ان العمل السياسي الاسلامي يرفض مقولة " الغاية تبرر الوسيلة " بل هو - كما اورد المفكر عبد المجيد مناصرة في كتابه دروس في العمل السياسي الاسلامي - مؤسس على قاعدة اسلامية الغايات (النية فيه خالصة لله الواحد القهّار و الغاية و القصد مرضاتُه) و اسلامية الوظائف ( تطبيق الشريعة الاسلامية و ما تتضمّنه من خدمة لمصالح الناس و رعاية شؤونهم ) ثمّ اسلامية الوسائل ( الوسائل تكون متوافقة مع ما جاء في الشريعة الاسلامية فلا تتعارض معها كما يراعي التوافق المجتمعي) و تتلخص هذه المفاهيم الثلاث في سورة الانعام (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). هذا ليس نظرية طوباوية و شعارات مثالية و انّما هو جوهر العمل السياسي الاسلامي كما جاء به الرّسول و عمل به و وفّق في تطبيقه الصّحابة رضوان الله عليهم و التابعين. هذا فيما يخصّ اسس العمل السياسي الاسلامي و ان كانت في ايجاز, و الهدف الآن في هذه المرحلة هو كيفية تفعيل دور الشباب في هذا العمل. من الضروري قبل الانخراط في العمل السياسي الاسلامي, ان يسبق ذلك تكوين معرفي و اطلاع فكري على عدة مجالات منها العلم الشرعي و الادبيات السياسية و التاريخ الى غير ذلك من العلوم و المعارف. لأن حماسة الشباب ان لم تُؤطّر بالاطلاع المعرفي و التكوين الفكري, قد تتحوّل الى تعصّب. و هذا لا يعني ان ننعزل في قلاعنا و ننكب الاّ على التكوين المعرفي النظري كما انه لا يجب ان يتوقف الاطلاع فالتكوين الفكري لا حدود له. ثمّ ان من اهم المحفّزات لدعم حركية الشباب هي تلك المنظمات الاهلية و الجمعيات بمختلف انواعها حيث هي توفر اطارا ينشطون فيه وفقا لميولاتهم فكثيرا ما يكونون مبدعين كما توفر تلك المنظمات اُطرا لاكتساب تجارب و خبرات ميدانية يُبلور فيها الشباب طموحاتهم و يتعرّفون على ايجابياتهم و سلبياتهم و مدى قدرتهم على التعامل مع الواقع و التفاعل معه و ادارة العمل اضافة الى خبرة تنزيل الفكرة " النظرية" الى مشروع واقعي. كما ان للأحزاب السياسية دورا كبيرا في هذا المجال فهي بتنظيمها لملتقيات شبابية و ورشات عمل و دورات تكوينية و حملات تحسيسية من شأنه ان يُعمّق الحسّ المدني و الوطني لدى الشباب و يُحفّزهم للمشاركة في العمل السياسي وعيا منهم بضرورته وفقا لحديث الرّسول صلّى الله عليه و سلّم " ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ورغم انّ الحديث ليس ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال العلماء انّ معناه صحيح، وواجب الأمة المسلمة جمعاء و الشأن السياسي من امور المسلمين. هذا بالإضافة الى تشريك الشباب في أخذ القرار و ايلائهم مناصب قيادية لدعم ثقتهم بأنفسهم و قدراتهم و تلقّيهم لخبرات العمل الميداني. كما ان للمؤسسات التعليمية والإعلامية، والمراكز البحثية، والمؤسسة الدينية دور أساسي ومحوري في اعداد برامج تعليمية وتربوية وتثقيفية، لأن للبعد الايماني اهمية كبرى في دفع الشباب نحو تهذيب سلوكه و صقل مواهبه، وجعله أكثر إيجابية وحيوية ومشاركة في العمل الاسلامي السياسي ولعلّ ابرز المجالات في هذا السياق هو الاطار الجامعي و المنظّمات الطّلاّبية. نهضة الامم تتوقّف على مدى حركية شبابها و ايجابيتهم, فهم من يحمل اللّواء.