كان لا بد من الوصول الى هذه اللحظة التاريخية من الثورة التونسية -كغيرها من الثورات- التي ينفرد فيها الثوار بالساحة بعد التخلص من العدو المشترك ..لا لكي يصفو لهم الجو للحديث عن المستقبل و البناء المشترك, ولكن لتبدا تصفية الحسابات و الاقتتال الداخلي في مرحلة صراع جديد لم تكد تضع الحرب فيه اوزارها حتى احتدم سياسيا و اديولوجيا بين الاخوة الفرقاء.. هذا ليس نبوءة بقدر ماهو نذير لما نشاهده من سجال الكتروني على صفحات المدونات و الفيسبوك و غيرها .. فقد تراجع ثوار الامس القهقرى ليعيدوا ترتيب الاستراتيجيا بعد اختلاق العدو الجديد و استعداء ما امكن ايجاده من الفزاعات. الحقيقة اننا لن نناقش هذا الصراع لانه ازلي و من المسلمات الانسانية. ولكننا سنحاول تحليل ظاهرة فريدة من نوعها, الا وهي الاستقطاب الحاصل داخل النخبة -خاصة بين الشباب بحكم التقائي و احتكاكي الاكثر مع هذه الشريحة- التي ناضلت بالامس من اجل "الحرية للجميع" ثم هي اليوم تتخندق في هذا الصف او ذاك استعدادا للمواجهة الجديدة. للبدء, كان لابد من الانطلاق من اكثر الاسماء رواجا داخل اوساط المدونين و مناضلي شبكات المعلوماتية: مثلا سليم عمامو,معز العياري و ليليا بن مهني..لكي لا نذكر غيرهم. هذا الثلوث الذي تصدر المشهد الالكتروني و الاعلامي ليصبحوا وجوه الثورة البارزين من الشباب. لسنا هنا للتحقيق في استحقاق هذه املكانة التي اعتلاها هؤولاء, فالشعبية و المصداقية يحكم عليها الجمهور انطلاقا من صدق الشخص و اهدافه و افعاله التي تكون له تاريخا نضاليا طال ام قصر. وندع هذا للشعب ليحكم فيه. بل نريد ان نفرق بين المسارات التي دأب هؤولاء عليها بعد الثورة بعد ان اصبحوا يتصدرون المشهد و يتكلمون باسم الثورة عن تمثيل او بمبادرات فردية.. لقد "أرادو" ان يكونوا شخصيات ثورية "وطنية", وها قد اصبحوا.. بفضل نضالهم او بقدرة قادر(بفعل صناعة اعلامية سياسية), هذا في حكم المتجاوز, لان مرادنا تحليل ما آل اليه دورهم و لحساب من؟ كل من رآى ما صدر من هذه الاشخاص من تصريحات و افعال سيحكم عليها سلبا او ايجابا.. ليس هنا مجال للحرية الشخصية,فالموقع الذي استاثروا به برغبتهم جعلهم تحت قيود التعديل و التجريح السياسي... فالحديث خارج سرب الثوريين بما لا يمثلهم مع الامعان في الاستدلال بشرعيتهم هو بعينه "الركوب على الثورة". سليم عمامو كان أول المتصدرين بتبوئه الوزارة في سرعة قياسية لم يكن "يطيٌح" عليها سوى سرعة خروجه منها بعد خيبة امل من دوره الصوري او استفاقة ضمير.. لم تشفع لتصريحاته المخزية حول المواقع الاباحية التي لم نسمعه يتكلم الا في سياقها, او هكذا اراد الاعلام.. لكن الردود كانت شديدة و قاسية عليه و على مستقله السياسي الذي انتهى فعلا, بالعامية "حرق روحو". في نفس التوقيت, صعد نجم معز العياري الذي و الحق يقال كان موضوعيا في تدخلاته و متناغما مع الروح الشبابية للثوار بعدم الدخول في المهاترات الثقافية و الاديولوجية مع براقماتية في تجاوز و عدم الخوض في هذه المنزلقات والفخاخ . ما ان انتهى عمامو حتى طلعت علينا ليليا بن مهني التي ظهرت في افلام و ريبورتاجات و برامج محلية و اجنبية لم يسلم فيها الشعب من صفاقة هذه "التي تزعم انها استاذة و مثقفة و ثورية" وهي تتحدث عن الحجابات و اللحي و الاسلاميين المخيفين و تتبرؤ من جزء من شعبها و تتحسر على ايام زمان القمع و القهر لم تكن فيها تشاهد معالم الحرية. لقد انزلقت المنزلق الذي لم يجرؤ عليه لا عمامو و لا العياري! وبوضوح صرحت و عادت جزءا من شعبها و جزءا من الشباب الثوار امثالها.. و لا ادعوكم الى تصفح صفحاتها على الانترنت وهي ترد بازدراء واستعلاء و في مرات ببذاءة على المنتقدين لها. لقد اختارت صفها و بوضوح, صف "اشباه" الثوريين و الوصوليين, كلهم عارفون بما يغازلون الدوائر المشبوهة و "شنوا يبيعو للغرب و الاعلام باش يلقاوا ما يسوقوا بيه انفسهم". اللي يبيع ضميرو و كرامتو باش يرضي اللي يسوا و اللي ما يسواش, ما يقعدلو كان الخزي و العار"..و المذلة! .