مصطفى ونيسي/باريس إن نجاح الثّورة في تونس بصفة خاصة، وانبلاج فجر ربيع الثّورات العربية بصفة عامّة كان منعرجا تاريخيّا حاسما في استعادة الشعوب العربيّة لكرامتها و حريتها واسترجاعها لسيادتها التي انتهك حُرمتها الاستبداد السّياسي و الفقر... إن انبلاج فجر الثورات العربيّة الزّاحف كان بحق إيذانا بتصميم شعوبنا العربيّة التّي تجرعت أنواعا شتّى من الظّلم بسبب حكامّها و أنظمتها الفاشية افتكاك زمام المبادرة و الفعل الحضاري ..... و تناغما مع هذا المصير السّعيد و المشترك تراءت لي فكرة تخصيص ركن لتسليط الضوء على بعض القضايا التّي تشغلنا في مجال الحكم و السّياسة من خلال منظور إسلامي. وهي في الحقيقة قضايا نطرحها للتشاور و الحوار والتفاعل المشترك من أجل استشراف مستقبل أفضل نقطع فيه مع كلّ أنواع الإستبداد و أساليبه و آلياته و أدبياته ..... و هذا النّوع من القضايا تناوله فقهاؤنا قديما بالنّظر و التحليل في علم ما يُعرف بفقه السّياسة الشّرعيّة، فما هي بإيجاز مجالات هذا الفقة، و ما هي مشمولاته قديما و حديثا ؟ مجالات فقه السّياسة الشّرعيّة بين الأمس و اليوم: إنّ ما يُعرف قديما بفقه السّياسة الشرعيّة هو شبيه جدّا بما يُعرف اليوم بالفقه الدّستوري عموما و الفقه الدّستوري الإسلامي خصوصا. ونحن نفضّل هذه التّسمية الأخيرة لانسجامها مع طبيعة الخطاب المعاصر و قربها من الذّهنيّة و القوانين الدّستوريّة المعاصرة. وظيفته قديما: تناول الفقهاء قديما بصفة أساسيّة مبحث (الخلافة) بالنسبة للمدرسة السّنيّة، و (الإمامة) بالنّسبة للمدرسة الشّيعيّة و ما يتبع ذلك من مباحث فرعيّة. وتناول الفقهاء أوّل الأمر هذا المبحث ضمن أبواب الفقه العّام ولكن في مرحلة متقدمة هناك من الفقهاء من تناول هذا النّوع من الفقه في كتب متخصصة، من مثل كتاب الأحكام السّلطانيّة للماوردي الشّافعي(450ه) و لمعاصره أبي يعلى الفرّاء الحنبلي(476ه)، و كتاب السّياسة الشّرعية في إصلاح الرّاعي و الرّعية لابن تيميّة الحنبلي. ومن هذه الكتب أيضا الطرق الحكمية لصاحبه و تلميذه ابن القيم (751ه) ومن ذلك كتاب الخراج لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (181ه) ..... وغير ذلك من المصنّفات النفيسة في هذا الفّن ... وظيفته حديثا: و من وظائف هذا الفقه حديثا بالإضافة إلى وظائفه القديمة التي اعتراها الكثير من التطور تنظيم علاقة المواطن بالدّولة أو السّلطة بالشّعب أو الحاكم بالمحكوم... وعلاقة المؤسسات الحكوميّة بالمواطنين ، و من مشمولاته تحديد الحقوق و الواجبات و مجال الحرّيات الخّاصة و العّامة ، و ضبط المهام و مختلف الوظائف الدّستورية و التّشريعيّة و التنفيذيّة و القضائيّة. و من ذلك أيضا تحديد شروط و ضوابط الشّرْعِيّة السّياسيّة و تعيين مصادر التمويل للأحزاب و الدّعاية السيّاسيّة... ، و كذلك تشخيص المصلحة العّامة للدّولة و الشّعب إلى غير ذلك ممّا له علاقة بالشّأن العّام . كما أنّ مبحث الدّيمقراطيّة كآليّة للتداول على السّلطة أو الحكم هو من المباحث التّي ينبغي أن ندرجها اليوم ضمن مباحث فقه السيّاسة أو ما يَحْسُنُ بنا أن نُسمِّيه بالفقه الدّستوري الإسلامي. فإذا كانت هذه هي مجالات فقه السّياسة الشّرعيّة قديما و حديثا بكل إيجاز، فما هو تعريف هذا العلم عند فقهاءنا القدامى و المعاصرين؟ الأربعاء 15/06/11