أما آن الأوان لفتح ملف تشغيل الشباب الجامعي العاطل عن العمل الذى أنفقنا عليه الأموال الطائلة لتعليمه ليتخرج بشهادات عليا ويجد نفسه محروما من العمل لا لشئ إلا لأن الدولة تخلت منذ سنين طويلة عن واجبها فى توفير العمل له بدعوى أن اقتصاد السوق الذى أصبحنا جزءا منه قد قلص من تدخل الدولة فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية ونعمل معا على إيجاد الحلول السريعة له . فليس فى بلادنا أسرة إلا وفيها شابة أو شاب - ولا فرق عندي بين شاب وشابة- عاطل عن العمل أنفقت عليه عائلته المال ليتحصل على الشهادة العليا وتراه فى يوم من الأيام طبيبا أو مهندسا أو قاضيا كبيرا,وكم من أبنائنا وبناتنا المتفوقين فى الدراسة الذين حصلوا على الشهائد العليا بدرجة الامتياز وأنفقنا عليهم من مال المجموعة الوطنية وانتظرنا منهم ليساعدوا بلدهم ويرفعوا من شأنه.فإذا بالدول الغربية الأخرى التى لم تنفق عليهم شيئا تستوعبهم وتفتح لهم مراكز بحوثها لتستفيد من خبراتهم العلمية فى تطوير العلوم عندها والتقنيات الحديثة لديها لتتمكن من النهوض باقتصادها وتحقق الرفاهية والتقدم لشعوبها .لقد كرس العهد البائد نظام الحزب الواحد فى كل شئ, فالتشغيل واجب لأبناء الحزب الواحد على حساب أبناء الشعب وان كانت تنقصهم الكفاءة أوالعلم والشهائد وقد شهدناهم فى مواقع عمل حساسة يتحملون مسؤوليات كبرى وهم لايفقهون من أعمالها شيئا ,شهائدهم مدلسة ,يعرفهم زملاؤهم فى الدراسة لا يسجلون حضورهم فى الدروس إلا قليلا ,وفى آخر السنة ينجحون وتنتهي مدة دراستهم ويتخرجون. فإذا أردنا إن ننجح ثورتنا - ثورة الحرية والكرامة- فما علينا إلا أن نعترف للشباب العاطل بالتقصير فى حقه,ونلتزم له بأن تشغيله حق له وواجب علي الدولة توفيره .وليكن إيماننا عميقا بقيمة العمل البشري وخاصة الفكري منه كما امن به اليابانيون فتألقوا فى وقت قصير واحتلوا المرتبة الأولى فى الصناعات الحديثة ذات الإنتاجية المرتفعة وبلدهم فقير فى ثرواته الطبيعية ولم يتلقوا أي إعانة أو عون من أحد .ولنفرد فى دستورنا الجديد نصا يؤكد قيمة العمل وأهميته فى إنتاج الثروة وتحقيق الرخاء والعزة للبلد والتأكيد على التعاون بين الدولة والمجتمع على توفير العمل للشباب واعتباره حقا وواجبا .ألم يأت شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب العمل فمكنه من قادوم وأشار عليه بالاحتطاب ففي هذا الفعل النبوي دلالة على تحمل ولي أمر المسلمين ممثلا فى الدولة مسؤوليته فى توفير العمل للشباب بما يناسب إمكانياتهم الجسدية و الفكرية وتوفير وسائله لهم حتى لايبق شاب عاطلا عن العمل يصرف طاقاته الجسمية و الذهنية فى المفاسد التى تعود على المجتمع بالخسران والانهيار وقديما قال الشاعر " إن الفراغ والجدة مفسدة للعقل أي مفسده " ومن منطلق غيرتنا على هذا الوطن الذى ناضلنا جميعا من أجله لنراه حقا وطنا لكل التونسيين يتمتع فيه الجميع بكل الحقوق ويتحمل فيه الجميع كل الواجبات أن نتعاون جميعا على استيعاب شبابنا في الدورة الاقتصادية ونوفر له العمل وكل من موقعه وفى مجاله ولنعمل على تأهيله وتدريبه وتمكينه من خبراتنا ولننزع الأنانية من قلوبنا وهى أمانة فى أعناقنا سنسأل عنها أمام الله عز وجل فأي إنسان أتاه الله علما من علوم الدين أو الدنيا مثل الصنعة أو المهنة وكتمها عن شبابنا وتهاون فى تمكينه من إتقانها ولم يساعده على تنمية قدراته فيها فان الله سائله يوم القيامة ولنضع أمام أعيننا دائما قوله صلى الله عليه وسلم : "من كتم علما ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة" وليكن شعارنا فى انتدابه " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ولنقطع مع الحزبية الضيقة البغيضة التى عانى منها شبابنا أيام العهد البائد والتي كانت لا تعترف بكفاءة فرد ولا بعلمه,شعارها كان دائما حزبنا ولا أحد.