منير عكاشة: فشلت السياسة التربوية في تونس على امتداد عقود طويلة في ترسيخ مفاهيم عديدة مثل : التعايش , قبول الآخر, التسامح, المواطنة, المشاركة أو الشراكة بين أبناء الوطن ... و كيف يمكن أن ننشأ على ثقافة التسامح و المواطنة و إحترام سيادة القانون و حقوق الإنسان في بلد لا يطبق فيه القانون إلا على الضعيف ... و "حقوق الإنسان"ٍ مجرد كلام ركيك يستغله الحاكم في التنكيل بالمحكوم و التستر على جرائمه في حق الإنسانية ... صحيح أن المدرسة و دور العبادة و أجهزة الإعلام تتحدث دائما عن هذه المفاهيم و لكنها تقدمها على أنها هبة من الحاكم و مكرمة منه... فبقيت مجرد كلام لا يصدقه أحد لأنه لم يقع العمل على ترجمته إلى و اقع ملموس في حياتنا اليومية ... و لما هبت علينا أول نسائم الحرية وجدنا أنفسنا غير قادرين على فهم المعنى الحقيقي لثقافة الحوار و التسامح و كيفية التعامل مع الآخر و قد يبدو ذلك أكثر و ضوحا عند من يتصورون أنفسهم من المثقفين أو من أصحاب الرأي ... و لعل المقصود بثقافة الحوار و ثقافة التسامح هو أن الأولى مقدمة للثانية , بحيث إذا لم توجد الأولى غابت الثانية. فإذا لم توجد ثقافة الحوار غابت ثقافة التسامح ... و ثقافة الحوار تعتمد أساساً على أن نُجيد فن الإستماع أولاً ، وأن نستوعب ما سمعناه قبل أن نرد عليه، وأن نُفكر في مضمون الرد مرة ومرة قبل أن نُطلقه... ويغلب على حواراتنا التشنج والصراخ والكل يتكلم في وقت واحد... والمقاطعة للمتحدث قبل أن يتم حديثه هي السمة الغالبة لمناقشاتنا... لقد عاش التونسي عقودا طويلة من القهر والظلم والاستبداد فأثر ذلك في سلوكه... فأصبح دائم الغضب... ويثور لأتفه الأسباب... ولايتقبل أبدا أخطاء الآخرين مهما كانت بسيطة ... ولأنه كان يعاني من عقدة الخوف من "الحاكم" أو البوليس فإنه نادرا ما يلجأ إلى العنف الجسدي ... ويستبدله بالعنف اللفظي ... فنشأ لدينا مجتمع سليط اللسان ... بذيء الكلام ... ولا يمكن أبدا أن بمر يوم أو ساعة دون تُغتصب طبلة أذنك بمثل هذا الكلام ... ولن تسلم من ذلك أينما كنت : في السوق ، في المدرسة ، في العمل ، في الإدارة ، في الملعب وحتى في بيتك ... ولعل ما يدعو للدراسة ويلفت للانتباه عدم تردد البعض في سب الدين وحتى الجلالة و العياذ بالله ... وهو ما تنفرد به بلادنا ... فلا أحد - في بقية بلدان العالم - يتجاسر على سب دين غيره مهما كان ... فضلا عن سب ديانته ... والغريب أن الذي يسب عندنا لا يتأخر أبدا في الدفاع عن عمق تدينه ... ولعل أكثر الناس بذاءة هم الشرطة وسواعد الحاكم لأنهم أول من يطبق حرية التعبير حسب منظور سيدهم ... إنا نعيش في مجتمع أنهكته الخيارات السيئة في كل الميادين وخاصة التربية والثقافة والرياضة... التي بها فقط يمكن أن نبني مجتمعا متوازيا متحضرا ومتسامحا ... وأعتقد جازما أن وزارات التربية والثقافة والرياضة هي وزارات السيادة الحقيقية ... و علينا أن نتذكر دائما أن خيرنا من يلتمس العذر للناس قبل أن يلقي الاتهام على الآخرين ...