الثورات العربيَّة التي تندلع حاليًا في اليمن وليبيا وسوريا، لا تزال تراوِح مكانها، فكلما اقتربت من هدفها لتزيح أنظمتها، سرعان ما تراجعت، غير أنها لم تبرحْ نقاط تقدمها التي انطلقت منهتا وهو كسرها لجدار الصمت الذي كان يلازمها.
لذلك أصبحت المقارنة واضحة بين الثورات القائمة حاليًا، وبين الأخرى التي حققت أهدافها، مثل الثورتين التونسيَّة والمصريَّة، واللتان حققتا أهدافهما في أسابيع وجيزة، ومن جانبه يؤكِّد الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم في حديثه لموقع "الإسلام اليوم" أن الثورات العربيَّة عمومًا أصبحت على مشارف النصر وتحقيق أهدافها.
ويتناول اللواء مسلم, وهو أحد قادة حرب أكتوبر, التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجيَّة للثورات العربية، والمراحل التي وصلت إليها الثورة المصريَّة، وكانت دافعًا إلى ثورات عربيَّة أخرى، لما شهدته من مكاسب، وكان لها دور كبير في دعم القضيَّة الفلسطينيَّة، وإعادة مصر لمكانتها، وهو ما تحقق إلى الآن بفتح معبر رفح بشكل نهائي من ناحية، وتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، من ناحية أخرى. وتاليًا تفاصيل الحوار:
كيف ترصد تأخر تحقيق انتصارات الثورات العربية حاليًا في بعض البلدان، على الرغم من نجاحها في تونس ومصر سريعًا؟ ينبغي النظر إلى أن الأنظمة استفادت من السقوط السريع لنظامي زين العابدين بن علي وبعده حسني مبارك، ولكن على الرغم من إحكام هذه الأنظمة لسيطرتها على مناصبها، فإنها حتمًا ستنال طريقها إلى السقوط، لأن إرادة الشعوب أقوى من الأنظمة والحكومات، كما حدث في تونس ومصر.
وبرأيك، ما هي التغييرات المنتظرة في العالم العربي، جراء ما يعرف ب "الربيع العربي"؟ في الجانب السياسي، هناك حالة كبيرة من النضج لم تكن معهودة من قبل، مما كان له دور إيجابي في اندلاع هذه الثورات، فنجاحها في مصر وتونس كان له انعكاسات إيجابيَّة على الوطن العربي، حيث أصبحنا أمام قدر من الجديَّة، بشكلٍ يفوق ما كان قبل ذلك. والملاحظ أن تغلغل الفساد، وممارسة الاستبداد بالدول العربيَّة كان سببًا قويًّا من أسباب انطلاق الثورات العربيَّة، وإذا أخذنا مصر كمثال، نجد أن ممارسات النظام السابق كانت لها تأثيراتها السلبيَّة وانعكاساتها الخطيرة على المجتمع المصري، حيث تَمَّ إهدار قدرات مصر وطاقاتها في مختلف المجالات، طوال فترة حكم نظام الرئيس السابق حسني مبارك، حتى أصبحنا وقتها أمام مشهد يدفع إلى "التوهان" دون أن تكون هناك آليَّات لمواجهة الفساد، أو حتى الحدّ منه. إسرائيل وثورات العرب
وما تفسيرك للانتقادات التي توجهها إسرائيل للثورات العربيَّة، وخاصة الثورة المصريَّة؟ إسرائيل لا تصدر قرارات بمفردها، فالولايات المتحدةالأمريكية تقف وراءها وتدعمها، وتحظى القرارات الإسرائيليَّة برعاية أمريكيَّة، ولذلك كان طبيعيًّا أن تنتقد وتتحسر كل المؤسسات في إسرائيل على الثورات العربيَّة، ومنها الثورة المصريَّة، وسقوط النظام المصري السابق، الذي كانت تعتبره حليفًا استراتيجيًّا لها.
وما أبرز ما لاحظته مما تحقَّق من تأثيرات إيجابيَّة للثورات التي تحققت في دولها العربيَّة على سياساتها الخارجيَّة؟ هناك لا شك تغير كبير في السياسة الخارجيَّة لمصر على سبيل المثال، بعد ثورة 25 يناير، وهذا التغير ظهر واضحًا للقاهرة تجاه الكثير من دول العالم، إقليميًّا ودوليًّا، فنجد تقدمًا كبيرًا في السياسة الخارجيَّة لمصر إزاء القضية الفلسطينيَّة، ونجاحها في التئام الانقسام الفلسطيني، بتحقيق تاريخي للمصالحة، وهو ما كان يعجز عنه النظام السابق، لأنه لم يكن يقف على مسافة واحدة بين جميع الفلسطينيين. ومن التحسن الواضح في شأن هذه السياسة إعادة فتح معبر رفح بشكلٍ دائم، مما يعد تطورًا وتفاعلا من الدبلوماسيَّة المصريَّة تجاه المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون جرَّاء إغلاق هذا المعبر، وما كان يمارسه النظام السابق من تعنُّت بهذا الشأن. هذا بالطبع يدفعنا إلى التأكيد على أن النظام السابق كان يدفع بسلبيَّة تجاه الأوضاع الإنسانيَّة للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، وهنا لا يمكن الحديث عن الاستمرار في هذا الدعم اللافت للقضية الفلسطينيَّة من جانب مصر، دون الحديث عن استقرار الأوضاع الداخليَّة في مصر وتحسينها بشكلٍ يحقق لها الاستقرار، ويعيد الأمن الحقيقي للوطن المصري. الثورة ونصرة فلسطين
وفي هذا الإطار، برأيك ما هي انعكاسات ثورة 25 يناير على القضية الفلسطينيَّة، والدعم الذي قدمته للشعب الفلسطيني؟ الدعم المصري للشعب الفلسطيني كان واضحًا للغاية، استنادًا إلى موقف الشعب المصري الداعم لأشقائه الفلسطينيين من ناحية، ولتحقيق مكتسبات ثورة 25 يناير من ناحية أخرى، والداعية إلى الحرية، ومنها حرية الأشقاء في فلسطين، وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة لهم، وهو ما وجدناه سريعًا في فتح المعابر بشكلٍ دائم، ودون قيود، علاوة على دور الثورة في تحقيق المصالحة الفلسطينيَّة- الفلسطينيَّة، على نحو ما أشرت.
وما قراءتك لمستقبل العلاقة بين مصر وإسرائيل بعد ثورة 25 يناير؟ أعتقد أن العلاقة بينهما سوف تستمرّ ولكن هذا مرهون بحفاظ مصر الثورة على ثوابتها، وعدم العودة إلى ما كانت عليه دبلوماسيتها إبان النظام السابق، فاستمرار هذه العلاقة مرهون باستقرار الأوضاع في مصر، وانتخاب "البرلمان" المقبل وبعده الرئيس القادم للبلاد. وهل تعتقد أن علاقات مصر الخارجيَّة يمكن أن تشهد مزيدًا من التغيرات عقب الثورة؟ الأمر مرتبط بالشأن الداخلي ومدى استقراره على الرغم من حجم الضغوط الهائلة التي قد يمارسها البعض على مصر، إلا أن كل ذلك مرهون باستقرار الأوضاع في البلاد. وإذا كانت العلاقات المصريَّة الإسرائيليَّة سوف تستمرّ بعد الثورة كما أوضحت، إلا أنها سوف تتسم على ما يبدو بما يوصف بالبرود، كما أنها ستكون علاقات غير استراتيجيَّة. الانحياز للثورة
والآن، في ظل حالة الزخم الثوري الذي تعيشه مصر، ما توصيفك لتعاطي المؤسسة العسكريَّة في مصر مع ثورة 25 يناير؟ كان تعاملا إيجابيًّا وراقيًا للغاية، فقد تصرف الجيش المصري بمثاليَّة كبيرة، مما ساهم بشكلٍ مباشر وكبير في نجاح ثورة 25 يناير وحمايتها، وهو الدور الذي لا يزال الجيش يضطلع به حتى الآن لحماية هذه الثورة، والدفاع عن مكتسباتها. وبتحليل الأمر نجد أن المجلس العسكري الذي تسلَّم شئون البلاد، نجده يديرها ولا يحكمها، عكس ما يتخيَّل البعض، فالمجلس يوافق على ما توافق عليه الحكومة، ويقرُّ ما تراه، وهو يعلم أن هناك حكومة في مصر، وأنها اكتسبت شرعيتها من ميدان التحرير، حيث ساحة الثوار في ثورة 25 يناير. وما رؤيتك لتعامل المجلس العسكري مع التباينات الحاصلة حاليًا في داخل المشهد المصري؟ يتعامل معها بذكاء تام، حيث يقف على مسافة واحدة بين جميع المصريين، فلا يميِّز بين فصيل أو تيار على حساب آخر، ويؤكد أنه يدير شئون البلاد لفترة محددة، لحين تسليمها إلى "برلمان" ورئيس منتخبين، ولذلك فلا نية لديه لحكم البلاد، أو الاستمرار في الفترة الانتقاليَّة التي سبق وصرح بها ووردت في الإعلان الدستوري.
لكن تبقى المشكلة في حجم الخلافات القائمة بين القوى السياسيَّة المختلفة، وتعدُّد وتنوع المتحدثين من شباب الثورة، وما يحملونه من توصيفات عديدة، حتى أصبحنا إزاء خلافات تشير إلى حالة من التشويش في الرؤية، فما تعليقك؟ نعم.. أتفق مع ذلك، وهذا التشويش ساهم في تزايد حالات النقد للمجلس العسكري من جانب البعض، متناسين أن هناك حكومة تقود البلاد، وتصدر قرارات، ولا يتدخل المجلس العسكري إزاء توجيه أي منها. علاوة على ذلك، فإن ما حدث من تباينات يساهم في تشتيت الرؤية وعدم وضوحها عمومًا، في ظلّ محاولة إدخالنا في اتجاهات متفاوتة، لكوننا أصبحنا أسرى رؤى وتباينات عديدة.