العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع عدد ضحايا سوء التغذية إلى 40 حالة وفاة    عاجل/ القبض على تكفيري محكوم بالسجن 20 عاما    وزير الشؤون الدينية يتفقّد مخيّمات الحجيج التونسيين بمنى وعرفات    حي الخضراء: القبض على شخص متورط في إبرام عقود عمل وهمية للسفر نحو دول أجنبية    موسم الحج : 93 ألف حاج استفادوا من الخدمات الصحية في الأيام الأولى    عاجل - معبر راس جدير : الكشف عن بنود الاتفاقية الأمنية بين ليبيا وتونس    تسليم مفاتيح 178 مسكنا اجتماعيا بهذه الجهة    قضية '' مفقودي جرجيس'' : أحكاما بالسجن تتراوح بين 4 و10 سنوات مع النفاذ العاجل    هيثم صفر: "لجنة إعداد مشروع قانون النظام الداخلي أنهت كافة أعمالها"    ر.م.ع "تونيسار" يكشف موعد إطلاق خط مباشر بين تونس والصين    حجز ما قيمته 430 ألف دينار من الخضر والغلال.    ميلوني في قمة السّبع: "إفريقيا قارة أسيء فهمها وتم استغلالها طويلا"    ''براكاج'' لشخصين في قرطاج و الامن يتدخل    قيمتها 400 ألف دينار: ضبط بضاعة مجهولة على متن شاحنة بأم العرائس    144 مليار دولار مبادلات سنوية.. الدول العربية تعزّز تعاونها مع اليابان    أيام العيد : 11 بيطريا على ذمة أهالي القصرين    وزيرة التربية…هذا ما ينتظر المتلبسين بالغش في امتحان الباكلوريا    أفلام تونسية تُشارك في الدورة الخامسة لمهرجان عمان السينمائي الدولي    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    الرابطة الأولى: الملعب التونسي يستضيف اليوم النادي الإفريقي    اعتمادات ب 6 مليار دينار لتأهيل جديد لقطاع النسيج    بلاغ مروري بمناسبة عطلة عيد الإضحى المُبارك    خلال يوم واحد: 6 حالات وفاة و345 مصاب في حوادث مختلفة    عيد الاضحى : هؤلاء ممنوعون من أكل اللحوم    البريد التونسي: فتح 76 مكتب بريد استثنائيا غدا السبت    استثمارات ب 1.6 مليار دينار.. الطريق تفتح أمام مشروع طاقي تاريخي    الشركة الجهوية للنقل بنابل تتسلم 4 حافلات رفاهة جديدة    الكويت: اعتقالات إثر مقتل 50 عاملاً أجنبياً في حريق    مسؤول بشركة النقل بين المدن يدعو إلى الحجز المسبق على خطوط محطة باب سعدون تفاديا للاكتظاظ    عاجل : وزيرة التربية تكشف الاجراءات التي سيتم اتخاذها لفائدة تلميذات الروحية    كأس تونس: تعيينات مباريات الدور ربع النهائي    دورة نوتنغهام للتنس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 139 عالميا    الكشف عن الموعد الجديد لمباراة أنس جابر و ليندا فروهفريتوفا و برنامج النقل التلفزي    يوم التروية.. حجاج بيت الله يتوافدون على مشعر منى    تونس تشارك في القمة ال 50 لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى بايطاليا    الجزائر: مُسنّة تسعينية تجتاز البكالوريا    عاجل/ رئيس الدولة يكلّف رئيس الحكومة بتمثيل تونس في قمة مجموعة السبع    التوقعات الجوية اليوم الجمعة    قضية ختان الإناث تدفع بلينكن للاتصال برئيس غامبيا    لا يدخل الجنة قاطع رحم    تصل إلى 72 درجة.. الصحة السعودية تحذر الحجاج من خطر ارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    كرة اليد.. لؤي مخلوف يطلق النار على مسؤولي النجم ويوجه لهم اتهامات خطيرة    بعد أكثر من 20 ساعة: السيطرة على حريق مصفاة نفط في شمال العراق    تكليف ربيعة بالفقيرة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    الرابطة 1 - الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب والاتحاد المنستيري من اجل تاجيل الحسم للجولة الختامية    الكاف: تقدّم هام في مشروع تعبيد الطريق المؤدية الى مائدة يوغرطة الأثرية وتوقعات بإتمامه خلال شهر جويلية القادم    رهانات الصناعات الثقافية والإبداعية في الفضاء الفرنكفوني وتحدياتها المستقبلية محور مائدة مستديرة    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    رابطة المحترفين تقاضي الفيفا بسبب قرار استحداث كاس العالم للاندية 2025    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    البرازيل تتعادل مع أمريكا قبل كوبا أمريكا    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل من بوعزيزي آخر لإنقاذ التلفزيونات التونسية؟ - توفيق رباحي
نشر في الحوار نت يوم 01 - 07 - 2011

هل من بوعزيزي آخر لإنقاذ التلفزيونات التونسية؟

توفيق رباحي
عندما يقرر عمر المستيري الإضراب عن الطعام، فمعنى ذلك أن هناك خللا ما في تونس الثورة.
هذا الرجل هو أحد الذين عاشوا يحلمون بسقوط ديكتاتورية زين العابدين بن علي وليلى طرابلسي، كي يعيش حياة 'طبيعية' تخلو من الاحتجاج السياسي والملاحقات القضائية والتلصص البوليسي، وتتوفر فيها الحرية المطلوبة والمساحة الممكنة للتعبير بدون خوف. بيد أن الثورة خذلته، أو لنقل لم تحقق كل أحلامه.
عمر المستيري هو إعلامي وناشط سياسي تونسي معارض ذاق وزوجته، السيدة سهام بن سدرين، مثل الكثير من رفاقهما، الويلات في زمن الديكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي.
وهو صاحب إذاعة 'كلمة' الالكترونية التي جلبت له الكثير من اللعنات في العهد البائد. هذه الإذاعة هي ذاتها التي تدفعه اليوم الى خوض إضراب عن الطعام احتجاجا على عدم تمكينه من البث.
حجة الحكومة أن مشكلة فنية (عدم توفر اشارات البث على موجات اف ام) حالت دون تمكين 'كلمة' من بدء البث. ورأي المستيري أن قرارا سياسيا اتُخذ بمنع إذاعته يتخفى وراء ستار تقني قلّ من يفقه تفاصيله الفنية.
كانت محطة اذاعة 'كلمة' تعمل في السرية وعلى النت في العهد البائد، وتعرضت لكثير من المظالم، ما يعني أنها كانت توفر لأصحابها أسباب الاحتجاج والإضراب عن الطعام، وقد فعلوا. أما أن تستمر الأسباب نفسها في الوجود وتدفع الى إضراب عن الأكل بعد 14 كانون الثاني (يناير)، فهذا ما يدفع الانسان الى التساؤل: هل فعلا تغير شيء في تونس بعد فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي؟
أسمع كثيرا من أصدقائي وزملائي التونسيين شكاوى من أن الثورة سُرقت منهم. وشاع بينهم أن بن علي و'الطرابلسية' سرقوا الثروة و'هؤلاء' سرقوا الثورة، كأنه اتفاق مبيت.
أعترف بأنني أكثر من مرة وجدت نفسي أعتب على بعضهم متسائلا هل فعلا سُرقت الثورة أم أن هؤلاء الناس مفرطون في التشاؤم. وأسأل: هلاّ التفتوا من حولهم ليروا شعوبا ما زالت ترزح تحت الديكتاتورية والأنظمة العسكرتارية بينما تخلصوا هم من أحد أشرس الديكتاتوريين؟
ولأنني مبتلى بهذه الزاوية الى إشعار جديد أجد نفسي أشاهد المحطات التلفزيونية التونسية بصفة شبه مستمرة.
في الأسابيع التي أعقبت سقوط بن علي، كان هناك ما يُشاهد. ربما لأن هذه المحطات التلفزية وكل الناس كانت حديثة عهد بذلك الوضع الجديد. لكن مع الوقت بدأ 'الانضباط' يعود رويدا رويدا وهذه المحطات تستعيد هويتها الحقيقية، حتى بلغ الأمر ذروته في تلك المقابلة الشهيرة التي أدلى بها رئيس الحكومة (المؤقتة!) الباجي قايد السبسي للمحطات التلفزية التونسية بطلب منه الشهر قبل الماضي.
كانت تلك المقابلة مع 'نسمة' (خاصة) و'حنبعل' (خاصة) و'الوطنية1' (حكومية)، من حيث الشكل والمضمون، أبعد ما تكون عن أجواء الحرية والتفاؤل التي جلبتها الثورة. كانت تثير الشفقة على قايد السبسي ذاته وعلى الصحافيين الثلاثة الذين جيء بهم كي لا يبدو الأمر مجرد مونولوغ يؤديه السيد رئيس الحكومة. وفي هذه المهنة تعلمنا أن أسوأ الأعمال الصحافية هي تلك المقابلات التي يطلبها المسؤول ليقول ما يريد مستعملا الصحافي مجرد مطية.
سألت صديقا تونسيا للاستئناس برأيه تحضيرا لهذه المقالة فاختصر الأمر في هذه الجملة: 'لم يتغير الشيء الكثير (في الإعلام المسموع والمرئي). الذين كانوا يبجلون بن علي رئيسا هم الذين يشتمونه اليوم ذليلا'.
بحسب هذا الصديق المطلع جيدا على ما يدور في ظاهر وباطن العمل الإعلامي في تونس، هناك محاولات في هذا الإعلام لاختزال الأمور في بن علي وحده كأنه كان يعيش ويعمل منعزلا عن نظام سياسي وإداري كرّس الفساد والظلم والديكتاتورية.
لماذا مسح السكين في بن علي وتبرئة 'المحيط'؟ لأن بقايا بن علي ما زالوا موجودين في دواليب الحكم وفي وسائل الإعلام بالخصوص. ذهب بن علي وبقيت ال'بنعلية'. تحالفات المال والسياسة قبل الثورة لم تسقط بعدها. الذين ترأسوا المؤسسات الإذاعية والتلفزية في عهد بن علي وأداروا حملاته الانتخابية، ما يزالون، بشكل أو بآخر، في مواقعهم بعد هروبه. الذين كانوا ممنوعين من الظهور في تلفزيونات زين العابدين وليلى ما زالوا ممنوعين في تلفزيونات الذين بعدهما. عقليات التسيير المهني في عهد بن علي لم تتغير كثيرا بعد فراره.
هذا شيء غير طبيعي. الطبيعي، المفروض أن يكون، هو العكس. من قاموا بالثورة أو حضّروا لها منذ سنوات بمواقفهم وأقلامهم وشجاعتهم هم الذين من المفروض أن يستفيدوا منها.
لا أذكر أنني شاهدت الدكتور المنصف المرزوقي والشيخ راشد الغنوشي في التلفزيونات التونسية خلال الشهر الماضي، رغم مواظبتي على مشاهدتها، بل لقد طُلب الأول ذات يوم الى برنامج تلفزيوني في القناة الحكومية وعندما وصل الى استديو البث تركوه ينتظر ثم أبلغوه أن البرنامج.. أُلغي. هكذا ببساطة! إن هذا 'المنع' غير المعلن، وأتمنى أن أكون مخطئا ويصححني أحد، لا يبشر بالخير ولا يحض على التفاؤل. حتى إضراب السيد عمر المستيري عن الطعام لا يُحظى بتغطية لائقة في هذه التلفزيونات.
باستثناء نقاشات جريئة الأسابيع التي أعقبت سقوط الديكتاتور بن علي، بالكاد يجد الانسان التونسي اليوم في تلفزيونات بلاده ما يشفي غليله ويرقى الى طموحاته الفكرية والسياسية.
في جدل مع زملاء ذات يوم عن الصحف والتلفزيونات المصرية غداة سقوط حسني مبارك وسط تفاؤل كبير عن استعادة 'الأهرام' والصحف الأخرى مجدها وحريتها ومهنيتها، قلت إنني أخشى أنه مثلما لعقت هذه الصحف والتلفزيونات حذاء مبارك ستلعق أخذية من جاؤوا بعده، فدعونا لا نتسرع في التفاؤل، لأن المسألة شجاعة لكنها أيضا ثقافة ورصيد سنوات طويلة من 'العمى' المهني.
اليوم هناك من يظن أن الشيء نفسه يحدث مع التلفزيونات ووسائل الإعلام التونسية.
وكي لا يتحقق هذا وقبل أن يتحقق، يبدو الإعلام التونسي المرئي بحاجة الى نصيبه من التغيير.. الى ثورة. فهل من بوعزيزي آخر؟
وتتحمل الحكومة التونسية المؤقتة (الى متى؟) نصيبا وافرا من المسؤولية في هذه الحالة الموصوفة من حيث أنها، على الأقل، لا تفعل ما يكفي لتغييره. وستكتمل الصورة إذا أضفنا أن هذه الحكومة لم تمنع أية تراخيص انشاء محطات تلفزة وراديو، بحسب منظمة 'مراسلون بلا حدود'.
رغم كل هذا الجمود يتوقع كثير من المتابعين داخل تونس أن التلفزيونات المحلية تلقى نسبة عالية من المشاهدة وتستولي على الكمّ الأكبر من الجمهور.
تخيلوا المستقبل الزاهر الذي ينتظر التلفزيونات المحلية لو كانت الأمور 'ميّة ميّة'، كما يقول الليبيون!
'الدنيا' ضحية اخيرا
الحمد لله الذي سخّر من 'يضطهد' قناة 'الدنيا' السورية ويمنحها فرصة لعب دور 'الضحية'. فقد بدأت أؤمن بأن جندا مجندة تحميها لفرط ما يبدر منها من طول لسان وجرأة في شتم خصوم نظام الحكم ووصمهم بما يحلو لها من دون حياء أو وجل.
منتصف هذا الأسبوع اشتكت القناة من أن الذين شاركوا في مؤتمر دمشق (لا أعرف كيف أسميه وأصنفه) منعوا فريقها من الدخول ولم يتعاونوا معه في الإدلاء بتصريحات. يا له من ظلم! فجأة أصبحت 'الدنيا' ضحية فصوّرت وبثت 'اضطهاد' بعض المشاركين في المؤتمر لموفدتها، فكانت البنت المسكينة تلاحق الناس ركضا من واحد للآخر.. هذا يصدها وذاك يذمها والآخر يشفق عليها. بيد أن اللعبة أعجبت المندوبة فلم تترك شخصا يتحرك في تلك المساحة إلا لاحقته ومدت ميكروفونها العجيب نحو وجهه من دون مقدمات. كأنها كانت تقول للناس انظروا كم أنا أتعب واجتهد كي أزودكم بالخبر، وانظروا كم هم 'قليلو أصل' وغير ديمقراطيين.
قبل ذلك حاولت القناة أداء الدور نفسه في السياق نفسه لكن مع وفود دبلوماسية أجنبية نظمت لها الحكومة زيارة الى جسر الشغور لتطلعها على آثار المذابح التي ارتكبتها 'الجماعات الإرهابية المسلحة' (التي لا يراها أحد)، وفشلت.
كان يجب أن ترسل 'الدنيا' موفدتها الظريفة تلك الى أنطاليا حيث التأم مؤتمر للمعارضة قبل ثلاثة أسابيع، لكي تكتمل لديها الصورة وتعرف أن 'الله حق' وتكون 'ضحية' بحق.
من المفروض أن الانسان يتعلم من تجاربه وأخطائه، بيد أن هذا ليس حال زملائنا في 'الدنيا'.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.