انا ساحة القصبة , انا ذاك التراب التونسي الطاهر, ظللت لسنين انتظر ان تحرروني من المنافقين, كل يوم تطؤني اقدام الكاذبين السّارقين الخادعين الظالمين , و تُمضَى في ربوعي اتفاقيات الذّل و العار, انتظرتُ احفاد عبد العزيز الثعالبي و خير الدين باشا و البشير بن سديره, انتظرتكم ان تحرروا ارضكم من الفاسدين, ظلّوا لسنين في طُغيانهم مستمرون و ظللتم أنتم في سُباتكم ناعمون, سَعِدتُ حين اعتصمتم على تُرابي في الصقيع و المطر, آنستم وحدتي و أدفأتم بردي, لم يمنعكم لا البرد و لا المطر عن الاصرار عن مطالبكم, حينها كنتم كالبنيان المرصوص, تركتم ما يُفرّقكم و اجتمعتم على ما يَجمعكم فنجحتم لأنكم كنتم كالحُزمة الواحدة, أسقتم حكومة الغنوشي و حصدتم وعودا بالمجلس التأسيسي و غيرها من المطالب. لكنكم قطعتم وعدا و ميثاقا غليظا أنكم عائدون اذا تجاهلت الحكومة وعودها و التفّت على مطالبكم. انا ساحة القصبة و كواليس حكومتكم التي رضيتم ان تحرس ثورتكم أقول أن الثورة سُرقت و مطالبكم ليست في أياد أمينة بل هي في يد من زوّر الانتخابات و قمع الحريات و حارب الدين باسم الحق في التعبير "للفنّانين " و تهجّم على المعتقدات و الهوية باسم الابداع و الحريّة. وراء الاسوار تُباع البلاد و من فيها فتُصبح مزرعة للبنك الدولي لتكون الحكومة القادمة تحت امر واقع و مفروض عليها اتفاقيات و قروض فتُسلبُ ارادتها السياسية و تبقى حكومة صورية. انا الشهيد الذي هتفتم " يا شهيد يا شهيد عن مسارك لن نحيد" و قلتم " بالرّوح بالدم نفديك يا شهيد ", سألت عن حالكم بعدي وجدتكم قد تفرّقتم شِيَعًا بعد وحدة و حاربتم بعضكم عوض ان تحاربوا من قتلني و قنصني. زُرتُ أمي متخفيّا سألتها عن حالها, فأبت الدموع ان تنزل من عينيها لأنها جفّت من البكاء و كاد يُصيبها العمى, سألتها عن السبب قالت يا بُني من قتلوك و من فرحة شبابك حرموك و من أمك ثكلوك و من الأعالي قنصوك و باسم أمن الوطن اعتقلوك و حتى الموت عذّبوك يا بُني اراهم اليوم ثوريون و على حقكم راكبون و لدمكم يستحلّون و لموتكم فرحون و لذنبهم ناكرون و لهم في ذلك مدافعون في الشاشات لقتلكم مبرّرون ثُم يستدركون و لقَنْصِكُم مكذّبون أرأيت يا بُني ؟؟؟ و حتى المتظاهرون كانوا بالأمس يهتفون على مسارك و خُطاك ثابتون هثم اليوم لوعدهم خائنون و عن المسير مُعرضون و بالمصيف ناعمون لدمائكم ناسون و للإشاعة في قتلك مصدّقون بُني يا قُرّة العيْن ألا يكُفُّ هذا دمع العيْن بينك و بينهم وعدٌ و دَيْن يا ساكن جنّة الرّياض قد اصاب العين البياض و التفّ على الثورة عياض و اتباع عِياض هذا يا بُني حال أمك و البلاد أرجو ان يُنصفنا ربُّ العباد ودّعتُ امي بل ذهبت لأن لا يزيد حالها حُرقة و حُزنا و تجولت في الوطن, فوجدته مرهونا مكبلا بقروض و دخلت الادارات فوجدت الوجوه ذاتها و ان تغير بعضها فالجديد من نفس سلّة سلفِهِ و قد يكون اشدّ وطأَ منه. سألت الناس عن المجلس التأسيسي فقالوا باستهزاء هل هو ضروري ؟ مادامت هيئة بن عاشور و حلفه يُشرّع كما يشاء و كيف ما شاء ثمّ سألتهم عن موعد الانتخابات فأجابوا أنهم ليسوا متأكدين و تغيير الموعد لا يعني التأجيل و رُبّما نستأنس بالرؤية و الهلال لنعرف متى ننتخب. وللحديث بقية.