أضحى"التهكم" على أعضاء الحكومة والسياسيين ونقدهم في مواقف هزلية ساخرة ودون قيود ممكنا بعد الثورة بل ومتداولا بشكل لافت بين شباب الفايسبوك وحتى في القنوات التلفزية والاذاعية. وأصبح هذا الشكل من أشكال الكاريكاتوير السياسي إن صح التعبير وسيلة شباب الفايسبوك وشباب الثورة للتعبير عن سخطهم من بعض الساسة والتعبير عن رفضهم لتصريحات أو مواقف أعضاء الحكومة بدءا من ناطق رسمي في وزارة ما وصولا إلى رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية المؤقت. تجاوز المحظورات
وإلى الأمس القريب كان هذا النوع من التعبير يندرج في قائمة الخطوط الحمراء والمحظورات بل قد يكلف من يتجرأ على ذلك ما يكلفه، لكنك اليوم قد تجد على صفحات المواقع الإجتماعية صورة لرئيس الحكومة المؤقتة في وضعية تسول تحت الحائط تعبيرا عن رفض زيارته الأخيرة لدول الخليج.قد يصور أيضا رئيس الدولة المؤقت في وضعية الرجل النائم تعبيراعن رفض تواجد رجل في سنه كمؤتمن على ثورة الشباب التونسي. تجد أيضا انتقادات لاذعة وتهكما على أمناء الأحزاب وعلى الوزراء والشخصيات العامة في شكل مشابه لما يحدث في البلدان الديمقراطية والمتقدمة التي لا تأله حكامها وساستها ولا تعبد أوتقدس صورهم وتجلهم عن كل انتقاد أوتهكم. شرعت كذلك بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وإن بمحاولات محتشمة في تجسيد مثل هذا النمط من الكاريكاتور السياسي في شكل سلسلات تتناول أخبار الحكومة والأحزاب وتجسدها في مواقف نقدية ساخرة.
نتاج مناخ الحرية
وفي تقييمه لهذا النمط التعبيري المتصاعد بعد الثورة يشير طارق بلحاج محمد باحث في علم الإجتماع التربوي إلى أن الشباب التونسي يمر بفترة استرجاع نمط تعبيري كان موجودا قبل الاستقلال وتخصص له جرائد برمتها لكنه شرع في التقلص مع دولة الاستقلال وانكمش هامش الحريات إلى أن غاب تماما بداية من السبعينات واقتصر على الشخصيات العامة والخوض في الأحداث اليومية بعيدا عن حقل السياسة ورموزها... ويضيف طارق بلحاج"...ويعيد اليوم الشباب التونسي اكتشاف هذه التعبيرات ضمن المناخ الجديد من الحرية الذي فرضته الثورة مكسرا كل المحاذير وكأنه ينتقم لنفسه من فترة الإبعاد تلك..." وكغيره من افرازات ما بعد الثورة يتخوف البعض من أن يكون هذا النمط التعبيري فسحة ظرفية ومتنفس لشباب الفايسبوك فحسب وقد تضيق أفقه بمرور الوقت إيذانا بعودة عهود النأي برجل السلطة وبالحياة السياسية عن كل أشكال النقد.
ضمانات مطلوبة
يبين بهذا الصدد طارق بلحاج محمد أن استحضار الشباب لنمط الكاريكاتورالسياسي يتم اليوم في شكل ثقافة "منفلتة" بعض الشيء لأنها تخرج في شكل هزلي أكثر منه أكاديمي وجدي وهوما يجعلها تنحرف أحيانا عن مسارها لتخرج المقدسات في شكل هزلي وتمس المحرمات والدين على سبيل المثال.. فتتدخل في منعرج التحريض والفتنة عوض النقد البناء... ويعتبر محدثنا أن أكبر ضامن للحفاظ على هذا النمط التعبيري يتمثل في إعطائه بعضا من روح الانضباط وجرعة من الضوابط عبر استقطاب هذا الشكل التعبيري من قبل وسائل الإعلام لتأخذ جانبه البناء وتبتعد عن كل إسفاف فيه...