بقلم عمار النميري الشعب يريد.. الثورة من جديد» «يا شعب ثور.. ثور على بقايا الدكتاتور».. «لا خوف لا رعب.. السيادة للشعب».. هذه الشعارات الثلاثة ترددت بالحاح وبكثافة في الأيام القليلة الماضية، من طرف المتظاهرين سواء بالعاصمة او في المدن الداخلية... ومن هنا تبرز عديد الأسئلة لعل أهمها: «لماذا الدعوة الى الثورة من جديد بعد «الثورة» التي أطاحت بالمخلوع وعائلته وأصهاره».. و»من يقف وراء هذه الدعوة؟ و»بماذا يشعر التونسي الآن، بعد ما يناهز ال4 أشهر من اندلاع ثورة» 14 جانفي؟ وفي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، لابد من التعريج على أداء الحكمة المؤقتة أولا، والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ثانيا في كبرى الملفات المطروحة في المشهد السياسي، والاجتماعي والاقتصادي، والقضائي. فعلى مستوى السلطة التنفيذية، فان الحكومات المؤقتة الثلاث التي افرزتها الثورة لم تكسب ثقة المواطن ولم ترتق الى طموحاته وتطلعاته، باعتبار ان أداءها تحوم حوله عديد الشكوك والشك قد يؤدي الى اليقين خاصة في ما يهم ملف مقاضاة ومحاسبة رموز الفساد في العهد البائد، والمتورطين في قنص وقتل العديد من شباب تونس، اضافة إلى عدم الجدية وغياب الشفافية في تناول ملفات الأوضاع الاجتماعية في عديد الجهات المحرومة والتي لم تنل حظها تنمويا واقتصاديا في عهد المخلوع.. ولئن حاولت الحكومة المؤقتة الثالثة برئاسة الباجي قائد السبسي تحسين أدائها ومردودها، وتجاوز هنات وضعف حكومتي محمد الغنوشي، فانها على حد تأكيد عديد الملاحظين لم تقدم مشاريع وبرامج ملموسة في كل الملفات المطروحة، بل تعاطت مع الوضع الذي فرضته الثورة، وخاصة من قبل رئيسها بالتصريحات الرنانة والخطابات الخاوية و»بالأرقام المعهودة» في عهدي بورقيبة والمخلوع، التي تجاوزتها الثورة.. فالمواطن التونسي الجديد، لم يعد يثق اليوم بتلك الأرقام المنتفخة، استنادا الى المغالطات والتسويف والأراجيف التي ميزت عهدي بورقيبة، والمخلوع خاصة، في كل المجالات... بل هناك من يعتقد أو يظن وبعض الظن جزم ان قائد السبسي جاء للانتقام لبورقيبة و»رد الاعتبار»له على حساب الوطن وأبنائه.. ولعل ما أذكى اهتزاز الثقة بين المواطن وحكومة قائد السبسي، وما زاد الطين علة والبلاء ثقلا، التصريحات الاخيرة لفرحات الراجحي الوزير السابق للداخلية، إذ عمت المظاهرات والمسيرات عديد المناطق في البلاد مطالبة الحكومة بضرورة التعامل مع المواطنين بشفافية، والقطع مع التعتيم، و»ثقافة قالوا» ومع «مصافحة» الشعب بقفاز سميك ومخاطبته بالفاظ وعبارات فيها شيء من التهكم والتحقير على غرار ما جاء مؤخرا في اللقاء التلفزي مع الباجي قائد السبسي، بل ان الوزير الأول المؤقت صرح في هذا اللقاء المرئي/المسموع ب»لن يحكم معي احد»... وتلك معضلة كبيرة تكرس حسب الملاحظين ثقافة التمسك بالسلطة وبالحكم التي تعتبر احدى السلبيات البارزة في عهدي بورقيبة و»المخلوع»، وقد اندلعت الثورة للقطع معها والغائها نهائيا.. والخلاصة، بايجاز لما ورد في الحوار التلفزي لقائد السبسي، وحسب تأكيد الملاحظين انه لم يكن في مستوى الانتظارات، «رغم انه رفع اللبس عن العديد من النقاط التي أثارت الكثير من ردود الافعال» وأزاحت شيئا من الغموض من تصريحات الراجحي.. وفي المشهد السياسي، ورغم هذا الكم الهائل/الهالك من الأحزاب الذي ناهز ال70 حزبا ومازال مازال فإنها وحسب تأكيد كل الملاحظين والمهتمين بالشأن السياسي، لم يرتق أداؤها الى طموحات الشعب، فالمواطن يؤكد جازما بان الأحزاب بقديمها وجديدها ركبت على الثورة ولا هم لها سوى التطاحن والتسابق نحو كراسي المجلس التأسيسي، رافعة شعار الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، غافلة او متغافلة عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، وبالأحرى لا بعير ولا بعرة لها في هذا المضمار.. والأخطر والأمر ما تردد مؤخرا من ان بعض الأحزاب قد تكون وراء أحداث الشغب والنهب التي جدت في الأيام القليلة الماضية في بعض الجهات وفي العاصمة لغاية في نفس حزب.. وعلى صعيد المظاهرات والمسيرات والتجمعات فان أحزابنا «الموقرة» مع الأسف لم يتجرأ ولو واحد منها لتأطير المتظاهرين وملء الفراغ الذي يعاني منه هؤلاء وبالتالي توعيتهم سياسيا واجتماعيا وزرع ثقافة المواطنة، والمواطنية لديهم.. وقد يكون هذا الغياب الحزبي عن المظاهرات والاحتجاجات، جعل المتظاهرين يرددون علنا أنهم لا ينتمون لأي حزب، وان هذه الأحزاب رغم كثرتها لا ولن تمثلهم وأنهم منها براء، بل فقد عبر المتظاهرون والمحتجون بصوت عال عن سخطهم ونقمتهم على تلك الأحزاب.. ولعل ما تأتيه الأحزاب من لامبالاة وتجاهل لطموحات المواطن الحقيقية ومظاهراته ينسحب كليا على بعض الجمعيات والمنظمات والهياكل النقابية التي تعددت هي الأخرى بفضل الثورة.. وأما على مستوى السلطة القضائية، فالأمر يبدو شائكا نوعا ما، وقد تحمل لنا الأيام القادمة مفاجآت أرجو أن تكون ايجابية ولا تدخل في دائرة «لي الذراع» بين هذه السلطة، والسلطة التنفيذية، التي تسعى إلى رفع الحصانة عن فرحات الراجحي القاضي، من أجل محاكمته وتتبعه قضائيا من طرف وزارة الدفاع الوطني اثر تصريحاته التي روجت مؤخرا على «الفايسبوك» والتي رأت فيها الحكومة المؤقتة، وخاصة رئيسها الباجي قائد السبسي، دعوة لبت الفتنة ونشر الشغب.. ومن جهتهم يتشبث القضاة بعدم رفع الحصانة عن زميلهم، بل ذهب بهم الأمر الى التجمع والتظاهر أمام وزارة العدل منددين بتصريحات قائد السبسي في شأن زميلهم الراجحي، والتي يرون فيها مسا من كرامته وموقعه كقاض، ورافضين أي قرار يصدر عن المجلس الأعلى للقضاء لعدم مشروعيته وباعتبار أعضائه منصبين قبل الثورة.. فهل يقع وأد فتيل هذه «الفتنة» بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية التي تطل علاماتها من «ثقافة التمسك بالحكم» ومن جلباب استقلالية القضاء؟ ولا يفوتنا ان نذكر هنا، بان جمعية القضاة التونسيين ما فتئت تنادي الى اليوم بضرورة تطهير سلك القضاء من رموز العهد البائد وبضرورة استقلالية هذا السلك من أية وصاية إدارية او حكومية..