6 سنوات سجناً للنائب السابق وليد جلاد في قضية فساد مالي وإداري    فحوى لقاء سعيّد بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال    سعيّد يؤكد لدى استقباله رئيسة الحكومة: لا أحد فوق المساءلة والقانون    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    ارتفاع أسعار النفط وسط تصاعد المخاوف من اضطراب الإمدادات    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي    وزير أملاك الدولة يعلن عن الانطلاق في إعداد المخطط التنموي للفترة الممتدة بين 2026-2030    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الاول) : العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    هجوم إيراني جديد على تل أبيب وأميركا تنفي المشاركة بالقتال    السفارة الأمريكية تعلن تعليق عملها وتعذر إجلاء مواطنيها من إسرائيل    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية لفريق فلامينغو في مواجهة الترجي    ماكرون.. ترامب أبلغ زعماء مجموعة السبع بوجود مناقشات للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    عاجل/ هذه حصيلة قتلى الكيان الصهيوني جراء القصف الايراني..    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق سنية الدهماني..    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل من مدكر في الفرقان في شهر القرآن
نشر في الحوار نت يوم 11 - 09 - 2009


موعظة الحوار.نت
هل من مدكر في الفرقان في شهر القرآن.

قال سبحانه : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر". القمر.
كما قال سبحانه : " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". محمد
وقال سبحانه : " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا".النساء


لا يكفيك شيء من القرآن الكريم بمثل ما يكفيك منه التذكر.


1 ماهو التذكر؟

الذكر والتذكر والذكرى والتذكرة .. مشتقات من جذر واحد هو : ( ذ ك ر) = حبس عقله في شيء ما لأجل إلتقاطه بعد شرود أو إسترجاعه بعد غفلة. الذكر هو ضد الغفلة مطلقا سواء كانت غفلة مقصودة ( لا تسمعوا لهذا القرآن وإلغوا فيه لعلكم تغلبون ) أو غفلة غير مقصودة لا يجد الإنسان منها فكاكا حتى قيل إن الإنسان سمي إنسانا نسبة إلى النسيان ولكن الأرجح أنه كذلك نسبة إلى الأنس وليس إلى النسيان..


2 من هو المدكر؟

أصلها : فهل من متذكر ثم آلت : مدكر بعد حذف التاء لتجانس مخرجها مع الذال تجنبا لثقل النطق ثم أبدلت الذال ذاتها دالا للغرض ذاته.


3 لم يوضع القرآن الكريم لشيء وضعه للذكر.

يلفى ذلك بيسر كل من يقرأه مرة واحدة. يندهش قارئه لفرط توسع رسالة الذكرى فيه. رسالة أناط بها الكتاب الخير كله من رحمة وهدى ونور وعقل وإيمان وعلم وحكمة وتقوى وشكر وأوبة وتوبة وشفاء وغير ذلك مما لا يحصى من إنابات القلب وبصائر العقل.. فهو ذكر مبارك وهو قرآن ذو ذكر وفيه ذكره عليه الصلاة والسلام وذكر قومه وذكر الناس قاطبة ..

لا يتحصل لقارئ القرآن الكريم مرة واحدة شيء بمثل ما يتحصل لديه بأن أسباب الفلاح والسعادة في الدارين إنما مناطها : الذكر والتذكر والتدبر والتفكر والتعقل وغير ذلك مما يحبس العقل في موضوعات القرآن الكريم حبسا يلقحه ضد الغفلة وضد الجهل وضد الغرور.. موضوعات كثيرة أبرزها : القصة والمثل والعروض الكونية .. هذه الثلاثة ذهبت بالقرآن الكريم كله دون أدنى ريب .. ذهبت به لخدمة قضاياه العظمى التي نزل من أجلها : إخلاص التوحيد ببرهان وبينة لا تقليد فيه ولا شائبة شرك فيه + الإيمان بالبعث + العمل بالشريعة قائمة على كرامة الإنسان خليفة ومستأمنا ومسؤولا فوق أرض مسخرة له بالكامل بسماواتها وكواكبها وبواطنها..


4 الذكر لقاح ضد الجهل ومصل ضد الغفلة.

كلما فتحت المصحف الشريف تاليا للقرآن الكريم تعرضت لك نفحات الذكر لا تكاد تخلو منها صفحة واحدة من صفحات ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه..


أ ذكر لا يغادر شيئا إلا بينه. قال سبحانه : " ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل ".. ورد ذلك في سورة الإسراء ولو تتبعث الآية ذاتها بتصاريفها الجامعة لتصريف الأمثال لألفيت آيات أخرى كثيرة تؤكد كلها أن القرآن الكريم لم يغفل مثلا واحدا مما يحتاجه الناس في كل زمان و مكان وموضوع إلا صرف فيه تصريفا أو ضرب له مثلا أو غير ذلك مما يعلمه الناس مباشرة أو بالقياس..

ب ذكر يهدي للتي هي أقوم. الهداية فعل يحتاجه الإنسان في عقله بصائر وفي قلبه إنفعالا بالتقوى والقرآن الكريم كتاب هداية بالأساس الأول بمثل بوصلة هادية إلى الخير وأسبابه.. هداية إلى الأقوم في كل شيء في الإنسان ذاته مزدوج التكوين وفي أبعاده الأسرية والجماعية والإنسانية والكونية العامة.. هداية إلى الأقوم والأقوم هي = الحال الوسطى والموضع العادل بين أمرين وذلك من قوله سبحانه : " وكان بين ذلك قواما". أي كان في حاله كله ( وليس الإنفاق هنا إلا عينة ) وسطا عدلا بين إسراف في الحياة وإقتار فيها خلقا عاما لا يقتصر على الإنفاق .. وذلك هو معنى : ضرب الأمثال وتصريفها .. أي : الإشارة إلى موضع الخير في مسألة ما وللإنسان القياس على ذلك حتى يكون في عداد العقلاء الفقهاء الحكماء من أهل الألباب والبصائر والنهى أي الذين يقيسون الأمر على الأمر..

ج شفاء ورحمة. ورد الشفاء مرة مطلقا ثم ورد بعد ذلك مرة مقيدا بقوله : " شفاء لما في الصدور" ثم ورد معناه وليس لفظه ليؤكد محل الشفاء أي الصدور فأفاد جمع ذلك = أن القرآن الكريم شفاء لما في الصدور أي للقلوب والنفوس والأرواح أي = الشخصية المعنوية للإنسان..

د الذكر يثبت الفؤاد. قال سبحانه : " كذلك لنثبت به فؤادك ".. رد بذلك على قولهم : " لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة ".. أفئدة الناس تطير عند الجزع والخوف والهلع والطمع فطرة فكان لا بد من مراسي تثبتها فلا تبطر لغنى ولا تقنط لخوف ونقص في الأموال والأنفس والثمرات..

ه الذكر مادة العلم. قال سبحانه : " الرحمان علم القرآن ..". القرآن الكريم يعلم الإنسان كل شيء أي : كل شيء يهديه سببا للخير والمعروف والبر فهو إما هاد مباشر فيما لا بد منه من مثل الغيب والخلق والعبادة وسياسة الناس وإما هاد إلى السبيل والصراط بطريق غير مباشر من مثل إستخدام العلم لسعادة البشر لا لإبادتهم وتسخير الكون لحمايتهم من مثل ما فعل ذو القرنين وسليمان عليه السلام مع بلقيس إلى آخر ذلك.. القرآن الكريم بكلمة واحدة : لا يعلم الدين فحسب ولكن يعلم الدنيا كذلك أي : يسلح طالب الدنيا لعمارتها بالخير بأصول المعارف والسنن والقوانين والنواميس وأسباب التقدم والنهضة وأسباب الإندثار والتقهقر إلى آخر ذلك..

و الذكر يخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو تبيان لكل شيء وفيه ذكر الناس. الظلمات كثيرة متعددة لذلك وردت في الغالب بصيغة الجمع بينما لا يكون النور إلا واحدا لأنه من نور الله سبحانه ( الله نور السماوات والأرض ).. ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يدها لم يكد يراها .. ظلمات في العقل وأخرى في القلب وظلمات في الفرد وأخرى في الأسرة وثالثة في المجتمع وظلمات في العقيدة والإيمان وأخرى في الخلق والعبادة وثالثة في سياسة الناس وأموالهم إلى آخر ذلك .. والذكر تبيان لكل شيء كما أخبر عن نفسه.. لا يند عن ذلك البيان شيء ولكن قد يكون البيان بصورة غير مباشرة كما ورد آنفا.. وذلك هو محل التدبر والتفكر والتعقل والإيمان وغير ذلك مما دعا إليه القرآن الكريم حتى غدا ذلك لحمته كلها وسداه كله ومخ رسالتها كلها..
والذكر فيه ذكر الناس ( كتابا فيه ذكركم ) = أي فيه عزكم ومجدكم وقوتكم وغلبتكم لأجل أن تكونوا مذكورين بين الأمم مهابين يسطر لكم سجلا في التاريخ مرفودا ويخلد أمجادكم بمثل ما خلد سبحانه ذكر حبيبه عليه الصلاة والسلام ( ورفعنا لك ذكرك )..



5 الذكر يفضي إلى التدبر والتدبر مآله = العلم.

تلك هي سيرورة العملية التي دعا إليه القرآن الكريم وحفل بها بمثل ما لم يحفل بشيء أبدا. أناط نفسه بالذكر نوطا عجيبا وقدم نفسه على أنه موضع للذكر يصلح الله به العقل الأصم والقلب الغافل أو المتكبر. علة ذلك هو أن الإنسان كائن عاقل مسؤول مكلف مستأمن مستخلف وهو كائن مفتوح من الناحية المادية والمعنوية معا على المحيط من حوله والكون من حوله. كائن مفتوح بحواسه المادية من سمع وبصر ولمس وشم وذوق وبحواسه المعنوية أي فؤاده وعقله الذي يرتب على المقدمات نتائج فيقارن ويجمع ويرجح على طريق العلم والعلم هو الذي يصلح القلوب والعقول معا في الأصل إذ أساس التقوى حاضنة القلوب هو العلم ولذلك ورد أول نداء إلى الأرض والإنسان ( إقرأ ) في إشارة إلى أن القراءة رمز إلى العلم والعلم يصلح القلب والعقل معا بخلاف ما هو سائد اليوم من تقسيم فج بين العقل والقلب نتاجا للفصام النكد المعروف في تاريخنا..

أ التدبر. التدبر مطلوب القرآن الكريم بشدة وقوة. يؤكد ذلك الصيغة التي وردت فيه مرتين بصيغة الإستنكار الشديد ( أفلا يتدبرون القرآن ..).. التدبر = النظر في الأدبار أي : عدم الإقتصار على فحص المقدمات والوجوه والمعطيات الأولية التي يستوي فيها الإنسان مع الحيوان في إدراك خطورة الماء الكثير مثلا في بركة أو إدراك الحرارة أو غير ذلك مما نشترك فيه مع الحواس البهيمية.. التدبر = تقليب القرآن الكريم للنظر في أدباره وأحشائه وما تستره ألفاظه ومعانيه الأولية ودلالاته البديهية ولكنها عملية محكومة بقانون القوامة أي بناموس الوسطية والإعتدال في كل شيء فلا يتورط القارئ في تأويلات الباطنية ولا يقنع بدلالات الظاهرية..

ب من وجوه التدبر في الآيات : تتبع المعاني للكلمات والتراكيب والسياقات في القرآن الكريم كله لجمع كل تلك المعاني المنثورة بحسب سياقاتها وما تقتضيه ثم إستنباط معنى جامع لها تتفرع عنه معاني أخرى جزئية ثانوية.. جرب ذلك بنفسك في كلمات ومعان من مثل : الميزان والحكمة والوسيلة والكتاب والآية والسيئة والإثم والفاحشة والذنب والكفر والفسق والظلم وغير ذلك مما لا يحصى... جرب ذلك بنفسك لتكتشف قاعدة ذهبية مفادها : القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا.. قاعدة ذهبية حتى قال بعضهم : لا يحتاج القرآن الكريم إلى تفسير أبدا مطلقا.. لأنه مبين ميسر مفسر محكم عربي إلى آخر ذلك.. من هم الضالون ومن هم المغضوب عليهم ومن هم المنافقون .. ما الفرق بين اللعنة والغضب والعذاب الأليم وعدم النظر إليهم يوم القيامة .. وغير ذلك مما لا يحصى .. كل ذلك تلفاه بالتدبر أي بالنظر في الكتاب كله آية بعد آية وسورة بعد سورة دون ملل ولا كلل ومن طلب العلا سهر الليالي كما قالت العرب قديما ..

ج المكث = وسيلة التدبر. ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ).. قراءة القرآن الكريم على مكث وتمهل وتأن مرة بعد مرة على مدى أيام وأسابيع وشهور وسنوات .. عين عليه وعين على الناس ودنياهم بآمالها وآلامها وأفراحها وأتراحها .. قراءة القرآن الكريم على ذلك النحو يساعد على حسن التدبر.. ولذلك نزل منجما على إمتداد ربع قرن كامل تقريبا يعالج الأوضاع في النفوس وفي الدنيا ويربي ويوجه ويسدد وينسخ ويخفف وييسر ويحكم آياته ويتدرج بالناس من حال إلى آخر.. ليس هو رسالة يستوعبها المرء لأول تلاوة أو التلاوة عدد ألفين أو ثلاثة آلاف.. ليس هو رسالة يقرأها القارئ مرة أو عشرين مرة فلا يحتاج إليها بعد ذلك.. ذلك هو سر خلوده وذلك هو معنى ( لا يخلق من كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء ولا تلتبس به الألسنة ولا تزيغ به الأهواء ولا تنقضي عجائبه ..)..

6 ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ..


ليس ذلك دعاء جاهلي أتى به المشركون راجين منه عليه الصلاة والسلام أن يستخدم القرآن الكريم شيئا خارقا للعادة الطبيعية البشرية يسير لهم الجبال أمام أعينهم ويقطع الأرض ويكلم الموتى حتى يؤمنوا .. بل طلب بعض الصحابة بعضا من ذلك حرصا على المشركين أن يؤمنوا.. ليس ذلك دعاء قديم فحسب ولكنه دعاء جديد معاصر تزدحم به عقول كثير من أبناء المسلمين والمسلمات.. لو أن قرآنا يحرر فلسطين دون جهادات وعذابات ودماء ولو أن قرآنا يحرر أفغانستان والعراق كذلك ولو أن قرآنا يهز الظالمين والكافرين فيطبع صورة هذا البطل على صفحة القمر ولو أن قرآنا يجعل للناس كلهم أجمعين ذات صباح باكر آية مادية شاخصة تظل أعناق الناس إليها جمعيا خاضعة.. لو أن قرآنا يبدل الحال من عسر إلى يسر بضربة كن فيكون .. ذلك حديث نفوس مؤمنة كثيرة..

ولكن القرآن الكريم ليست تلك رسالته ولا مهمته أصلا.. مهمته = هداية الناس وتربيتهم وتوجيههم إلى منابع الخير ومصاف الرقي فإن ذهبوا إليها فلهم وإن عدولوا عنها فعليهم ..

لو أن قرآنا يصرف عنا قضية الذكر والتدبر هذه ويعفينا من المشاكل والأزمات والحيرات.. لو أن قرآنا نجده ذات صباح باكر وقد إنتزعت منه المتشابهات التي تملأه فلا يبقى فيه غير المحكمات .. لو أن قرآنا يوحدنا حزمة واحدة فنظل عربا فحسب أو عجما فحسب أو بيضا فحسب أو سودا فحسب أو أغنياء فحسب أو فقراء فحسب أو مهتدين فحسب أو ضالين فحسب أو مالكية فحسب أو شافعية فحسب أو أشاعرة فحسب أو شيعة فحسب أو ظاهرية فحسب أو باطنية فحسب أو سلفية فحسب أو صوفية فحسب ..

لو أن قرآنا يصرف عنا الواجبات الكفائية الجماعية .. لو أن قرآنا يعفينا من آياته السياسية وأياته المالية وآياته الدستورية وأياته الإجتماعية وسننه التاريخية وقوانينه النهضوية ونواميسه الكونية وعلاقاته الخارجية .. لو أن قرآنا يحدثنا كيف نزكي قلوبنا ونطهر أنفسنا .. لو أن قرآنا يمسحنا وينصرنا ويكنسنا ويعفينا من الشأن العام وتكاليفه..


7 الذكر = شفاء لا يشفي إلا متناوله بحسب وصفة الطبيب.

الذكر الحكيم شفاء لما في الصدور ينطبق عليه القانون المادي ذاته في شفاء الأبدان. إذا عدت الطبيب فوصف لك دواء وظللت تمتدح الطبيب ودواءه ألف مرة ومرة مع مطلع كل فجر ومغيب كل شمس فهل تشفى. أبدا. الأمر ذاته بالنسبة لشفاء القرآن لما في الصدور من جهل وغرور.. لو إمتدحت رب القرآن ورب الدواء ألف مرة ومرة فإن ذلك لا ينفعك أبدا في نفسك التي بين جنبي صدرك إلا أن تتناول الشفاء القرآني بحسب معطيات الوصفة الطبية القرآنية والنبوية ذاتها حبة بحبة ويوما بيوم.. قانون مقنن وناموس منمس لا يتخلف.. لا يتخلف في الأبدان ولا يتخلف في النفوس.. ( أم لكم براءة في الزبر)..


ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر..

ذلك هو النداء الذي تكرر في القمر مرات وبمعناه في القرآن الكريم مرات ومرات.. حتى غدت رسالة القرآن الكريم واحدة لا ثاني لها : التدبر والتفكر والتعقل والتذكر هو طريق العلم والعلم هو الهادي للقلوب تخلصا من غرورها وشركها وللعقول إنعتاقا من جهلها..

قرآن مبين ميسر عربي متاح فقهه للأعرابي يسيم بنعمه في أكناف الجبال ونهاد الهضاب بمثل ما هو متاح لممتطي صهوات الأفلاك الجوية العائمة تخترق سماء الأرض وتركض فوق القمر والمريخ أو تتقصى أعماق المحيطات الهادرة..

قرآن مبين ميسر لا تحتاج نشدانا لهدايته إلا إلى التذكر والتدبر والتعقل بسمعك وبصرك وفؤادك..

فهل من مدكر للذي سماه ربه سبحانه فرقانا ( هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) في شهر القرآن أي رمضان المعظم..

ليكن شعارك في الحياة :

أنا أتفكر أنا إذن موجود
أنا أتدبر أنا إذن موجود
أنا أتذكر إنا إذن موجود

أنا أسجن عقلي وأقلد أنا إذن ميت الأحياء
أنا ألغي حواسي وفؤادي أنا إذن أبكم أصم
أنا أتوقف عند الظواهر أنا إذن لا أعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا وعن الآخرة أنا غافل..

والله أعلم



الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.