قد يبدو العنوان مستهترا والمقاربة فجّة إذ ما أوجه الالتقاء بين نص إبداعي أُنجز ووقع تأويله بطريقة إخراج مّا وبين حدث تاريخي لم تكتمل فصول تجلياته؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى فالعمل المسرحي احتاج خشبة محدودة القياس ومتلقين معدودين تحصرهم حيطان المسارح وضوابط الزمن الأرسطي بينما عمل الشعب التونسي جدّ وحدث بالتراكم وطفرة الظلم والبهتان الأسريين والمنظومة الأمنية التي ضيّقت على المستفيد من نظام بن علي وعلى من كانوا ضحاياه واحتاج لرقعة الوطن، وما هو خارج عن حيزها فانبرت الحناجر والسواعد في عمل سلمي حضاري لإزاحة دكتاتور كان من المقرر في عرف الظالمين ألا ينزاح ولم تكن الجماهير قادرة على التخمين بشأن زمن سقوط هذا الصنم وهذا يكشف عدم اِلتقاء المجالين وصعوبة المقارنة بل عسرها وعبثية جهد من يروم هذا المطمح. فلم اقتحام هذه المقارنة العسيرة ؟ وما مبرر الجمع بين جغرافيتين متضادتين وجنسين متناقضين بمعيار الفن فالأولى كوميديا والثانية دراما وتراجيديا؟؟؟ اقتحمت هذا المجال لأوجه الشبه الكثيرة بين الواقعتين إذا نُزِّلتا وَرَقِيًّا فالأحداث والسرد في كليهما يسير وفق خط واحد والشخوص في كليهما لهم نفس الرمزية بل نفس الوضع العمري مع اختلاف بسيط فإذا كانت الأنثى في المسرحية هي آدمية"العترة" بلحمها وآدميتها فالأنثى في الثانية هي رمزية لأن الأنوثة في الإبداع والملاحم هي الولادة والانبجاس والفعل الواعي وليس أدل على هذه المعاني من مفردة الثورة ناهيك عن أقنوم المكان ف"العترة" رُحِّلت من البادية إلى المدينة قسرا وغصبا رغم أنها متزوجة وزوجها هو قريبها الفقير المعدم والمسكين و"النية" والبادية والريف مكان الحرمان ومعبر الفاقة و"الحقرة" هو المكان الذي ارتكبت فيه خطيئة الثورة هذا العمل الذي كان في بدايته مفخرة لجيل الشباب ووساما على صدور الشهداء تحول بعد أقل من نصف سنة إلى سبة وعار ونبت حرام يخشاه الناس ويلعنونه ويكاد من يبشر به أن يدسه في التراب ويزوي بوجهه عنه خصوصا وأن برامج التفكه في رمضان عند رؤوف كوكة وشلة المخرجين الذين زينوا في أعمالهم التحول والتغيير وجلكم يتذكر حلقة الكاميرا الخفية" الرجل المناسب في المكان المناسب" بمحطة القطار ببرشلونة تعاد هذه الأيام لتبشرنا بعودة الزمن الجميل فحلقات هذه السنة تتندر بمصطلح القناصة والقصبة3 حتى صارت الاعتصامات موضع تندر والعمل السياسي الراشد عبئا على الشعب وصارت مفردة "لا نفهم لمن نصوت" هي قاموس المرحلة فالريف هو الذي رحلت منه الثورة وأوصلوها إلى بيت"سيدنا" العجوز المسن الذي سيجعلها في بيته الخادمة ظاهرا والزوجة عرفا ليتحرش بها و"يتمهسك "عليها وليت الزوج العرفي كان واحدا بل سنرى عجائب الزمن والدهور فالخادم الذي يعمل بمنزل الغرام ومركز المال هو بدوره يغمس بسهمه ويضرب بنبله ويتحين الفرص "ليتحرش بها " في غياب السيد "البِلْدِي"و"سيدنا" يجهد في تحضير المساحيق وأدوات الزينة لتتزين هذه العروس المسخ ويكون مكياجها نشازا وسخرية ويتهكم منه الشيخ لكن امتلاء الفتاة وجسدها الواعد يجعله يطمئنها بطيب العيش ورغد المستقبل بلغة الشيخ المتصابي الذي تثور شبقيته بفناء بيته العالي في الوقت الذي يظهر فيه للناس رمزا للورع والتقى ونقاء السريرة وهو لا يعلم أن زوجها الفعلي يحوم حول المنزل ونظرا لشجاعته واستماتته عن عرضه عجز عن المجابهة ولعل المقارنة هنا ستشذ بعض الشيء ليقارن هذا البرني المعدم ب"برنيات" الشعب الكريم الذي يعلن عن غضبته وحينما يجد الفرصة سانحة لسكرة وتخميرة ممزوجة بالجبن وحب الراحة وطلب السلام يتناسى كل ما سبق من عنتريات ليهتم بالقبعة التي يغرس فيها العصا ويدورها ويطرب لدورانها قائلا "شوفوا شوفوا يعطيها ربية آش تدور" وبهذا يحق أن نقيم هذه المقارنة لأن هيكل النص الفني تطابق مع هيكل نص التأريخ رغم اختلاف المجالين ولعل الاتحاد الطريف يقع في رحلة هذه الأنثى التي استقبلها الشيخ الأول بالفصل57 وحينما نهضت شهية الشبق في الشيوخ المجاورين لمسكنه طلقها وفق الفصل56 وبقي زوجا لها بعيدا عن الأعين وحينما لم يأت البرني لاستردادها ولو بعنترية كاذبة استدعى كل من وثق في فحولته وساعتها تفطن أهل" العترة" لخطورة وضع قريبتهم فعاتبوه فاستنجد هو بالأغلبية الصامتة لكن القبيلة طلقتها منه بمكوث أمام ساحة بيته طال بعض الشيء وباتت ساعتها الفتاة عند الشيخ الكبير لقبيلة طليقها وبعدها أوجدوا لها زوجا جديدا أسن و أقدر على المغازلة لكنها مغازلة بضوابط الشرع والآيات الكريمة ليضعها خادمة له نهارا وزوجة دون وثيقة ليلا في نفس منزل الزوجية الاول وعندما هب أهل القبيلة مرة أخرى لنجدة "العترة" وجدوا أن الزمن قد فات وأن "العترة" الخادمة حامل لكن لا ندري لمن ينسب المولود المشوه وما أغضب القبيلة أن إشهار الزواج لم يتمّ ولن يتمّ وأن عرضهم لُطِّخ وأن عروسهم افتكت من جحفتها وأن ابن العم"النية" ربما يسجن أو يجند في مكان بعيد. مساء5/8/2011م