أ. مصطفى عبدالله ونيسي/باريس ينقسم النّاس إلى قسمين، قسم ظفرت به نفسه فأصبح عبدا مطيعا لها فأهلكته ودمرته ، وقسم ظفروا بأنفسهم فأحكموا جماحها و سيطروا عليها فنجحوا بفضل الله تعالى و بلغوا الدّرجات العُلَى. يقول الله تعالى : (و أمّا مَنْ طَغَى وآثر الحياة الدّنيا فإنّ الجحيم هي المأوَى. و أمّا منْ خَافَ مَقامَ ربِّهِ و نَهَى النّفسَ عن الهوى . فإنّ الجنّة هِي المأوى)النّازعات/38/40 وصف الله تعالى النّفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنّة، و اللّوامة، و الأمّارة بالسُّوءِ، و تبعا لذلك اختلف العلماء : هل النّفس واحدة وهذه أوصاف لها، أم أنّ النّفس ثلاثة أنواع. فالأول رأي أغلب الفقهاء و المفسرين، و الثاني قول كثير من أهل التصوف ، وبالتحقيق تبين أنّه لا خلاف بين الفريقين، فهي واحدة باعتبار ذاتها، و ثلاثة باعتبار صفاتها(1)، بل إنّي أذهب إلى أكثر من ذلك، فالنّفس الأمّارة بالسوء قد تتحوّل بفضل الله تعالى إلى نفس مُطمئنة، و العكس صحيح. جاء في الحديث الّذي رواه عبدالله بن مسعود قال: قال النّبيّ صلى الله عليه و سلّم :( .....فوالله الذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه و بينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه و بينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها.) فما هي هذه الصّفات التّي تعتري النّفس البشرية فتصبغها بصبغتها ؟ 1 النّفس المطمئنة : و هي نفس المؤمن الماسك بحبل الله المتين الراضي بقضاءه و قدره و المطمئن لحكمه والواثق من وعده و المصدق بكل ما أخبر به و المستجيب لأمره و النّاشط في طاعته في السرّاء و الضراء... النّفس المطمئنة هي تلك النّفس الهاربة من الشّك إلى اليقين، و من الجهل إلى العلم، و من الغفلة إلى الذّكر، و من الخيانة إلى التوبة النّصوح، و من الرّياء إلى الإخلاص، و من الكذب إلى الصدق، و من العجز إلى عُلُوِ الإرادة و سموّها، و من النرجسية و حبّ الذّات إلى التواضع و نُكران الذّات و من التيه إلى الرّشاد . فالنّفس إذا كان لها نصيب مِنْ هذه الصّفات كانت نفسا مُطمئنة بإذنه تعالى. فالنّفس البشرية إذا ما كان هذا حالها يرضى عنها الله ويناديها بارئها عند فراق الحياة نداء حُلوا و جميلا: (يا أيتها النّفْسُ المُطمئنة . ارجِعي إلى ربّكِ راضيةً مَرْضِيّةً )الفجر/ 37،38 إنّهُ لَمِنْ رحمة الله تعالى و بتكليف منه سبحانه أن يكون قرين النّفس المُطمئنّة الملَك ، يسدّد خُطاها و يقذف فيها الحقّ و يرغبها فيه.... 2 النّفس اللّوامة : أمّا النّفس اللّوامة ، فهي تلك الّتي تخلط عملا صالحا بآخر سيء. هي النفس الّتي لا تثبت على حال، فهي كثيرة التّقلب و التّلون، تُخطأُ ثمّ تتوب و هي نفس لا يمكن أن ننفي عنها صفة الإيمان، بل هي مؤمنه و لكنّها مُقصرة في حق الله تعالى. يقول حسن البصري : إنّ المؤمن لا تراه إلاّ يلوم نفسه دائما... و النّفس اللّوامة نوعان: لوّامة مَلومة ، ولوامة غير مَلومة. فاللّوامة الملومة، هي النّفس الظّالمة والجاهلة، وهي نفس يلومها الله و ملائكته. أمّا النّفس اللّوامة غير الملومة، فهي النّفس السريعة التوبة التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله ، مع بذله جهده في تدارك تقصيره، فهذه نفس يمكن أن نصفها بأنّها نفس غير مَلُومَةٍ. 3 النّفس الأمّارة بالسّوء: و هذه النّفس هي النّفس الخبيثة و المذمومة حقّا لأنها لا تأمر صاحبها إلاّ بما هو خبيث و مخالف للفطرة التي خلق الله النّاس عليها و مَنْ أحسنُ مِنَ الله خِلقة لا تبديل لخلق الله تعالى ولكن أكثر النّاس لا يعقلون. وهي نفس ما تخلّص مِنْ شرّها أحد إلاّ بتسديد من الله ورحمة. يقول الله تعالى: (و لولا فضلُ الله عليكم و رحمتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ أبَدا )النور / الآية 21 فالنّفس الأمّارة بالسّوء قرينها الشّيطان يَعِدُها و يُمَنِّيها و يأمُرها بالسُّوءِ و الفحشاء. هذه هي الحالات الثلاث الّتي تعتري النّفس البشرية ، فاختر لنفسك أخي الحبيب حالا يقربك إلى الله و الجنّة، ويُبَاعِدُك مِنَ النّار و أهلها ، والحمد لله على كُلِّ حالٍ و نعُوذُ بالله مِنْ حال أهل النّار. السّبت 20أوت2011 أ. مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس