النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألا ما أحلى طعم العيد عندما يكون عيد ثورة وتحرير!
نشر في الحوار نت يوم 28 - 08 - 2011


موعظة الحوار


قال تعالى : „ ونريد أن نمن على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون “. أوائل القصص.


لا يمسح حزن وداع رمضان سوى عيد الثورة والتحرير.

رمضان وهو الشهر الوحيد المذكور بإسمه خاصة في القرآن الكريم هو ضيف يتميز على كل الضيوف بأنه ضيف يعطي ولا يأخذ بمثل ما يتميز بأنه شفيع لصاحبه يوم القيامة علاوة عن كونه مدرسة تمنح طلابها شهادات جامعية عالية في التقوى والصبر والمجاهدة والمواساة والمثابرة في نشدان ليلة العتق من النار عتقا لا نار بعده. لو أهرقت مداد البحار وسودت بياض الصفائح ما بلغت عشر معشار ما لرمضان من فضل وأكرم به عبادة مصطفاة منتخبة لا يخضع الأجر فيها للسلم الإسلامي المعروف في الحسنات والسيئات بل إلى قانون آخر قال فيه سبحانه : „ كل عمل إبن آدم له إلا الصوم فإنه لي..“. ترى لم ذاك؟ الجواب : لأن رمضان مدرسة الإخلاص الكبرى ولأن الإخلاص هو المطلوب الأول من العبد حيال ربه وحيال نفسه وحيال الناس من حوله فمن أخلص خلص ونجا وأدرك بالقليل كثيرا ومن راءى روئي به على رؤوس الأشهاد حتى ليقال : هذه غدرة فلان إبن فلان وأي فضيحة أشد على صاحبها من فضيحة يوم العرض.. من راءى جيء إلى كسبه الكثير فجعل هباء منثورا.

أجل. نودع الشفيع حزنى بكاة ثم نحفظ أمانته وعهده ونستثمر رساميله.

ترتفع الحناجر في السنوات الأخيرة من لدن الثائرين بقولهم : من يحب الشهيد يتبع خطاه. ذلك هو ما ينطبق على رمضان بالتمام والكمال. من هو صادق في حزنه على وداع وكيله بين يدي الحاكم الذي لا معقب على حكمه سبحانه فليس له سوى أن يحفظ عهده ويرعى أمانته ويستثمر رساميله. فما هو عهد رمضان وما هي أمانته وما أودعنا من رساميل وأين نستثمرها؟

أودعنا رمضان أغلى رأسمال إسمه : إيمان جديد.

كثيرة هي الأحاديث التي لا يحبها كثير منا اليوم. كثيرة هي التي لا تجد لها فينا هوى. كثيرة هي التي طوتها رياح الإنحطاط وعبثت بها عواصف التقليد فهي اليوم مغمورة مطمورة مجهولة منسية لا ينعت المنقب عنها سوى بالهرطقة والزندقة. لكل سجن دواء يستطب به إلا سجن الإلف والعادة فما له من دواء. كثير منا اليوم منهاجه في التدين هو : „ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”. من تلك الأحاديث التي لا تجد لها فينا هوى لفرط ما عبدناه سبحانه بحسب ما أثر وليس بحسب ما قال هو : „ فاستقم كما أمرت “.. من تلك الأحاديث حديث صحيح أخرجه بعض أهل السنن والحاكم وغيره : „ إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”.. أول ما طرأ الشغب على هذا الحديث لفرط هيمنة الإنحطاط ورفض التجديد وعداوة الإجتهاد .. أول ما طرأ الشغب عليه هو زيادتهم :“.. أمر دينها”. ثقل عليهم أن يتجدد الدين فكان لا بد من تزييف الحديث حتى يكون تحت سقف ما أثر عن آبائهم.

ما يورثك رمضان من إيمان جديد هو إحدى أكبر تجليات حديث التجديد آنف الذكر. الدين يتجدد في المناطق والمساحات التي تقبل التجدد وهي مساحتان : أولهما مساحة الثوابت وتجددها يكون بترسيخ الإيمان بها وتعميق الإعتقاد فيها وتزكية ذلك بما تيسر من كشوفات علمية صحيحة ثابتة إذا وجد ذلك وهي مساحة لا تقصر على تجدد الإيمان في الفرد بل إن من أكبر تجليات التجديد هنا أي في الثوابت الحركة العامة بالمقاومة والجهاد والتعليم والتوعية والتعبئة ليكون التجديد في الناس عرفا جديدا وليس في بعضهم فحسب وهو شرط لازم من شروط إندحار ظلمات الجهل والإنحطاط والتقليد والإمعية. أما ثاني المساحات فهي مساحة الظنيات وهذه أمرها معروف لا يجادل فيها حتى الأحمق الأخطل سوى أن التجديد هنا لا يستهدف حسم إتجاه واحد محدد من إتجاهات معاني ودلالات الظني ولكن المقصود هنا بالتحديد هو التجديد نفسه والإجتهاد ذاته لتحرير العقل من أسر التقليد وسجون الإلف والعادة.

يندر جدا أن تلفى مسلما صام رمضان أو قامه ثم لم يتجدد إيمانه. تجدد الإيمان من بعد رمضان هو أكبر إرث وأخصبه يورثك إياه شفيعك. أليس هو ضيف يعطي ولا يأخذ. يعطي البركة في الإنفاق ويعطي إرثا لا يعطيكه أدنى العصبات إليك قرابة.

ذلك هو رأسمال رمضان الذي ورثك : إيمانا جديدا. مثل الإيمان الجديد هو مثل رضيع. ألا ترى أن ذلك الرضيع لا يختلف في أعضائه ومكوناته عمن بلغ أشده سوى أنه ينمو يوما من بعد يوم حتى يكون في مثل ذلك الذي بلغ أشده ولكن دون أن ينمو له عضو جديد. ما الذي يحدث له إذن؟ الذي يحدث لذلك الرضيع هو نمو أعضائه وعضلاته. ذلك هو معنى الإيمان عندما يتجدد. تجدد الإيمان وبعض من مناطق الدين في ثوابته يعني إكتساب أركانه قوة جديدة وأركانه صلابة جديدة ورسوخا دون أن نحتاج إلى إضافة ركن آخر إليه.

عندما يعلم الذين يحرفون الكلم ذلك يدركون أنهم يحرفون الكلم برفضهم لقيمة التجديد في الإسلام ومعاني الإجتهاد ولو تدبروا معاني التجديد ما لعنوه ولكنهم جهلوه وقديما قال العلامة إبن خلدون : الإنسان عدو لما جهل.

كما أودعنا رمضان عهدا وأورثنا أمانة.

رمضان سيعود إلى الدنيا حتى يرث الدنيا باريها سبحانه. السؤال هو : هل يجدني عندما يعود أم لا يجدني. إذا وجدني فقد أكرمني سبحانه بحياة جديدة وعمر جديد وفرصة أخرى لنيل عتق آخر. طول العمر في العمل الصالح منة وأي منة ولذلك نهينا عن تمني الموت بله الإقدام على قتل أنفسنا إنتحارا أو قتلا بطيئا بالسجائر والمخدرات والخمور أو وأدا نفسيا باليأس والإكتئاب والحزن والأسى والحسرة على ماض فات.

هذه عهود رمضان إليك.

1 صلاة الجماعة. لن أزال أعتقد أن أول مقاصد صلاة الجماعة أولها وليس كلها ليست مقاصد تعبدية روحية. لا. هي مقاصد إجتماعية دنيوية بما تساهم به صلاة الجماعة من رص الصف الإسلامي الداخلي باللقاء والسلام والتعارف والتآخي وما يثمره كل ذلك من تزاور وتعاون وتناكح وتواص بالحق والصبر والمرحمة وإعتصام بالله وبمنهاج الإسلام العظيم. مقاصد الصلاة الأولى صلاة الفذ بتعبير الفقهاء هي مقاصد روحية بالأساس أما مقاصد صلاة الجماعة فهي مقاصد إجتماعية دنيوية بالأساس ولكن على أساس طبيعة الإسلام أي منهاجا لا يفصل بين الدين والدنيا ولكنه يميز بين الدين والدنيا.

لكم هو حري بالدعاة والأئمة والخطباء إبراز المعاني الدنيوية الإجتماعية مقاصد مقدمة أولية من صلاة الجماعة وعدم الإقتصار على قولهم إن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة. ذلك صحيح ولكنه ليس المقصود الأول وإذا كان ذلك هو المقصود الأول فإن ذلك الأجر الكبير يتحقق بقدر تحقق مقاصد اللقاء من صلاة الجماعة ولا أجر لمصلي صلاة الجماعة وهو يجهل المصلين من حوله : أسماءهم وأحوالهم على نحو يكون فيه كمن حضر في سوق أو مغازة فقضى وطره وخرج مسرعا لا يلوي على شيء. فلسفة الأجر في الإسلام ليست فلسفة غبية إلا عند من أراد بجهله “ دروشة “ الإسلام. فلسفة الأجر في الإسلام مطردة مع تحصيل المقاصد المحددة من إثر تلك العبادة أو ذلك العمل ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : „ رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش “.. ورب مصل ليس له من صلاته إلا القيام والقعود.. رب مصل في جماعة كذلك.. أنى لهذا أن يغرف الأجر!

إنه لمؤسف حقا أشد الأسف أن تتحول كثير من المساجد من أول يوم من بعد عيد الفطر إلى أماكن مظلمة خالية بعدما كانت خلايا نحل تعمرها الحيوية. أليست العبادة في الإسلام حياة؟ أجل. ولذلك كانت الأم العظيمة الكريمة عائشة عليها الرضوان في أشد تألقها الفقهي عندما قالت عنه عليه الصلاة والسلام : „ أحيا ليله “. أي أنها صورت الليل مواتا والعبادة حياته بمثل ما صورت الغفلة ظلمة والعبادة نورها. المساجد الخالية هي مساجد ميتة ولا يكون إحياؤها إلا بالجماعة صلاة وذكرا وتلاوة وتعليما وتشاورا.

2 مائدة القرآن الكريم. صور عليه الصلاة والسلام مائدة القرآن وليمة في بعض أحاديثه ودعا إلى إتيان وليمته. كما أخبرنا بأن له سبحانه أهلين ثم قال : „ أهل القرآن هم أهله وخاصته”. وقبل ذلك وبعده قال سبحانه على لسان بعض رسله : „ وقال الرسول يارب إن قومي إتخذوا هذا القرآن مهجورا”. يتنافس الناس على تلاوة الذكر الحكيم في رمضان فإذا إنقضى رمضان إنقضت معه نهمة ذلك التنافس وهجروا القرآن بوضعه في الرفوف حتى رمضان كريم آخر. كأن القرآن كتاب بركة ليس إلا. كأنه نزل على الأموات وما للأحياء به من شأن. يغري الناس بذلك مفهوم خاطئ. مفهوم خاطئ من حديث صحيح : „ لا أقول ألم حرف ولكن أقول : ألف حرف ولام حرف وميم حرف “.. أي أن كل تال لحرف واحد من القرآن الكريم يكسب عشر حسنات حتى لو كان أعجميا لا يكنه كلمة واحدة منه. أجل. ذلك صحيح. ولكنه لا يخفي حديثا آخر : „ خيركم من تعلم القرآن وعلمه “ و حديثا آخر : „ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين “.. ألا ما أحوج الناس إلى عقل يجمع ولا يفرق. ألا ما أحوجنا جميعا إلى عقل يصل ولا يفصل. عقل يرفض التجزئة التي قال فيها سبحانه : „الذين جعلوا القرآن عضين “.. عقل يرفض العالمانية التي قال فيها سبحانه : „ تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض..“. نحن بحاجة إلى عقل جامع : يجمع بركة التلاوة التي يؤجر عليها حتى الأعجمي الذي لا يكنه كلمة واحدة من القرآن بمثل أجر العربي القح السليق .. يجمع ذلك إلى فقه الكتاب الذي نزل الميزان معه جنبا إلى جنب ليقوم بتفسيره وتأويله وحسن فقهه وحسن تنزيله. أنظر إلى من حولك ممن يدندنون على حديث : „ خيركم من تعلم القرآن وعلمه “.. أنظر إليهم لتلفاهم لا يتعدون علم الحروف من تفخيم وترقيق ومد وقلقلة وإدغام وغنة .. من يقصر نظره على ذلك وناكية النواكي عندما يبث ذلك الفهم الخاطئ في الناس فإنما أصيب بعمى الألوان فهو لا يرى في الكون من حوله إلا لونا واحدا : هو لون الحرف. ولذلك قال حبر الأمة وترجمان القرآن إبن عباس : „ إنكم اليوم في زمان قليل قراؤه كثير فقهاؤه وسيأتي على الناس زمان يكون كثير قراؤه قليل فقهاؤه “.. لله در الحبر !!! كأنه يعيش معنا!!!

من هجر وليمة الله سبحانه وأبى تلبية الدعوة إلى مائدته فهو مقصر تقصيرا شديدا جدا.. ولكن هناك رجل لا يقل عنه تقصيرا : هو رجل لم يهجر المائدة من بعد رمضان ولكن حظه منها هو حظ الحرف لا حظ الحد. ذلك جدير بالتوقف كثيرا أمام هذا النداء الإستنكاري : „ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها “.

3 الجهاد بالمال. كثير من المسلمين يجاهدون بأموالهم في رمضان فإذا ولى رمضان أمسكوا. كأن الجوعى شبعوا والعطشى رووا والخوفى أمنوا والعراة كسوا والحفاة حملوا والمرضى شفوا. إذا كانوا قد أخطؤوا فهم أثر عنه عليه الصلاة والسلام : „ كان أجود ما يكون في رمضان “.. الفهم الصحيح لذلك الخلق محكوم باللغة العربية التي تفيد هنا صيغة التفضيل : أجود. لا يعني أنه كان غير ذلك قبل رمضان وبعد رمضان ولكنه كان في رمضان أفعل من ذلك. ليس أكثر من ذلك وليس أقل منه. فكن جوادا مثله في سائر الأيام وكن أجود منك في رمضان. ألم نتفق قبل قليل بأن الأعمال في الإسلام مقصدة معللة مفهومة معقولة لها أهداف أنشئت لأجلها؟ أجل. كيف لا تكون جوادا من بعد رمضان جوادا وليس أجود والمحتاجون في الصومال مثلا يقتحمون عليك قاعة طعامك من خلال ما تشاهده في الفضائيات! ألا تعلم أن إنفاق المال سمي جهادا. ألا تعلم أن الجهاد هو أسمى عمل في الإسلام وهو ذروة سنامه. ألا تعلم أن الجهاد بالمال مقدم دوما وأبدا في القرآن الكريم على الجهاد بالنفس إلا في موضع واحد من سورة التوبة وهو لا يصلح للمقارنة هنا. كل من يقرأ رسالة القرآن إليه مرة واحدة يخرج بفكرة كبيرة لا يزيغ عنها إلا جاهل : الإنفاق أحب عبادة إليه سبحانه من بعد الإيمان والصلاة. ألا تعلم أن تدينك محكوم بقواعد منها : العمل المتعدي أجزل أجرا عنده سبحانه من العمل اللازم. الجهاد بالمال عمل متعد ينفع الله به المحتاجين فهو إذن أجزل أجرا من العمل اللازم الذي لا ينفعك سواك من مثل نوافل الصلاة والصيام والحج.

ألا أدلك على خير وسيلة لتكون مجاهدا بمالك؟ إذا قلت : أجل. قلت لك : إجعل من مالك قسطا محددا منتظما بيوم أو أسبوع أو شهر أو غير ذلك. ذلك يقيك الإضطراب وتسويف الشيطان ويحقق لك حسنة أخرى هي قوله :“ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”.

أنصحك بضبط تدينك بقواعد محددة وقد أدلفت لك الآن بقاعدتين : العمل المتعدي أجزل أجرا من العمل اللازم و أحب الأعمال أدومها وإن قل .. وأزيدك أخرى : أفضل العمل ما كان حادا في مخالفة هواك بمثل ما شرح ذلك علامة المقاصد الإمام الشاطبي شرحا بلغ مرتبة : لا زيادة عليه لمستزيد. الجهاد بالمال قطعا أشد مخالفة لهواك فهو إذن أحب الأعمال.

أما أمانات رمضان فهي :
1 زكاة الفطر. المؤسف اليوم أن الناس بمن فيهم أهل العلم ومن يظنون أنهم فيه من الفطاحلة الذين لا يشق لهم غبار يضيعون أوقاتا غالية في الجدل التقليدي العقيم : هل يجوز إخراج زكاة الفطر بالقيمة بدل العين؟ هل يجوز إخراجها من بلد إلى آخر؟ أغرب ما قرأت أن بعض المجامع الفقهية المعتبرة أخرجت فتوى تجيز فيها إخراج زكاة الفطر للجوعى في الصومال. إنه الفراغ الذي يغتال المرء فيملؤه بصغائر الأمور. الناس أمامكم في الفضائيات يتضورون جوعا في الصومال ويموتون موتا حقيقيا لا مجاز فيه.. وأنتم تعقدون الإجتماعات الطويلة وتدلون بالبحوث العريضة في قاعات مكيفة وموائد الإفطار في إنتظاركم تمتلئ بكل ما لذ وطاب .. ثم تفتون بجواز إخراج الزكاة لجوعى الصومال!!! إذا كان هذا هو الفقه فاشهدوا أني أنا الجهل الأعمى! إذا كانت هذه هي الحكمة التي جاء الإسلام ليعلمها الناس فاشهدوا أني أنا الحمق الأرعن! منشأ الفتوى بحث تقليدي قديم في التراث الفقهي إقتضته ضرورات لم يعد لها اليوم عندنا وجود بسبب أن الأمة يومها دولة واحدة لها إمام واحد .. منشأ الفتوى بحث مات وولى عنوانه : هل يجوز إخراج زكاة الفطر والزكاة عامة من بلد إلى آخر. الناس ما زالوا يباشرون الفقه وهم يجهلون التحولات الكبيرة التي طرأت عليهم. يجهلون أنهم لم يعودوا أمة واحدة من حيث الكيان السياسي ووحدة الإمامة السياسية العظمى ووحدة التراب والوطن والعلم وغير ذلك.. إذا كانت زكاة الفطر لا تجوز اليوم لجوعى الصومال فأخبروني بربكم لمن تجوز!!! أي إنطباع عن الإسلام يريد هؤلاء غرسه فينا؟ هب أن جوعى الصومال كلاب أو قطط. هب أن أبانا كان حمارا كما قال الإخوة للفاروق الذي حكم لهم في قضية من قضايا الإرث علم الفرائض بحكم معين لم يوافقه عليه بعض الصحابة الآخرين. أجل. لي اليوم أن أستصحب قالة أولئك الإخوة : هب أن أبانا كان حمارا.. لذلك سميت في فقه الفرائض المسألة الحمارية. أجل. هب أن جوعى الصومال كلاب أو قطط. بل ذئاب وثعالب. هل يدعو ذلك إلى جلسات فقهية ليخرج علينا المجمع بجواز إغاثة الكلاب الجائعة أو الثعالب الظامئة!!

أما من مازال يصر على إخراج زكاة الفطر من الأرز والشعير والقمح والخبز فهو إنما يغيث الدجاج والحمام وليس له من إغاثة البشر من شيء. هي زكاة على الحيوانات والطيور. أما المحتاج الذي يئن ولده المريض إلى جانبه ولا يجد فلسا واحدا يعود به طبيبا.. أما المحتاج الذي لا يشارك ولده أترابه لهوهم يوم العيد بسبب حرمانه من ثياب جديدة .. أما المحتاج الذي ينقطع ولده عن مقاعد الدراسة لعدم قدرته على توفير الأدوات المدرسية اللازمة.. أولئك لن يبذلوا لأولادهم قمحا وشعيرا وأرزا.. ناكية النواكي أن أكثر المفتين بعدم جواز إخراج القيمة بدل العين هم من الموسرين والمترفين والأغنياء .. إذا أخرج هؤلاء زكاة فطرهم فإنهم سيخرجون إلى المحتاجين من حولهم مواد وأغذية لا عهد للفقراء بها.. من أخبرهم بأن أولئك الفقراء لا ينفرون من أكل أغذية لم يتعودوا عليها. ألم ينفر عليه الصلاة والسلام من لحم الضب حتى ظن الصحابة أنه حرام. ألم يعلم أولئك أن مدار الزكاة على مصلحة المحتاج وليس على مصلحة المعطي. ألم يعلموا أنها حق للفقير محقوق وليس لهم إلا أن يؤدوا ذلك الحق بما يشبع نهمة صاحبه. يفتون بما يعسر على الناس ولا يغني المحتاج ثم يتباهون بالفقه والعلم والتمسك بالسنة والسنة منهم براء براء براء. التمسك بالسنة يعني : إخراج زكاة الفطر للدجاج الذي سيطعم حبات الأرز .. دجاجات فقير ربما لا تأكل أرزا لا عهد له بها.. أما الفقير فيبيت على الطوى الذي بات عليه من قبل أن يمنّ عليه ذلك الموسر المترف بحبات الأرز!!!

2 صيام ست من شوال. للوعد الصادق الحق : „ من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر”. وحقيق على أهل العلم هنا أن يبينوا للناس أنه يجوز جمع نيتي القضاء والتطوع. هي رخصة ربما تحتاجها الحائض والنفساء وغيرهما ممن لم يتسن له الصيام. هي رخصة تجوز الجمع بين النيتين لمن أراد تخفيفا على الناس فمن أخذ بها فبها ونعمت ومن لم يأخذ بها فليس عليه شيء. إلا فكرة جاهلية متكبرة متعالية عند بعض أهل العلم مفادها أن التيسير على الناس بما يحتمله يسر الإسلام وإعترافه بالقصور البشري والضعف الإنساني وحالات الحرج والحاجة والضرورة وغير ذلك.. التيسير على الناس بذاك يجرئ الناس على الشريعة. ينصبون أنفسهم حراسا للشريعة من دون الناس. يحكون المسيحية وعربدة الكنيسة. يتجاهلون أن صاحب الشريعة هو الله سبحانه وهو الذي شرع تلك الرخص وهو أعلم بعباده. يكتمون العلم وكثير منهم لا يعلم أنه يكتم العلم. الأقسى من كتمان العلم هنا أنهم يتقلدون مناصب الكهنة الذين يشرعون للناس ما لم يأذن به الله سبحانه لأنهم يعتقدون أنهم أعرف به من العامة وأدنى إليه من الدهماء والطامة.

ألا ما أحلى طعم عيد أهل علينا بالثورة وخلع المستكبرين.

لا شك أنه لأهل تونس ومصر وليبيا واليمين .. لا شك أنه أحلى عيد.
لا شك أنه أحلى عيد لأهل سوريا المقاومة..
عيد الفطر لأهل الشام الأباة هو عيد المقاومة .. وسيكون أضحاهم بحوله سبحانه وحده أحلى عيد مر عليهم من بعد عقود كالحة عجفاء من هيمنة العائلة النصيرية العلوية المجرمة على سوريا المقاومة. صبرا آل سوريا .. موعدكم عيد الإضحى. أليس عيد الإضحى بقريب؟
هو أحلى عيد لأمة الإسلام قاطبة جمعاء..
هو أحلى عيد لأمة لم يأت إليها الإسلام إلا ليحررها من كل صور الطغيان والإستعباد والإسترقاق..

بارك الله لكم جميعا في عيدكم وأعاده عليكم بالثورة أو بقطف طيبات الثورة.
بارك الله لكم جيمعا في عيدكم وأعاده عليكم بتحرير قبلة الثورات كلها : القدس السليب.

والله أعلم.

الهادي بريك المانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.