نصرالدين السويلمي - تونس - لم تكن النتائج التي أسفرت عنها انتخابات المجلس التأسيسي مفاجئة على الأقل بالنسبة للمركز الأول، فقد كانت كل المؤشرات تشير إلى أنّ حركة النهضة في طريق مفتوح نحو تحقيق تقدّم مريح على نظرائها من بقيّة الأحزاب والقوائم المستقلة، ولم تأتِ مثل هذه التوقعات من فراغ، فالحزب الذي انتزع أكثر من 40 % من الأصوات وبنظام إنتخابي ابتزّ الكتل الكبيرة لصالح تلك الصغيرة لم يكن وليد الرخاء ولا هو قدم إلى الساحة السّياسيّة حديثا إنّما هو حزب نشأ وعمل وتحرّك في ظل قبضة بورقيبة الحديدية، ولم يكد يخرج من محنة حتى يجد الأخرى في انتظاره . لقد قدّمت حركة النهضة تضحيات كبيرة ومؤلمة حتى تصل إلى هذه اللحظة التي حازت فيها على ثقة شعبها، وتعرّضت إلى أقصى أنواع البطش التي يمكن أن يبتكرها دكتاتور يتلذذ بتعذيب وتدمير مخالفيه، وحطّمت الحركة سلسلة من الأرقام القياسيّة في المحن والابتلاءات، فلم يسبق لحزب أو تيار أو هيئة أن دفعت ما دفعته النهضة من سجون وشهداء وتعذيب وتجويع وتشريد، وإلى جانب شتى أنواع المحن التي تعرّضت لها الحركة فإنّ أحد أهمّ زعمائها الدكتور الصادق شورو يعدّ السجين السّياسي الأكثر بقاء في السجن في تاريخ تونس، الصادق الذي قضى أكثر من ثلثي فترة حكمه في السجن الإنفرادي، والذي رفض مقايضة خروجه بعد ثمانية عشر سنة سجنا بالسكوت والانسحاب من ساحات النضال لكنّه أبى مفصحا عن شجاعة نادرة تسكن في جسم نحيل ومنهك بالأمراض، لقد قدّم هذا الرجل أنموذج ثبات يستحق أن يكون مرجعيّة لكل السائرين في طريق النضال وعلى درب الحرية، وكان الدكتور صادق في مستوى الثقة التي وضعتها فيه الحركة عندما كانت تمرّ بأكثر المنعرجات خطورة في تاريخها، حينها تقدّم الرجل وتحمّل المسؤولية كما تحمّل تبعاتها التي دامت لعقدين كان فيهما صابرا محتسبا، والشيء الثابت لدى الرأي العامّ اليوم أنّ رمزا وطنيّا مثل شورو يعتبر مرجعيّة في النضال يترقّب الوقت المناسب لكي يقع تكريمه ليس على مستوى حركة النهضة فحسب بل على مستوى تونس ككل ولما لا على مستويات إقليميّة وعالميّة .