أي مصير لعدد كبير من الأحزاب التي ظهرت بعد 14 جانفي؟ استفسار يبدو منطقيا إلى حد ما سيما بعد أن باحت انتخابات المجلس التأسيسي بنتائجها.وتبين أن عددا لا بأس به من الأحزاب التي ولدت في خضم الطفرة التي عرفتها الساحة السياسية والحزبية في تونس مباشرة بعد الثورة،خاضت المعركة الانتخابية ولم تظفر بشيء وبات مصيرها اليوم على المحك.
ويعتقد البعض أن انتخابات المجلس التأسيسي كانت بمثابة الإمتحان الأول للأحزاب الناشئة لمعرفة حجمها في الساحة السياسية.ونتائج هذاالإمتحان كشفت أنه حتى بعض الأحزاب العتيدة بتاريخها النضالي الذي لا يمكن أن يزايد عليه أحد،لم تقو على خوض الإمتحان أمام الناخب التونسي بعد الثورة فما بالك إذا ماتعلق الأمر بأحزاب فتية نشأ الكثير منها على أساس عائلي وقام بعضها على وهم الزعامة والشهرة التي خامرت مؤسسيها.وتوهموا أن لهم وزنا وشعبية تؤهلهم لتأسيس أحزاب وخوض غمار الإنتخابات.
فشل منذ البداية
من هذا المنطلق يرى صلاح الدين الجورشي (إعلامي وحقوقي) أن المشهد الحزبي مرشح لكي يتغير بشكل جوهري بعد الإنتخابات بحكم أن عديد الأحزاب التي ولدت بعد الثورة تبين لها وللرأي العام أنها لا تملك مقومات البقاء.فحوالي 40 حزبا لم تتمكن حتى من تكوين قائمة انتخابية وهذا دليل على الضعف البنيوي داخلها وغياب الإشعاع الشعبي.وأشار محدثنا أنه في إطار مراجعة قانون الأحزاب لا بد مستقبلا من وضع شروط أكثر جدية لإعطاء تراخيص لأحزاب تتمتع بالحد الأدني من العضوية.
غربلة أولية في الانتظار
اليوم وفي انتظار هذه الشروط الجادة لتكوين الأحزاب، يرى كثيرون أن انتخابات التأسيسي كانت بمثابة الغربلة الأولية لهذه الطفرة الحزبية المبالغ فيها في انتظار غربلة ثانية إبان الإنتخابات التشريعية القادمة قبل أن تتضح نهائيا ملامح المشهد الحزبي في تونس ما بعد الثورة .ويصبح الجميع وفي مقدمتهم المواطن التونسي على بينة من الأحزاب الجادة والقوية والمبنية على أسس فكرية وإيديولوجية وبين الأحزاب "الظاهرة" التي ارتبطت بسياق وظروف معينة وزالت بزوال ملاباسات نشأتها. ومن جهته يعتبر صلاح الدين الجورشي أنه لا يتعين على الأحزاب انتظار موعد الانتخابات التشريعية المقبلة بل عليها استيعاب الدروس التي أفرزتها الإنتخابات الحالية وتتأكد أن الكثير من الأحزاب الناشئة التي كانت متناسقة إلى حد كبير في برامجها وأهدافها لا تستطيع ضمان الحد الأدنى من وجودها في البرلمان القادم.
مشاورات وتحالفات
ويرى محدثنا أن على هذه الأحزاب الدخول في مشاورات في أقرب الآجال لتشكيل إما أحزاب كبرى أو تعمل على تأسيس أقطاب بالمعني السياسي الذي يميز بعضها عن بعض حسب الإتجاهات السياسية. وإذا لم تندمج الأحزاب الناشئة في أقطاب أو في أحزاب كبرى يرى صلاح الدين الجورشي أنها ستشهد ما يسمى "بالترحال السياسي" وذلك بهجرة عدد من كوادرها نحو الأحزاب الكبرى ومنها الأحزاب الفائزة في انتخابات المجلس التأسيسي