الاسعد الذوادي عضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا يتذمر بعض المزودين من الخسائر التي لحقت بهم نتيجة عدم تمكنهم من استخلاص ديونهم التي تخلدت بذمة بعض شركات التصرف في النزل المبعوثة من قبل بعض المجموعات السياحية الأجنبية و غيرها برأس مال زهيد لا يتناسب مع النشاط المزمع ممارسته والذي يتطلب موارد مالية مهمة تقدر بملايين الدينارات إذا ما أخذنا بعين الاعتبار معينات كراء النزل. بعض باعثي تلك الشركات التي هي أشبه بقشرة حلزون غادروا البلاد تاركين وراءهم المزودين الذين وقعوا في شراكهم وغيرهم من الدائنين من إدارة جباية وصندوق وطني للضمان الاجتماعي ومؤسسات مقرضة ومالكي نزل في حيرة من أمرهم. فالعديد من المزودين اعتقدوا خطأ أنهم يتعاملون مع مالك النزل ولم يتفطنوا إلى أن شركة التصرف اكترت النزل بعد أن تكبدوا خسائر فادحة لا يمكنهم تداركها. صنف آخر من المجموعات السياحية الأجنبية المشهورة دوليا في مجال استغلال النزل قد تنأى بنفسهاعن مثل هذه الأعمال التي تسيء لسمعتها لتمارس التهرب الجبائي بصفة غير مباشرة و واضحة من خلال آلية اسعار التحويل (Prix de transfert) حيث تعمد إلى بعث شركة تصرف بتونس تملك 100 بالمائة من رأس مالها الزهيد (10 آلاف دينار على سبيل المثال( لتتولى هذه الأخيرة إكتراء نزل أو أكثر بملايين الدينارات بواسطة التسبقات التي تحصل عليها من الشركة الأم الحريف الوحيد باعتبار انعدام مواردها المالية. بعد ذلك تتولى الشركة الأم بالخارج تسويق خدمات الإقامة للشخص الواحد مقابل 2000 يورو للأسبوع الواحد الذي تشتريه بعد ذلك لدى شركتها التي بعثت بها بتونس مقابل 200 يورو على سبيل المثال وتبقي عادة على هامش الربح (1800 يورو) بأحد الملاذات أو الفراديس الضريبية (Paradis fiscaux). فالشركة الأم الحريف الوحيد هي التي تحدد بصفة مسبقة سعر شراء الإقامة لدى شركتها البنت بتونس التي عادة ما تصرح بخسارة أو ربح زهيد لا يتماشى مع الحجم الهائل لنشاط النزل الذي اكترته بتونس. هذه الأعمال، إضافة إلى الخسارة التي تكبدها للخزينة العامة، تلحق أضرارا جسيمة بجودة الخدمات السياحية باعتبار أن أسعار البيع المفروضة على الشركة المبعوثة بتونس لا تسمح لها بتقديم خدمات في مستوى السعر الذي قبضته الشركة الأم الحريف الوحيد من السائح بالخارج. مثل هذه الشركات تتحيل في نفس الوقت على الشعب التونسي وعلى السائح الاجنبي. إضافة إلى ذلك، تقوم بعض المجموعات السياحية الأجنبية بفوترة إتاوات لشركتها بتونس مقابل استعمال علاماتها التجارية وخدمات استشارات وخبرة ومساعدة فنية وخدمات حجز وإشهار وتسويق وخدمات أخرى تطول قائمتها، قد تكون وهمية، بمبالغ خيالية لاستكمال عملية تحويل العملة الصعبة والأرباح لكي لا تخضع للضريبة على الشركات بتونس. فإذا أصابت أنفلونزا الطيور أو الخنازير المدير العام للشركة الأم بالخارج، فعلى الشركة الوليدة بتونس أن تتحمل جزءا من مصاريف علاجه وهي أعباء لا علاقة لها بالاستغلال ولا يمكن بأي حال من الأحوال احتسابها ضمن الأعباء القابلة للطرح أو للتحويل بالعملة الصعبة شأنها في ذلك شأن مصاريف الإشهار الجماعي والتسويق والحجز بالخارج والتي لا يمكن إثبات علاقتها بالاستغلال بتونس. فالمفروض أن تتم متابعة ومراقبة هذه المجموعات المرتبطة بالملاذات أو الجنات الجبائية مثل لوكسمبورغ وسويسرا والجزر البريطانية وغيرها لكي تضبط أرباح شركاتها بتونس على أساس الأسعار التي تفرضها على التونسيين الذين لا يمكنهم في بعض الأحيان الانتفاع بخدماتها أو على أساس مقارنات مع معطيات تتعلق باستغلالات مماثلة مثلما نص على ذلك الفصل 6 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية. فالمعاملات المنجزة بين الشركة الأم الأجنبية وابنتها بتونس أو بين المجموعات السياحية التي تسوغ علامتها التجارية وتقدم خبرتها ومعرفتها ومساعدتها الفنية مقابل إتاوات، وجب أن تخضع لمراقبة آلية معمقة من قبل كل الأطراف المعنية خاصة عند تحويل العملة الصعبة، باعتبار ما للتهرب الضريبي الدولي من خطورة على الاقتصاد التونسي علما بان الاعمال التي قامت بها بعض شركات التصرف كلفت الخزينة العامة الاف المليارات. كما آن الأوان أكثر من أي وقت مضى لكي تعمل كل الأطراف على وضع حد لهذه الأعمال المضرة بصفة خطيرة بمصالحنا الوطنية من خلال تكوين خبراء و مختصين في مقاومة أسعار التحويل وتفعيل المساعدة الإدارية مع البلدان التي وقعنا معها اتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي خاصة على إثر سن الفصل 51 من قانون المالية لسنة 2010 الذي وفر الآلية القانونية صلب القانون العام الكفيلة بمقاومة هذه الظاهرة التي تستنزف موارد الدولة. فالفقيه المرموق الفرنسي بتريك رصات أثبت من خلال دراسة علمية شهيرة أن مردودية المراقبة الجبائية لأسعار التحويل تفوق أكثر من ثلاث وعشرين مرة مردودية مراقبة الأداء على القيمة المضافة الذي يعتبر أهم مورد بالنسبة إلى الخزينة الفرنسية. كما أن الإطلاع على أدبيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية و الاستئناس بتجارب البلدان المتطورة في هذا المجال يبقى ضرورة ملحة باعتبار أن الخسائر الناجمة عن الظاهرة تقدر سنويا بآلاف ملايين الدنانير إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القطاعات الأخرى وآليات التهرب الأخرى كشركات الفوترة الوهمية المبعوثة داخل الفراديس الجبائية والتي هي على شاكلة صناديق بريد وفوترة اليد العاملة بمبالغ خيالية في إطار مساعدة فنية قد تكون وهمية وغير ذلك. اخيرا، كان من المفروض فتح تحقيق عاجل بخصوص ظاهرة اسعار التحويل باعتبار خطورتها والتي تكلف الخزينة العامة سنويا الاف المليارات وباعتبار ان استشراءها ينم عن ظاهرة الفساد الاداري التي لا تزال تنخر الموارد العمومية وباعتبار ان البعض من تلك الشركات انتفعت بانظمة تفاضلية ما كان لها ان تنتفع بها لولا تواطؤ بعض الاطراف الضالعة في الخيانة لهذا الوطن. فالمفروض اليوم اكثر من أي وقت مضى ان نفتح ايضا تحقيقا بخصوص كل الشركات الاجنبية التي تتمتع بانظمة تفاضلية في مجال التصدير وغير ذلك على ضوء اجوبة ادارية وقرارات ادارية غير شرعية صادرة في ظروف مشبوهة وفاسدة بتدخل من الرئيس المخلوع وافراد عصابته وعائلته مقابل عمولات تقوم مقام الضريبة على الشركات في بعض الاحيان مثلما تمت الاشارة الى ذلك في البرنامج التلفزي "سقوط دولة الفساد"