بسم الله الرحمان الرحيم تتوالى في هذه الأيام تصريحات سياسيينا الأفاضل وتتوالى أيضا زلقاتهم. قبل أيام فاجأني تصريح أخينا المهندس حمادي الجبالي حول الخلافة وما أثاره من ضجة لم تهدأ إلى الآن. ثم بعده تصريح أخينا الدكتور المرزوقي لجريدة لبنانية تلاه تكذيب منه ومعارضة من طرف الصحيفة بصحة ما نسَبَت إليه عبر تسجيل صوتي احتفظت به. أردت هنا أن أدلي بدلوي حول المسألة خشية أن تتوالى الزلقات، وسأكون مباشرا جدا وأقول وبالله التوفيق: أولا: مصيبة هذه الأمة ومصيبة سياسيينا في الماضي كانت من الارتجال. ارتجال الحديث وارتجال الأفكار، ويمكن في هذا السياق ذكر مثال جمال عبد الناصر وارتجالاته عند الحديث، وتصريحاته غير المحسوبة التي أدت في بعض ما أدت إلى هزيمة 67. كما يمكن أيضا ذكر مثال سيء جدا للارتجال من خلال شخصية القذافي وابنه سيف الاسلام الذي دفع ليبيا بحديثه المرتجل إلى حرب انتهت بمقتل أبيه وإخوته وتشريده هو وبقائه طريد العالم. أما عن ارتجال الأفكار فحدث ولا حرج في أمتنا، ويمكن هنا ذكر السادات الذي فاجأ الناس بفكرة مرتجلة تلقفتها إسرائيل وكان أول زعيم عربي يخطب في الكنيست. ثانيا: أن أبرع المتحدثين وأكثرهم قدرة لا يستطيعون تفادي الخطأ والتورط في كلام يكلفهم توضيحا واعتذارا وأحيانا يكلفهم سمعتهم ومستقبلهم السياسي.. ثالثا: أني لاحظت بعض السياسيين في الغرب هنا ورأيتهم يتدربون بشكل روتيني ويومي على الحديث للصحفيين وعلى فن الخطابة والكلام، وعلى هذا فهم مستعدون لأي سؤال بجواب جاهز أو شبه جاهز. حتى أنك إذا سمعت هؤلاء يتحدثون تقول ما أشد حضور بديهتهم، ولكنهم في الحقيقة ينفقون أوقاتا طويلة من يومهم في التدرب على الأسئلة والأجوبة ولا يتركون للصدفة إلا ما قل، وأحيانا ترافقهم الأسئلة والأجوبة المحتملة لها في أحلامهم خلال النوم. رابعا: أن أكبر السياسيين في العالم اليوم يتجنبون الحديث المرتجل أقصى ما يستطيعون. حتى أوباما نفسه الذي أصبح عند البعض رمزا للخطابة لا يتحدث إلا من خلال كلام مجهز، ويتجنب الحديث المرتجل إلى أقصى ما يقدر. خامسا: أنه أصبح أمرا متعارفا عليه، بأن من تبوأ منصبا سياسيا عليه أن يستعين بخبراء في علم التواصل ومستشارين يساعدونه ويجهزون له ما يقول، ويحذرونه من طرق معينة في الحديث وينبهونه إلى تجنب كلمات معينة وإيحاءات معينة، حتى إذا تحدث كان أمامه دائما خط حديث واضح ومحاذير يتجنبها حتى وإن غم عليه الحديث. على هذا أقول بأن الأخ المهندس حمادي قد وقعت منه زلة الذي يرتجل الحديث، فهو يستند على ما يتوارد على خاطره في تلك اللحظة دون أن تكون لديه فرصة للتثبت. ونفس الأمر بالنسبة للدكتور المرزوقي لعل حماسه وصرامته كانت أسبق إلى لفاظه فأوقعته في الحرج. في إطار هذا أطلب من أخوينا بشكل مباشر: لقد أصبحتم الآن ممثلين لكل الأطياف وليس لطيفكم فقط فلا بد من الاستعانة، الآن قبل الغد، بشبكة خبراء في فن التواصل ومستشارين للمساعدة في صياغة الحديث، حيث أن البلد لم يهدأ كليا ويمكن أن يهتز لمجرد تصريح منفلت وغير مقصود. الارتجال قد يمثل إثباتا لقدرات السياسي ولكن ثمنه باهض جدا عند الخطا، وقد يندم السياسي عندها ندما لا ينفعه وقد يكلفه ذلك مستقبله. في بريطانيا حيث أقيم الآن خسر غوردون براون، رئيس الحكومة السابق، مستقبله السياسي بسبب كلمة انفلتت منه في لحظة تصور أن لا أحد يسمعه فيها، وذلك قبل الانتخابات بفترة وجيزة، فكانت نهايته السياسية. الأسعد الدريدي الفرزدق الصغير المسلم الصغير