بعد بث فيلم «يوم في حياة البشر» اشترك في تصويره هواة من 140 بلدا «يوم في البلاد التونسية» على طريقة «ريدلي سكوت».. لم لا؟
طالعتنا الصّحافة العالمية بخبر يتعلّق بتجربة طريفة ومهمّة، ويستوقفنا الخبر لعدد من الأسباب منها بالخصوص إمكانية أن نقوم في تونس بنفس التجربة، ويمكن أن نستفيد منها خاصة في الظروف الحالية. قام «ريدلي سكوت» المخرج العالمي المعروف بإنتاج فيلم يتكون بالكامل من فيديوهات مصورة من مختلف أنحاء العالم. الفيلم الذي أخرجه «كيفين ماكدونالد» يحمل عنوان: «الحياة خلال يوم» أو «يوم في حياة البشر» إذا شئنا، المهم أن الفيلم يصور يوما كاملا من حياة البشر، من الفجر إلى حلول الظلام في مختلف أنحاء المعمورة. يتعلق الأمر بفيلم حقيقي مثلما كتبت صحيفة «الفيغارو» الفرنسية مثلا وهو يدوم حوالي ساعة ونصف. إنه عصارة ستة أشهر من العمل على حوالي 80 ألف مشهد مصور تلقاه «ريدلي سكوت» من 140 بلدا عن طريق الإنترنيت وذلك بعد أن بث على الواب رغبته في الحصول على هذه المشاهد. كان ذلك منذ جويلية 2010. الفيلم بث مؤخرا على موقع «يوتوب» وأمكن بالتالي للجماهير الواسعة عبر زوايا العالم الأربع، أن تتكوّن لها فكرة عن البشرية، وكيف تقضي يوما من حياتها. يهدف هذا العمل الفني السينمائي كذلك إلى تقريب المسافات بين سكان العالم، ويتوقع حسب الصحافة العالمية أن لا تقف التجربة عند هذا الحد، من ذلك مثلا أن نفس المنتج ينوي تكرار التجربة ولكن بالاقتصار هذه المرة على موطنه بريطانيا حيث طلب من المواطنين الأنقليز أن يرسلوا له مشاهد يقع التقاطها من مختلف زوايا البلد في يوم واحد (يوم 12 نوفمبر الجاري). أما كيف يمكن أن يستفيد التونسيون من مثل هذه التجارب ولماذا في هذا الوقت بالذات فإن الأمر يمكن أن نحزره بسهولة. معروف أننا في تونس ورغم الرقعة الجغرافية الصغيرة نسبيا التي يمتد عليها التراب التونسي فإن سوء الفهم والأحكام المسبقة في مختلف مناطق البلاد موجودة، وأحيانا بشكل كبير. وإذ قامت الثورة الشعبية ضد الفوارق بين الجهات في توزيع ثروات البلاد فإنها كشفت في الآن نفسه عن وجود ضغائن وأحقاد ناتجة عن سوء الفهم وعن الأحكام المسبقة حتى بين سكان المنطقة الواحدة. كل ما في الأمر في العهد السابق أن النار كانت مغطاة بالرماد أما وقد قامت الثورة وخلعت الديكتاتورية فإنها كشفت المستور. يكفي أن يستغل أحدهم سذاجة البعض أو طيبة البعض الآخر فيحرك فيهم النعرة الجهوية والمحلية حتى نتوقع أيّ شيء، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مناسبة أليمة بعدد من مناطق البلاد التونسية بعد انتصار الثورة الشعبية. وانطلاقا من ذلك يمكن أن نعتبر أن القيام بتجربة، على غرار ما ذكرنا آنفا، يمكن أن يكون لها مفعولها حتى وإن كان على مستوى الرمز. ماذا لو أن التونسيين يشاهدون فيلما، يقوم التونسيون من زوايا تونس الأربع بأنفسهم بتصويره عن حياتهم خلال يوم، ويكون فرصة لتجديد التأكيد على أن الشعب التونسي واحد، وأكبر من كل الصراعات من أجل الزعامات أو الكراسي، ولو في زمن افتراضي زمن الفيلم. يمكن وقتها أن يشعر كل تونسي معني بوحدة الوطن وبوحدة سكانه حول هدف كبير أي حول مشروع حياة اجتماعية بعينها، بأنه لا شيء يمكنه أن يقف في وجه طموحات التونسيين في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. لأنه لا شيء في نهاية الأمر يوحد بين الناس ويجعلهم يعيشون في سلم سوى الرغبة الحقيقية في التعايش في إطار السلم الاجتماعية. لا يمكن لوحدة التاريخ أو الجغرافيا أو اللّغة أو الدين على أهميتها أن تقوم بذلك وقد قالها العارفون من قبل, لا يمكن لكل تلك العناصر أن توحد بين الناس في غياب الرغبة، وبشكل تلقائي وعفوي في البقاء معا، وإلاّ لكان العرب قد توحدوا منذ زمان بعيد. قد لا نحتاج للتأكيد كذلك أن فيلما كهذا بإمضاء أبناء الشعب يمكن أن يوجه رسالة للعالم، الذي يراقب التونسيين بعين الفضول الملحة منذ قيام الثورة.