أحلاهما مرّ بقلم ناجي الحجلاوي السجين نبيل حجلاوي قد يتبادر إلى الذّهن حجم المعاناة الّتي يعيشها من هو داخل السّجن الّذي يحدّث نفسه من وراء القضبان ، إنّها تجربة قصوى والحقيقة خلاف ذلك فالّذي هو خارج السّجن كثيرا ما يصطدم بما يجعله يكتشف أنّه داخله. وهْمٌ يتحرّك وضمن ضروب من الظّن يعيش فليس الغريب من تجافاه الحبيب بل الغريب من كان في وطنه غريبا بل الّذي هو في غربته غريب. ذلك توقيع التّوحيدي الّذي ما هدأت حركته لأنّها نابعة من شوق طبيعي إنّه الشّوق ذاته الّذي حدا بالمناضل نبيل حجلاوي أن يتألم وما كان له أن يألم لولا أنّ الوعي الّذي يحتدّ يصبح كالسّيف الحديد يهفو بصاحبه إلى الصّورة الأفضل من الحياة الرّاكدة العجوز. لقد امتدّت يده إلى القرطاس والقلم كما امتدّت يدا التّوحيدي ومن قبله ابن المقفّع فكانت الحرائق وهل ينبع الشّعر إلا من الحريق. لقد رأى صاحبنا حرائق مادّية تنهش أضلاع المدينة فنشبت حرائق المعنى بين ضلوعه وما أشبه النّار بالنّار ولولا قداسة النّار ما خلق الله جحيما سعيرا تمتلأ وتقول هل من مزيد ومن عن النّار يُخبرك وهل ينبّئك مثل خبير؟ أيّ نار أشدّ من الظّلم جعلت دعاء المظلوم يصعد لله دون حجاب وأي نار أشدّ من نار الحُطيئة يُحرم من فراخ لم يزغبن في يوم عيد ولم يشتدّ العود منهنّ أهكذا العيد أم هي الأعياد تأتي فيها الثّورات تنشده: عيد بأيّة حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد ليس بمحلّ خلاف إنّما هي الرسالة التي يبعث بها المحترق منذ أن دشّن البوعزيزي عهد الاحتراق هو أنّه ليس بالمتحدّث أصالة عن نفسه وكم كان الأمر يكون عادلا لو سجن كل أهالي سيدي بوزيد، مثل نبيل، لأنّهم استنكروا حرق المرافق الحيويّة والمؤسّسات العموميّة الّتي بنوها لبنة لبنة من مصروف أبنائهم ومن عرق جبينهم. كان على نبيل حجلاوي أن يكتم أنفاسه وأن يغمض عينه طالما كانت النّار تشتعل أما يكفيه النّار التّي هي فيه عامين ونصف السّنة من السّجن وسنوات عجاف من المراقبة الإداريّة وخمسة أطفال تطيش من أفواههم كلمة " بابا" الّتي هي لا حيث وحيث لا حيث، أم أنّه الهارب من النّار إلى الرمضاء أم لعلّه أراد أن يطفئ النّار بالنّار فكوفئ بنار السّجن وخيط له من لحاف الماء متران فداء إلى الوطن المفدّى الّذي سدّ وما أسدى وأعياه الصدّى جذبا وردّا وظُلم ذوي القربى أشدّ مضاضة من وقع الحسام المهنّد على قلب شَابَ وما شبّ وفيه الهوى الّذي لا يموت على ضيق تعسكر أو ظلام تدثّر فالعاشقون لهم في النّار والسّجن مأدبة لو أنّ هذا السّجن درى بعد حين ارتفاع الذّكر في الجدران مدفئة يلذّ الطّعام بقربها لاستزاد من المسيح صلابة فالصَّلب أكذوبة فنيّة في الرّواية وخير الكلام ما كان مكذوبا ولا سيما حين يضلّ الصّدق بوّابة كبرى إلى السّجن المعطّر بالمياه المعدنيّة حتّى إذا ما استقامت صداقة في الظّل أثّثها الحريق قصيدة معناها أنّ البلاد مزرعة ومنفعة ولكن هذا الشّتاء أطلّ وبين يديْه جواب بقول إنّ سيدي بوزيد لا تنتج خرفانا فقط. وقبل الختام أصرّ الجليس على أن يفوّح القصيد بعطر السّماع ولو بالقليل الّذي لا يذاع فقلت: هل كفى ما جرى من محنْ يا حماة الحمى اعلموا أنّنا إخوة في الوطن.