وزير النقل: دفعة ثانية من 418 حافلة في الطريق    تقلّص عجز الميزان التجاري الطاقي لتونس بنسبة 8 بالمائة    عاجل: تحذير من تقلبات جوية عنيفة بداية من الليلة    يهم ''التوانسة'' تعرف على أسعار السيارات الشعبية في 2025    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    جريمة قتل المحامية منجية المناعي: الإنتربول يلقي القبض على الإبن الفار    للتونسيين المقبلين على الزواج :'' كفاش تتحصل على فحص طبي مجاني؟''    غوارديولا: ''أحب تونس أقدر موهبة شمال إفريقيا''    مجموعة beIN الإعلامية تجدد حقوق البث الحصري للدوري الإنجليزي الممتاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى عام 2028    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    هام/ نسبة امتلاء السدود تبلغ 55 بالمائة..    مهاجم النادي الصفاقسي سابقا يخوض تجربة إحترافية جديدة    الشكندالي: اتساع رقعة الحرب.. يهدد ميزانية الدولة ويُفاقم العجز الطاقي    مأساة جديدة قبالة السواحل الليبية: فقدان أكثر من 60 مهاجراً    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    تونس تشتعل حرًّا: درجات حرارة قياسية تتجاوز 47° تحت الشمس    الستار يسدل اليوم على ''السيزيام'' 2025    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    رسميا: النادي الإفريقي يكشف عن أولى صفقاته    9 فواكه تناولها يوميًا لطرد السموم من الكبد والكلى..تعرف عليها..    استشهاد 30 فلسطينيا في قصف صهيوني على منتظري المساعدات ومنازل وخيام غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ إيران تستهدف طائرة حربية إسرائيلية بصاروخ "سطح جو"..    ميناء حلق الوادي: وصول باخرتين سياحيتين تقلّان قرابة 9500 سائح    قافلة للحزب الدستوري الحر نحو سجن بلِّي بنابل تضامنا مع عبير موسي..    كأس العالم للأندية: التعادل يحسم مواجهة إنتر ميلان الإيطالي ومونتيري المكسيكي    تونس تحتضن بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية للناشئين تحت 17 سنة بمدينة الحمامات    إيران تعلن تفكيك خلية تجسس تابعة للموساد في طهران    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    العرب في قلب الحدث: أبرز مواجهات اليوم في كأس العالم للأندية ...التوقيت    أحمد ونيس: مخاطر التدخل الأميركي في الحرب تُهدّد بتصعيد عالمي    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    علاش يلسعك إنت بالذات؟ 5 أسباب تخليك ''هدف مفضل'' للناموس!    صاروخ ''فتاح'' يثر الرعب ...يتخفى و يناور ...شنية حكايتوا ؟    لماذا رفضت وزارة العدل توثيق الطلاق لدى عدول الإشهاد؟    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    50 مقاتلة تشن غارات بطهران وصواريخ "فتّاح" تستهدف إسرائيل للمرة الأولى    واشنطن قد تدخل الحرب وطهران تتوعد    إختيار 24 عينة فائزة في الدورة الثامنة لجائزة أحسن زيت زيتون تونسي بكر ممتاز    تدشين قسم طب الولدان بمستشفى شارل نيكول بمواصفات متطورة    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    انطلاق التسجيل بداية من يوم الخميس 19 جوان الجاري في خدمة الإرساليات القصيرة للحصول على نتائج البكالوريا    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    عاجل/ 6 سنوات سجن في حق هذا النائب السابق بالبرلمان..    فحوى لقاء سعيّد بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلاح الصبر في مواجهة العلمانية
نشر في الحوار نت يوم 19 - 12 - 2011

تمثّل العلمانية العربية العدوانية أكثر من تحدّ للحركة الاسلامية ولعموم المسلمين المتمسّكين بدينهم وبالمشروع المجتمعي والحضاري المنبثق عنه، فهي دائمة التحرّش بالقيم والشرائع والأخلاق ، فضلا عن حامليها والداعين لها ، تسخَر وتغمز وتلمز، بل وتصرّح بكلّ وقاحة بمعاداتها السافرة للإسلام، وتتوعّد دعاته وتتحالف مع جميع الأعداء في الداخل والخارج ، وتتبع كلّ السبل وتستعمل كلّ الوسائل للكيد لدين الله وأهله إذا هم تجرّؤوا على العمل السياسي والدعوي وبشّروا بالحياة الطاهرة النظيفة فكريا وسلوكيا، وأعلنوا انعتاقهم من المرجعية الغربية، ودعوا إلى عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني...فكيف علينا أن نواجه هذا الخصم الذي هو من جلدنا ويتكلّم لغتنا ويزعم حماية الأمّة منّا ومن مشروعنا " الظلامي " ؟
يطرح هذا السؤال نفسه بإلحاح في ظلّ اكتساح الأحزاب الاسلامية للانتخابات في أكثر من قطر عربي بعد ثورات الربيع، وهو اكتساح يبشّر بمزيد من الحضور الرسمي للإسلاميين وفي أكثر من بلد آخر في المستقبل القريب، وهذا يعني ازدياد الهجمة العلمانية إعلاميّا وسياسيّا مع محاولات تحريك أطراف شتّى في المجتمع بمؤامرات خفية وعلنية بأشكال متعدّدة وذرائع مختلفة، وهي لم تكفّ عن عدوانيتها وتآمرها في ظلّ الأنظمة الاستبدادية وقد تمادت في تحرّشها بالرموز الاسلامية وهي تحت وطأة الاضطهاد البوليسي على مدى عقود.
وقد أثبتت التجارب المعاصرة أنّ استفزازات الأقلية العلمانية الليبرالية واليسارية وعُدوانيتها ومكائدها لا يصبر عليها إلا أولو العزم من الرجال، ولا يحجم عن الانسياق في الردّ العنيف عليها إلاّ من ثبتت قدماه على مبادئ العمل البصير وانخرط في سلك الدعوة الربانية الهادئة، وإن العاقل ليكاد يفقد رزانته وهو يرى في كثير من البلاد الإسلامية أقلية متغرّبة متفسّخة تستحوذ على الإدارة والاقتصاد، وتمُسك بمقاليد الإعلام، تسخر من ديننا ولغتنا، وتتآمر على توجّهات الشعب واختياراته، وتؤجّج نار الفتنة، و تدقّ إسفين الفرقة، وتتبجّح بالمساندة الغربية السافرة، وقد أغرى كل ذلك فئة من الناس ركبها الحماس فانبرت للمنازلة وهي على غير دراية كافية بخيوط المؤامرة وموازين القوى وأبعاد المخطط العلماني المحبوك منذ مدة غير قريبة، فكان الاستدراج – في بعض البلاد العربية والاسلامية - للرّدّ العنيف على المجموعة الحاكمة سلاحا إضافيا في يد تلك الأقلية تشوّه به صورة الإسلام و دعاته ومشروعه الاجتماعي كما حصل منذ عشرين سنة في الجزائر مع الأسف.
أجل، يصعب الصبر في هذه المواطن ، ولذلك ينال الصابرون جزاءً لا نظير له :"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" –سورة الزمر 10 ،وقد مرّ بمثل هذه المحنة موكب الأنبياء الكرام فتحلّوا بالصبر بمعناه الإيجابي المشتمل على عنصري التحمّل والسعي من أجل التغيير، فتحمّلوا الأذى المادي والنفسي من الفئات التي أعماها الصلف والرئاسة والمكاسب الدنيوية، وواجهوا ذلك بالشعار الرباني المتألّق : "ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون" – سورة ابراهيم 12.
ولم يكن الصبر ذلّة وانهزاما، وإنما كان زادا لعمل تغييري دؤوب عميق شامل من شأنه اجتثاث الداء من أصله، فلمّا صدق الربانيون في الصبر وفي السعي لم يعد يعنيهم تهديد البغاة ووعيدهم، بل كان ذلك آخر تخطيط لهؤلاء قبل البوار: "وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملتنا"- سورة ابراهيم 13.
بهذه الوقاحة وهذا الصلف تُخيّر الشرذمة الزائغة المعادن الأصيلة بين التنازل عن المبادئ والنفي...فما أشبه الليلة بالبارحة ! لكن عند هذا الحد من الطغيان والغطرسة تأخذ السنّة الإلهية مداها : "فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظالمين ولنسكننّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد "- سورة ابراهيم 13.
جاء النصر إذاً وانقلبت الموازين لتأخذ وضعها الطبيعي بعد مصابرة ومثابرة كان للدعاة فيها -كما هو مبيّن في آي الذكر الحكيم- استمساك وثيق بحبل الله وعمل واعٍ بصير على هدي من سنن الله في الأنفس والمجتمعات وإعراض واضح عن ردود الفعل الآنية التي كثيرا ما تخالطها حظوظ النفس فتكون غير ذات جدوى أو تُفضي إلى عواقب وخيمة تصيب الدعوة ورجالها ورموزها وجماهيرها، واللبيب لا يعمد إلى الصخرة الضخمة المتجذّرة يضرب بالمعول لكسرها- ولا يستطيع- وإنما يجنح إلى إحاطتها بالحفر العميق الكبير فتتزحزح بعد ذلك بعناء قليل.
إنه عمل هادئ متواصل وصبر ساعةً ثمّ يفرح المؤمنون بنصر الله وتتجرّع الحثالة الباغية غصص الخزي والندم، وهو ذا القرآن الكريم يصف كيد بطانة السوء ثم يوجه المؤمنين بهذا الهدي الرفيع :"وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط" – سورة آل عمران 120.
نتعلّم من سير موكب الأنبياء الكرام الذي بيّنه الله تعالى في كتابه أن عواطف الإيمان ضرورية من غير شكّ لكنّها لا تنفع إلا إذا صبّت في إناء التربية الربانية وأبردَها العقل الحصيف المهتدي بمعالم الكتاب والسنة، فهذا ما يحصّن دعاة الإسلام من ردود الأفعال التي كثيرا ما يستدرجهم إليها خصومُهم ليُنهكوا قواهم ويشغلوهم بمخطط هم الذين وضعوه أساسا لبلبلة الصف المؤمن والإجهاز عليه من خلال تصيّد الأخطاء وتضخيم الهفوات وبثّ الإشاعات ، والعاقبة للمتقين بلا ريب، لكن العمل وفق سنن التغيير هو من صميم التقوى : " ولن تجد لسنة الله تبديلا "- سورة الأحزاب 62 ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبر في مكة على عداوة المشركين وفي المدينة على كيد المنافقين واليهود ويرفض الاستدراج (يترك متابعة بعض الرجفين في الداخل ومعاقبتهم ويقول: لا أريد أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه )، والاستعجال ( لقد كان فيمن قبلكم يمشّط بالأمشاط ما بين لحمه وعظمه لا يردّه ذلك عن دينه، ولكنّكم تستعجلون ) – حديث رواه البخاري، ويضبط سير أصحابه الكرام بضوابط الشرع فلا يجنحون إلى العمليات القيصرية وإنما يصبرون ويثبتون ويضحّون بالوقت والجهد والمال والأهل والأنفس حتى يتكوّن جيل رباني يتولّى بنفسه هدم الأصنام التي كان يعبدها من قبل، مردّدا مع النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " – سورة الاسراء 81 ، ولو بدأوا بتكسير الأصنام كردّ فعل على تعظيم المشركين لها لما قامت للإسلام قائمة.
فهل من فقه عميق لمعاني الصبر والتقوى نُخرجها من عالم التجريد لتكون زادا يُغذّينا ومعالم واضحة ناصعة تنير لنا الطريق فلا نزيغ ولا نطغى ؟ هذا موطن الامتحان حقّا وساحة بروز الأخلاق الرفيعة والسمت الرباني الذي تلقّاه ابناء الحركة الاسلامية في المحاضن التربوية ،قرأوا عنه في تراجم الصالحين وسير السابقين، و آن أوان تحويل كلّ ذلك إلى برنامج استراتيجي وسلوك عملي يلازم العاملين في الحقل السياسي، يصدّرون أخلاق المسجد إلى ساحة التدافع، يجسّدون قيم التقوى ويستمسكون بألوان الصبر، فلا يعاملون الخصوم بمثل باطلهم ولا ينزلون إلى مستوى كيدهم الدنيء ،ولا يبرحون الفضيلة والصدق والنصح وطهر القلب واللسان، ويتذكرون أن الإمامة إنما تنال بالصبر واليقين، والصبر يقتضي إبصار مواطن الحقّ والباطل برويّة وفقه عميق، ومعرفة سنن الابتلاء والتمكين معرفة وافية تُلجم ردود الأفعال العاطفية بلجام العقل الحصيف، حتّى لا يجد الخصوم سبيلا إلى تصيّد فورات الغضب لنفث السموم ، لا سيما أنّهم يمتلكون أركانًا إعلامية يأوون إليها، فيها آذان سمّاعة لهم لا تتورّع عن التزييف ورمي الاسلاميّين زورًا وبهتانًا، وافتعال الأزمات الماحقة.، ولكن للصفّ الاسلامي ميزة على شانئه، لأنّ الصبر عنده انتظار للمدد الرباني وتحقّق النصر الموعود " وترجون من الله ما لا يرجون " - سورة النساء 104.



عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.