كان بن علي في منتصف التسعينات يعيش ذروة جبروته وقد مكّن للتجمّع كقوة باطشة مسنودة بجميع الفرق الأمنيّة ومدعومة بميليشيّات الأحياء أو ما اصطلح عليه بلجان الأحياء التي شرّدت آلاف الأسر عن طريق الوشاية والدسيسة والتلفيق، في هذا الوقت ولمّا كانت قناة 7 والإذاعات التابعة والصحف الملحقة تتفنّن في خدمة الجنرال وكانت العديد من وسائل الإعلام اللبنانيّة والفرنسيّة تقبض بالعملة الصعبة مقابل التغطية على ما يدور في السجون الصغيرة وفي السجن الكبير، في هذا الوقت وتحديدا سنة 1996 حلّ بن علي بألمانيا في زيارة اعتقد أنّها ستكون سهلة مريحة، لكن المفاجئة كانت أكبر ممّا يتصور، ولأول مرّة وجد هذا الطاغية الذي اعتقد باستحالة وجود حنجرة تونسيّة تهتف ضدّه أو تحتجّ حتى على آلامها وجد الحشود ترفع في وجهه اللافتات الحارقة "جزار، مجرم، قاتل، دكتاتور.." ووجد الحناجر تهتف عن مقربة منه "بن علي قاتل.. بن علي قاتل.."، مازلت أذكر كيف أنّ إحدى السّيدات المحجّبات اخترقت البوليس الألماني وألصقت صورة أحد الشهداء على بلّور السّيارة التي يستقلها فأدار الطاغية رأسه. عندما تحصّل الإسلاميّون على رخصة التظاهر تفطّن البوليس السّياسي التونسي المتواجد في بعثاتنا الدبلوماسيّة فأعطى أوامره بالحشد من كل المدن الألمانية باتجاه بون، كان يروّج بين الجالية "المتطرّفون يهدّدون حياة السّيد الرئيس" ورغم الحافلات التي تقاطرت على المكان فقد نجحت وقتها النهضة في دقّ أول مسمار في نعش الطاغية وتيقّن لأول مرّة بعد 9 سنوات من بطشه أنّ تونس مازالت تقاوم، وكان أن طرحت عليه حينها رئيسة بلدية ألمانيا ملفّ جوازات السفر المحجوزة وملف النساء الأسيرات تحت المراقبة والإقامة الجبريّة. سنة 1996 عندما كانت سجون بن علي تبتلع قرابة 30 ألف سجين وكان بعض نشطاء حقوق الإنسان يواصلون ثباتهم كانت حركة النهضة تقود المعركة من الداخل والخارج، وكانت قواعد النهضة في المهجر على ذمّة كل حقوقي ينادي إلى تجمّع أو مظاهرة أو تظاهرة، مهما يكن الاسم، كمال الجندوبي، سهام بن سدرين، أحمد المناعي.. ومهما يكن المكان فرانكفورت، باريس، بروكسيل، جينيف.. كانت هناك رغبة قويّة بل فولاذيّة في عدم الاستسلام للطاغية. فتحية الى كل الذين اسهموا في دق ذلك المسمار ، تحية إجلال الى الذين شاركونا ثم قدر الله ان تركونا ، تحية الى محمد بومعيزة الذي رفض الدنية واختار موتة عزيزة في بلاد "الجرمان" على التذلل للطغيان ولم ينحني جسده الا ليلبي داعي ربه ، تحية الى محمد صالح وحي الذي صارع المرض فصرعه وصارع الاستسلام فدحره وصارع الجنرال حتى شيعه الى مثواه في جدة ثم رحل عزيزا الى مثواه الاخير ، تحية الى زوجته ورفيقة دربه في رحلة الهجرة الطويلة وفي رحلة الموت المؤلمة وفي رحلة الفردوس حيث الخلود باذن الله ، تحية إلى أم المهجرين إلى الحاجة سعيدة زوينخ ، الى السيدة التي آوت وأطعمت ، وجهزت وزوجت ، صاحبة اليد الطويلة في العطاء القصيرة في الأخذ ، السلام عليك يا سيدتي وانت تنامين هانئة في مقابر الحامة ، إلى منازل الشهداء ايتها الطيبة . اليوم في تونس الثورة ، تونس الانتخابات والصناديق، تونس شرف مقارعة الطاغية والثبات في وجه أبشع اسرة حاكمة في تاريخ بلادنا يعترض سبيلك العديد من الذين كانوا يطوفون في ليالي الشتاء الباردة "بالقشبيّة والعمود"، يراقبون كل نفس أو حركة أو طيف معارض لرجل السابع، العديد منهم يكشّرون في وجهك ثم يتقيأون جملة فاحشة "ركبّتوا على ثورتنا جماعة النهضة"!.