بسم الله الرّحمان الرحيم قالت أخت تسألني عن ملك الموت هل إسمه عزرائيل كما نسمع وهل هو مَلَكٌ واحد أم جمْعٌ من الملائكة وما الأدلّة ؟
أقول وبالله التّوفيق لعلّ الإجابة على هذا السؤال تخرجني ممّا أنا فيه من ضيق:
نسمع دائما أنّ ملك الموت إسمه عزرائيل واعتدنا على ذلك حتّى التصق الإسم بهذا المسمّى لكن علماء السّلف وخَلَفُهم من علماء عصرنا يعتقدون أن هذه التّسمية جاءت من الإسرائيليات أمّا القرآن والسّنة فليس فيهما صريح ذكر عن هذا لإسم.
لكن دعونا من ذلك..
نحن التّوانسة ، نذكر قبل الثّورة، كانوا يطلقون هذا الإسم على حاكم تونس بالحديد والنّار، فيقولون لفولان الفولاني وهو حلاّق مسكين فتح دكّانا ليأكل خبزا:
" حط تصويرة عزراييل في حانوتك ما كانش والله إلاّ ما يسكّروهولك أولاد حليمة "
أمّا هل هو ملك أم عدّة ملائكة نقول والله أعلم هو ملك مسؤول ومكلّف بمهمّة قبض أرواح كلّ البشر، ونحن لا يمكن أن نراه في حياتنا إلاّ عند النّهاية ونحن نغادر الدّنيا يا أختي، عندما يكون قد باغتَنَا في أحد منعرجات الحياة غافلين .. وقتها بسرعة نتعرّف عليه ونعرفه ويُقْضَى أمر الله دون تأخير ثمّ يبقى ذلك اللّقاء سرّا مخابراتيا وكيف يمكن أن نذيع السرّ ونحن قد رحلنا على من يهمّهم السرّ..
ولو قُدّر لنا أن نعرف ((عزرائيل)) ((إن صحّ الإسم )) في أثناء الحياة، أنا أقول، لتقرّبْنا إليه حتّى نمْلك وِدّه ثمّ نرسله في مهمّة إلى مدينة جدّة بالعربية السعودية ينفّذها و يعود سريعا لنُكلّفه بمهامّ أخرى متعبة هي أيضا وشاقّة في بناية الإذاعة و التّلفزة.. ثمّ على إثرها وبسرعة نتصل به "بالأيفون" ونسند له نفس المهمّة في الإتّحاد العام التّونسي للشّغل ونتابع نحن سعيه المحمود وعمله الدّؤوب على الفيسبوك...
أمّا دليلي على أنّ ملك الموت فرْد واحد فإنّه ذكر بصيغة المفرد في القرآن الكريم وذكر أيضا في صيغة الجمع بمعنى أنّ هناك جمع من الملائكة مكلفون بقبض الأرواح.
نتعرّض أولا لذكره في صيغة المفرد وذلك حين قال تعالى:
وقد يقول لي أحد: إنّ كلمة ملك هنا تعني ملائكة مثل قوله تعالى: ((والملك على أرجائها))
فأقول له صدقْت، ففي هذه الآية الّتي ذكرتها بالفعل ((الملَك)) تعني ((الملائكة)) والمعنى إذن ((الملائكة على أرجائها)) والهاء الممدودة تعود على السّماء..
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره فقال المَلَكُ (بالفتحة فوق اللّام) إسم جنس أي الملائكة على أرجاء السّماء أي على حافاتها..
قلت:أمّا المَلَكُ في قوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) دلّ على المفرد ودليلي لُغويّ بحتٌ حيث قال: (الّذي يتوفّاكم ) ولم يقل الّذين يتوفّونكم.
هذا، ولكن يا أختي لا يمنع أن يكون له أعوان بل قد يكون له جيش جرّار يعمل معه وجنود تابعين له ودليلي والله أعلم حين يذكر لنا سبحانه وتعالى كيف يتوفّى المؤمنين وكيف يتوفّى الكافرين فإنّنا نحسّ ونفهم أنّ هناك جمع من الملائكة يقومون بنزع الأرواح وسنذكر كلّ فريق عى حدة:
وانتبهي هنا أختي وأيضا باقي الإخوان.. ((الّذين كفروا)) مفعول به مقدّم على الفاعل تعجيلا ليطمئنّ الّذين آمنوا ويعلمون من بداية الكلام أن المعنيين هم الّذين كفروا وليس غيرهم..
وفي الآية نفهم أنّ الكافرين، فيما النّاس يسمّونهم شهداء ويجعلون لهم أصناما وتماثيل في الشّوارع ويضعون الورد في أماكن مصرعهم المباغت لهم وهم كانوا في سكرتهم يعمهون وفي الإعلام والموائد المستديرة يتشدّقون، فتضربهم الملائكة عند النّزع على الوجه لأنّهم كانوا (فصايل أصحاب رقعة كما نقول نحن التّوانسة ) على الشّاشات والصّحف .. ويضربونهم على أدْبارهم إهانة لهم..
وهذا ما سيحدث لرؤوس اللّائكية البغيضة عندنا والعالمانية المقتحمة علينا بلادنا بإذن الله، الكافرين بالشّريعة، الرّافضين حتّى ذكرها في دستور بلادنا المسلمة وذلك خبثا ومكرا منهم و تمهيدا لكي يسمحوا فيما بعد بقوانين شاذّة تصعق السّامعين لا تصلح إلاّ للقردة والخنازير والمدجّنين.
(( حتّى إذا جَاءتْهُم رسُلُنا يتَوَفّونهم قالُوا أين مَا كُنْتُم تَدْعُونَ من دُونِ الله..))
إذًا فهذه أدلّة أخرى على أنّهم جمع من الملائكة، وهكذا يصبح الحاصل عندنا أدلّة على أنّ ملك الموت واحد، وأدلّة على أنّهم جمع من الملائكة..
وفي الحقيقة لا تضارب في الأدلّة، فإذا ذهبْتِ أختي العزيزة إلى الآية الأولى الّتي فيها ((ملك الموت)) دلّت على رئيسهم، بمعنى إذا قيل ((ملك الموت)) فافهمي أنّ معه جيش كامل تماما مثلما تقولي مثلا:
(قايد السّبْسي) رجَمَهُ الله ( بالجيم المعجمة) وأراحنا منه، يعلم الجميع أنّه قد قتل المناظلين اليوسفيين الّذين شركوا في ثورة التّحرير وأبادهم، ولكن نحن نعلم أنّ (السبْسي) لا يقدر على قتل دجاجة بيده، لكنه معلوم كان وزيرا للدّاخلية آنذاك ومعه قادة أمنيون وهؤلاء معهم قوّات مجرمة يفعلون في الشّعب التّعيس ما يُؤمرون، فطاردوا المجاهدين اليوسفيين وأبادوهم كما هو مرقوم على صفحات التّاريخ، وها هو اليوم يريد أن يكون رئيس التونسيين...!
أو مثلا لو أخبرتك أنّ زميلي الشّهيد الوكيل عبد العزيز المحواشي من القوّات المسلّحة عذّبه بن علي حتّى الموت فمعْنى ذلك أنّ المخلوع خلع الله أزلامه وأتباعه الّذين خلّفهم وراءه فشيّبوا لنا رؤوسنا، قد سلّط على زميلنا كلابه في وزارة الدّاخلية والّذين لايزالون طلقاء ينعمون، زلزل الله تلك الوزارة بمن فيها.. فنهشوه وعذّبوه وأجلسوه على قوارير وعلّقوه في وضع الدّجاجة المصلية حتى أجهزوا عليه في ظرف أربعة أيّام.
ثمّ نعود،فهذه آية أخرى أختي العزيزة تتحدّث عن ملائكة القبض يقول تعالى:
((وَالنَّازعاتِ غَرْقًا)) قال المفسرون: ((وَالنَّازِعات)) هي الْمَلَائكة تَنْزع أَرْواح الْكفار
وقوله: ((غرقا)) يعني نزعا بِشِدَّةٍ
أمّا نزع أرواح المؤمنين:
فقد جاءت آية يَعتَقد المفسّرون أنّها تعني الملائكة الّتي تنزع أرواح المؤمنين وهي قوله تعالى:
((وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا)) ثمّ قالوا: هي الْملائكة تَنْشط أَرْواح الْمُؤْمنينَ أَيْ تَسلّها بِرفْقٍ ولين، اللهمّ إرفق بنا يوم تقبضنا يا أرحم الرّاحمين..
ثمّ ذكر تعالى بعدها مباشرة: ((فَالسَّابقاتِ سَبْقًا)) وقالوا هي الْملائكة تسْبق بِأَرْواح الْمؤمنينَ إِلى الْجَنة ومن يدري لعلّهم هم أنفسهم النّاشطات بعدما قاموا بالنّزع فسُمّاهم الله السّابقات لتتغيّر مَهَمّتُهم .. أو ربّما هم آخرين كانوا مع ملائكة النّزع .
وهذه تفاسير جمعٍ غفيرٍ من مفسّري السّلف منهم أبن كثير والقرطبي والبغوي أوردوها عن ابن مسعود وقطب التّأويل ابن عبّاس.. وتأوّلتها حسب علمي ..
وفي الأخير لا أدري ما الّذي رمى بي في بحور التّأويل و التّفسير وأنا المدوّن الصّغير