تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذهاب إلى المستقبل أو حتمية التفاؤل
نشر في الحوار نت يوم 07 - 12 - 2009


الذهاب إلى المستقبل
أو حتمية التفاؤل

بحري العرفاوي
تصدير:
صفحاتُ التاريخ المُمْتدّهْ
لا تُطوَى لا تعرفُ ردّهْ
فليصْنعْ منْ شاءَ مَجْدَه ْ

...................................
1: الإحباط والثبات
إنما تكتسب الصفات بتوفر شروط نقيضها،فالمتسامح هو من كان قادرا على المعاقبة، والمتواضع هو من كان قادرا على التكبر، والمسالم هو القادر على خوض الحروب... ولا معنى للحديث عن الثبات إلا إذا ما توفرت عوامل الإحباط واليأس والخوف... ك "الذين قال لهم الناسُ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم "
والذين يُرادُ لهم أن يتحولوا إلى كائنات استهلاكية يُسهمون في تنمية رأسمال "الدواب" المعاصرة... يُرادُ لهم الإستفراغ من المعاني الإنسانية ومن القيم المعيارية ومن دفق الحب والشوق والأمل ليظلوا مسكونين فقط بطاقة التذاذية وشهوانية محمومة ... يُرادُ "للإنسان" أن يُدفن في الأجساد المجففة : أجسادٌ كما القبور المتحركة أو كما الخُشُب المسندة أو كما أعجاز نخل خاوية... "الدواب" المعاصرة تضربُ بأكرُعِها في كل مجرى وتدق قرونها في كلّ مرآةٍ تَخويفا لكل ذي رأي وذي بصيرة ولكل المنشدين لمعاني الحياة... "الحياة" ليست مجرد كينونة طبيعية يستوي فيها الآدميون والأنعامُ والنباتات والأصنامُ.. وليست مُجرد عيش تحققه المواد الاستهلاكية... "الحياة" حضورٌ فاعلٌ في التاريخ وقدرة على التجدد وعلى الرفض والتمرد والتساؤال باستمرار... الإنسان الحي ليس مجرد كتلة بيولوجية تجري عليها قوانين الطبيعة كما تجري على كل الكائنات وليس مجرد رقم في تعداد الدّابين على الأرض... تمسك "الدواب" المعاصرة بأدوات
صناعة المشهد العام... تسفك دماءً وتلوي أعناقا وتُعلي من شأن حفاري القبور..
بل وتجرأ على أعظم " وظيفةٍ" إذ تدعي قدرة على تأهيل الآدميين ل "الحياة" تمارس عليهم إكراهات "ثقافية" تدمّر الأعصاب وتغيض الصدور وتدوّخُ النشأ
تدفع به إلى الهستيريا الجماعية وإلى التشرد في غير وجهة وغير قرار.
هل أنت متشائم يا أخي؟
سؤال يستله الواقفون على التشريح المُوجع للجسد المجفف... هل أنت متشائم إذ
ترى أقداما من صلصال تتعالى كما الأبراج في كل منبت زرع أو مهبط ماء؟
هل أنت متشائمٌ إذ ترى العلماء والمثقفين والأسوياء والمحبين والحالمين يصطفون جميعا على حافة المشهد كما لو أنهم فضوليون غيرُ مرغوب في حضورهم ويُشرّدون إذا ما لامسوا المشهد ذاك بفكرة أو نقد أو سؤال؟
هل أنت متشائم أمام عروض التجريب السياسي طويلة الأمد في مختبرات الجغرافيا وعلى شعوب ذات حضارة وتاريخ وعقيدة وتجارب في الإصلاح والتنوير تساق معصوبة البصائر والأبصار إلى نهايات دموية وإلى ظلمات تدكّ فيها النجومُ وتمزق السماوات بشواظ من نار؟
هل أنت متشائم أن ترى جهود عقود في تقليب التراب وانتخاب المشاتل وتصليب الأغصان تذروها عَصْفة ٌ من ريح صرصر في ليل ماكر؟
هل أنت متشائم أن ترى الدينار فوق الأفكار والأحذية فوق الأدمغة والفارغين فوق العارفين والخاطفين فوق المتعففين؟
هل أنت متشائم إذ ترى جيلا من الفتيان والفتيات في عمر الماء ينجرفون إلى صحار يشربهم شجر الزقوم وتمُورُ فيهم عواصفُ القلق والحيرة ؟
هل أنت متشائمٌ أن رجالا ونساءً تكادُ تميدُ بهمُ الأرض وتكاد تتخطفهم الصّيْحاتُ من كل مكان يمشون بغير وقع ويهمسون بالأمل ولا يُسمِعُون كما لو أنهم متلبسون بالخطيئة دائما ؟
هل أنت متفائل يا أخي رغم المختبرات السرية يتجندُ فيها خبراءُ صناعة اليأس والحُمق والأمراض العصبية ورغم كل فنون تدمير الأعصاب وتخليط الطبائع وتعكير الأمزجة وتدويخ العقول وترهيب الأنفس؟
2 : حتمية التفاؤل
الهزائم ترقد في الذوات حين تزين لها الاستقالة والصمت ومجاراة وقع الواقع وحين يستنبط المرء لنفسه مبرراتٍ لإسكات ضميره إذ يؤنبه عن سكوته وحين تصبح الواقعية من مشتقات الوقيعة والوقوع، وتصبح العقلانية من مشتقات العُقال والعُقلة ... عقلة على الحقيقة وعلى المصلحة .
تبدأ المعركة داخل الذات للتحرر من الوعي الزائف والمبررات الخادعة والتفاؤل الواهم... تبدأ بطرح الأسئلة الحقيقية الجريئة حول طبيعة المشهد وأسراره والأيادي التي تحركه وحول مآلاته المرتقبة منطقيا وحول مدى مسؤوليتي أنا الصامتة أو الناطقة في صناعته وحول الواجب التاريخي والشرعي الذي يتحتم علي آداؤه... تمتد المعركة إلى ما حولنا ممن نخاطبهم يوميا ونتعامل معهم حين نتحرر من "عيب" المجاملة والاستحياء من الحق "إن الله لا يستحي من الحق" وحين نقف الموقف الذي يجب وكما يجب وحين لا نزين للخاطئين خطأهم حتى لا يتمادوا فيه ولا يغتروا بما هم عليه من أوهام وأخطاء...وحين نستجمع إرادتنا وهِمّتنا فنتحرر من الجُبن والطمع والتردد والبرود.. وحين لا ترتخي لنا قامة أمام أقدام الصلصال وحين لا ينتابنا شك في جوهر "الإنسان" وفي صوابيّةِ خيار الذهاب إلى "الحياة" والتمرد على "الدواب" المعاصرة تريدُ احتباسنا في الأجساد المجففة لا نتجاوز حالة "العيش" ......تلك مغالبة للنفس ومغالبة لل"ماحوْل "
مما كبر ومما نحسبه هينا... وهل الأحداث الكبرى إلا نتاج أسباب صغرى وهل الحرائق إلا عود ثقاب ؟
الذهاب إلى المستقبل يحتاج طاقة روحانية ووقودا تفاؤليا ودرجة من المغامرة الشجاعة وقدرًا من الاستهزاء بمكر الماكرين وقدرة على "النسيان" : نحتاج نسيان إيذاء المقربين وتآمر الأقرباء وغدر الأقربين حتى لا يسكننا حقد ولا تتداخل روح المغالبة بروح الثأر... نعم... ثمة محاسبة في صياغات التاريخ وسياقات الحوادث، ثمة محاسبة للذين أوقعوا السقوف على الغافلين وأرسلوا الذباب على الجفون يصيبُ العيون برمدٍ فلا يرى الصديق صديقا ولا يبصر الذاهبون طريقا... ثمة محاسبة حين تعتدل العقولُ وتنطلق الألسن ويجد الناس متسعا لسماع روايات شهودِ عيانٍ عاينوا دخان الروح وعصير اللحوم الآدمية
وطحين عظام الواقفين... ثمة محاسبة حين ينفرط الحبر وتنطلق الأجيال في "ترتيل" نصوص الأوجاع كما لو أنها تكتشف القراءة لأول صيحة.
هل أنت متفائل يا أخي؟
أما زلت ممتنعا عن الغيبوبة وعن "التدبّب" تقسمُ إنك ستظل مستقيم القامة مبتسما متفائلا نكاية في الذين غالبوا عزيمتك وخاتلوا وعيك وتآمروا على جهازك النفسي وأليافك العصبية... تحلف إن مداد حُلمك لا ينضب مستمدا من مداد كلمات ربك يُغالبُ مداد البحر ولو مُدّ سبعة ً.... تعب الذين تفننوا في إتعابك ولم تتعبْ... تعب شهودُ الزور، والعسسُ، والحمّالون لحساب الغير، واللاغطون في الوسائل المرئية والسمعية ،والماشون في جنازات الضحايا،والراكضون عراة في مسارب السياح، والمُسْرَجُون طبولا من جلود الضباع، والنافخون في مزاميرَ من حناجر الذئاب،
والساهرون يترصدون حركة النجوم... ومازلتَ أنت مثقلا بالشوق وبالحب وبكبرياء "الإنسان" تضيئه نفخة من روح الله لا تقوى عليها ريحٌ ولا تُبدّدُها ظلمة
ولا يسِيحُ زيتها خارج مدارات النور ومسارات التحرر.

البحري العرفاوي
تونس: 03 ديسمبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.