النص الذي نشرته جريدة الشروق التونسية يوم 26 أكتوبر لصاحبه عبد الحميد الرياحي سبب الحيرة للعديد من القراء ليس لأنه أعاد الى الأذهان الجوقة القديمة والأسلوب الركيك المسقط الذي دأبت عليه جل وسائل الإعلام التونسية وخاصة تلك التي نشأت وترعرعت في حجر نضام السابع من نوفمبر ، بل لأنه من جنس النصوص الأولى بعد الثورة التي تبنت أسلوب التطبيل لبن علي بحذافيره دون تمويه ولا حتى تصرف يذهب او يقلل من فضيحة الاستنساخ الفج . هكذا عادت حليمة الى عادتها القديمة وهكذا استرجعت جريدة الشروق ذكريات لعق صديد وقيئ فضلات الدكتاتور ودكتاتوريته الدامية ، وهكذا تكلم عبد الحميد الرياحي من خلال نص عكاظي يبشر فيه بأوبة الإمام الباجي قائد السبسي ، نص يشبه الى حد بعيد تلك النصوص التي تبشر بأوبة الإمام المهدي. حدث عبد الحميد الرياحي قال : ” حين يتكلم الباجي قايد السبسي فإنه يصنع الحدث.. ومرّة أخرى صنع بظهوره الحدث حين بدا وكأنه طبيب يداوي بكلماته وآرائه وحججه جراحات الأغلبية الساحقة من التونسيين.. جانب آخر للحظة الفارقة التي اختارها الباجي لمخاطبة التونسيين والرفع من معنوياتهم.. وليس صدفة في ظرف كهذا أن يتسمّر أكثر من 70٪ من المشاهدين التونسيين خلف شاشات قناة «نسمة» لمتابعة الحديث ومحاولة تفكيك مضامينه ورسائله وهي عديدة ومتنوعة وركزت في الأخير على طمأنة الشعب التونسي ومحاولة رفع معنوياته وسط أجواء السياسة العاصفة ووسط زوابع الارهاب الذي فتح الحرب على البلاد والعباد.. رسائل البجبوج كما يحلو للكثير من التونسيين مناداته بدأت بالتذكير بأسس ومقومات الدولة التونسية وبما راكمته على مدى 3 آلاف عام من تقاليد ونواميس صنعت لها هيبتها واشعاعها بين الأمم .. والإنقاذ في قاموس السيد الباجي قايد السبسي ليس مستحيلا.. عنصر آخر مهم في المعادلة توقف عنده السيد الباجي قايد السبسي واستمد منه جرعة أمل وتفاؤل لا يستهان بها نثرها على الشعب التونسي تمثل في أصدقاء تونس… وفي استعدادهم الأكيد متى قامت حكومة وفاق وطني على ضخ الأموال اللازمة لعملية الانقاذ .. السيد الباجي قايد السبسي وضع في ظهوره الأخير وصفة الخلاص بعد أن ظل على مدى شهور يشخّص مواطن الداء.. تشخيص ما كانت ستسوء معه حالة البلاد الى هذه الدرجة لو ان الممسكين بالسلطة أنصتوا في الإبان .. رسالة من رجل دولة جمع الخبرة الطويلة والذكاء الحاد.. رجل دولة أفلت من زمن الزعيم الحبيب بورقيبة ليشكل قارب النجاة لتونس غير عابئ بثقل السنين ولا بنواميس العمر، ليبدو ثابتا، دقيقا، فطنا، مقتدرا، جريئا… أكثر من الكثيرين الذين لا يبدعون إلا في الثرثرة ..والتقوقع. أو في الجلوس على الربوة… البعض تفطن الى ان تونس كانت تعرضت خلال العقدين الماضيين الى كارثة تشبه كارثة الرياحي ، وبالمزيد من التدقيق والبحث والتركيز ، انتهى الجميع الى ان هذا النص هو التوأم لنص سابق كان تجشأه صلاح الدين الأنصاري تحت عنوان ” بن علي في السابع من نوفمبر حج وهو في مكانه ” ، كما انه بمثابة الأخ الشقيق لنص نزغه صالح الحاجة في مدح بن علي جاء فيه “لقد أتاكم رئيس من أنفسكم عزيز عليه ما انتخبتم بالتونسيين رؤوف رحيم ” ، ولاغرابة في التشابه الحرفي بين جريدة وأخرى وكاتب وآخر فأولئك رفقة حق فيهم .. يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً. نصرالدين