اختيار الباجي قايد السبسي شخصية سنة 2012 كان محل إجماع، وهذا اختيار لا نظنه سيفاجئ أحدا لا من أنصاره ولا من خصومه. الرجل طبع السنة المنقضية، طبعها بشخصيته المتميزة نشاطا وحيوية، قولا وفعلا.
عنيد ولكنه نافذ، حاد ولكنه واثق، ماكر ولكنه واضح، كاسر ولكنه مثابر.
هكذا يمكن رسم شخصية السيد الباجي قايد السبسي بمفارقاتها العديدة التي تجذب أو تُنفّر لكنها لا تترك أحدا غير مكترث بها. السنون بطّأت حركة هذا المحارب القديم لكنها لم تؤثر على حركيته التي فاضت بها الأحداث ومكنته من أن يملأ الساحة السياسية ويشغل الملاحظين بمواقفه الجريئة والعاقلة وبتصريحاته المدوّية والرصينة في ذات الوقت، هو رجل الماضي ما في ذلك شك وهو يعلم ذلك. لكنه يعلم أيضا أن التونسيين لم يتنكروا كلهم لهذا الماضي وليسوا مستعدين للتخلي عن تاريخهم.
لذلك حرص الباجي قايد السبسي على أن يكون حامل السند ونجح في ذلك حتى أن الناس أصبحوا يرون فيه تواصلا للزعيم بورقيبة وحارس البورقيبية بما تعني من تفتح وحداثة ومن تعلق عضوي بالدولة وهيبتها وبما تعني كذلك من إنجازات ومكاسب إن لم تكن مثالية فهي هامة وجديرة بالاحترام. ولكن «البجبوج» كما أصبح يكنيه أنصاره ومناصروه لا يريد أن يكون سجين الماضي لأنه رجل عمل والعمل وجهته دائما المستقبل. من أجل ذلك أسس الباجي قايد السبسي «نداء تونس» وترأسه ووضع كل ثقله الشخصي ليجعل من هذا التنظيم السياسي في بضع أشهر قليلة لاعبا فاعلا على الساحة السياسية.
لم ينجح قايد السبسي بفضل «نداء تونس» من تحقيق التوازن للمشهد السياسي فقط بل وفّر الفرصة للحوار بين مختلف التيارات والمكونات حتى تلعب دورها في تحديد مختلف المشاريع المجتمعية وتطرحها لنقد الجماهير وتقديرها والحكم لها أو عليها، وبذلك صار لتونس أقطاب واتجاهات سياسية متنافسة قد تكون خير ضامن لتحقيق أهداف الثورة وبناء المجتمع الديمقراطي المنشود.
لقد حرك قايد السبسي السواكن بدخوله حلبة المنافسة السياسية وأعاد للتونسيين اعتزازهم بماضيهم المتضمن لكثير من الصفحات الناصعة بخصوصيتهم التي بنوها على مر الحضارات والأزمان.
كما ساهم قايد السبسي في توضيح الرؤية السياسية وتحديد مواقع مختلف الفاعلين على الساحة السياسية الوطنية.
لقد نشط ونشّط وهاجم وهوجم وكرّ وفر.. ولكن دون أن يخرج عن حدود الأخلاق والتقاليد السياسية ودون أن يسعى إلى نكر منافسيه أو رفضهم.