عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    يوميات المقاومة .. هجمات مكثفة كبّدت الاحتلال خسائر فادحة ...عمليات بطولية للمقاومة    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    سوسة: الحكم بسجن 50 مهاجرا غير نظامي من افريقيا جنوب الصحراء مدة 8 اشهر نافذة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يوجد فكر لمقاومة الإرهاب؟
نشر في الحوار نت يوم 03 - 03 - 2014

في هذه الفترة من تاريخ تونس، الحالكة بسبب تنامي الإرهاب، والمتسمة بانحسار الإسلام السياسي، بودي أن أسهم في الجهود الرامية إلى الاهتداء إلى بعض حلٍّ وذلك عبر وضع النقاط على الحروف بشأن مسألة الفكر الديني الإنساني، سيما أنّ هنالك شبه إجماع مجتمعي على أنّ التشدد الديني يقع في صدارة ترتيب مصادر الإرهاب.
أعتقد أنّ من بين المَطبّات التي تشكل عقبة أمام المجتمعات العربية الإسلامية الراغبة في التقدم والرقي على غرار تونس عدم حسم النخب المثقفة لعلاقة الإسلام بالفلسفات الوضعية وبالإيديولوجيات المادية والعلمانية المختلفة السائدة في العالم. إنّ جل المشايخ والمنظرين الدينيين يرون أنها علاقة إقصائية وعدائية. وكأنهم يرفضون أن ينفتح المسلمون على الفكر الوضعي لكي يطوروا حياتهم نحو الأفضل وبالتالي تراهم يعملون على شطب الفكر الوافد من قاموس المعرفة في حياة المسلمين، ظانين أنّ الإسلام ليس له من مهام سوى الانتصاب كبديل عن تلكم الحاضنات الفكرية والمعرفية. فما هو لبّ الإشكالية وكيف الخروج من المأزق؟
يبدو أنّ الذي حصل تبعا لهذا الانحراف هو مقارنة الأنظمة العلمانية بالإسلام، لا استخراج الأفكار التي تحتوي عليها وعزلها عن خطها الإيديولوجي والمذهبي الأجنبي، ثم مناظرتها مع ما يخالج فكر المسلمين من آراء وأفكار وأحكام وما يشتمل عليه هذا الفكر الذاتي من بنَى ومنظومات ذات متطلبات وحاجيات خصوصية بالإضافة إلى طموحات المسلمين الكونية.
في ضوء هذا الإشكال المنهجي بقيت الأفكار والمنظومات العلمانية في عزلة عن عالم الأفكار الداخلي للمجتمع العربي الإسلامي وكانت النتيجة أن برز التحزب الديني مبشرا بحلٍّ سحري لمشكلة علمية. فكانت النتيجة أن عانى المجتمع التونسي والعربي الإسلامي عموما– ولا يزال يعاني- من حزمة من المضاعفات المرَضية المتأتية من العلة الأصلية عوضا عن استئصال الداء. ومن بين هذه المضاعفات – التي مازالت تضرب في عمق النسيج الثقافي للمجتمع- نذكر الاحتباس التواصلي و الاحتقان السياسي والفرز الإيديولوجي والاغتيال السياسي – بل واغتيال العقل- والتكفير والآن الإرهاب.
وستبقى هذه المعضلات ضاربة طالما أنّ الأرضية الثقافية الأساسية في حالة اضطراب شديد ولا تتمتع بحدٍّ أدنى من الوحدة. كما أنّ مكونات هذه الأرضية لن تتحد طالما أنّ الأفكار والنماذج المعرفية المادية والعلمانية الوافدة لم تقاس على سُلّم فكر المسلمين والقيم الإسلامية السمحاء التي ورثها هذا الفكر. والقياس ممكن فقط في حال لا يستراب في هذه المدارس العلمانية وفي حال اعتمادها بمثابة وسائل لفهم الإسلام حسب مقتضيات العصر.
من الضروري إذن أن ينجز مثل هذا العمل وذلك من أجل تزويد عامة المسلمين بمكونات معرفية مفيدة ولو كان مصدرها غير إسلامي، وذلك ابتغاء إحداث التوازن العقلي والعاطفي لديهم لكي يصالحوا أنفسهم في ذات الحين مع الإسلام ومع العصر بثقافاته المختلفة. مع العلم أنّ عندما جاء الإسلام لم يقضِ تماما على الحضارات السابقة - والتي تميزت بغلبة الطابع العقدي على الطابع المعرفي والعلمي فيها- مثل الزرادشتية والمانوية وغيرها، والتي بدورها كانت قد طوعت الحضارة الهلنستية التي سبقتها لحاجيات أتباعها.
أما الشرط لقبول النظريات والأفكار الوافدة فهو تصحيح الرؤية إلى علاقة الإسلام بالحياة عموما وبالمذاهب والمناهج والتيارات والمدارس العلمانية - بما فيها الديمقراطية - التي أنشأها غير المسلمين. ويلبَّى هذا الشرط بعد التعرف على الزاد المعرفي والعقدي لشعوب بقية العالم والاعتراف بها و معرفتها. حينئذ سيتضح أنّ الإسلام ليس مطالبا بأن ينتج إسلاما وإنما أن يستعيد مهمته الأصلية بصفته منهجا يُسهل لمعتنقيه، حسب معاني الآية الكريمة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13) التلاقح الثقافي بما يخوّل لهم توليدَ أسباب الحياة الكريمة، وذلك بفضل بناء المعارف والعلوم والمفاهيم والسلوكيات الإنسانية المناسبة لتحقيق ذلك الهدف المؤدي بدوره إلى تحقيق غاية عبادة الله جل جلاله.
إنّ بحوزة المجتمع الفكري في بلداننا مداخل نظرية وعلمية عديدة ومتنوعة ومتكاملة، كافية لتأسيس مقاربة بيداغوجية ترمي إلى مصالحة الإسلام مع العصر. وهي متوفرة في كتب الأكاديميين وعلى أعمدة المجلات وعلى مكاتب الجامعيين. وبإمكان الفكر الإسلامي أن ينجز انبعاثا داخليا و ذلك بحيازة خيط رفيع يربط بين مناهج "الوصل والفصل" (م.ع الجابري) و "القبض والبسط" (عبد الكريم سروش) و"حياة التفكير" (الطاهر الحداد) و "المقاصد" (الطاهر بن عاشور وغيره) و "العلوم الحكمية" (الفاضل بن عاشور) و تحرير "الرسالة" الإسلامية (مالك بن نبي) و التوفيق بين "مشروعية الماضي ومشروعية الحاضر" (حسن حنفي) و التمييز بين "الدين والتديّن" (احميدة النيفر وغيره) و "الثابت والمتحول" (أدونيس ومرتضى المطهري وغيرهما) و "توليد الواقع" (عبد الوهاب المسيري).
بالمحصلة، ليس المسلمون مطالبين لا بالاستغناء التام عن مضامين المذاهب الفكرية غير الإسلامية ولا بتقليدها كأن يصبحوا اشتراكيين أو شيوعيين أو وجوديين أو ليبراليين و ما إلى ذلك، أو بنقل أفكار هؤلاء ومناهجهم بحذافيرها. بل إنهم مطالبون بالاستفادة من تلكم المناهج و الأفكار باتجاه اكتساب الكفاءات اللازمة لتأسيس نظريات منطلقة من الذات، تكون منبثقة عن كونهم مسلمين.
ومن ثَم يمكن إطلاق أسماء مستحدثة على النظريات الجديدة للمسلمين - بحسب حداثة كل فكرة وكل نظرية – كيفما يرونه هؤلاء صالحا ومتناسبا مع شخصيتهم وهويتهم وذاتيتهم، وبالتناسب أيضا مع الكون الذي هم شركاء مع سائر الشعوب في الانتماء إليه. وحين تضطلع الذات العربية الإسلامية بنفسها مع استئناسها بثقافة الآخر، ويتم بالتالي إخصاب الأرضية الثقافية، هل ستبقى التربة التي أنجبت الطفيليات المميتة مثل الإرهاب خصبة؟
محمد الحمّار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.