سألتني العامرية وعبد الحميد وجمع من أولي الرأي السديد عن الجنيدي المشاكس العنيد وعن أصله وفصله، وكيف أتعرض له بالهجاء وهو من نسل خير الورى؟ قلت يا أحبابي الجنيدي "شيخ" متصابي يحب العراك والهراش، ولكنه كثير الارتعاش لا يثبت عند اللقاء! في الحرب ما جرّب نفسه وعند الهزيمة كالغزال! فهل يعقل أن تصدقوا ذاك المحتال؟ وأما عن بخله فدرجات! ... لو أدركه الجاحظ لصنّفه دون البخلاء بدركات! قال الأفاضل والأحباب فما قصة منّه عليك بالتحرير بعد أن لقاك مطروحا في بير، قرب "بيسين" على مشارف برلين؟ وكيف تهجوه وتنكر فضله بعد أن أنقذك من "الأوشفيتز"* وأنعم عليك بنومة هنية في "الريترز"** وما حكاية نسبه المتصل بسيد الأولين والآخرين؟ قلت إليكم أوّلا الحديث عن أصله وفصله ثم نعرّج بعد ذلك عن بطولاته الوهمية وغزواته الخيالية! حدّث النّسابة حكيم وهو بأصل الجنيدي عليم قال: "حدّثني أبي عن جدي عن جدّه ما يدحض زعم الجنيدي "الرهدان" من أنه من آل البيت بمكان! ... وأن ما دأب عليه هذا الجنيد من إرهابنا حين استغلّ حبنا لآل خير الورى دعوى لا تثبت أمام القضاء! ... حيث أنه بعد النظر والتحقيق والبحث والتدقيق في سلالة هذا الدّعيّ العييّ تبين أن جدّه الأول كان من موالي الأسرة الشريفة، وبما أن سيرته نظيفة تكرّم عليه سيّده ومولاه فأعتقه لوجه الله، حبّا في الخير وتقرّبا إلى ذي الجبروت والجهاه! وبعد نعمة العتق والأمان سميت أسرة الجنيدي الجدّ بما دأب عليه أهل ذلك الزمان من جدّ : "عتقاء آل طالب"! ... وسمّي جدّه وسميّه الأوّل رحمه الله "جنيدي عتيق آل طالب" وليس في ذلك من مثالب! ... ثم استمرّ جدّه على ولائه للعائلة الشريفة حتى أتى من نسل الجنيدي الأول "جنيد" رأى في الأمر نقيصة بعد أن تقدم لخطبة حرّة شريفة، فمكر بالليل والنهار حتى محا كلمة "عتيق" التي تذكره بعهد الرقيق! واستند إلى الدستور والقول المأثور "من عاشر قوما أصبح منهم"! قبلنا دعواه دون نقد حتى بغى علينا بكل حقد، وزعم أنه حرّرنا من الرّق والهلاك وحدّث أننا علقنا بدلوه كالبقة بعد أن أصابنا الضر والمشقة!! وبعد أن هجانا استحلفنا المؤيدون والأنصار أن نردّ عليه من نفس العيار، وقالوا لن نبرح "الجدار" وسنمكث طول النهار حتى تدفع عنّا العار! ... أوتطلقنا نقتفى أثر "عتيق" آل طالب فنأتي به مرفوعا فوق أسنة الرمحاح أو مهبورا في القداح! ...وهتفوا "الشعب يريد الجنيدي في الحديد"!! قلت هل لكم فيما هو أهمّ؟ قالوا: "هات، فالإهانة دونها الممات" ... قلت الأمر كله لا يستحق حربا أو نزال فالجنيدي بطولاته وهمية ويكفيكم معرفة السبب ليبطل عندكم العجب! ... سيروي لكم حفيدنا صابر الثاني ماكان من جدّه الجنيدي قبل أن يحدّث بهلوسة "الأوشفيتز والريترز"! ... قال صابر الثاني: "يوم أخذت جدّي الجنيد لسوق الخردة والتحف كي يصطاد الفرص والصدف، وبعد أن ألقى جدي بجسده على كرسيّ في السوق حسبه عرش الخلافة دون استئذان أو استضافة، استرقّه التاجر وهمّ ببيعه مع الكرسّي لو لا أن جدّتنا الحكيمة تدخّلت في لحظة فارقة مبينة، فاشترت الكرسي بمن عليه جلس ودفعت من حرّ مالها للتاجر ما طلب! وفي طريقنا للبيت مررنا ببائع السمك يعرض أسماك "شلبة" سمينة، قال جدّي: "يا سنية أشتهيها وأريد أن أكون هذا اليوم من آكليها"! ابتسمت جدّتي وقالت: "لاسبيل! ... فأنت من غير "الشلبة" حار معك الدليل"! فردّ جدّي كعادته حين يُردّ طلبه مغضبا: "كثرت" "أثناني" بالمدكّ وتريدين الآن أن تمنعيني من أكل "الثمك"؟ قالت: "يا ابن "القطار" يا من ليس له علم بالبحار، إن سمك "الشلبة" سمك يصيب آكله بالغثيان وإذا نام طوّقته الكوابيس والهذيان خاصة في شهر نيسان! قال :"خرافة وهذيان" وتقدم من بائع السمك ... "أريد من هذه إثنين كيلو" وبعد بعد أن أكل اللحم الطري واستطاب طعمه الشهيّ، استلقى على السرير وارتفع صوته بالشخير! وبينما الجدة تمتعنا وتؤنسنا، رفع جدي عقيرته بالصراخ في حال لا هو بالنائم ولا القائم! سمعناه يقول كلاما أقرب ما يكون للهذيان لا يصدقه برهان، تحدث عن بطولات وصولات وجولات عابرة للقارات! ... قاتل الجرمان في تونس وتعقبهم في ليبيا وجاوز خلفهم البحر إلي إيطاليا ثم هزمهم شرّ هزيمة في برلين وأطلق جدّنا صابر التونسي "السجين" وكان ذلك كله في الفراش بمفعول "الشلبة" ويا لها من "كلبة بنت كلبة" لعبت بمخه، حتى أنه قال حررت صابر من الأسر سنة ستّ وأربعين ثم كرّمته بنومة في "الريترز" الذي تأسس سنة ثلاث وثمانين وهو كلام لا يستقيم!! وهذا ما كان من بطولاته الوهمية وصولاته السريرية!! فهل مثل هذا يُقاتَل؟؟ وإن عدتم عدنا! وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين وعلى آل طالب العتقاء والأقدمين!! * أوشفيتز: المحرقة الهوليكوسن ** الريترز: سلسلة فنادق فخمة تأسست سنة 1983 صابر التونسي 9 10 أفريل 2014