علت الأصوات في المهجر خلال الأيام الماضية، وخاصة قبيل الانتخابات، تقييما و تجريحا وتجريما لحركة النهضة، و تبرؤا منها، مقابل التمجيد و التنزيه والمساندة للسلطة التونسية، و إحصاء للخيرات التي أوصلت إليها البلاد، هذا خوفا و الآخر طمعا، و غيره تزلفا، و آخر غاب عنه العدل و الإنصاف، حيث لم يجد وسيلة لإخراج البلاد من الانغلاق السياسي إلا أن يزيد المظلوم سبا و شتما و جلدا. يحدث كل هذا في وقت يتناوب فيه أحرار تونس ، و على رأسهم السجين الرمز الدكتور الصادق شورو على السجون طيلة عشريتين، و أبدا لم تخل السجون من سجناء الرأي: مرة بتهمة تهديد أمن الدولة، و أخرى بتهمة الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها، و أخرى بتهمة الإرهاب، بل حتى من أراد أن يساعد أبناء شعبه المنكوبين اعتقلوه، و سلسلة التهم لا حصر لها. يتم هذا و لم يتوجه إلى السلطة من يحملّها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، إلا القليل من الحكماء و المنصفين. و كأن المصالحة لا يمكن أن تتم إلا بتقديم نفس الضحية، ضحية مرة أخرى، و التخلي حتى عن مجرد ذكر معاناة الأحرار في تونس و على رأسهم الدكتور الصادق شورو الرئيس السابق لحركة النهضة بالسجن، و التضييق المستمر على من غادره، حتى تحصل هذه المصالحة، التي يطلبها الجميع و ينادي بها، و لا يعلم توقيتها و لا صدق حدوثها إلا الله تعالى. و أقول للمهجرين الذين تصدرت كتاباتهم صفحات "الانترنت " بما ذكرنا سابقا، و خفتت أصواتهم و جفت أقلامهم عن المطالبة بسراح المساجين و حق الأحرار في التمتع بمواطنتهم الكاملة في بلدهم، و توصيف الوضع المنغلق في البلاد و مسؤولية السلطة في حل هذه الأزمة .
نقول لهم أنه قد يقدر الإنسان طول مدة التهجير ، و حرصكم على غلق هذا الملف و إلى الأبد، و حنينكم و شوقكم المشروع إلى البلاد ، و لكن هل من الإنصاف أن نتناسى -ونحن نتمتع بالحرية و الأمن و بصحبة الأهل و الأبناء-جراحات من هو مشتاق إلى نفس الحرية، و رؤية الشارع بدون حراس ولا قيود ، إلى رؤية أبنائه و أهله بعيدا عن القضبان المتشابكة، إلى ضم أبنائه، إلى لقمة مع أهله بعيدا عن الأواني البلاستيكية، بعيدا عن الجدران الداكنة المظلمة، هل سيسامحنا إخوة لنا، أبيدوا في السجون ، و ضحوا بأعمارهم و هم يطالبون بالحياة الكريمة للجميع، متمسكين برفض العنف كأداة للتغيير، إلى آخر رمق في حياتهم، هل ستسامحنا عائلاتهم من بعدهم. بل ماذا نقول لزوجة الصادق شورو ، و هي تصف بكل مرارة و شعور بالظلم و الاضطهاد، و بكل صبر و احتساب لله تعالى، حالة زوجها الصحية في السجن و ظروفه القاسية بعد عشرين سنة, رجل دخل السجن في محنة التسعينات مع عدد كبير من إخوانه، قضى سبع عشرة سنة أو يزيد، أربع عشرة منها في السجن الانفرادي. ثم أفرج عنه مع آخر دفعة من مساجين حركة النهضة، لكن ما راعنا إلا أن أعيد مرة أخرى إلى السجن بتهمة ملفقة، و هو لما يتعرف بعد عن أبنائه الذين تركهم صغارا ، و غاب عنهم كل تلك السنين ، ولا زال يستقبل تهاني الأحباب و الأصدقاء، فقط لأنه أدلى بتصريح للصحافة عبر فيه عن حقه في الحرية و في التنظم و المواطنة الكاملة. فكيف بمن يصمت عن هذه المظلمة أن ينتظر انفراجا حقيقيا و يهنأ به على حساب أنين غيره؟؟؟ أتوجه إلى علماء الأمة و أقول لهم :أين أنتم من هذا الظلم المسلّط على رقاب الأحرار في تونس، و على خيرة رجالاتها؟ ألا تقفوا وقفة جادة ضد هذا الانتقام الذي امتد أكثر من عشرين سنة ولا يزال؟ -لماذا لا تعرّفوا بهذه المظلمة من خلال المنابر التي تتصدرونها، ومن خلال اتصالاتكم، و المؤتمرات الدولية التي تقومون بها؟؟ إنه لخسارة للأمة أن تحرم من كفاءات كهذه و تدفن في الزنزانات السنين الطوال و كأنه وأد لكل مخالف و معارض. - لماذا لا تقام مؤتمرات تتكلم عن حق الاختلاف، و عن الحرية الفكرية و علاقتها بالسياسة و الدولة، وعن مسؤولية الدولة و واجبها في توفير مناخ سياسي يضمن الحقوق المدنية و الإنسانية و الدينية للعباد. -لماذا لا ترسلوا وفودا منكم إلى تونس، و غيرها من الدول العربية التي تعاني شعوبها، و خيرة أبنائها من التضييق الدائم، و المحاكمات الغير عادلة، و من عدم استقلالية القضاء. و تحملونها المسؤولية في التعدي على حرمات العباد و البلاد . -أو ليست حرية العباد أولوية من الأولويات و مقصدا من مقاصد الشريعة، يستحق البحث و صنع رأي عام حوله؟؟ ، -إن هذا الفراغ الذي تركتموه ، ترك الأنظمة بما تملك من وسائل القمع، وحدها تتصرف فيه، و كأنه لا يهم إلا المعارضين "أصحاب السياسة "و لا شك أن الأمر يستحق نداءً أن أوقفوا هذا الظلم ، استجابة لقول العلي القدير في حديثه القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" ----فليتوجه العلماء إلى المنظمات الحقوقية و إلى الأصوات الحرة الدولية بشكاوى ضد الظلم و التعدي على حرمة الجسد و العقل، و الحق في الحرية و المواطنة الكاملة، حقنا لدماء العباد وتجنبا للفتن. -لماذا تتكلمون و تنددون و نندد معكم بالفكر المغالي، عندما لا يترك فرصة لحل الخلاف بالحوار، و يخيم الصمت عندما يكون الإرهاب من الدولة، ألا تقطع السلطة بقمعها للمعارضين السياسيين الذين اختاروا المنهج السلمي، الطريق أمام الفكر الوسطي.
-أقول للعقلاء الأحرار ، هاهو الدكتور الصادق شورو و غيره من الأحرار من كل فئات المجتمع المدني و عشرات من خيرة الشباب، طالت محنتهم، فلماذا لا تتوجه رسائل إلى المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان و إلى البرلمانات و إلى الهيئات و الشخصيات الحرة ذات النفوذ تعرفهم بالقضية علها تتوسط لإنهاء هذه المظلمة. أتوجه إلى الصحافة المكتوبة و المسموعة و المرئية أن مسؤوليتهم كبيرة في الوقوف مع الأحرار و رد الضيم عنهم. -أقول للسلطة ما الذي اقترفه شورو حتى تعيده إلى السجن و لم يقض مع أهله سوى عشرين يوما أو أكثر بقليل، لماذا تنزع الفرحة من قلوب أبنائه و هم ينتظرون أن يقضوا مع والدهم أول عيد بعد سبع عشرة سنة؟؟؟لكم استبشرنا خيرا مع خروج كل سجين و انتظرنا أن تكون بداية مصالحة شاملة ، و وضع حد لسياسة الانغلاق التي طوقت البلاد و العباد طول هذه المدة، و بداية لعهد جديد حقا، تسود فيه العزة و الكرامة و العدالة و الحرية لكل أبناء تونس. فما من حل لهذا الوضع في البلاد إلا مزيدا من الحرية و الديمقراطية غلق السجون و فتح المجال للمعارضة، إسلاميين و غيرهم للمشاركة في بناء البلاد و تعميرها. و في الختام هنيئا للرجل الرمز بصبره و تمسكه بمبادئه و تحية لمن ضحى بسنين عمره دفاعا عن الحق و العدل و الحرية و لم يقعده عن ذلك شيء. :"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " رشيدة النفزي / ألمانيا