رئيس الجمهورية يشرف على مجلس وزاري للنظر في مشاريع قوانين حول السكن الاجتماعي    جلسة بوزارة التجهيز لمتابعة تقدم تنفيذ مشاريع الجسور والطرقات لسنة 2025    نتنياهو يهدد بضرب إيران إذا استأنفت مساعي امتلاك سلاح نووي    ترامب يكشف عن طريقة جديدة لتسليح أوكرانيا    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    عاجل/ اليوم: أمطار غزيرة ورياح تتجاوز سرعتها 80 كلم/س بهذه المناطق    النصر السعودي يسعى لخطف نجم ميلان الإيطالي    مخطط التنمية 2026 – 2030: اقتراح 132 مشروع بمدينة الحمامات    مصادر دبلوماسية: مؤتمر الأمم المتحدة لحل الدولتين سيعقد في 28 و29 جويلية    طقس السبت: برق ورعد وتدفق أودية... وهذه الولايات معنيّة    معالم وآثار: توزر... دار بن عزوز .. منارة داخل المدينة العتيقة    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    تونس – القلعة الكبرى: العثور على فتاة ميتة في منزلها بحبل ملتف حول رقبتها    إدارة ترامب تبدأ حملة تطهير في وزارة الخارجية بتسريح ما يقرب من 10% من موظفيها    لولا دا سيلفا: لسنا بحاجة للتجارة مع الولايات المتحدة    بوعسكر: قبول عريضة سحب وكالة من عضو مجلس محلي وتحديد يوم 28 سبتمبر المقبل موعدا للتصويت عليها    فاجعة في صفاقس... وفاة إمرأة ب«لدغة» عقرب!    الحكومات العربية باتت مهتمة بالاستخدمات السلمية للتكنولوجيات النووية    بالمناسبة .. .مهازل مهرجان قرطاج وفضائحه    في ظلّ غياب الخصوصية والتميّز والإمكانيات: ما الهدف من كثرة المهرجانات في سوسة؟    قرطاج لا يُغَنَّى فيه مجانًا... تصريح رسمي يحسم الجدل حول مشاركة الفنانة أحلام    سينر يهزم ديوكوفيتش ويتأهل لنهائي ويمبلدون للمرة الأولى    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    الكولستيرول الجيد والكولستيرول الضار: هل تعرف ما هو الفرق؟    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات تحت 19 عاما: المنتخب التونسي يتبارى غدا مع منتخب جمهورية الدومينيكان من أجل المركز 23    عاجل | السفارة الإيطالية تحذّر من دفع المال مقابل تسريع مواعيد التأشيرة    الجامعة العامة للنقل تُحمّل وزارة النقل تداعيات إضراب أعوان شركة قرقنة المزمع تنفيذه يومي 17 و18 جويلية الجاري    الجزائر: حمود بوعلام يشتري رُويبة ويُقصي الفرنسي ''كاستيل'' من السوق    عاجل/ بلاغ هام للناجحين في دورة المراقبة لامتحان البكالوريا    تلامذة من تونس يلمعو عربياً في تحدي كبير! شكونهم؟    تاكل تُن وانت مريض سكر؟ إنت في الأمان ولا تغالط في روحك؟    توزر: تواصل التدخلات لإزالة آثار العاصفة الرملية    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية " تتضمن دراسات وفتاوى لأعلام الزيتونة    تونس: البنك الأوروبي للإستثمار مستعد لتمويل مشاريع ذات النجاعة الطاقية ومكافحة الهدر المائي والنقل الحديدي    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    العجز التجاري لتونس يتفاقم بنسبة 23،5 بالمائة    البطولة الوطنية لكرة اليدّ على الأبواب.. وهاذم التواريخ    عاجل : ''الكاف'' يفتح تحقيقًا بشأن منتخب الجزائر للسيدات    البنك الإفريقي للتنمية: النمو الاقتصادي في تونس سيبلغ 1.9% في 2025...    القصرين: حجز 11 طناً من البطاطا المخزنة خارج المسالك القانونية بمدينة بوزقام    موفى جوان 2025: عجز تونس التجاري يتفاقم إلى 9،900 مليار دينار..    النادي الإفريقي: رئيس الهيئة العليا للرقابة يكشف عن ديون سابقة لم يتم تسويتها    عاجل/ أول تصريح لنتنياهو حول اتفاقه مع ترامب بشأن غزة..    ما ترقدش بكري؟ المخ، القلب، والمعدة يدفعوا الثمن!    بعد العاصفة الرملية التي شهدتها توزر وقبلي: معهد الرصد الجوي يكشف التفاصيل..#خبر_عاجل    عاجل/ ترامب يتوعد باعلان مهم الاثنين المقبل..وهذه التفاصيل..    كأس العالم للأندية 2025: صراع محتدم على الحذاء الذهبي قبل االمباراة النهائية    مانشستر يونايتد يتعاقد مع المهاجم الفرنسي إنزو كانا    عاجل/ ولاية تونس توجه تنابيه لهؤلاء..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    معز حديدان: 75 بالمائة من دعم الحبوب تذهب للأثرياء و 1 بالمائة فقط للفقراء... إصلاح منظومة الدعم أصبح ضرورة عاجلة    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    سعيّد: كلّ تظاهرة ثقافيّة أو فنيّة يجب أن تتنزّل في إطار قضايا الحريّة والتحرّر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقه الحرمات في الإسلام
نشر في الحوار نت يوم 01 - 05 - 2014

يطيب لي أن أزف إلى الأمة قاطبة جمعاء بمناسبة حلول شهر رجب الحرام أطيب الكلام وأزكى السلام سائلا ولي النعمة الأكبر سبحانه أن يفقهنا في الدين وأن يجعلنا من خير من تعلم القرآن وعلمه حرفا وحدا.

وبهذه المناسبة فإنه يطيب لي كذلك أن أجمع بعض ما تيسر لي من فقه الحرمات.

فقه الحرمات تعبير من عند الفقير إلى ربه وحده سبحانه أبتغي به صياغة إسلامية قحة أصيلة للقالة الصحيحة التي فعلت فينا فعل الإغتيال وهي قالة حقوق الإنسان. أجل. القالة صحيحة إسلاميا صحة أصلية تامة ولكن سياقات إيرادها لا من لدن خصوم الإسلام فحسب ولكن منا نحن في بعض المواضع والمواطن هي سياقات يراد بها الباطل والباطل هنا هو إظهار الإسلام خصيما للإنسان بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة. ذلك تعبير جلي من تعبيرات فقيه الإجتماع السياسي المرحوم عبد الرحمان إبن خلدون : المغلوب مولع أبدا بتقليد غالبه.

يطيب لي أمران : أحدهما أن أثبت أن حقوق الإنسان في الإسلام فقرة أساس من فقرات تشريعه العقدي والتعبدي والأخلاقي إذ هو بدونها إسم بلا مسمى. أما ثاني الأمرين فهو أن الصياغة الإسلامية الأصيلة القحة لحقوق الإنسان هي : فقه حرمات الإنسان أو فقه الحرمات في الإسلام وذلك على معنى أن هذا الأمر فقه لا يجدر سوى تعلمه من جهة ومن جهة أخرى فإن الحقوق في الإسلام فرائض دينية وواجبات شرعية وليست مجرد حقوق للمرء أن يتنازل عنها. كما أن التعبير عنها بأنها حرمات أبلغ وذلك بسبب أن الحرمة من الشيء هي الدرع الواقي له وبه يغدو حراما وطؤه. إستللت ذلك من القرآن الكريم وخاصة من سورة التوبة في معرض حديثها عن حرمتي الزمان والمكان وبإستقراء الكتاب العزيز الهادي إكتشفت أن الله تعالى ما حرم الزمان ولا المكان إلا لتحريم الإنسان إذ المقصود من فقه الحرمات زمانا ومكانا هو حرمة الإنسان لأن الزمان مسخر له وكذا المكان فهو المقصود بالحرمة والتحريم ولم يرد ذلك بالإستقراء فحسب بل هي آيات مكنونات ساطعات كمثل آية المائدة التي عقب بها في إثر قصة إبني آدم اللذين قربا قربانا وبمثل آية الإسراء الأشد جلاء في التكريم الإلهي للإنسان إرادة مرادة وغير ذلك مما هو معروف عند كل من يقرأ الكتاب العزيز الهادي مرة واحدة إستقراء لا هذيانا أو هذرا أو غفلة بليدة.

قصة فقه الحرمات قبل الإسلام.
معلوم لدى طلبة العلم أن الإسلام لم يخترع حرمة الإنسان وإنما رسخ ما جاءت به الرسل من قبله والكتب وذاك شأنه في الأعم الأغلب وذاك يمدح به عند العقلاء وليس به يثلب ولا يقدح. ذلك أن الأشهر الحرم الأربعة لم يأت بها الإسلام وإنما أقرها إقرارا إذ كانت مما ورثه العرب من ملة إبراهيم صاحب الدين الحنيف عليه السلام فلما شغبت العرب على ذلك بالإنساء المذكور في سورة التوبة تفصيا من تكاليف الحرمة ثبت سبحانه ذلك تثبيتا ومحا الإنساء وبذلك إستدار الزمان بمثل ما كان قبل جريمة الإنساء وترسخت حرمة الأشهر الأربعة وهي ثلاث متتاليات بها نودع الزمان في وحدته السنوية وبها نستقبله في وحدة قابلة وشهر يتيم مكمل للأربعة يتوسط قلادة الزمان وهو هذا الشهر أي رجب الحرام. معنى ذلك أن ثلث الزمان محرم تحريما قطعيا بالشريعة القرآنية الصريحة والثلث كثير كما أخبر عن ذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وهي بالمناسبة قاعدة رياضية ذهنية إذ الثلث في كل شيء هو كثير والكثير ضد القليل ولكنه ليس الأكثر وعلى التثليث قامت حجج فقهية غير داحضة في بعض حقول العبادة وكما يعرف ذلك طلبة العلم. ثلث الزمان إذن محرم والثلث كثير وكثير من المكان كذلك محرم ومن المكان المحرم الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها ودور العبادة المذكورة في آية الحج :“ صوامع وبيع وصلوات ومساجد " وكذا إقامات الناس من منازل ومساكن ومضاجع وبمثل ذلك مواطن إجتماعهم من مثل النوادي والأسواق ومرتفقاتهم العمومية وأماكن أخرى يضيق عنها هذا المجال هنا لخروج ذلك عن أربنا. ثلث الزمان إذن محرم تحريما قطعيا راسخا بالقرآن الكريم والثلث كثير وهو مبثوث في وسط الزمان وأوله وآخره من جهة وأماكن كثيرة من جهة أخرى كذلك محرمة. السؤال هو : ما معنى الحرمة والتحريم ولم؟

فقه الحرمات في الإسلام هو فقه حقوق الإنسان في المواثيق الوضعية.
ذلك هو كذلك بالجملة والتفصيل. تحريم الزمان إلى حد الثلث الذي هو كثير معناه عضل الإنسان أن يؤذي أخاه الإنسان بأي نوع من أنواع الأذى الظاهرة والخفية أي باللسان والقلم واليد عضلا دينيا وبوحي مباشر منه سبحانه ولذلك يغدو التحريم أمرا يرتفع إلى حد الفريضة المفروضة والواجب الموجوب وليس هو سنة مستحبة أو رغيبة منفولة. أي أن الإنسان ممنوع من لدن ربه سبحانه مباشرة من العدوان على الإنسان مالا ودما وعرضا. وليس معنى ذلك أن ذلك مباح فيما بقي من الأشهر الثمانية الأخرى. ولكن ذلك يعني أن التحريم هنا يرتفع إلى درجة الجريمة الدينية المغلظة فلا شفاعة فيها لشافع مشفع يوم الدين لفرط غضب الرحمان سبحانه على مقترفها. سؤالك هو : ولم لم يجعل الشارع الحكيم سبحانه العام كله أي الزمن كله محرما؟ الجواب هو : قانون التدافع يمنع ذلك من جهة والتدافع قانون إلهي ماض مطرد لا يتخلف. ومن جهة أخرى فإن قانون الإبتلاء هو كذلك لا بد منه ولا بد له من مرحلة زمنية ينزل فيها مستوى الجريمة وليس يباح فيها العدوان على الإنسان مالا وعرضا ودما. ومن جهة ثالثة لا بد للناس من ذلك أي لا بد من قانون إلهي صارم ومن قانون تفرضه الرقابة الذاتية الصارمة التي سماها تقوى وورعا ولا بد كذلك من رقابة إجتماعية ولا بد من رقابة سلطانية قال فيها الخليفة الراشد الثالث عليه الرحمة والرضوان : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فليس السلطان في الدنيا سلطانا دينيا شرعيا فحسب. لا. تلك أكذوبة. هي سلطات مبثوثة متكافلة وليست متقابلة ولا متخاصمة. جاء الوحي بذلك ليضيق دائرة التهارش والتقاتل والعدوان إلى أدنى حد ممكن ولما كان رد البغي والإنتصار منه فريضة دينية شرعية فإنه ترك الثلثين الآخرين مسرحا لذلك حتى لا " يتمسح " الإسلام بإسم فقه الحرمات. ففيه عزائم منها الجهاد والقتال ورد العدوان والمقاومة وغير ذلك ولا يتناسب مع تلك العزائم ومقصدها الأسنى كلها هو تحرير الإنسان من مختلف صور الإستعباد والإسترقاق جعل الزمان كله زمنا محرما. أما تحريم المكان فهو خادم لما يخدمه تحريم الزمان سواء بسواء ولك أن تلاحظ أن المكان المحرم هو في الجملة المواضع والمواطن التي لا يغشاها الناس في العادة للقتال والأذى ولكن للعبادة أو للراحة أو لقضاء المآرب وذلك من مثل المساكن والمنازل والمضاجع ومن مثل الأسواق ومن مثل الطرقات العامة والمرتفقات العمومية كلها ومن مثل دور العبادة حتى لو لم تكن مهيئة للمسلمين ولكن لغيرهم من اليهود والنصارى. الرسالة الإسلامية من كل ذلك هي : لا يؤذى المسالم ولا يعتدى لا على نفسه ولا على ماله ولا عرضه كائنا ما كانت ديانته أو ملته أو نحلته أو طائفته أو مذهبه. إنما لا حرمة لظالم ولا حرمة لظلم كائنا ما كانت ديانته أو مذهبه أو لونه. فالظالم لا حرمة له حتى يقتص منه ولو تعلق بأستار الكعبة المشرفة كما فعل عليه الصلاة والسلام ببعض النفر في فتح مكة ولا يشغب على ذلك أن العنوان العام الأكبر ليوم الفتح هو : إذهبوا فأنتم الطلقاء. أجل. أطلق الذين آذوه بالسنان ولكنه قتل الذين آذوه باللسان أي بالشعر في تلك الأيام إلا قليلا منهم من مثل صاحب البردة الشهيرة " بانت سعاد " أي كعب إبن زهير.

حرمة الزمان وحرمة المكان حرمتان رمزيتان لحرمة الإنسان.
لا أظن أن الإنسان يحتاج لتحبير كلمة واحدة لبيان ذلك. لا معنى لحرمة الزمان ولا معنى لحرمة المكان إلا بمعنى حرمة الإنسان لأن الزمان والمكان أي الليل والنهار والشمس والقمر والأرض وغير ذلك موجودان رمزيان وليس هما كائنين مكلفين يعبدانه سبحانه طوعا. فالمقصود إذن بالبداهة العقلية التلقائية الطبيعية هي أن كل ذلك التحريم إنما هو لتوفير أكبر قدر ممكن من التشريع الإلهي لضمان حرمة الإنسان مالا وعرضا ونفسا وفردا وأسرة وجماعة أينما حل وإرتحل بغض النظر عن دينه ولونه ولسانه ما لم يكن ظالما أو مظاهرا لظالم. وذلك هو الأساس الذي قامت عليه التشريعات الوضعية في مادة حقوق الإنسان. طبعا هناك فروق ولكنها صغيرة العدد وحسيرة التأثير. ولكن الإتجاه واحد. الفرق الكبير فرقان : الفرق الأول سبقت الإشارة إليه وهو أن حقوق الإنسان في الإسلام فرائض دينية وواجبات شرعية وهي بناء على ذلك حرمات معنوية ومادية تتولى الشرائع السماوية والأرضية صونها بل هي كذلك وأكثر إلى درجة أن العدوان على مال الإنسان البريء إنما جزاؤه أن تقطع يده وهي عقوبة قاسية دون ريب ولكنها قساوة متلائمة مع قساوة الجريمة وكلما كانت قساوة العقاب بمثل قساوة الجريمة فإنه لا يصح أن نقول عن العقاب إلا أنه عقاب عادل منصف إذ هناك قاعدة منطقية إستدعاها الإسلام في أصوله التشريعية وهي أن الجزاء من جنس العمل. مثال السرقة وحدها في الإسلام يبين بجلاء ووضوح أن التشريع الإسلامي يحمي حقوق الإنسان المالية وبمثل ذلك قل عن جرائم القتل والزنى والحرابة والردة بتفصيلات فيها ليس هنا محل الإسهاب فيها وغير ذلك. بكلمة واحدة لمن ألقى السمع وهو شهيد : فقه العقاب في الإسلام أي العقاب البدني الدنيوي هو وجه من وجوه حماية وصون حقوق الإنسان في الإسلام. هو الوجه الجزائي وله وجوه تشريعية أخرى ليس هنا محل الإنبساط فيها.

الإنسان مبحث عقدي كامل ومستقل.
أعرف جيدا أن الكلام هنا فوق التقليدي بل هو جريء إلى حد الخشية من تهمة التكفير أو التفسيق أو التبديع. أعرف ذلك وتعرضت له ولن أزال أتعرض له. المعيار عندي هو : إذا أفضت حرية التفكير إلى عقوبة التكفير ومن ثم القتل والإغتيال وغير ذلك من الأذى .. إذا بلغ ذلك ذاك فهي الشهادة في سبيل الله أو مقدمات الشهادة في سبيل الله أو هي المجاهدات التي أمرنا بها في الكتاب العزيز الهادي. أجل. الإنسان مبحث عقدي كامل ومستقل. كيف ذاك. الإنسان هو المبحث الذي يتمحض له القضاء والقدر في عقائد الإسلام أي أن العقيدة السادسة من عقائد الإسلام أي عقيدة القضاء والقدر إنما هي رسالة تقول لنا : القطعيات المحكمات الثابتات الراسخات هي الألوهية التي لا يجحدها إلا سقيم العقل وهي النبوة التي تبين للناس ما نزل إليهم وتبث فيهم القابلية العقلية للإستقامة تفكيرا وتغييرا من بعد موت الرسول وهي الإيمان بيوم المحكمة الأخيرة وثمرتها فريق في الجنة وفريق في السعير وللإنسان المقصود بكل ذلك الخطاب ومنه الإيمان بالعقائد الأدنى شأنا من مثل الملائكة والكتب لأن الإيمان بها فرعي فلا يتصور من مؤمن بالله لا يؤمن بالملائكة ولا يتصور من مؤمن بالرسل غير مؤمن بالكتب .. للإنسان المقصود بكل ذلك الخطاب فقرة من الحزمة العقدية وهي فقرة إسمها : الإيمان بالقضاء والقدر. الإيمان بالقضاء والقدر خلاصته الخالصة هي أن الإنسان مسؤول عن فعله وعن قوله وليس هو مسوقة الأقدار بل هو قدر من أقداره وحده سبحانه وهو سبب من أسبابه وحده سبحانه وهو سنة من سننة وحده سبحانه فهو إذن مستخلف مستأمن مكرم مستعمر معلم مسؤول. تلك هي رسالة الإيمان بالقضاء والقدر. هو كذلك أي الإنسان ( قدر وسبب وسنة وخليفة معلم ومسؤول مكرم ) في مملكة الرحمان سبحانه. الإنسان في عقيدة القضاء والقدر عابد لمعبود ومخلوق لخالق ومسؤول لسائل ومرزوق لرازق ومن ذا فهو بالنتيجة المنطقية العقلية مملوك لمالك ومن ذا فهو بالنتيجة العقلية المنطقية مرة أخرى عابد لمعبود. الإنسان إذن مبحث عقدي كامل ويحتل الركن العقدي السادس وهو مبحث مستقل إستقلالا وظيفيا إذ عقيدة الإسلام واحدة ولكن تحلل وتشرح للضرورات التعليمية.

الإنسان الخليفة لا بد له من أداة الحرية والحرمة حتى يسأل.
أجل. تبعا للقاعدة المنطقية العقلية التي إستعارها الأصوليون أي الغنم بالغرم فإن الإنسان غنم الحرية من ربه تعالى وحده إذ له حرية الكفر بمثلما أن له حرية الإيمان وليس ذلك من عندي ولكن من عند الله تعالى القائل في السورة المكية أي الكهف :“ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وهي من المرات القليلة جدا التي نسب فيها سبحانه جزءا من المشيئة إلى عبده وذلك مفهوم هنا لأن عبده لا يمكنه أن يكون مسؤولا يوم القيامة على إيمانه أو على كفره حتى يكون حرا فيهما معا في الدنيا . أعرف أن التعبيرات غير مألوفه ولكن الذنب ليس ذنبي. ولا تهمني العادات والتقاليد فيما هو محكم في الكتاب العزيز الهادي. .. غنم الإنسان إذن حرية الكفر وحرية الإيمان من ربه وحده في هذه الدنيا وتبعا لذلك يكون مسؤولا يوم القيامة أي أن الحرية الإسلامية هي حرية إيجابية مسؤولة وليست حرية سائبة يعتدى بها على حريات الآخرين ولا يصطدم المعتدي بسائل يسأله. جهز الإنسان بالحرية حتى يتأهل للمسؤولية والإستخلاف والإستئمان وغير ذلك من فرائض إقامة العدل والقسط وجهز كذلك بالحرمة أي بإعلان حرمته من لدنه سبحانه في كتابه العزيز الهادي وذلك حتى يأمن الإنسان شر أولي الشر إذ لولا حرمته لكان سقط متاع يفترسه القوي. تقول لي : أليست تلك هي حالته اليوم.؟ أجيبك بقولي : أجل. في جزء مهم وكبير هو كذلك ولكن ليس بالكلية المطلقة أولا وثانيا ليس ذلك هو المطلوب ولا يستدل بالواقع على فساد المثال كما يقال. ولا حجة لذاك على بطلان هذا.

بقي أمران.

أولهما مقتضيات الحرمة وثانيهما معنى حرمة رجب.
مقتضيات الحرمة المعلنة في الإسلام إعلانا قويا واضحا هي التقرب إليه وحده سبحانه بإعلان السلام والأمن والطمأنينة قولا وعملا من لدن الناس بعضهم لبعض فمن تولى عن ذلك فالناس مسؤولون على فرض السلام والأمن ولو أدى ذلك إلى قوله سبحانه :“ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله ". والمقصود هنا أن طائفتين من المسلمين يقتتلان بالسلاح الناري الحي ويقتل بعضهما الآخر. طائفة تقاتل لأجل إحلال السلام والأمن الذي تنكبته الطائفة الباغية وطائفة تقاتل لأجل التمادي في العدوان. قتلى الطائفة الأولى شهداء. أجل. شهداء وهم يقتلون مسلمين. وقتلى الطائفة الأخرى جيف قذرة وهم مسلمون. ألم تلحظ قوله :“ وإن طائفتان من المؤمنين " أي أن القاتل والمقتول كلاهما مؤمن. ألم تلحظ قوله :“ فأصلحوا بين أخويكم ". أي أن القاتل والمقتول كلاهما أخ لكم. ذلك هو معنى أن التشريع الإسلامي تشريع واقعي. لا يستبعد العدوان الداخلي ولكنه يعمل على تجفيف منابعه ومن أدوات تجفيف منابعه هو تحريم الزمان وتحريم المكان لأجل تأكيد حرمة الإنسان. فإذا وقع العدوان الإسلامي الداخلي جاء التشريع بالبلسم الشافي وهو القتال الإسلامي الداخلي لأجل إعادة إحلال الأمن والسلام. أي أن الإسلام يبعث على قتل المسلم المعتدي لنفي العدوان على ما بقي من المسلمين بعضهم على بعض. بعض الناس لا يفقهون ذلك أو بعض تفاصيله وذلك بالرغم من أنه مبسوط في سورة الحجرات من جهة ومن جهة أخرى هو واقع بيننا الآن. الذنب ذنب الإسلام وشريعته؟

الحرمة إذن عبادة من العبادات ولها مقتضيات. ليست الحرمة شعارا أو عنوانا ولكنها عمل فكري وفعلي لتجفيف منابع العدوان وإفشاء مساحات السلام وتوسيع مناطق الأمن إلى أقصى حدد ممكن فإذا حصل مكروه أي مكروه الإقتتال الإسلامي الداخلي هناك التشريع آنف الذكر.

الحرمة في الإسلام جامعة فهي حرمة المال وهي حرمة النفس وهي حرمة العرض وبذلك يغدو اللسان سنانا داميا بحسب ما قال الشاعرالحكيم ويكون القلم اللسان الثاني الأشد إدماء بمثل ذلك وتكون مخرجات القلم من تصوير وفنون وصور وغير ذلك بمثل ذلك وبمثل ذلك اليدان وجوارح الإنسان التي تؤذي الإنسان.

لم حرم رجب؟
سؤال مهم. رجب شهر حرام يتوسط الزمان. لم حرم؟ حرم على الأغلب والأرجح لأنه شهد حادثة الإسراء والمعراج أي لأنه شهد فرضية الصلاة ولأنه شهد إعادة الإرتباط الوثيق بين المسجد الحرام وبين المسجد الأقصى ولأنه شهد إعادة الوصل بين السماء وبين الأرض أي بين سدرة المنتهى في رحلة المعراج وبين الأرض. تقول : ولكن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن يوم حرم العرب رجب في إثر ما ورثوا من الحنيفية الإبراهيمية السمحة؟ أقول لك : كذلك رتب سبحانه كونه وأقدار التاريخ لتكون تلك الرحلة التي بها كرم سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام في ذلك الشهر الذي كانت العرب تحرمه. لو قلبت الأشهر الحرم الأربعة باحثا عن علة الحرمة أو سببها لظفرت بما يقر العين. لك أن تقول بإطمئنان : حرم ذو القعدة لتوفير مناخ يستعد فيه الناس للحج والحج عبادة قديمة جدا ويحفل بها العرب المشركون أيما حفل. وحرم ذو الحجة الذي يليه لتوفير مناخات آمنة للحجاج الوافدين من كل فج عميق في زمان كانت الطرقات فيه برية فحسب ولم تكن آمنة حبة خردل إلا وفق النظرية الإستراتيجية التي عرفناها اليوم أي توازن الرعب إذ يأمن الناس يومها بقدر ما لهم من أسلحة ترهب المعتدين. وحرم المحرم الذي يليهما لتمكين الحجاج من العودة إلى بيوتهم آمنين مطمئنين وطريق العودة يومئذ يستغرق شهورا طويلة ومن جانب آخر بسبب ذكرى عاشوراء ولكن ليس على الطريقة الشيعية الهابطة أي إعلان الحزن على شهيد كربلاء الحسين عليه الرحمة و الرضوان ولكن على الطريقة التي أعلنها لنا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام أي تخليدا لذكرى إنتصار الحق على الباطل أي إنتصار موسى عليه السلام ممثل الحق يومها على فرعون زعيم الباطل يومها. عاشوراء تستحق ذلك وأكثر منه ويستحق شهرها المحرم أن يكون محرما إعلاء من الإسلام لقيمة إنتصار الحق على الباطل وإستعادة المقهورين من الإسرائيليين في تلك الأيام لحقهم من البغاة الفراعنة. لكل شهر حرام إذن مناسبته التي بسببها حرم. ذلك إستقراء وليس وحيا والإستقراء هنا مطلوب ومحمود بل موعود صاحبه بالأجر ولو أخطأ. فهل نحتفي بعاشوراء حزنا على شهيد كربلاء عليه الرحمة والرضوان كما يريد لنا التدين الشيعي الأخرق أم نحتفي بعاشوراء ونحن فرحى لإنتصار الحق في زمن موسى عليه السلام على الباطل وممثله فرعون كما يريد لنا رسول البشرية محمد عليه الصلاة والسلام. هل نحتفي بعاشوراء صوامين سنة مسنونة أم نحتفي بها جلادين لأبشارنا المحرمة المكرمة كما يفعل الشيعة الحمقى.

فقه الحرمات بديل عن حقوق الإنسان فهل من مشمر.
القضية التي أثرتها في مناسبات خاليات كثيرة وطويلة مازالت بكرا لم يطمثها أحد تقريبا. هي مناسبة لتبديل المصطلح عندنا ولو أن تبديل المصطلح ليس غاية في ذاته ولكنه مطلوب لأجل غيره وغيره هو تأكيد فقه الحرمات مكونا من مكونات الشريعة الإسلامية وإعلاء لمكانة الإنسان ومنزلته ودوره لعل قطار الثورة العربية المنداحة بتعثر يثبت على طريقه ويرسخ في نهجه إذ مقصد المقاصد في الإسلام هو : تحرير الإنسان وليس التحرير مقصود لذاته ولكن المقصود من التحرير الإسلامي للإنسان هو : تحميله مسؤوليته في الدنيا ليؤمن إن شاء الإيمان أو ليكفر إن شاء الكفر وبذلك تتم كلمة ربك على عباده صدقا وعدلا وتقام حجته عليهم وتلك هي مهمة الرسل جميعا عليهم السلام جميعا.

فقه الحرمات مادة فكرية وثقافية شرعية ودينية خصبة وثرية. فهل من مشمر يستقرؤها ويجمعها في سفر يكون عنوانا جديدا من عناوين النهضة وعناوين الثورة أي من عناوين تجديد الدين الذي حرضنا عليه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.

فقه الحرمات مبحث عقدي ثمين والمشمرون له مبشرون بالحديث أو هو أثر لمن ضعفه كثيرا ومتنه : يرجح مداء العلماء يوم القيامة دماء الشهداء. أي أن أجر العالم الباحث المجتهد أكثر من أجر الشهيد. ألم يقل هو نفسه عليه الصلاة والسلام إعلاء لمقام العلم والبحث والإجتهاد :“ فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم".

ذلك ما تيسر لي بمناسبة رجب المحرم الذي غشينا والله أعلم

الهادي بريك تونس
28420944
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.