تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في ندوة (القدس والأقصى بين المؤامرة والمواجهة) المنعقدة في الدوحة بقطر
نشر في الحوار نت يوم 11 - 05 - 2014

كلمة الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في ندوة (القدس والأقصى بين المؤامرة والمواجهة) المنعقدة الآن في الدوحة بقطر ::
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا المصطفى الذي بشّر بأن أهل القدس وأكنافها هم من الطائفة المنصورة إلى يوم الدين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اصحاب السماحة والسعادة أخواتي وإخواني الكرام
أحييكم بتحية الإسلام ... وأشكركم على حضوركم، كما لا يسعني إلا أن اقدم الشكر والثناء للضيوف الكرام على رأسهم الشيخ عكرمة صبري خطيب الأقصى، والأخ المجاهد الأستاذ اسامة حمدان، وغيرهم، ولهذا البلد الكريم قطر كعبة المضيوم، وحصن الالتزام بالمبادئ، ولأميره وحكومته الرشيدة ولوزارة الثقافة وكل من ساهم في الاعداد والتنفيذ فجزاهم الله خيرا، كما يسعدنا أن نقدم التهنئة للقيادة الفلسطينية فتح وحماس وغيرهما على المصالحة داعين الله تعالى أن تكون دائمة وداعمة.
اصحاب الفضيلة والسعادة، سادتي الكرام...
فما دامت القدس اسيرة الاحتلال ومعرضة للتهويد وفلسطين كلها تحت الحتلال والحصار فلا يجوز أن تسبق أي قضية هذه القضية، ولا أولوية إلا لها، فهي قضيتنا الأولى، وقضيتنا المصيرية فهي قضية الوجود والعزة والكرامة، قضية قبلتنا الأولى وثالث الحرمين الشريفين، وقضية الأرض المباركة، وهي قضية الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، بل هي قضية مؤشر صعودنا وهبوطنا، وقوتنا وضعفنا، وسبحا الله فإن من معاني القدس: الحجر الذي يرمى به في البئر ليعلم مقدار مائها أكثير أم قليل.
أيها الإخوة الكرام:
هناك حقيقتان في موضوع القدس وغيرها:
الحقيقة الأولى: أن تحرير القدس ونحوها على مرّ التاريخ لن يتم بالشعارات وإنما تكون بالتضحيات الشاملة للجهاد بجميع أنواعه بالمال والأنفس، والوحدة والعلم والإعلام، وبتسخير جميع طاقات الأمة السياسية والإقتصادية والعسكرية والإعلامية والقانونية ونحوها في خدمة القضية وهذا ما بينه القران الكريم (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الصف، 10-13) .
والتاريخ شاهد على ذلك فلم يستطع المؤمنون من قوم موسى عليه السلام لأنهم لم يستعدوا لذلك، ولم يفتحها الخليفة الفاروق إلا بعد إعداد القوة التي قضت على قوة الرومان، ولم يحررها السلطان صلاح الدين إلا بعد بذل الغالي والنفيس بدءاً من السلطان محمود الزنكي، ونور الدين .
الحقيقة الثانية: أن الذي يُحرر القدس ليس قائداً واحداً محنّكاً مهما كانت قوته وحنكته، وإنما تحرّرها الأمة عندما يتسلح رجالها، وتتغير أنفسها، وتستيقظ من رقادها، وتنبعث من مرقدها، وتصبح أمة عابدة لله تعالى وحده لا لغيره، وقوية في جميع مجالات الحياة، قال تعالى في سورة الإسراء بعد ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) (سورة الإسراء -47)
فهذه الآية اشترطت ثلاثة شروط اساسية للتحرير:
الشرط الأول: (عباداً لنا) وهذا يعني: الجمع الكبير، بل يعني الجيل الكامل ولذلك عبر بجمع الكثرة (عباداً) وليس بجمع القلة.
كما أنه يفهم منه بوضوح اشتراط العبودية الكاملة لله تعالى، وهذا يعني خلوص القلب لله تعالى وحده، وعدم بقاء حظوظ النفس، ويعني التوكل والاعتماد عليه، وليس على الغرب أو الشرق، فالتحرير يتحقق بهذه الأنفس الزكية المرتبطة بالله تعالى، كما أنه يفهم منه التحرير من كل عبودية وخوف إلا من الله تعالى، وهذا يعني أن الأمة المستعبدة التي تحتاج هي إلى التحرير لن تكون قادرة على التحرير.
الشرط الثاني: هو توفير القوة بجميع انواعها/ القوة العسكرية، والاقتصادية، والعلمية، وقوة الوحدة، وقوة التقنيات، ونحوها.
الشرط الثالث: السير على منهج القرآن الكريم ولذلك جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. فالآيات الكريمة تدل على ان القوم كله، او الامة كلها هم الذين حرروا، وليس القائد مهما كانت قوته، وتلك حقيقة ناصعة فى تاريخ القدس الشريف، فقد كان موسى عليه السلام ( عليه السلام ) نبياً ورسولا وكليم الله تعالى ومن أولي العزم ومعه هارون الذى كان رسولاً وحكيماً ومع ذلك لم يستطيعا تحرير القدس، لأن قومه لم يكونوا مهيئين، بل عاشوا الذل والاستعباد فى ظل فرعون، لذلك قالوا لموسى( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) 24} :المائدة { على الرغم من انهم رأوا الآيات العظام، ورأوا كيف أهلك الله فرعون أمام اعينهم بمعجزة، وهو لم يكن اقوى من القوم الجبارين.
وهذا دليل على ان الامة اذا افسدت فطرتها بالظلم والاستبداد فأصبحت خائفة خاضعة بعيدة عن اجواء الحرية تصبح امة ضعيفة مفعولاً بها لا فاعلة، بل وتصبح كما قال القرآن الكريم (وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) 76) :النحل) فالامة الذليلة التى منعت عن حريتها وعن التعبير عما تريد هى كالعبد الأبكم، فتصبح عالة على سيدها فى الاكل والشرب فكيف تقارن الامة القادرة على الإفصاح عما تريد والقادرة على محاسبة المخطئ، وعلى إقامة العدل والمساواة.
وقد أكد القرآن الكريم ذلك، وأثبت التاريخ بأن قوم موسى أنفسهم لما عاشوا فى الصحراء، وجاء جيل جديد فى ظل تربية نبى الله يوشع، تربية العبودية لله تعالى تربية التحرر من خوف المستبدين وإذلالهم استطاعوا أن يحرروا القدس، وقد اشرط يوشع عليهم كما فى الحديث الصحيح (أن من يقاتل معه يجب ان لا يتعلق قلبه بامرأة، ولا بمسكن ولا بغنم بل يتعلق قلبه بالله تعالى ( اى العبودية لله تعالى) وحينئذ سخر الله له الكون، فقال للشمس ( انت مأمورة وأنا مأمو، اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه) رواه البخارى ومسلم، وهكذا الحال فى قصة طالوت حيث قام النبى شمويل بن بالى بدور عظيم فى تربية النفوس فرباهم على العبودية الخالصة وعلى الجهاد فأصبح الشعب مهيئاً فطالبوا بالقائد الذى يقود فقال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [البقرة:246] فبعث الله عليهم طالوت، فجربهم بالايمان ثلاث مرات، ولما نجحت الفئة القليلة (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وكذلك فتح عمر للقدس، وتحرير صلاح الدين لها كانا للأمة الصالحة العابدة أولي الباس الشديد في ظل القيادة الرشيدة.
وهكذا موقف القرآن الكريم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعلى الرغم من مكانة الرسول العظيمة صلى الله عليه وسلم أسند الفضل أيضاً الى أمته فقال (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) 62 الأنفال وفى وصفهم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) 110 آل عمران ، وقال في مدحهم ايضاً (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح 29 )
ايها الاخوة والأخوات
إذن فإن ماذكرناه هو الحقيقة الربانية والحقيقة التاريخية، وهنا يأتى دور العلماء الربانيين فى تربية هذه الامة وبذل كل مافى وسعهم لتحقيق الامة العابدة لله تعالى والمحررة عن كل عبودية أو ذل أو خضوع أو ركوع أو سجود لغير الله تعالى، وصاحبة القوة والبأس الشديد على الأعداء المعتدين.
وهكذا كان فهم العلماء الربانيين حينما احتل القدس الشريف فى عام 492ه تفرغوا لبناء الأمة من جديد، فوجدوا أن المشكلة الاولى التى أصابت الامة فأضعفتها هى أمراض النفوس والقلوب، اذن لابد من علاجها من خلال تغيير النفوس نحو الأحسن وجعل القلوب سليمة . قال تعالى فى بيان سنة من سنن الله تعالى التى لا تتغير ولا تتبدل(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] لذلك اشتغل على هذا الجانب العلماء الربانيون.
والمشكلة الثانية هى منهجية العلوم اي إصلاح النظام التعليمي فألف الغزالي كتابه إحياء علوم الدين، فالتعليم الصحيح هو الذى يبنى الاجيال.
والمشكلة الثالثة هى مشكلة إصلاح الامة ولا سيما فى قيادتها وفى اخلاقها وقيمها، فقام الشيخ عبد القادر الجيلانى وغيره بهذا الجانب حتى كان يحضر مجلس درسه سبعون الف من طلبة العلوم وعامة الناس، وكذلك بُنيت المدارس الإصلاحية ،
والمشكلة الرابعة هى ضعف روح الجهاد، ولذلك اشتغل على هذا الجانب، فبذل العلماء الربانيون جهوداً كبيرة فى هذا المجال، وشاركوا بأنفسهم فيه، وحولوا الثغور الى مدارس تربوية للجهاد، ولذلك كان معظم قادة صلاح الدين من العلماء مثل القاضى الفاضل الذى أسند صلاح الدين النصر إلى دعائه وصلاحه، ومثل القاضى الهكارى وابن شداد، والانصارى وكثيرين وحتى صلاح الدين هو نفسه اخذ إجازة الفقه والحديث على ايدى كبار العلماء.
المشكلة الخامسة حب الدنيا وانتشار الفساد المالى والادارى بين الحكام، حتى إن أحد الوزراء الفاطميين فى مصر كان تقدر ثروته بعشرات الملايين من الدينار الذهبي، وأن عمائمه المصنوعة من الحرير الخالص والمرصعة بأثمن اليواقيت والذهب كانت تصل الى مائة عمامة توضع كل واحدة على مسمار ذهبى يقدر وزنه بأكثر من ألفى غرام.
فى حين أن صلاح الدين لما ملك مصر حول أفخم القصور الى مستشفى ، ولما مات ترك ديناراً واحداً وستة وثلاثين درهماً ، ولكن كان عليه مئات الآلآف من الدنانير والدراهم لأجل الجهاد.
المشكلة السادسة الجفوة بين العلماء والأمراء، فقد حدثت قبل الحروب الصليبية، وبعدها جفوة بين العلماء والأمراء أثرت فى مسيرة الامة لأنهم جميعاً هم أولو الأمر الذين ذكرهم القرآن فقال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } النساء :59 { فقد فسره بن عباس وغيره بأنهم الأمراء الذين يحكمون بالحق والعدل، والعلماء الذين يبينون الحق، ولذلك عند التنازع يرد الامر الى المجتهدين منهم ، قال تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) }النساء:59 { والرسول هو الذى يمثل جانب الإمارة والحكم، وجانب العلم والاستنباط وعند وفاته يرث الامراء الامارة والحكم، والعلماء العلم وذلك أوضحه القرآن الكريم فقال تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ) } النساء : 83{ لذلك لم يتحرر الشام والقدس إلا بعد التئام أولى الامر بشقيه الأمراء والعلماء فأصبح الأمراء علماء، وأصبح العلماء مجاهدين معهم . يقول ابن الأثير فى وصف الملك نور الدين ( فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين . ووصفه ابن كثير بأنه كان عالماً بالفقه والحديث، وقرأ عليه بعض طلبة الحديث مسلسلاً بالتبسم فطلب منه أن يبتسم ليصل التسلسل، فامتنع من ذلك وقال: إنى لأستحيى من الله أن يرانى مبتسماً والمسلمون يحاصرهم الفرنج بثغر دمياط) وحصل مثل ذلك لصلاح الدين وقد وصفه ابن شداد : (بأنه كان حسن العقيدة، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة ويواظب على السنة والنوافل، ويقوم الليل... وكان رقيق القلب، خاشع الدمعة...شديد الرغبة فى سماع الحديث، كثير التعظيم لشعائر الله تعالى).
ومع ذلك أولى نور الدين وصلاح الدين عناية قصوى بالعلماء، وكانا يقولان فى العلماء: هم جند الله، وبدعائهم ننصر على الأعداء ولهم فى بيت المال أضعاف ما نعطيهم، فإن رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا).
وأخيراً فإن ماذكرناه وهو المطلوب اليوم من العلماء أن يقوموا بإعداد جيل صلاح الدين جيل (عباداً لنا أولي بأس شديد)، أن يقوموا بتربية الامة على التضحيات وبث روح الجهاد وتوسيع دائرة المقاومة الفلسطينية لتشمل العرب بمن فيهم المسيحيون الصامدون فى فلسطين، وغيرها، ثم المسلمين جميعا، ثم التربية على أساس الاستفاده من البعد الإنسانى، وبعد الحق والعدل الذى يتفق معنا جميع الشعوب المحبة للعدل والخير.
ايها الاخوة والاخوات
نحن على يقين من النصر اذا توافرت الشروط السابقة وذلك لأننا أمام وعد الله الحق (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } إبراهيم {47: ، أمام النصر القريب (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا )} الاسراء :51{.
ولا يمكن للباطل الصهيونى، والوعد الكاذب أن يصمد أمام الحق وظهوره مهما حاول الصهاينة من تهويد القدس ومحاولة الهدم والتقسيم الزمانى والمكانى للأقصى، وحصار غزة والضفة، (فإن جند الله هم الغالبون)، ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40] ولكن علينا الأخذ بما ذكرناه، وبالتضحيات الجسام، فكم أتحسر وأحزن عندما أعلم بأن احوال إخوانى فى القدس وفى فلسطين فى ضيق شديد مع كل هذه الخيرات فى بلاد العرب والمسلمين، بل إن المبالغ التى وصلتهم هى 36 مليون (عشرات الملايين في معركة تطلب المليارات) فلا يمكن تحرير القدس بهذا الشكل فى الوقت الذى صرف فيه صهيونى امريكى واحد على المستوطنات المليارات من الدولارات . وعموماً فنحن جميعاً علماء وسياسيين وإعلاميين وغيرهم مطالبون بالعمل الجاد لاجل هذه القضية، كل من موقعه .
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.