باريس- كشف استطلاع للرأي أن نصف الفرنسيين يرون أن الدين الإسلامي يتلاءم مع مجتمعهم، وذلك مع زيادة حدة النقاشات العامة الدائرة حاليا في فرنسا، التي تضم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، بشأن الدين والهوية، بعد نتائج الاستفتاء السويسري الذي أدى إلى حظر بناء المآذن في سويسرا. وأظهر الاستطلاع الذي أجراه مركز "سي.إس.إيه" لاستطلاعات الرأي لصالح صحيفة "لوباريزيان"، ونشرت نتائجه الخميس 10-12-2009، أن 54% من الفرنسيين يرون أن الإسلام لا يشكل أي تهديد لقيمهم، غير أنه كشف عن تباين واضح بين الأجيال المختلفة في موقفها من الإسلام؛ حيث أشار إلى أن الشباب الفرنسي أكثر انفتاحا على الإسلام ممن هم أكبر سنا. ومن بين من تقل أعمارهم عن 30 عاما قال 68% إن الإسلام يتلاءم مع المجتمع الفرنسي، وهي نسبة تقلصت مع تقدم المراحل العمرية، إذ بلغت 36% فقط عند من تتجاوز أعمارهم الخامسة والسبعين. وأظهر الاستطلاع أيضا أن 82% و72% على الترتيب من المشاركين أجابوا بأن الكاثوليكية واليهودية يتلاءمان مع المجتمع الفرنسي. وأجرى الاستطلاع الذي شارك فيه 1001 شخص في الثاني والثالث من ديسمبر الحالي، بعد بداية نقاشات موسعة دعت إليها الحكومة الفرنسية بشأن "معنى أن يكون المرء فرنسيا" في مطلع نوفمبر الماضي، وتجرى النقاشات في قاعات بعض المجالس البلدية في المدن الفرنسية ومنتديات تدعمها الحكومة على شبكة الإنترنت، وتركز على بعض القضايا الإسلامية مثل ارتداء الحجاب. ودفع ذلك منتقدو ساركوزي لاتهامه بأنه يغازل التيار اليميني ومروجي الإسلاموفوبيا، بطرح هذه القضايا للنقاش العلني. وجاء في أحد مواقع النقاش على شبكة الإنترنت أنه "على الرغم من علمانية الدولة الفرنسية، فليس بوسعنا محو ألف عام من المسيحية، وأعتقد أنه ينبغي علينا تشديد سياستنا المتعلقة بالهجرة والإدماج". وفي حين أن أعضاء من حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي ينتمي إليه ساركوزي، وهو من أحزاب يمين الوسط، أعربوا عن قلقهم بشأن تحول دفة النقاش، شارك بعض أعضاء الحزب فيها. وأشارت وزيرة العدل الفرنسية ميشيل إليو مارى في تصريحات لها الخميس إلى أنه ينبغي لفرنسا أن ترفض منح الجنسية الفرنسية لأي رجل زوجته منتقبة. وكان ساركوزي قد أثار العديد من الانتقادات عندما قال في 12 نوفمبر الماضي، إن فرنسا بلد "لا مكان للبرقع فيه"، في أول خطاب له خلال النقاشات الخاصة بالهوية الوطنية الفرنسية، وأكد في خطابه بمنطقة "لا شابيل إن فيركور" الواقعة وسط البلاد على أن "فرنسا بلد لا مكان فيه للبرقع، ولا مكان فيه لاستعباد المرأة تحت أي مبرر وأي ظرف وفي كل الأحوال". ويثور من آن لآخر في فرنسا جدل بشأن واقع الإسلام والمسلمين على خلفية بعض القضايا، مثل الحجاب والنقاب، ودور الإسلام في الجمهورية الفرنسية التي تتبنى العلمانية رسميا كهوية لها، وفي الآونة الأخيرة تفاعل النقاش حول المظاهر الإسلامية في فرنسا، بعد الاستفتاء الذي جرى في سويسرا، والذي أدى إلى منع بناء المآذن في سويسرا. إلا أن السلطات الفرنسية حتى أعلى مستوى أعلنت رفضها التعامل مع المآذن على "الطريقة السويسرية"؛ حيث رفضت الحكومة الفرنسية على لسان رئيس الوزراء فرنسوا فيون تبني خطوة مماثلة، وقال فيون في خطاب له في ختام ندوة حول محور الهوية الوطنية بباريس الجمعة الماضية: "بخصوص المآذن والتي هي قليلة بفرنسا أقول بكل بساطة إنها تندرج بطريقة معقولة ومتناسقة مع محيطنا الخضري والاجتماعي". ويقدر عدد المسلمين في فرنسا بنحو خمسة ملايين نسمة، غالبيتهم من الأفارقة وعرب شمال إفريقيا، يمثلون زهاء 8% من تعداد السكان البالغين حوالي 64 مليون نسمة، واعتُرِفَ بالإسلام رسميا في فرنسا عام 2003 بعد تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن طريق الرئيس نيكولا ساركوزي، والذي كان آنذاك وزيرا للداخلية.