ما يزال مشروع قانون المالية التّكميلي يثير جدلا و اهتماما كبيرين لدي الكثيرين من المهتمّين بالشأن المالي والاقتصادي في بلادنا، ويثير الكثير من التّساؤلات لدى التجّار والمهنيّين والصناعيّين وأصحاب الشركات الصّغرى والكبرى ، وقد جاءت نسخته المسرّبة لتطرح الكثير من الإشكالات لدى بعض المتخصّصين في الشأن المالي و الجبائي، وقد أفضى هذا الجدل إلى حراك فكري انقسم أصحابه بين مؤيّد للمشروع وبين رافض له، فبعضهم اعتبر جلّ الإجراءات التّي جاء بها المشروع ثوريّة، ومغايرة تماما في جوهرها للإجراءات السّابقة المتخذة في قانون المالية لسنة 2014 ،و التّي اعتبرت آنذاك إجراءات لا شعبية، لكونها لا تخدم مصلحة المواطن الضعيف، وقد جاءت هذه الإجراءات الجديدة لمشروع قانون المالية التكميلي في نظرهم في جوهرها منسجمة مع مطالب الخبراء و الاختصاصيين في المجال الاقتصادي والمالي ولعلّ أهمّ من كتب في هذا الاتّجاه زميلنا زيّاد بن عمر في مقال له بجريدة الصباح ليوم السبت 7جوان 2014 في شكل استجواب مع الصحفي سفيان رجب بعنوان "قانون المالية التكميلي يأتي ب 35 اجراء جديدا " و مقال لزميلنا الأستاذ جمال بورخيص بجريدة الصباح ليوم 10 جوان 2014 بعنوان "إجراءات جريئة تستدعى الترشيد " في حين رأى البعض الآخر أنّ مشروع القانون لم يأت بالجديد وغاية ما في الأمر أنّه استبدل الضرائب على السيارات و العقارات التي يملكها الموظفون في الغالب وأصحاب الشركات -وهي ضرائب قارة جاء بها قانون المالية لسنة 2014 - باقتطاع أيّام عمل على الموظفين واقتطاع مبالغ معيّنة على الشركات، وهي إجراءات ظرفية مقارنة بالإجراءات الأولى القارّة، وهو رأي للخبير المالي السيّد عادل السمعلي عبّر عنه فى مقال له بجريدة الضمير العدد 369 بتاريخ 10 جوان 2014 ، ونحن اذ نثمّن هذه الكتابات،مهما اختلفت أراء أصحابها، فاختلاف الرأي فيها فيه إثراء للحوار ، و يساعدنا على اختيار الإجراءات الصائبة والأنجع لحلّ مشكلة مواردنا المالية دون إجحاف و لا شطط، فإنّني سأحاول أن أدلي بدلوي في إجراءات هذا المشروع، لتقديم الإضافة و الإفادة و سندي في ذلك منطق التدرج في معالجة مشاكلنا واعتماد الواقعية العلمية فللحقيقة أقول أنّ هذا المشروع في كل أحواله جاء بإجراءات جديدة و واضحة في بعدها المالي، ونوعية في جانبها القانوني -هنا أخص بالذّكر قانون رفع السرّ المهني- وقد تجاوز سلبيّات المشروع السّابق،فعدّل من قاعدة المستهدفين بهذه الإجراءات، ونوّع من قواعد احتساب الاقتطاع الضريبي على الموارد، واعتمد قاعدة التدرج في معالجة ظاهرة التهرب الجبائي، وظاهرة التجارة الموازية، فقد استثني المشروع شريحة كبيرة من الأجراء من أصحاب الدخول الضعيفة و المتوسطة و لم يستهدف إلاّ الكوادر الوسطى و العليا، من أصحاب الدخول المرتفعة نسبيا، بحيث تمّ توظيف الاقتطاع على الأجور من يوم عمل في الشّهر إلى ستة أيام عمل على ستة أشهر ولمدة السّداسيّة الأخيرة لسنة 2014 على أصحاب الأجور الذين تجاوزت أجورهم حدّ ال10 ألاف دينار في السنة و هو ما يساوي بالأجر الشّهري الخالي من الأداء 834 دينار و بهذا المبلغ الشّهري يكون الاقتطاع الشّهري ليوم عمل لهذا الصنف في حده الأدنى ماقدره 32 دينار (أنظر سلم الأجور والإقتطاعات الوارد بالمشروع) أما بالنسبة للمهنيين (من أطباء و محامين و محاسبين) والتجار والصناعيين فقد جاء الإجراء الخاصّ بهم تعسفيا بعض الشيء، فإذا قارنا بين ما يدفعه أجير له دخل سنوي صافي قدره 10 ألاف دينار، و مهني ( طبيب أو محامي ) أو تاجر أو صناعي له ربح مصرّح به لسنة 2013 قدره 10 ألاف دينار، واعتمادا على نسبة 20 في المائة من الاقتطاع علي القسط الاحتياطي الثاني و الثالث، فإنّ هذا المهني أو التاجر أو الصناعي مطالب بدفع القسط الاحتياطي بما قدره 457500 مليم و 20 في المائة للمبلغ المقتطع والذي يساوي 91500 مليم أضف إليه نفس المبلغ المخصص للاقتطاع على القسط الثالث، ويكون المبلغ الجملي الموظّف على المهني أو التاجر أو الصناعي ماقدره 183000 مليم، إذا فإنّ ما يدفعه المهني أو التاجر أو الصناعي بهذا المقترح يتجاوز خمسة أضعاف ما يدفعه الأجير، لذلك أضمّ صوتي إلى صوتي زميلي جمال بورخيص للمطالبة بالتّخفيض في النّسبة المئوية من 20 في المائة إلى 10 في المائة بالنسبة للمهنيين والصناعيين و التجار، وقد يعترض علينا بعضهم بأنّ تصريحات المهنيّين في جلّها أثبتت الإحصائيات الأخيرة التي قامت بها وزارة المالية لثلاثة أصناف منهم (محامين أطباء و محاسبين) أنّ معدّلها العام السّنوي لم يتجاوز خمسة ألاف دينار (الطبيب في حدود 4708 د المحامي بنحو 1905 د والمحاسب بحوالي 4619 د ) حسب جريدة التونسية ليوم 17 أفريل 2014 و أنّها غير صحيحة و تفتقد إلى أبسط قواعد الشّفافية و المصداقيّة، أقول هنا إنّ مسألة التهرب الجبائي تحتاج إلى معالجة معمّقة وفي إبّانها و ما رفع السرّ المهني إلاّ ضربة البداية للتصدّي لهذه الظاهرة الخبيثة و المعيقة لنموّ اقتصادنا وبالنّسبة للشركات -غير الشركات البترولية – حدّدت المساهمة ب 20 في المائة، واشترطت سقفا لا يقلّ عن 1000 دينار بالنسبة للشّركات الخاضعة للضريبة على الشّركات بنسبة 10 في المائة و2500 دينار بالنّسبة للشّركات الخاضعة للضريبة على الشّركات بنسبة 30 في المائة، وفي نظري فإنّ هذا السّقف هو إجراء غير واقعي لأنّه لم يراعي حجم الشّركة المستهدفة بهذا الإجراء و لا مدّة إحداثها ولا ظروفها الماليّة. وإنّ هذه الإجراءات التّي تضمّنها هذا المشروع والتي أتينا على ذكر أهمها، في رأي هي كفيلة بإصلاح أوضاعنا الماليّة لسنة 2014 إذا عقدنا العزم جميعا على مساعدة الحكومة على تخطّي الصّعاب و وضعنا مصلحة بلادنا فوق كلّ اعتبار وتضافرت جهودنا جميعا لإنجاح هذا المشروع أملا في إن إنجاح الانتقال الديمقراطي لبلادنا و إنقاذ الوطن