عاجل/ الادارة العامة للحرس الوطني تصدر بلاغ هام وتحذر..    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    عصام الشابي وجوهر بن مبارك يدخلان في إضراب جوع وحشي    حالة الطقس ليوم الجمعة 26 أفريل 2024    سعيد لماكرون: توافد عدد من المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء أمر غير طبيعي    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الردة بين الجهل المركب وبين عبيد الفكر الغربي
نشر في الحوار نت يوم 16 - 06 - 2014


كلمتان قبل البداية.

الكلمة الأولى.
تأتي هذه القالة بمناسبة الحكم بالإعدام على السيدة مريم إبراهيم من لدن محكمة سودانية في الأسابيع المنصرمة بتهمة الردة عن الإسلام والزواج من مسيحي. لم يكن ذلك سوى مناسبة ولكن الحديث عن الردة له أهمية قصوى في أيامنا هذه بسبب أن هذا المبحث الفقهي يقع تحت طائلة المباحث الفقهية والفكرية التي تشتبك فيها الأصول مع الفروع والكليات مع الجزئيات والمقاصد مع الوسائل والثوابت المحكمات مع المتغيرات المتحولات بما يؤهلها لأن تكون تحت مجاهر التجديد والإجتهاد والتحديث.

الجزء الثاني من " كلمة ما قبل البداية " مؤداه الذي أسجله هنا بالصراحة كلها والتواضع كله معا والله وحده شهيد علي في ذلك يوم يضمني قبري هو أن متون هذه القالة ليس متاحا لكل من هب ودب حتى من طلبة العلم بله المتسكعين على شطآن العرفان من الذين يحشرون أنوفهم فيما يحسنون وفيما لا يحسنون. هذا الموضوع مركب التكوين ومتعدد الأبعاد والذي غشيه من الشرع يحتاج إلى إجتهادين كبيرين : إجتهاد لتجويد الفقه وتحسين الفهم أن تفسق النصوص عن مقاصدها بسبب جهلنا نحن وإجتهاد لتثبيت التنزيل وتعيين محله بدقة أن يصيب محال أخرى ويكون المآل من " تطبيق الشريعة " مسيئا إلى الشريعة ناكبا عن مراداتها. هذا موضوع لا يغشاه المبتدؤون إلا لبذل جهد حقيقي مثابر لتحسين الفقه إذ ليست المواضيع في كل فن ومهارة وعلم وليس هنا فحسب متاحة لكل من هب ودب ولولا ذلك لأستوى الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون. وأملي أن يظفر بطلبة علم نابهين جادين يختلفون مع الذي يختلفون هنا ويتوافقون مع الذي يتوافقون هنا بالأدب الإسلامي الدمث الجم من جهة وبالمنطق العلمي في البحث والحوار دليلا بدليل وحجة بحجة من جهة أخرى ولكل مجتهد نصيب وكل مجتهد مصيب والإجتهاد لا يلغي بعضه بعضا ولكنه يتكامل ويتكافل.

وهل تجدني أذكر القارئ المنتمي إلى هذا الضرب من العلم دون غيره الذي لا يقيم للعلم وزنا لا يحسن سوى الشغب بالتمييز الواجب بين السنة بأقسامها الثلاثة المعروفة وبين السيرة. ذلك أن بعض الذي أستخدمه دليلا هنا تشتبك فيه هذه القضية أي الإشتباك بين السنة وبين السيرة إذ أن طلبة العلم النابهين يدركون جيدا أننا ملزمون من حيث المبتدإ المطلق وليس من حيث التفصيل الذي فيه تفصيل لا نرحب به هنا بالسنة مع التمييز فيها هي كذلك بين تلك الأقسام الثلاثة سيما بين القول الذي يكون في العادة وليس دوما ولكن بحسب السياق الدلالي أقوى من العمل الذي لا يفيد غير المشروعية والجواز وليس الإيجاب ولا حتى السنية إلا بقرينة أخرى مضافة. ولكنا غير ملزمين بالسيرة التي تصاحبه عليه الصلاة والسلام من يوم ولدته أمه وهو بشر لا يوحى إليه حتى موته عليه الصلاة والسلام لتمسح حياته كلها وهنا لا بد لطالب العلم المثابر الجاد من إكتساب مهارات التمييز في مرحلة النبوة بين السنة وبين السيرة إذ كلاهما لصيق حميمي به عليه الصلاة والسلام وذلك بخلاف حياته فيما قبل البعثة فهي سيرة خالصة. هناك إلزام آخر بالسيرة مع السنة يعرفه المصلحون الذين يعالجون قضايا التغيير والمقاومة والجهاد إذ أن السيرة هي بحق مدرسة مفتوحة لأولئك عندما يكونون في حالة جهاد ومقاومة وإصلاح وليس قاعدين. ولكن السيرة لا يطعمها غيرهم في العادة ولذلك لم تكن ملزمة بخلاف السنة. ذلك تمييز مهم جدا ومثله التمييز بين مختلف مقامات المشرع وهو العلم الذي بدأ العلامة إبن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية تخليصه من مقاصد الشريعة ثم عاجلته المنية على ما يبدو أن يكمل مشروعه بمثل ما فعل سلفه العلامة الشاطبي الذي بدأ بتخليص المقاصد من أصول الفقه وهكذا تتوالى حلقات التحقيق العلمي والإجتهاد الفقهي بمثل ما تتوالى حلقات المقاومة والإصلاح إذ كل ذلك مظهر من مظاهر فريضة التجديد التي لنا فيها " أمر " كفائي صحيح صريح.

الكلمة الثانية.
كلمة ما قبل البداية الثانية هي أن أخشى ما يخشاه أي باحث مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ويرنو إلى تعزير مناسيب الورع والتقوى في صدره هو أن يقع فريسة لأحد هذين السبعين المفترسين وهو يشعر أو لا يشعر. السبع المفترس الأول الذي قد يقع في براثنه أي باحث مسلم في مثل هذه القضايا المركبة متعددة الأبعاد هو التأثير الغربي أما السبع المفترس الثاني فليس هو سوى الإنبهار الشرقي والشرق هنا على حد تعبير بعض الفلاسفة المسلمين المعاصرين من مثل الرئيس البوسني الأسبق عليه رحمة الله سبحانه وهو مقاوم صلب عنيد ضد الشيوعية أي علي عزة بيكوفيتش وكذلك الدبلوماسي الألماني مراد هوفمان هو الإسلام ولكن الشرق هنا عندي هو الشرق التاريخي أي التاريخ والتراث. هما سبعان مفترسان لا يرحمان. إذ الوقوع تحت طائلة التأثير الغربي يجعل الباحث المسلم أدنى إلى العالمانية اللائكية اللبرالية وليس أهون منه الوقوع تحت طائلة الإنبهار بالسلف وليس سلفنا كله صالحا كما يظن غير الراسخين في التاريخ إذ من سلفنا طالح موغل في الطلاح إلا أن تكون تزكية الحكم الفردي الأسري على غرار الحكم الكسروي الوراثي صلاحا وتعليق الهزائم الفكرية والهزائم فوق الأرض علما وعمارة وخلافة وعبادة وإقامة للعدل على قالات إنحطاطية لئيمة من مثل ما ترك الأولون للآخرين شيئا أو ليس في الإمكان أحسن مما كان. ليس الإنبهار هنا بالسلف أدنى إمعية وحماقة من الإنبهار بالغرب. فمن لم يتعلم من الإسلام إستقلال الشخصية إلا عن الوحي المقدس المعصوم ما تعلم منه شيئا يذكر. أعوذ بربي لنفسي ولكل باحث مسلم مؤمن أن يكون فريسة لأحد ذينك السبعين مستعينا بالله تعالى وشعار التواضع هو :“ وفوق كل ذي علم عليم " و " ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".

كما يعذرني غير أولئك في تقشيب القالة بحلتها البيانية المطلوبة لأن ذلك أليق بتحقيق الموضوعات الفقهية الفكرية المشتركة بين الأصل وبين العصر.

رحم الموضوع.
1 عالج القرآن الكريم قضية الردة عن الإسلام معالجة إتسمت بالقطع من جهة وبعدم ترتيب عذاب في الدنيا من جهة أخرى ولكن بأقصى درجات الغضب واللعنة والوعيد من جهة ثالثة ولم يكن ذلك كميا وحصريا إلا في موضعين مباشرين ولكنه عرج على الردة في مواضع كثيرة. تلك هي السياسة القرآنية في هذه القضية. إعادة تثبيت ذلك هنا مهم جدا لسبب واحد أوحد وهو أن القرآن الكريم بسبب تفرده بالصحة القطعية حركة حركة وحرفا بحرف من جهة وبسبب حكمه على ما سواه من مصادر التشريع من جهة أخرى بما فيها أصح الأصحاح في السنة قولا وعملا وتقريرا بله غيرها من إجماعات وقياسات أو مختلفا فيه من إستصلاح وإستحسان وإستعراف وذرائعية وإستصحاب وغير ذلك هو موئل الحكم الشرعي الأول ومرجعه الأول وهو الناطق الأول بإسم الله سبحانه إذ هو كلامه هو المباشر. ذلك الضبط المنهاجي المصدري ضربة لازب على المتصدين للعلم والفقه إذ " الفقه رخصة من فقيه أما التشدد فيحسنه كل أحد " كما قال الإمام سفيان الثوري.

2 لم يتأخر البيان القرآني الكريم عن حد العذاب الدنيوي في هذه الجرائم المعينة هنا فحسب دون غيرها ( الزنى والرمي به والسرقة والحرابة ) وكان ذلك على سبيل " الحد " كما ساد ذلك المصطلح في التراث وليس في الشريعة في حين تعزر ذلك بالقصاص في جريمة القتل فحسب ثم إخترع الفقهاء التعزير ولهم فيه شواهد من السنة ذاتها هي هنا سيرة وليست سنة لأسباب يعرفها طلبة العلم النابهون ولا ينفسح لها هنا هذا الحقل لضيقه ولخروجها عن أربنا وأبرز مثال على ذلك " حد " شرب الخمر وما كان حدا ولكنه تعزير ولو كان حدا أو سنة لما أجمع الصحابة في عهد الفاروق على مضاعفة العذاب.

3 بقيت مسألة الرجم مضطربة ومعالجتها هنا بإقتضاب يحيل إلى موضوعنا من جهة ويفضي به إلى الظفر بالأدنى إلى الصواب من جهة أخرى وليست المعركة هنا حول الحق ولكنها حول الصواب من الحق الذي يهدي إليه سبحانه الذين آمنوا لما إختلفوا فيه بإذنه إذ الإختلاف فيه وليس حوله وسبب الإضطراب أن القرآن الكريم وهو الموئل الأول والمرجع الأول الحاكم عفو منها بالكلية إلا ما نقل غير بعيد عن أجداب الإسرائيليات من نسخ في الذكر الحكيم المحكم إحكاما عجيبا معجزا به التحدي يترى بما يطال المتن ويبقي الحكم وهو عند التحقيق من لدن الراسخين في العلم عبث معبوث لا يليق بذلك الكتاب الذي " أحكمت أياته ثم فصلت ". سبب الإضطراب عفو هناك صاحبه عفو في السنة القولية ( إلا حديثا واحدا متفقا عليه بين الشيخين وترجح إنصرافه إلى مقام الإمامة وليس إلى مقام النبوة والتبليغ ) ولكن جاءت السنة العملية هي هنا كذلك سيرة وليست سنة بل هي سيرة تتقمص دثاره عليه الصلاة والسلام عندما يكون إماما وليس نبيا مبلغا وهو مبحث مهم جدا يعرفه طلبة علم مقامات المشرع ولا ننبسط فيه هنا بالرجم ولكنها جاءت بالعفو عنه في بعض المناسبات أي في أثنائه إذ كانت بوصلة السنة والسيرة هنا واحدة هي : إدرؤوا الحدود بالشبهات. من الذين تصدوا لهذه " المشكلة " الفقهية في عصرنا الحاضر فقيه الأسرة الشيخ المرحوم محمد أبو زهرة أحد كبار مشايخ الأزهر الشريف إذ صدع برأيه الذي إنتهى فيه إلى " سيرية " الرجم وليس إلى سنيته أي إلى حسبانه تعزيرا وليس حدا وليس هناك حد يؤخذ من غير النص المقدس المقطوع به ورودا ودلالة قطعا لا يخترمه الإحتمال أبدا البتة إعمالا لقاعدة قضائية شهيرة أصلها البوصلة النبوية آنفة الذكر وهي أن الخطأ في العفو أحب إليه سبحانه من الخطإ في العقوبة وتلك القطعية لم تتوفر للسنة كلها أبدا البتة حتى في متواترها النادر جدا جدا جدا سيما بالمقارنة مع المقطوع به حركة حركة وحرفا حرفا وآية آية. حسبي هنا ذاك إذ المراد هو الإحالة التي يلتقطها النابهون وليس التحقيق.

4 السؤال الذي يطرحه طالب الفقه الراسخ المثابر هو : لم تأخر البيان القرآني الكريم عن تعيين عذاب دنيوي لجريمة الردة عن الإسلام من بعد إعتناق وإستيفاء لشروط التكليف إعتناقا وردة. لم تأخر عن ذلك وقد تعرض للقضية في موضعين صريحين إمتلآ وعيدا أخرويا من جهة ومن جهة أخرى لم تأخر عن ذلك وهو هو نفسه الذي عين عذابات دنيوية صريحة محكمة لجرائم أخرى أنف ذكرها. ذلك السؤال منهاجي يفضي إلى إصابة عين الحقيقة بإذنه سبحانه. قراءة متأنية متريثة واعية للجرائم المحدودة في الدنيا تفيد بأن تلك الجرائم كلها واقعة تحت طائلة ما سماه الفقهاء من قديم " حقوق الناس " إبتداء وأصالة. جريمة الزنى وحدها الجلد وليس الرجم هي حق شبه خالص للمزني به إن كان مكرها أو حق شبه خالص للعاقلة بالتعبير التراثي القديم أي الآصرة الإجتماعية الحمالة بالتعبير المعاصر. جريمة الرمي بالزنى وحدها الجلد ثمانون فحسب أي أن الرمي بالزنى مثقاله مثقال أربعة أخماس من مثقال الزنى هي حق شبه خالص للمرمي أو المقذوف بالتعبير الفقهي أو حق شبه خالص للعاقلة. جريمة السرقة وحدها القطع هي حق شبه خالص للمعتدى عليه في ماله أو لوليه أو وصيه أو وريثه. جريمة الحرابة وحدها القطع كذلك والنفي وهي عادة ما تكون جريمة منظمة عدوانية بالقوة جماعية بالتعبير المعاصر وللقاضي المجتهد فيها مساحات واسعة للتعزير والنظر بما يردع وينثر العبرة ويجفف المنابع. جريمة الحرابة بحدها هي حق شبه خالص للمعتدى عليهم في أموالهم أو أبشارهم أو أعراضهم. كلها جرائم ذوات حدود محدودة بسبب فيئة الحق فيها إلى المعتدى عليهم أو إلى عواقلهم وهو حق شبه خالص لهم وليس خلوصا كاملا لأن لله فيها حقا. والحقيقة أن المتدبر في التقسيم الفقهي الأصولي لتلك الحقوق الثلاثة : حق الله خالصا أو غير خالص ولكن العبرة دوما هنا بالغلبة وليس بالمشاركة فحسب وحق الناس كذلك والحقوق المشتركة بين الله وبين الناس فيما لا تترجح فيه الغلبة .. الحقيقة أن المتدبر في ذلك التقسيم ينهل من العلم أحسنه ويكرع من الفقه أدقه. حق الله هنا في هذا الموضع هو المعبر عنه بلهجتنا المعاصرة بحق الأمة أو حق الجماعة أو الحق العام أو حق الدولة أو غير ذلك من التعابير المتعددة بناء والموحدة دلالة. الذي يهمنا هنا هو أن ما كان فيه حق الإنسان غالبا غلبة راجحة غير مرجوحة يتعزر بعذاب دنيوي إذ الجزاء دنيوي وأخروي معا من جهة ومن جهة أخرى إبتغاء تجفيف منابع الفساد في الأرض وردع المجرمين وتأسيس قيمة العدل بين الناس ومأسسة مثل الإنصاف والقصاص والقسط بينهم قدر الإمكان. أما ما كان فيه حق الله غالبا غلبة راجحة غير مرجوحة فإنه يرحل عذابه إلى الآخرة في الأعم الأغلب. المتدبر هنا يدرك بيسر أن جريمة الردة وفيها تفصيلات واردة في هذه القالة المرتجلة في إبانها مشتركة بين حق الله بغير خلوص كامل وبين حق الإنسان بغير خلوص كامل كذلك ولكنه يدرك من بعد ذلك أن حق الله فيها متغلب وما ذلك سوى لأن الدين دينه هو والمتدينون بدينه هو عباده هو ومن ذا يكون حقه هو سبحانه أغلب هنا إذ ليس هناك " إكليروس " مسيحي في الإسلام يتكلم بإسم الحق العام بله بإسم حق الإله وحتى الدولة المنتخبة من الناس وأغلبهم متدينون بالضرورة في تلك الدولة حتى تكون إسلامية لا يمنحها الله سبحانه حق العموم أي الحق العام الذي بمقتضاه تكون وصية على الإسلام فتثأر من أحد إرتد عنه من بعد إعتناق ومن بعد حرية عند الإعتناق وعند الإرتداد. أذكر مرة أخرى بأن الموضوع ليس لكل من هب ودب فمن لم يسعفه علمه بمتابعة بعض هذه الدروب العلمية النظرية الضيقة فليصرف وجهه عنها غير ملام.

طبعا هناك مبررات أخرى جعلت البيان القرآني الكريم والبيان لا يتأخر عن وقت الحاجة كما قال الأصوليون يتأخر عن تعيين عذاب دنيوي لجريمة الردة في حين أنه عين عذابات دنيوية أخرى وصلت حد الإعدام أي قصاص القتل في صورة عدم عفو العاقلة وأدناها ثمانون جلدة للرامي غيره بالزنى عدا أن يكون لعانا. أظن أن المبرر الأول آنف الذكر كان قويا بما فيه الكفاية وهو غلبة حق الإنسان في الجرائم المعينة حدودها على حقه هو سبحانه أعول على حسن فقه قضية تقسيم الحقوق هنا فقها قضائيا وليس بيانا إنشائيا ولا إرسالا رجراجا ولعلي أوجه طالب العلم المثابر الجاد إلى كتاب أظنه يتيما في موضوعه وهو هذا الموضوع وعنوانه : التشريع الجنائي في الإسلام للمرحوم عبد القادر عودة. ( مجلدان ضخمان ). فما غلب فيه حق الإنسان كان عذابه في الدنيا والخلاف مشهور بين الفقهاء : هل يكون العذاب الدنيوي كفارة أم جزاء مقدما فحسب وله مؤخره ولا يعنينا ذلك الآن وما غلب فيه حق الله سبحانه كان عذابه في الآخرة. المبرر الثاني ولا أحصي المبررات هنا لخروجها عن الأرب هو أن هذا الحد بالذات أي حد الردة أستخدم الكلمة عرفيا فحسب ولكن ليس للردة حد بل تعزير حد نسبي في دلالته وذلك بسبب " إصطدامه " مع قطعي ثابت ومحكم راسخ من محكمات الكتاب العزيز الهادي وهو إنتفاء الإكراه في الدين وليس مجرد النهي عنه إذ " لا إكراه في الدين " أصل ثابت راسخ محكم من قطعيات الشريعة وليس الفقه وحسبه أنه مثبت من بعد أعظم آية في ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه تثبيتا مباشرا وفي ذلك دلالات وأي دلالات. ذلك مظهر من أكبر مظاهر الزوجيات في الإسلام أي زوجية " لا إكراه في الدين " و الردة. تلك زوجيات لا يصلح معها النظر الأحول أو البصر الأعور أو أقطع اليد إذ هي متعددة الأبعاد مركبة التكوين فلا بد من توفير المحضن العقدي الفكري الفقهي المناسب والأرشد بما يوفر الدفء المطلوب والتجانس اللازم لذينك الزوجين حتى لا يكره أحد على دين يعتنقه ولا على دين يرتد عنه وفي الآن نفسه لا يرتد عن دين إعتنقه بإرادة حرة ولا يسيء إلى لحمة من لحمات الإنتماء من بعد الإرتداد عنها أي لحفظ الرحم الديني. المضاء في تجريم الردة دون ضوابط ولا تفصيل أي بإطلاق كلي عام كار بالضرورة والنتيجة على إنتفاء الإكراه في الدين وذلك الإنتفاء إرادة رحمانية ربانية بالأساس الأول ومثل ذلك المضاء في تحرير الردة دون ضوابط ولا تفصيل أي بإطلاق كلي عام كار هو الآخر بدوره بالضرورة والنتيجة على أسس الإعتصام والتكافل والوحدة والتعاون وإعلان الهوية الواحدة.

5 السؤال الآخر الأحرى بالطرح والأجدر بالمباشرة بشغاف الأفئدة هو : إذا كان الذكر الحكيم الذي هو موئل الحكم الشرعي ومرجعه الأول لم يعين عذابا دنيويا على جريمة الردة فلم ورد ذلك العذاب على لسان الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وهو الذي لا ينطق على الهوى إن كلامه إلا وحي يوحى. الجواب هنا مركب : الجزء الأول من ذلك المركب هو أنه لا بد من تحري الحقيقة هنا ورودا ودلالة معا أي في القول النبوي إذ تواضعنا أنه لم يقتل إنسيا واحدا لأجل ردة ولا أمر بذلك عينا إلا ما سنعالجه من قول عام. الجزء الثاني من ذلك المركب هو أن التذكير بالمنهاج الأصولي الأدنى إلى الشريعة الإسلامية مطلوب هنا ومفاده أن السنة بأقسامها الثلاثة عدا الصفة التي لا تدخل هنا إلا دخولا لا يعتد به في عرف الفقهاء ليس لها سوى مهمة البيان حيال القرآن الكريم " لتبين للناس ما نزل إليهم " وتكرر ذلك مرات مبنى وأكثر من ذلك بكثير معنى. أما القول بإستقلال السنة بالتشريع فبالرغم من أن ذلك المبحث مهم جدا لتوسيع الدائرة الذهنية لطالب العلم المثابر فإنه قول تحتدم فيه أسلحة الكلمات العربية لتضع الحرب أوزارها من بعد ذلك الوطيس على حقيقة مفادها أن الإستقلال إستقلال وظيفي بياني داخلي وهو الذي سماه الفقهاء قديما نسخا عند القائلين بنسخ السنة للقرآن وظاهره البطلان لعدم معقولية نسخ المبين ( إسم فاعل يعني السنة ) للمبين ( إسم مفعول يعني القرآن ) أو تقييدا لمطلق أو تخصيص لعام أو غير ذلك مما يلي السنة بحسبانها المذكرة التفسيرية لنصوص وبنود الدستور الأول الأعظم. أما الإستقلال بالتشريع في مساحات التحريم القطعي بمعناه الفقهي أي معاقبة الفاعل يوم القيامة وإثابة المجتنب يومها كذلك .. الإستقلال بذلك المعنى لا يقول به أهل المنهاج الأصولي الأدنى إلى الشريعة الإسلامية وليس لهم عليه دليل أصلا. ذلك هو الجزء الثاني الذي بدأت به هنا لأنه متصل منهاجيا بموضوعنا المتشعب. عودة إلى الجزء الأول من الجواب المركب. أقوى ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أي المتفق عليه وهو أصح السنة القولية طرا مطلقا هو قوله :“ لا يحل دم إمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ". هناك حديث آخر رواه الخمسة ولكن لم يسلم سنده من القالات عند المحققين في علم الرجال. هنا لا بد من وقفة يحتاجها طالب العلم المثابر الراني إلى هذا الحديث الصحيح :“ بلغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ". الوقفة هنا ضرورية لأنها تعلمنا أن الحديث الذي أخرجه البخاري مع أربعة آخرين من أهل السنن ومتنه :“ من بدل دينه فاقتلوه ".. هو حديث معلول السند. أي أن المتن الذي عادة ما يلجأ إليه الكسالى من طلبة العلم الآنفين من وعثاء التعلم وغبار البحث لا يفي وحده بالحق أو الصواب فلا بد من سلامة المتن من الشذوذ والعلة بتعبير أهل الذكر هنا ولعل عمدة هذا العلم بما يشبه الإجماع هو إبن الصلاح في مقدمته الشهيرة في حقل علم الحديث شهرة مقدمة إبن خلدون في علم الإجتماع السياسي . ذلك يعني إبتداء أن النسبة إلى الرجال فحسب لا تغني من الحق شيئا حتى لو كان أولئك الرجال هم الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام مالك والإمام أحمد وأهل السنن الأربعة وصاحبا الصحيحين إبن خزيمة وإبن حبان وغيرهم. أجل. حتى لو كان أولئك وفي مقدمة القافلة الإمام البخاري صاحب الشروط الجامعة المانعة المشهورة بصرامتها هم الرواة فإن سندهم قد تخترمه العلل ويغشاه الشذوذ إذ هو عمل بشري لا عصمة لأصحابه ولكن العبرة هنا بالجملة الكلية العامة لهذا العلم وللحديث النبوي الشريف بحسبانه المصدر الثاني الثاني المحكوم بالأول وليس الحاكم على الأول من مصادر التشريع والتربية والعلم والفقه والإجتهاد. هنا عندما " يصطدم " مثل ذلك إما بنص من الكتاب العزيز الهادي إصطدام مظنون الورود والحديث كله مظنون الورود بقطعي الورود والقرآن كله قطعي الورود أو بمقصد معين بالنص أو مستنبط بالعلة والضرورة القاهرة سيما في ذلك الكتاب العزيز نفسه .. هنا عندما يقع مثل ذلك فإن المنهاج الإسلامي الأرشد يردنا إلى إعادة نصب سلم الأولويات أي مراتب التشريع ومستوياته لنحكم بالقرآن على السنة وليس بالسنة على القرآن. في حديث الخمسة الأمر لا يحتاج إلى كثير عناء ولكن في الحديث آنف الذكر ممن كان في أعلى التراتبية السداسية ( المتفق عليه أولها وما رواه غيرهما بشرط مسلم الذي لم يخرجه آخرها ) .. في ذلك الحديث هناك مشكلة حقيقية. المشكلة الحقيقية هنا هي مع الرجم وليس مع الردة. دعنا نبدأ بالردة لنقول بإطمئنان كبير أن المقتول هنا حدا أو كفرا لا يعنينا ذلك الآن لا بد فيه من شرطين حددهما الحديث " الصحيح " نفسه : ترك الدين أي الردة عنه ردة لا يخترمها أي خارم يبطل دلالتها ومعناها من جهة ومفارقة الجماعة أي الأمة مفارقة إما عدائية حربية داخلية أو خارجية وإما مفارقة مادية بما يظن فيها غالبا مظاهرة العدو علينا بما له من أسرار البطانة فينا من جهة أخرى. فما لم يتوفر الشرطان معا فإن العمل بالحديث يظل رهين إجتهاد جديد في مستويي الفهم والتنزيل معا. ترك الدين ردة غير مصحوبة بمفارقة عدائية سرية أو علنية داخلية أو خارجية أي بما لا يهدد الأمن القومي بالتعبير المعاصر لأن الردة إنما شرع " حدها " بمقصد حماية البيضة بالتعبير التراثي القديم وحماية الوحدة القومية الوطنية الإسلامية للأمة بمختلف شعوبها ومجتمعاتها وعدم فتح أي مجال لعدوها فيها ولرص صفها الداخلي .. ترك الدين إذن ردة سلمية غير مصحوبة بمفارقة ليس موجبا " للحد ". وكذا المفارقة النائية بنفسها عن العدائية وتعريض الصف المرصوص إلى الإنخرام ليست ردة تستوجب " حدا ". كل ذلك من منطوق النص النبوي الذي " نفترض " صحته السندية إلى حد الآن رغم التحفظ الشديد على نسبته إلى السنة ولكنه إلى السيرة أدنى بكثير سيما بسبب قضية الرجم وليس بسبب قضية الردة التي كان فيها صريحا جليا واضحا مفصلا. أي عودة إلى مقامات التشريع مرة أخرى إذ في أحيان كثيرة تكون تلك العودة قارب نجاة وهي هناك كذلك.

6 إلى هذا الحد نكون قد إستوفينا الحديث بإرتجال كبير وإختصار أكبر في مستوى الوحي المقدس وخلاصته هو أن المصدر الأول إقتصر على عذاب الآخرة مرجحا حق الله هنا على حق الإنسان والحقيقة أن التوسع في شرح هذا المبحث يسيل لعاب فؤادي ومآقي قلمي لو أجد له فسحة أمهل من هذه الفسحة وما كان ربك نسيا سبحانه أن يعين حدودا جلية واضحة فيما إتصل بحق الإنسان غلبة راجحة ( الزنى والقذف به والسرقة والحرابة ) ويدع هذا ولكن لم يكن منه ذاك إلا لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها. أما المصدر الثاني المبين فما باشر جريمة الردة بالعذاب ولو مرة واحدة والآثار الصحيحة تترى بورود ذلك من بعضهم ومنهم كاتب وحي مشهور من كتاب الوحي وكان له عليه سلطان لو أراده ولكنه أمر بقتل المناوئين بأشعارهم في فتح مكة لتعلم أن مقصد القتل ليس هو وأد الحرية ولكنه وأد أي محاولة لشق الصف وتوهينه والنيل من رصه المرصوص ولكن زهاء حديثين أو أكثر بقليل أقواهما ما أنف ذكره من المتفق عليه وهو الحديث الوحيد المعتمد وليس في صيغته أمر بالقتل ولكنه إخباري يترك للمجتهد الفقيه القاضي هامشا واسعا لإحسان التنزيل في المحال الكفيلة بتحقيق المبتغى الإلهي والمراد الرحماني وليس التشهي البشري الإنتقامي أو الجهل المتدثر بدثار العلم. الإسلام إذن في مصدريه الأوليين قولا وعملا أميل إلى تأجيل العقاب على الردة إلى يوم القيامة. ذلك من حيث المبدإ ولكن من حيث التفصيل الإجمالي فإن أبلغ شيء هنا قاعدة محكمة مركزة عنوانها : الحرابة بحدها المعلوم صحيحا صريحا هي المقصودة بالردة المراد البحث لها عن " حد ". أي إذا كانت الردة المبحوث لها عن حد هنا هي الحرابة معنى ودلالة وإقتضاء ومآلا عدوانيا على أبشار الناس وأعراضهم وأموالهم وغير ذلك من حرمات وحريات وحقوق .. فإن حدها هو حد الحرابة إذ إتحدا في المآل والعلة فما ينبغي لهما سوى الإتحاد بمثل ذلك في الحكم. أما الردة الأخرى الردة الفردية السلمية التي لا تخاصم محكمات الإسلام وليس متشابهه والتي لا تخاصم الصف المرصوص والإعتصام بحبلي الله والناس معا فلا عقوبة عليها في الدينا لتضارب ذلك مع ذلك المحكم الثابت الراسخ :“ لا إكراه في الدين ".

7 الآن علينا تيميم وجوهنا شطر الخلافة الراشدة المهدية الأولى أي سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة من أبي بكر حتى علي عليهم الرضوان جميعا سيما فيما قارب الإجماع فيهم من أحكام فقهية عملية خاصة أو عامة فردية أو جماعية أي فيما أجمعوا عليه أو كادوا من سياسات شرعية في الحقول السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية والتنظيمية والعلاقات الخارجية وإدارة الخلاف والقضايا المالية الخراجية وغير ذلك. لنا حديث فيه ضعف سندي بالرغم من أن متنه له شواهد كثيرة من الوحي الكريم الأمين المقدس يأمرنا بإتباع سنة الخلافة الراشدة من بعد إتباع سنته هو عليه الصلاة والسلام. ولكن المعول عليه هنا هو أن الصحابة خاصة عند إجماعهم أو شيئا قريبا من ذلك أو عند إجتهاد بعضهم ممن شهد له بالفقه والعلم منه عليه الصلاة والسلام أو من أقرانه من مثل حبر الأمة يؤخذ عنهم التفسير والتأويل سيما عندما يتعلق الأمر بالتنزيل الواقعي وما ذلك سوى بسبب أنهم الأوفى حظا جماعة لا أفرادا من غيرهم بالكسب الفقهي الجامع بين الفهم وبين التنفيذ. الذي يهمنا هنا هو كيف تعامل الصحابة الكرام إجماعا بقضية الردة الناشئة في اليمامة في اليمن من بعد موته عليه الصلاة والسلام إذ كانت تلك حادثة مهمة جدا فيما نحن بصدده. أول ما يلزمنا تكييفه فقهيا هنا هو أن تلك الردة كانت ردة جماعية من جهة ومن جهة أخرى كانت ردة سياسية مالية دينية وفق ذلك الترتيب بالمقام الأول إذ رفض الناس هناك مواصلة التأطر ضمن الدولة الإسلامية الجديدة ولاء وبيعة بمقتضياتهما السياسية والمالية والإدارية أو كان ذلك هو الخطاب الرئيس المؤسس لحركة الردة الجماعية باليمامة وعليه المعول في ذلك التكييف الفقهي والحق أن ذلك كان هو بالتمام والكمال إذ هو مؤيد بالخطاب الحكومي الذي أعلن عنه الخليفة أبوبكر نيابة عن الأمة وعن الدولة وعلل إعلان الحرب ضدهم بسبب تأبيهم عن أداء " عقال " كانوا يؤدونه لرسول الله عليه الصلاة والسلام. خلاصة التكييف الفقهي للردة اليمامية هنا هي أنها إذن ردة سياسية مالية إدارية تنظيمية تعزرت بالسلاح والقوة إبان مقاومتها وليست ردة لا فردية ولا دينية محضة خالصة غير متلبسة بالولاء السياسي والعطاء المالي بل هي محاولة لما نسميه في عصرنا الحاضر لفرض الإستقلال الذاتي من جانب واحد مع رفض الولاء. التفسير الموضوعي للقضية يدلنا على أن المزاج العربي العنيد إهتبل فرصة موته عليه الصلاة والسلام لفك الإرتباط السياسي مع دولة تأخذ أموال الزكاة شريعة دينية وليس تطوعا تضامنيا. يعني أن الردة لم تكن أسبابها دينية محضة خالصة ولكن كانت أسبابها الدفينة الحقيقية عصبية عربية جاهلية واتتها فرصة النشوز فنشزت والحقيقة أن تلك العصبية العربية الجاهلية القديمة نشزت فاسقة عن إرث محمد عليه الصلاة والسلام في مسائل أخرى لا يسعفني هذا المقال المرتجل لذكرها وذلك من مثل قضية المرأة بله الشورى التي كانت المؤسس الأول لذلك الإنقلاب الأموي ضد إرث الخلافة الراشدة المهدية التي كانت بحق على المنهاج النبوي الناصع. كما كانت تلك المناسبة فرصة ثمينة جدا للمؤمنين أنفسهم ولنا نحن اليوم لإعادة توثيق عرى العقيدة الإسلامية توثيقا عمليا ميدانيا سياسيا وماليا على معنى إعادة نسج الإعتقاد بأن الزكاة المفروضة من الله تعالى حق كامل مطلق للأمة تجبيه الدولة المكلفة من لدن تلك الأمة لخدمتها وصون بيضتها وتسيير دفتها والمقاومة دون حوزتها فمن أبى ذلك فلا حظ له من الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر بل هو المرتد الذي يقاتل حتى يفيئ إلى المواطنة على الأقل أما الفيئة إلى الدين إن كان قد كفر به فتلك قضية أخرى لها حديث آخر. الحاصل هنا مرة أخرى في هذه القالة أن الردة عادة ما تكون حرابة جماعية مستقوية بأي مظهر من مظاهر القوة ضد الأمة أو ضد أي شعب من شعوبها أو مجتمع من مجتمعاتها بما يهدد وحدتها وينثر بطنها ويمهد لأعدائها إحتلالها بأي وجه من وجوه الإحتلال وهو ما عبر عنه الذكر الحكيم بذهاب الريح. تلك هي الردة المقصودة بالأصالة في الكتاب العزيز الهادي ولذلك ربما أكرر القول هنا خلاصة مخلوصة وهي أن الردة هي الحرابة وحدها هو حد الحرابة وذلك عندما تشترك مع الحرابة علة ومقصدا ومآلا أما دون ذلك فلا حديث عن ردة فردية سلمية هادئة منزوية لا تهدد الأمة ولا تنال منها إذ أن ذلك مضمون في ثنايا الكتاب العزيز الهادي نفسه أي نفي الإكراه في الدين وبسط الحرية للناس " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ". من أوفى الكلمات التي قرأتها ذات مرة في شأن ردة اليمامة وتفاعل الأمة معها يؤمئذ هي أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعلن الحرب لأجل أموال المحتاجين من فقراء وأيتام ومساكين وأرامل ويزج بأبنائه وبناته في حرب ضروس ضارية تزهق النفوس إبتغاء المقاومة العنيدة الباسلة دون حقوق الناس في أموالهم. الإسلام يقتل أبناءه في سبيل إستعادة حقوق الناس المالية. عندما يقال ذلك والناس كثير منهم يظن خطأ وجهلا وحماقة أن الإسلام لا يهتم سوى بالتدين والعقيدة والإيمان باليوم الآخر وعذاب القبر وحياة البرزخ ولباس المرأة ولحية الرجل ولا شأن له بالأموال العامة والشؤون الإدارية لأن ردة اليمامة لو نجحت كانت ستكون إستقلالا تاما ناقضا مفروضا من جانب واحد بل سيفضي إلى أن يكون بؤرة تدخل أجنبي كما يقع عندنا نحن اليوم بالتمام والكمال .. عندما يقال ذلك والناس عند ذلك الظن الخاطئ يشعر المؤمن مثلي وأكثر مني بأنه ينتمي إلى دين بحرماته أليق وبكراماته أجدر وليس هو أفيون شعوب أو مخدر مجتمعات كما كان يظن عبيد الفكر الماركسي.

8 مسألة أخرى تاريخية مهمة وهي أنه لم يرد إلينا خبر صحيح ولا أثر مفاده أنه وقع حد مرتد أبدا البتة لا في العهد النبوي ولا في الخلافة الراشدة ( ولو ثبت وقوعه في الخلافة الراشدة فهو دليل على أنه تعزير من موقع الإمامة السياسية أو الحربية ) أما فيما بعد ذلك فقد يكون شيئا من ذلك ولا بد ولا نأخذ من ذلك شيئا لأسباب منها حدة الإنقلاب الأموي وآثاره المدمرة سياسيا وشأنا عاما بصفة عامة من جهة ومن جهة أخرى لأن التفرق السياسي المذهبي الطائفي المللي النحلي بلغ أوجه سيما في العهد العباسي ثم بدأت الشوكة السياسية في الإنحناء وبدأت رحلة السقوط حتى جاءت مدوية ضربتها قبل زهاء قرن كامل من اليوم وذلك عندما إندك فينا آخر حصن سياسي يوحد صف الأمة أي السقوط العثماني. ألا ترى أن ذلك يكاد يلتحق ليكون " دليلا " مرسلا على الأقل ألا يحد مرتد أبدا البتة على إمتداد زهاء نصف قرن كامل من التطبيق الحقيقي للتشريع الإسلامية إلا ما كان من أمر اليمامة التي ربما إنبسطنا فيها قليلا. ليس التاريخ دليلا ولكن التاريخ مفسر من المفسرات وقادح من القوادح وأنس من المؤنسات.

خلاصات الموضوع.
1 الخلاصة الأولى قوامها أن الردة التي هي عدول طوعي صحيح لا إكراه فيه عن الإسلام في محكماته الأصلية الصحيحة المعلومة من الدين بالضرورة بما لا يلفى معه المجتهد الفقيه القاضي أي شبهة تدرأ الحد وذلك من بعد إعتناق طوعي إرادي حر صحيح له من لدن مكلف توفرت فيه شروط التكليف ردات. هناك ردة فردية وهناك ردة جماعية وهناك ردة سلمية وهناك ردة قوية مسلحة بأي مظهر من مظاهر القوة والسلاح وهناك ردة في حالة طبيعية وهناك ردة تشوبها الإكراهات. الفيصل الذي لا بد منه هنا هو أن الردة الفردية السلمية التي لا تنال من وحدة الأمة وبيضتها وقوتها لا داخليا ولا خارجيا لا يكون تكييفها الفقهي الأصح سوى في محضن الحرية الدينية والفكرية والعقدية إذ ليس الإسلام سجنا يحكم على من يعتنقه تأبيد حياته فيه بل الإسلام عقد تراض بين الدين وبين الإنسان ومباني العقود على الحرية والإرادة والعقل بل إنه عقد بين الله وبين الإنسان فإذا كانت العقود مهما تكن مغلظة كعقد النكاح يطالها النقض ولو من جانب واحد ولا يترتب عليها شيء تقريبا إلا فديات مالية فإن العقد بين الله وبين الإنسان لا يليق به سوى أن يكون أكرم من ذلك أي أن الله تعالى هو الذي يعاقب قاطع العقد من جانب واحد يوم القيامة ولا سلطان لأحد عليه سواه سبحانه لأن الدين هو دين الله تعالى والأمة متمثلة في الدولة لا سلطان لها على مرتد إلا إذا أساء إستخدام حقه في الخروج أي أفشى الأسرار أو أهان الدين في بعض محكماته القطعية الراسخة الثابتة المعلومة منه بالضرورة وليس ما يتعرض منها للإجتهاد والتحديث والتجديد والإختلاف والتنوع والتعدد. الحق هنا كما تقدم آنفا هو حق خالص له وحده سبحانه مع التنسيب دوما لأن الحقوق متداخلة كما مر بنا والعبرة بالتغليب والتقريب كما حقق ذلك الفقيه الريسوني في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه وإنما الإفتئات من لدن الأمة أو الدولة يكون عندما تثأر لحق ليس هو حقها بالتمام والكمال وإن كانت تشترك فيه معه سبحانه فهو حق مشترك ولكن الإشتراك يقوى جانبه عندما يستخدم حق الإنسان في عدم إكراهه على أي دين حتى من بعد إعتناقه إستخداما سيئا يشوه به الناس وقيمهم ومقدساتهم. ذلك هو حال الردة الفردية السلمية التي تنسحب في هدوء إن شئت قلت ولا تثير ما يسيء إلى الناس ومقدساتهم إلا أن يكون النقد في المختلف فيه فذلك لا حرج فيه لا على مؤمن ولا على كافر ولا على مرتد. إذ المختلف فيه إنما وضع أصالة لذلك لتتغذى الحركة بالحياة ولا حياة إلا بالتفاعل بين الزوجيات الجامعة بين الإشتراك هنا والتنوع هناك.

2 الخلاصة الثانية هي أن الردة التي تأخذ صورة الحرابة أي الردة الجامعة بين الجماعية وبين القوة في أي مظهر من مظاهرها ولو كانت مظهر قوة جماعية فحسب دون لجوء إلى السلاح أو قوة سياسية أو مالية أو غير ذلك... الردة الحرابية نسبة إلى الحرابة هي المعنية بالحد وهي التي يطالها الحد وحدها هو المذكور أي القطع المتدرج من الأدنى إلى الأعلى بحسب الحالات التي يقدرها الفقيه المجتهد من غير إلزام والقاضي إلزاما. وحدها النفي كذلك. ولا تأخذنا هنا تفصيلات الحد فيما تعلق بالردة الحرابية لأن ذلك يخرج عن أربنا هنا. لم كان ذلك كذلك. كان ذلك كذلك لأن الأعمال بمقاصدها وهي بمآلاتها كذلك. المقصد الذي لأجله حرمت الردة ليس هو العدوان على " لا إكراه في الدين " نفيا للحرية العقدية الدينية الفردية ولكنه هو بالتأكيد عدم تعريض صف الأمة المرصوص للخلخلة والرجرجة والتشرذم ونبذ الإعتصام بحبل الله . من فقه ذلك المقصد الأسنى من الردة فقه حد الردة وميز من جهة أخرى بين ردة وبين أخرى. مطلبان في الفقه لا بد لطالب العلم منهما : ملكة التمييز وملكة الدقة فمن رزقهما رزق الخير كله وكان من الذين قال فيهم عليه الصلاة والسلام :“ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ". أما من حرم ملكة التمييز بين الأشياء المنتمية إلى عائلة واحدة حميمية الرحم متصلة الأمشاج أو حرم ملكة الدقة الفقهية المطلوبة لتفعيل ذلك التمييز فقد حرم الخير كله وحري به وأجدر لزوم أي مكان آخر غير مكان القول على الله توقيعا عنه بلغة إبن القيم وما ألجأه إلى النار وبضاعته مزجاة وزجاؤها إختلاط بعضها ببعض.

3 الخلاصة الثالثة هي أن الردة الحرابية دعنا نستخدم هذا المصطلح المركب إذ ألفيته معبرا عما نحن بصدده أدنى في أيامنا هذه لجريمة الخيانة العظمى وهي الجريمة التي يعاقب عليها في العادة حتى عند أرقى الدساتير المؤمنة للحقوق والحريات والحرمات في بعض الدول الغربية أوربيا وأمريكيا بالإعدام. الخيانة العظمى تكون عندما يرتد مواطن عادة ما يكون لديه ما يفشيه أو به يسيء إلى المجموعة الوطنية من مثل وزير أو رئيس أو موظف سام من موظفي الدولة أو سفير أو غير ذلك إرتدادا وطنيا ليسيئ إلى بلاده إساءة معنوية أو إساءة مادية أي أمنية أو عسكرية أو مالية أو سياسية فاحشة مغلظة أو غير ذلك مما تقدره الدساتير. الخيانة الوطنية في أيامنا والردة الحرابية في الإسلام ينتميان إلى العائلة ذاتها ويسيران في الإتجاه ذاته. أي أن القياس بينهما واقع لإشتراكهما في العلة قياس شبه على الأقل إن لم يكن قياسا جليا بالتعبير الفقهي الأصولي. حتى لو كان قياسا مرسلا إستصلاحا وإستحسانا وتحكيما للعرف فهو قياس شرعي مقبول ومفهوم.

4 الخلاصة الرابعة الأخيرة هي أن الإعتزاز من لدنا بتراثنا وتاريخنا وكسبنا لا يعني عدم تعريضه للمراجعات والتقويمات إذ التراث شيء والوحي شيء آخر. هذا مقدس وهو الشريعة وذاك غير مقدس ولا معصوم وهو الفقه وشتان بين الشريعة وبين الفقه إذ لا فقه إلا بشريعة ولكن الفقه حتى عندما ينطلق من الشريعة التي من طبيعتها تنوع المستويات في التشريع لفظا ومعنى وغير ذلك مما لا أرب لنا فيه الآن فإنه ليس معصوما بل هو إجتهاد بشري ولذلك جاءت فكرة الإجماع التي كتب فيها الشيخ الدكتورصلاح سلطان وهو الآن معتقل في مصر فرج ا لله كربه وكرب من معه كتابا جامعا بلغة معاصرة يبين أن الإجماع كما قال الإمام أحمد نفسه سيف ذو حدين فقد يكون الإجماع صحيحا صريحا بسبب علاقته الوثيقة بالشريعة من مثل الإجماعات التي جدت في عهد الصحابة وهي قليلة جدا ولكنها مهمة جدا وقد يكون الإجماع ضعيفا أوسكوتيا وإنما يريد بعضهم رفعه للتأثير به. „ ومن أرداك لعل الناس لم يجمعوا " كما قال الإمام أحمد نفسه. إنما جاء الإجماع ومن بعده القياس بله المصادر التشريعية الأخرى من مثل الإستصلاح سلاح الإمام مالك والإستحسان سلاح الإمام أبي حنيفة والإستعراف والذرائعية التي رجح سدها على فتحها في الأعم الأغلب لظروف تاريخية وسياسية معروفة إندكت بها الأمة تحت أزيز الإنحطاط في البدء ثم تحت سياط الإحتلال والغزو الفكري في الختام .. إنما كان ذلك لغرض وحيد هو بيان صلاحية هذا الدين لكل زمان ولكل مكان ولكل حال ولكل عرف ولا تكون تلك الصلاحية إلا بملامسة مساحات التجديد والتجديد فريضة إسلامية محكمة لنا فيها حديث بل أحاديث فلا صلاحية للشريعة دون تجديد مساحاتها المتشابهة المتغيرة المتحولة ولا صلاحية لها دون تحريم مساحاتها القطعية على الوطء. تلك هي الوسطية الجامعة بين فريضتين صنوان : فريضة حفظ القطعي فلا وطء يغشاه وفريضة الإجتهاد والتجديد فلا إجماع يمنعه ولا تراث يستوعبه ولا تاريخ يصادره بل هو عبادة العلماء وصدق عليه الصلاة والسلام وهو القائل :“ فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ". رفع لمكانة العلم المجتهد المجدد ولو أخطأ لأن للمخطئ أجرين وحط للعلم المقلد المحنط المعلب لا يحسن سوى حركات الببغاوت والقرود وقد كرم سبحانه الإنسان تكريما.

قضايا الإجتهاد المعاصر ليست قليلة ولكن القليل هم المشمرون على ساعد التجديد وليس عليهم سوى شرطين إثنين لا ثالث لهما : الأهلية والمحلية. بل هناك شرط آخر لم يذكر لأنه لم يكن من قبل متخلفا وقد تخلف اليوم مع المتخلفين وهو شرط : الجرأة والشجاعة أن يقول الذي يعلم الذي يعلم غير هياب لا لسلطان إجتماعي ولا لسلطان صولجاني وكم من فارس لا يشق له غبار في وجه الجورة ولكنه نعجة في وجه الناس مخافة أن يحطوا من شأنه أو تزدريه ألسنتهم.


كلمة الختام
1 العبد الفقير إلى ربه تعالى يخشى جادا أن بعض الذين يهرفون بما لا يعلمون منادين بتطبيق الشريعة بصفة عامة وحد الردة بصفة خاصة .. يخشى أنه لو طبقت الشريعة بحد الردة لكانوا أول " الضحايا " إذ أن بعضهم ينطبق عليه حد الردة الحرابية أتم الإنطباق وكيف لا ينطبق عليهم حد السعي في الأرض فسادا وأي فساد أفسد للأرض من وضع أكثر المسلمين في كيس واحد جاهز للتكفير بالجملة ثم للتفجير بالجملة. لذلك إخترت لهذه القالة عنوانا هو : الردة بين الجهل المركب وبين عبيد الفكر الغربي. الأولون بعضهم على الأقل لديهم جهل مركب أي جهل بقضية الردة ومختلف مستوياتها كما تبين آنفا وكذا جهل بأنهم أولى الناس بأن ينطبق عليهم حد الردة الردة الحرابية لو طبقت الشريعة وطبقت حدود الردة الحرابية. أما الآخرون فإنهم يسيرون في الإتجاه المعاكس بالتمام والكمال ظانين أن الإسلام في أحسن الأحوال عقيدة باهتة ميتة لا شأن لها بالشؤون العامة للناس. كلاهما متنكب للصراط المستقيم وإن إختلفت الإتجاهات ولكم صدق الفاروق عليه الرضوان وهو يقول : اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة وبطش الفاجر.


2 ذاك جهد المقل فإن أصبت فمنه وحده سبحانه وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان فهو ذو لمات ما عصم العبد الفقير إلى ربه سبحانه وحده منها بعد وما يروم منها عصمة مادام معرضا لقانون الإبتلاء وإنما هي إصابات هنا وإخفاقات هناك ولعل الميزان العلمي في خلاصته النهائية يكون أدنى إلى الإصابة.

والسلام.

الهادي بريك تونس

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.