الوكالة العقارية للسكنى توجه نداء هام للمواطنين..وهذه التفاصيل..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    عاجل/ جريمة أكودة: الادراة العامة للامن الوطني تكشف تفاصيل جديدة..    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحمة لن يصدقها المصابون بجرثومة التألي (15)
نشر في الحوار نت يوم 16 - 07 - 2010


موعظة الحوار.

مشاهد من خلق الصادق الأمين.

رحمة لن يصدقها المصابون بجرثومة التألي.

((( 15 ))).

أخرج الشيخان عن أنس إبن مالك عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام جاءه رجل من المسلمين قائلا له : أصبت حدا يا رسول الله فأقمه علي. قال له : „ ألم تصل معنا"" قال الرجل : „ بلى". قال عليه الصلاة والسلام : „ إذهب فقد غفر الله لك".

مبتدآت أولية.

1 الحديث عند الشيخين فهو متفق عليه والمتفق عليه في علم الحديث هو أعلى رتب الحديث الصحيح الست. وتلك هي العقبة الأولى في وجه المصابين بجرثومة التألي.

2 لا يتصور أن يقول مسلم للنبي الأكرم عليه الصلاة والسلام : أصبت حدا فأقمه علي. وهو يجهل معنى الحد الموجب للعقوبة الدنيوية. تمحل المصابون بجرثومة التألي كثيرا ليوهمونا بأن الحد المقصود ليس هو الحد المعروف في الإسلام وإنما هو تعبير عرفي أو لغوي. ومتى كان الناس يجودون بأنفسهم من أثر حماقة أو تدين لمعنى عرفي أو لغوي. أولئك إنما يوقعون في الصحابة الكرام عليهم الرضوان أنهم ليسوا أهل عقل يميزون به الحد من غير الحد.. يوقعون فيهم وهم لا يشعرون وبمثل ذلك يفعل المتألي دوما بنفسه.

3 معلوم أن الحدود الموجبة لعقوبة الدنيا يسلطها الحاكم وليس غيره هي تحديدا ( السرقة بشروطها + الزنى بشروطه غير أن الخلاف في زنى المحصن الذي ثبت فيه الرجم منه عليه الصلاة والسلام ولم يرد فيه من الوحي الصحيح شيء بما جعل الأرجح أنه قام بذلك عليه الصلاة والسلام بمقام الإمامة السياسية وليس بمقام البلاغ النبوي وما كان للوحي الصحيح أن يتأخر عن بيان ذلك سيما أنه بين ما هو أدنى منه من مثل حد السرقة وما هو أعلى منه من مثل القصاص في القتلى فضلا عن حد الحرابة فضلا عن كون ذلك كبيرا في الإسلام وعند الله لتعلقه بأخطر ما حصنته الشريعة أي الحرمات سيما الحرمة البدنية منها بصفة خاصة + الحرابة بشروطها وفيها مجال واسع لتصرف الحاكم بما يناسب الوضع كما هو مبين في سورة المائدة + القذف كما هو مبين في النور بعد حد الزنى مباشرة. بقيت في الحدود قضيتان : حد الردة وهو متروك لإجتهاد الحاكم تقديرا وإيقاعا. أما شرب الخمر فهو تعزير وليس حدا وليس هناك حد في الإسلام يجتهد فيه الحاكم بمثل ما ضرب الفاروق على ذلك بضعف ما فعل عليه الصلاة والسلام( هل يمكن أن تسمي تعازير المخدرات اليوم حدودا؟ طبعا لا لأن الحدود أصلها الكتاب أو الوحي الصحيح ورودا القطعي دلالة) ولذلك لم يعتبر حد الردة حدا ولكن إعتبر تعزيرا يتخذه الحاكم لحماية الأمة. أما القتل وما دونه في حالة عدم عفو أولياء القتيل أو صاحب الحق فهو قصاص و قود وليس حدا لأن حق الإنسان فيه أطغى من حق الأمة. وللأمة من خلال مؤسساتها العلمية والسياسية أن تتخذ ما شاءت من التعازير الإجرائية التي تحمي بها وجودها وهيبتها). الحدود الموجبة لعقوبة الدنيا كما ترى لا تكاد تملأ عدد أصابع اليد الواحدة فكيف يجهلها صحابي يصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام؟ بل كيف يلوث بذلك شيخا الحديث حتى يوم القيامة صحيحيهما وكيف يروي ذلك أنس عليه الرضوان؟

4 ما هو التألي. التألي من تألى يتألى تأليا وهو مزيد مجرده : ألى يألى من مثل أبى يأبى وتأبى يتأبى. التألي هو أن يظن العبد أن الله سبحانه أرحم من اللزوم أو أنه في هذا الموضع أو ذاك يجدر به تعالى سبحانه عما يقول المتألون علوا كبيرا أن يكون حازما وذلك من خلال إنكارهم على الناس بطريقة فظة غليظة ممزوجة بالكبر والعجب. التألي لم يذكر في القرآن الكريم ولو مرة واحدة ولكن ذكرت بعض معانية من مثل فاتح سورة الحجرات إذ التقديم بين يدي الله ورسوله هو ضرب من التألي وهو أن يتعجل المرء تشريعا لم يتنزل أو يرى أن التشريع المنزل يجب أن يكون أشد أو حتى أرحم أو أن يكثر من الإقتراحات الفارغة بين يدي النبي محمد عليه الصلاة والسلام في شأن لم ينزل فيه بعد شيء. وأنسب مثال لتوضيح معنى التألي هو حديث طويل للنبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام عن شقيقين من بني إسرائيل كان أحدهما عابدا وكان الآخر عاصيا وكان العابد يمر كل يوم بالعاصي وينهره بشدة وغلظة وحماقة ويتوعده بالنار وذات يوم قال له لفرط حمقه وعجبه بعبادته وتحقيره لشقيقه العاصي : والله لن يغفر الله لك. فأماتهما سبحانه وبعث بالعابد إلى النار لتأليه أي أن إدعاءه ملك شيء من خصوصيات الإله من مثل المغفرة والرحمة كان سببا في ذهاب عبادته بحسناتها جملة وتفصيلا. يسمى التألي على الله. وهي معصية فيها العجب والغرور والكبر من جانب وفيها عدم تقدير مقام الإلهية من جانب آخر وفيها إزدراء الآخرين لمعاصيهم. التألي بكلمة واحدة هو عقدة كثير من المتدينين أو هو موضع إفلاسهم القيمي فمن ينجو منهم من جرثومة التألي فقد نجا بفضله وحده سبحانه. التألي هو الباعث على التكفير والتفسيق والتبديع والتشبيه لتصور العابد أنه أحرص على الإسلام من رب الإسلام أو نبي الإسلام أو أمة الإسلام.

من لم يستوعب سعة رحمة المبعوث رحمة للعالمين سقط في الإمتحان.

من مصائبنا اليوم أننا نتشبث بالواهيات والجزئيات مهملين الأصول العظمى ومن تلك الأصول التي يجب أن نرتد إليها دوما أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا شطآن لرحمته وليس هناك من هو أرحم منه طرا مطلقا سوى ربه سبحانه إذ أنه رحمة للعالمين وربه سبحانه رب العالمين سوى أن محمدا عليه الصلاة هو الرحيم والأرحم وأن ربه سبحانه هو الرحمان. من يجهل ذلك يظل يتمحل في مثل هذا الحديث المتفق عليه ومواقف أخرى. من لم يؤطر فهمه تحت سقف الأصول في كل حقل فقد ضل سبيله كمن فارق الطريق المعبد السيار السريع فظل يتخبط من مخرج لآخر في الطرقات الفرعية وقد يرجع إلى صراطه المستقيم وقد لا يرجع.

لهذا الحديث المتفق عليه أصل قرآني قطعي ثابت.

ذلك شرط من شروط العلم أي رد الحديث إلى أصله القرآني أبدا. وبقدر ذلك تكون آمنا من التيه في الطرقات الفرعية والعكس بالعكس دوما. أصل ذلك أن وظيفة السنة الرئيسة بنص الكتاب المحكم مرات هي : „ لتبين للناس ما نزل إليهم". نزل إليهم الكتاب وأنت مكلف ببيان الكتاب. أين المعضلة إذن؟ المعضلة فينا فحسب قطعا.

أصل هذا الحديث المتفق عليه هو قوله سبحانه : „ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين". نزلت في رجل أي صحابي أصاب قبلة من إمرأة لا تحل له فلما جاء إليه عليه الصلاة والسلام نزل ذاك فقال الرجل : أهذا لي خاصة أم للناس عامة فقال عليه الصلاة والسلام : بل للناس عامة ومصداق ذلك التعقيب : ذلك ذكرى للذاكرين. أي أن ذلك عبرة من جانب وهو عام لكل ذاكر من جانب آخر. العبرة هي أن الله بمقتضى رحمته سبحانه جعل من كل ذنب مطلقا مخرجا ومن تلك المخارج : الصلاة. وذلك هو مصداق الحديث الصحيح : الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن". هناك زيادة في الحديث : إذا إجتنبت الكبائر. تلك زيادة يرجح فيها أنها تفسير من بعض الصحابة وليست من أصل الحديث سيما أن متن الحديث الراجح في مختلف الروايات ليس فيه تلك الزيادة. من مصائبنا أننا جعلنا الزوائد أصولا والأصول زوائد. أنظر مثال ذلك : حديث الإحسان وحديث النية. إذ لم يرد الذبح إلا مثالا ولكن الإحسان مكتوب على كل عمل. ولم ترد الهجرة إلا مثالا ولكن النية في كل عمل.

رحمة محمد عليه الصلاة والسلام وتمحلات المتألين.

1 ألا تلاحظ أنه لم يسأله عن الحد المقترف مجرد سؤال. تلك هي درجة الرحمة الأولى. درجة الستر وهو القائل : „ ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة". وهو القائل كذلك هنا في مثل هذا المقام : „ كل أمتى معافى إلا المجاهرين". حتى هو وهو النبي وهو الإمام أي جمع بين السلطان النبوي والسلطان السياسي لا يريد أن يعرف ما ستر عنه ومن أغراض ذلك قطعا : عدم إحراج المذنب المقر بذنبه لئلا ينكسر عند اللقيا وأكرم بذلك من كرامة مهراقة. من يصبر منا إلجاما للسانه في مثل هذا الموقف. قد يعفو ولكن ألا يسأل أبدا!!!

2 ما عساه يكون الذنب المقترف؟ تمحل المتألون فقالوا هو ليس حدا موجبا للعقوبة في الدنيا ولكن ذلك هراء وهذر وفيه الذي فيه من رمي الصحابة بالجهل. ولكن لن يكون الذنب المقترف في مقابل ذلك منطويا على ما عرفه الفقهاء بغلبة حق الله فيه. حق الله يعبر عنه الفقهاء قديما وهو متجانس مع قولك اليوم : حق الأمة أو الجماعة أو الحق العام بالتعبير القضائي.وليس لنا الآن أن نرجم بالغيب. ولكن الموقف النبوي الكريم أصاب كبد التوازن والإعتدال والوسطية وذلك من خلال ما يأتي :

أ ما كان له عليه الصلاة والسلام أن يتأخر عن تطبيق حد من حدود الإسلام. أنى ذلك وهو القائل : „ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وذلك تعقيبا على وساطة لحبه أسامة الذي دفعه بعض الصحابة لذلك حيولة دون تطبيق حد بين يديه عليه الصلاة والسلام.

ب ولكنه عليه الصلاة والسلام يجمع بين تطبيق الحد نصا ورصد مقصده قراءة وأيلولته إلى مراد الرحمان منه سبحانه واقعا ملموسا ينصلح به الأمر. أما العماء الذي أصاب المنادين بتطبيق الشريعة عن جهل وطيش وحمق فهو عماؤهم هم وشفاء العمى السؤال. وأنكى من ذلك أن يطالب الطغاة العرب اليوم بتطبيق الشريعة فتكون النتيجة : يسرق الحاكم وتقطع يد الفقير ويزنى الحاكم ويجلد المسكين ويرتد الحاكم ويقتل ال " غلبان ".. ولكن الحماقة داء ما له دواء. وأي حماقة أشد من أن تمد رقبتك إلى حاكم جائر يحكمك بشريعة تطبق عليك وهو متنصل منها بل مرتد عنها في مرات كثيرات وفي كل الأحيان هازئ بها!!!

ج كما يجمع إلى ذلك الستر على المسلمين والرحمة بهم. أي يجمع تلابيب الإسلام من كل جوانبه ثم ينظر في الأمر ثم يتصرف بما يقتضيه الحال. يجمع إلى الأصول الشرعية الأصول الأخلاقية.

د أهم شيء هنا بعد الذي ذكر أن عفوه عن مقترف الذنب المقر بذنبه لم يكن ليضيع حقا آخر من حقوق الناس. وبذلك لن يكون المعفو عنه قتلا مثلا أو سرقة لأنه في هذين الحالين تضيع حقوق المقتول وحقوق المسروق. ولكن ليس لنا أن نرجم بالغيب مرة أخرى.

3 بين الخصوصية والعمومية. تمحل المتألون فقالوا : تلك من خصوصياته. وذلك هو صنيعهم. كلما إستحكمت حلقات الأمر حتى آلت بالضرورة إلى ما لا يناسب تأليهم على ربهم سبحانه قالوا بالخصوصية. وهكذا يتحول الدين إلى دين منزل على محمد عليه الصلاة والسلام ليطبق عليه هو دون غيره من الناس. أصل الإسلام عدم الخصوصية أبدا مطلقا إلا خصوصيات أسرية قليلة جدا متعلقة به هو عليه الصلاة والسلام. أما في الشأن العام فليس هناك خصوصية. وإلا كان الإسلام على دين الأساقفة والقسيسين ومن يفتونهم من الأكاسرة والهراقلة والقياصرة أي دينا مزدوج المكاييل. وحاشاه ولكن جرثومة التألي لا تبقي ولا تذر. قالو بذلك عندما حكم بشهادة واحد فحسب ظنا منهم أن آية الشهادة في آية الدين في البقرة تعبدية غير معقولة المعنى وهو جهل فاضح.

4 لا خصوصية إذن في الشأن العام كله لأن الإسلام من خصائصه العقدية القطعية الثابتة العموم والإطلاق مكانا وزمانا وإنسانا. لا خصوصية ولكن : مقام نبوة. أجل. صحيح جدا أن يقول فقيه مجتهد أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك بمقتضى مقام الإمامة السياسية للأمة. وهو للتعليم من لدن من يحلون محله دون ضياع لحقوق الناس بدعوى مقام الإمامة السياسية.

5 ذلك صحيح قطعا وهو مؤيد بأحداث أخرى كثيرة يضيق عنها المجال هنا. ولكن ما يزيده صحة وترجيحا هو أنه عليه الصلاة والسلام يراعي دوما كل حال بما يقتضيه وهي مساحة تصرف حر يعرفها كل من درس فلسفة الشريعة ومنهاجها الداخلي وأولوياتها. مسألة رعايته لكل سائل وصاحب حاجة وموقف ومشهد لا تكاد تحصى بل لا تحصى قطعا في سنته وسيرته لكل من يتدبر ذلك وذلك هو ما يوقع بعض المتطفلين على طلب العلم سيما من المتألين في الحرج لكثرة مظاهر الجواب والتصرف والتعامل في القضية الواحدة.

الدرس الأكبر من الحديث الصحيح المتفق عليه.

1 لك أن تتصور رحمة المبعوث رحمة للعالمين تصورا واسعا ليس له حدود قبل أن يضيق صدرك بفعله أو يدفعك ذلك إلى تمحل تمحلات تمجها الفطرة والسنة قبل أن يلفظها العقل والمنطق وقبل أن تحرجك في الدين وتجعل منك باحثا عن العيوب والقذارات مثلك مثل الذبابة التي لا تقع إلا على ذلك لتنقل الجراثيم والأمراض المعدية.

2 لك أن تتعبأ بالأصول من كل ضرب قبل أن تتيه في الجزئيات والفروع والواهيات التي فيها ألف ألف قول في ورودها و مثل ذلك في دلالتها لئلا تتيه في بيداوات الطرق الفرعية ولعلك لن ترجع إلى صراطك المستقيم بعد ذلك حتى تقضي وأنت على عتبة جحر ضب توشك أن تطأه. تبعث على موتك تعني : تبعث على ذلك عقلا سديدا أو خطلا آفنا وتبعث على ذلك كذلك قلبا رقيقا حليما رحيما رؤوفا أو قاسيا جلدا صخريا. أم تراك تبعث بقلب لا عقل فيه؟

3 لك أن تحيط بكل مسألة معروضة من كل زواياها قبل أن تسقط في المرجوحات المأفونة. قد يكون الرجل من أهل الفضل وهو القائل عليه الصلاة والسلام : „ أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ". وقد يكون الرجل من أهل الضرورات والحاجات بدنيا أو خلقيا بما يناسب عفو محمد عنه عليه الصلاة والسلام لأغراض لا تحصيها وهو القائل عليه الصلاة والسلام : „ إدرؤوا الحدود بالشبهات ". وقد يكون تصرف عليه الصلاة والسلام بمقتضى الإمامة السياسية كما أنف ذكره وله مطلق الحق في ذلك ليعلم أولي الأمر من بعده ذلك بالشروط المعلومة. وقد يكون ما يظل مستورا عنا محجوبا حتى تبلى السرائر. ولكن الجزم بأنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك والحديث في الصحيحين سيما صحيح البخاري الذي نصب لكل حديث حرسا وعسسا لا يجاوزه شيء مغشوش أبدا ولا مدخول لفرط يقظته وتشدده وهو صاحب الشروط المعروفة التي نسميها اليوم تعجيزية ولتكن تعجيزية في الدين لئلا يقول من شاء ما شاء لولا الإسناد ومنها شرط اللقيا.. الجزم بذلك ضيق بالدين وتبرم برحمة الرحمان ورحمة مبعوث الرحمان. رغم ذلك التشدد من لدن البخاري عليه الرحمة والرضوان لن تضل عينك اليوم أفاكين متألين كذابين يردون ما شاؤوا ويقبلون ما شاؤوا تارة بدعوى الحرص على دين محمد عليه الصلاة والسلام أن يضيع وتارة بدعوى سلطان المدنية القاهرة المعاصرة وكلاهما مارق من الدين ولكن في إتجاه معاكس للآخر.

بكلمة واحدة :

إذا كنت متدينا فلا تكن متأليا لئلا تصير إلى ما صار إليه العابد الإسرائيلي ومصداق ذلك قوله سبحانه : „ أ كفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر". ليس لأحد براءة أو حصانة إلا بالتوحيد والإخلاص وحسن الفهم وهو مرحوم بقدر رحمته للناس وشقي بقدر شقائه بهم ودعك ممن يطلبون حصانة العترة النبوية فهم أكذب الكذبة.

والله تعالى أعلم.

الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.