بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول القانون الانتخابي الجزء الأول
نشر في الحوار نت يوم 22 - 06 - 2014

إن تحديد موعد شبه نهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس بعث برسالة ارتياح كبرى للتونسيين ، وفتح لهم أمل جديد في ترسيخ المسار الانتخابي والديمقراطي عامة ، فان كتب النجاح لهاته المواعيد الانتخابية ، ودارت بالنزاهة والشفافية المطلوبين ، ولم تفسدها الأيادي المجهولة التي نوصف بالإرهابية ، فستكون تونس الدولة العربية الأولى تاريخيا التي تجرى فيها انتخابات نزيهة لمرتين متتاليتين أو حتى متفرقتين ، فالدول التي نجحت في إجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد الهزات الكبرى التي عاشتها كالجزائر في بداية التسعينات ومصر بعد ثورة 25 يناير 2011 شهدت انتكاسات كبرى بانقلاب العسكر على المسار الانتخابي وإلغائه بالكامل والقطع الكلى مع الديمقراطية وما زالت الشعوب تقاوم لاستعادة المسار ،
أما في تونس فقد أخرجتنا " سفينة التوافق " من نفق الانسداد ومخاطر الفوضى إلى المصادقة بالإجماع تقريبا على دستور جديد يعدّ تحرريا ورائدا ، والى قانون انتخابي ، وهيئة مستقلة مشرفة على الانتخابات، وأخيرا تحديد موعد شبه نهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية ، ويبدو السعي حثيثا لإنجاح تلكم المواعيد من كل المتداخلين وذوى العلاقة السياسية أو الجمعياتية أو غيرها ، على أمل أن نصل إلى ثاني انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ومشهد تاريخي جديد في انتقال السلطة للمرة الثانية بطريق الانتخابات غير المزورة

فقد عانى التونسيون كثيرا من التزوير الانتخابي خلال كامل تاريخ دولتهم الحديثة في كلا العهدين البورقيبي والنوفمبري ، منذ أول انتخابات لأول مجلس تأسيسي عام 1956، إذ وقع تزويرها قبل إجرائها بمطاردة وإقصاء وتقتيل أبناء المنافس الأبرز للحزب البورقيبي آنذاك وهم اليوسفيين ، فدخلت ما سمي آنذاك بالجبهة الوطنية (الدستورية )وحيدة في الانتخابات بلا منافس جدي عدى بعض القائمات الشيوعية التي لم يكن لمنتسبيها أيّ انتشار شعبي فضلا عن لوثة الكفر التي الصقها بهم البورقيبيون قصد تشويههم في مجتمع لا يزال متدينا ومحافظا
ولا يحتاج التونسي اليوم لاعتراف صريح على الهواء من وزير داخلية سابق " السبسي " بان كل الانتخابات السابقة لانتخابات أكتوبر 2011 كانت مزورة ، فقد كنا نشهد عمليات التزوير "بكل شفافية " بأم أعيننا في مكاتب الاقتراع وقبل الاقتراع وبعد الاقتراع ،ولم يكن ذلك أمرا مقلقا للنظام الدستوري أو التجمّعي ولم يثر أيضا حفيظة الدول الديمقراطية الصديقة لتونس بل كانت تبارك " الانفتاح التونسي " ،
وقد عبرت حالة التزوير الأبدي عن نفسها في الحقيقة وعن حالة اليأس العامة من الانتخاب لما وصل الحد بالبرلمان التونسي إلى تعديل الدستور وتنصيب بورقيبة رئيسا للجمهورية التونسية مدى الحياة في سابقة لم تشهد لها برلمانات الدنيا مثيلا تقريبا ،
ومن ثمة لم تعد تعنى الانتخابات للتونسي أي شيء و كانت النتائج التي تتعدى التسعين بالمائة لمصلحة الحزب الدستوري والتجمع من بعده علامة بارزة عن هذا التزوير الذي لم يتوقف حتى في صورة المتسابق الواحد والمرشح الواحد فكان التزوير يأتي على نسب المشاركة التي تفوق مثيلاتها في اكبر الدول ديمقراطية والأصوات المسندة للفائز التي لا تترك صوت مواطن حيا كان أو ميتا إلا أحصته لمصلحته حتى وصل الأمر ببعض مكاتب الاقتراع لحذف بعض الأوراق التي تحشو الصناديق حتى لا تتجاوز النسبة عدد المواطنين وكان النظام يفتخر وينتفخ بانتصاراته الانتخابية الوهمية للحزب الدستوري أو التجمع من بعده ،

انطلاقا من ذلك الإرث ألتزويري الجاثمة آثاره على صدور التونسيين إلى اليوم والذي لم تخرج عنه إلا انتخابات أكتوبر 2011 التي أصرّ التونسيون جميعا على أن تكون نزيهة وشفافة وكان لهم ما أرادوا بعد ثورة عارمة هزت البلد ،
وانطلاقا من تلك التجربة اليتيمة الناجحة على الأقل من حيث التنظيم والنزاهة والشفافية وحتى من حيث الأجواء العامة التي تمت خلالها والفرص المتكافئة التي أعطيت للجميع في المشاركة والمنافسة على مقاعد المجلس الوطني التأسيسي ، فقد حاول التونسيون في قانونهم الانتخابي الجديد ترسيخ تلك التجربة والحفاظ على نفس النظام الانتخابي المعتمد فيها في القانون الانتخابي الجديد ، ولكن بمزيد من الضمانات التنظيمية والأمنية وخاصة التحكيمية
ولكن من جهة أخرى هل يمكن لذلك النظام الانتخابي ، الذي هو خيار سياسي أنتجته لنا الموهبة الخارقة لهيئة عيّاض بن عاشور ومستشاريها المحليين والدوليين ،والذي ارتبط بظروف تأسيسية لدولة جديدة بدستور جديد ونظام سياسي تعدّدى وديمقراطي ، وهو نظام الانتخاب على القائمات مع احتساب اكبر البواقي ، والذي حافظنا عليه أن يحقق أغراضه فيما بعد الانتخابات وفي المرحلة القادمة ذات الأهداف المختلفة ؟ وهل هو خيار صائب وصالح لكل الأزمان وكان لا بد من المحافظة عليه ؟ وهل نجح فعلا في المرحلة الماضية في تمظهر إرادة الناخب التونسي وتجسيدها ؟ أم هل اننا نحتاج اليوم في الحقيقة إلى نظام انتخابي مغاير للمرحلة القادمة وهي مرحلة البناء ، التي تختلف عن المرحلة التأسيسية ؟
وهل يحمل هذا النظام في طياته بوادر الفشل ويعيدنا إلى مربع عدم الاستقرار السياسي الذي شاهدناه على اثر الانتخابات الأولى ، ويتيح الفرصة من جديد لتوافق جديد على حساب إرادة الناخب وخياراته لتنصيب مقيم عام جديد أو وكيل جديد لأمراء المال والنفوذ المحلى والاقليمي والعربي والدولي فيذهب جمعة وياتي سبت جديد بنفس مواصفات خارطة الطريق القديمة ومضامينها المغيرة لخيار الناخبين ؟
1 ضمانات نزاهة العملية الانتخابية
_إدارة الانتخابات من هيئة دستورية مستقلة :
إن الضمانة الأولى والمكسب المهم الذي تحقق في ظل القانون الانتخابي الجديد ، هو إن الإشراف على تنظيم العملية الانتخابية خرج نهائيا عن نظر السلطة التنفيذية ووزارة الداخلية ، وأسندت مهام الإشراف على تنظيم الانتخابات وإدارتها منذ دعوى الناخبين وحتى إعلان على النتائج واستيفاء الطعون ، أوكلت في كل مراحلها إلى هيئة انتخابية مستقلة كان وضعها الدستور التونسي الجديد على رأس الهيئات الدستورية المستقلة وخصص لها الفصل 126وسماها ب "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" ومنحها سلطة ترتيبية في مجال اختصاصها تتكون من 9 أعضاء يشترط فيهم الاستقلالية والحياد والكفاءة والنزاهة لمدة ست سنوات غير متجددة وحملها الدستور أيضا مسؤولية ضمان نزاهة وشفافية وسلامة المسار الانتخابي ككل ، وعلى هذا الأساس وقع فعلا اختيار أعضاء تلك الهيئة برئاسة السيد شفيق صرصار للفترة القادمة بدأت الهيئة أعمالها وضخت لها الحكومة عشرة ملايين دينار للغرض بعد إن عيّنت مواعيد شبه رسمية لإجراء الانتخابات .
- الضمانات القضائية :
وتعتبر الرقابة القضائية "الموثوق بها "على سير العملية الانتخابية الضمانة الكبرى لنزاهتها ومصداقيتها ، فكما في كرة القدم لابد من حكم جيد حتى تكون المباراة جيدة مهما كانت موهبة الفرق المتنافسة ، ففي الانتخابات أيضا لا بد من رقابة قضائية جيدة ،
فلا بد من جهة قضائية محايدة ونزيهة وذات مصداقية وكفاءة لفصل ما قد ينشا من منازعات انتخابية في جميع أطوارها سواء التحضيرية عند تسجيل الناخبين وقبول الترشّحات أو أثناء الحملة الانتخابية أو يوم الصمت أو يوم الانتخاب أو بعد الفرز والإعلان عن النتائج ،حتى إن بعض الدول أسست هيئات مستقلة مختصّة بالنظر في النزاعات الانتخابية تعمل بالتوازي مع الهيئة المنظمة للانتخابات لما لموضوع النزاع الانتخابي من خصوصية لارتباطه الوثيق بالسياسة فيقول الفقهاء إن النزاع الانتخابي هو نزاع سياسي بامتياز ومن ثمة تكمن حساسيته وصعوبته ،
ولئن لم يلجا القانون الانتخابي التونسي الجديد إلى هيئة مختصة بالرقابة على العملية الانتخابية فانه ضمن رقابة قضائية صارمة على كامل مراحل العملية الانتخابية بل ضمن تقاضى على درجتين في اغلب المنازعات ، فكل من له مصلحة ويرى مخالفة للقانون الانتخابي يمكنه التظلم للهيئة في بعض الصور وله الطعن لدى القضاء العدلي وفي حالات أخرى يمكنه الطعن لدى الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية أو للجلسة العامة لقضاة المحكمة الإدارية ، وفي كل تلك الأحوال فان القضاء محمول عليه الفصل في أصل المنازعة الانتخابية على طريقة القضاء المستعجل بآجال جد مختصرة قد تعد أحيانا بالساعات القليلة وهي أيضا ضمانة لحسن سير العملية الانتخابية إذ بقدر التأخير في فصل المنازعة الانتخابية بقدر استنزاف ثقة الناخب في العملية.
ولعل اختيار القانون التونسي للمحاكم المدنية لفصل النزاعات الانتخابية في مراحلها الأولية وللمحكمة الإدارية كحكم انتخابي بارز لفصل كبريات النزاعات الانتخابية إنما يعود لما حافظ عليه القضاء المدني التونسي في عمومه من نزاهة لا يمكن التشكيك فيها مما يجعله مؤهلا للنظر في مثل تلك المنازعات ، أما اختيار القضاء الإداري فهو يعود في الحقيقة
الى الثقة العامة لدى التونسيين عموما في القضاء الإداري الذي حافظ أيام الاستبداد على حياده ونزاهته بصفة عامة ولم تفسده لوثة السياسة ليس فقط لطبيعة المنازعات المطروحة عليه وللقرارات التاريخية الجريئة التي تحسب لهذا القضاء ، ولكن أيضا لان كل قراراته لم تكن تنفذ فالسلطة التنفيذية المتغطرسة المستبدة آنذاك لم تكن تعنيها كثيرا قرارات المحكمة الإدارية ولا فحولة حكامها لأنها تكتفي بعدم تنفيذها ولا تحتاج إلى تسليط ايّ ضغط على تلكم المحكمة ، مما اكسب حكامها تجربة كبري في فصل المنازعات بأريحية وحياد واستقلال ندر وجوده في القضاء العدلي ، وهو ما يجعلها الآن أكثر تأهيلا للنظر في المنازعات الانتخابية واخذ قرارات قد تكون مصيرية في صنع مستقبل الانتخابات والديمقراطية في بلادنا رغم رغم المؤاخذات الموجهة للبعض من حكامها الذين ينزعون أحيانا الى التعبير عن ميولات حزبية بشكل أو بآخر ،ولكنها تبقى غير مؤثرة لأن الخط السائد داخل المحكمة هو خط الحياد .
وهو أيضا ما يجعلنا نطمئن على سير العملية الانتخابية ونثق في تلك الرقابة القضائية عليها
رغم ما يعاب على القانون من انه م يجعل إنابة محام وجوبيّة في المنازعات الانتخابية أو على الأقل تلك التي تثار لدى المحكمة الإدارية وهو ما من شانه أن يضعف تلك الرقابة القضائية لأن الأمر يتطلب اختصاصا واستيعابا للقانون الانتخابي ولإجراءات الطعن الشكلية وإلا فان اغلب الطعون قد ترفض من حيث الشكل ،
وتجربة الانتخابات الماضية أثبتت أن الطعون القليلة التي وردت على المحكمة الإدارية رفض اغلبها لبطلان الإجراءات رغم تقديم بعضها بواسطة محامين فما بالك لو تقدم الطعون من أيّ كان ، والقضاء ليس بإمكانه الفصل إلاّ في المنازعة التي تلقّى شكواها سليمة من المبطلات الشكلية
-الضمانات الأمنية والجزائية :
-لقد خول القانون الانتخابي الجديد للهيئة صراحة حق الاستعانة بالقوة العامة وهو ما يعد تطورا وضمانة جديدة لحسن سير العملية الانتخابية مقارنة بمرسوم 2011 فليس بمقدور الجهات الأمنية بعد الان رفض طلب الهيئة للتدخل الفوري لمنع مخالفة انتخابية أو رصدها أو ضبط المخالف واتخاذ ما يلزم من إجراءات الردع التي جاء بها القانون الانتخابي لضمان حسن سير انتخابات ،
وقد فرض القانون عقوبات جزائية صارمة على كل من يحاول التأثير على الناخب بواسطة الضغط أو الإكراه أو الترغيب أو الترهيب وعلى كل من يعتمد القوة لتلك الأغراض وقد تدرجت العقوبات بهذا الشأن من الخطية من ثلاثة ألاف دينار إلى عقوبات مغلظة بالسجن لمدد مختلفة من الشهر سجن لمن يمتنع عن الخروج من مكتب الاقتراع إذا طلب منه رئيس المكتب ذلك ، إلى ستة أشهر لمن يتقدم للاقتراع في أكثر من مكتب إلى سنة لمن يتسلم أموال انتخابية من الخارج لتمويل حملته إلى ثلاث سنوات لمن يعتدي على حرية الاقتراع أو باستعمال العنف أو التهديد به أو الارتشاء على الناخب أو على أقاربه أو تهديده بفقدان وظيفه إلى خمس سنوات لاعضاء المكتب الذين يدلسون المحاضر او أوراق التصويت وكل من احدث فوضى وتجمعات أثناء عملية الاقتراع ، إلى عشر سنوات لمن يقتحم او حتى يحاول اقتحام مكاتب التصويت أو الفرز باستعمال السلاح،
فسلط القانون عقوبات صارمة لحماية العملية الانتخابية ونزاهتها من أي شكل من أشكال التعطيل أو التزوير أو التأثير سواء صدر الفعل المجرم عن الناخب أو المتر شح أو أعضاء مكاتب الاقتراع أو من الغير ،
غير أن القانون لم يجرم بعض الأعمال الخطيرة الأخرى التي قد تؤثر بشكل كبير على نزاهة العملية الانتخابية كالإشاعات الكاذبة وتشويه المنافس السياسي ، وهي مجرمة في بعض الدول المقارنة كالجزائر والعراق الذي يسلط عقوبات قاسية على مثيري الإشاعات التي قد تؤثر سلبا لا فقط النتائج ولكن على سير العملية الانتخابية برمتها كإشاعة نبا أعمال إرهابية وشيكة بمناسبة يوم الاقتراع لإثناء الناس عن التوجه للتصويت ، أو إلصاق تهم باطلة بأحد المرشحين بما يؤثر على محصوله الانتخابي وغيرها ،
- كل هاته الضمانات لا تعتبر كافية ما لم تكن هناك إرادة سياسية وجمعياتية وشعبية واهم من ذلك هبّة عارمة من كل القوى الحية في البلاد لإنجاح العملية الانتخابية ، هبة ثورية جديدة مثل هبة 23 أكتوبر الذي سجلها لنا التاريخ ، ورغبة جامحة في إنجاح ثاني انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في تاريخنا السياسي كله ، لعلنا بعدها نطمئن على بداية ترسيخ التوجه الديمقراطيى الحقيقي وإعادة ثقة الناخب في العملية الانتخابية
ولكن الثابت أن العملية الانتخابية ليست عملية تقنية بحتة فارغة من كل محتوى ، فالغاية الحقيقية من تلكم الشفافية والمصداقية هوا لاختيار الحر للناخب لمن يحكمه وهي التعبيرة السياسية الأبرز للمواطن ويجب أن يشعر من خلالها انه يختار فعلا من ينوبه ويمثله في حكم البلاد وفي الاختيارات السياسية والاقتصادية ألكبري التي يستقر اختياره عليها ،
فهل يمكن للنظام الانتخابي التونسي أن يفرز نتائج طبق ما يرتضيه الناخب الذي أعطى صوته لهاته الجهة أو تلك ؟ أم انه نظام قد يفضى إلى عدم استقرار سياسي شبيه بما عشناه في التجربة الأولى ويفتح الباب على مصراعيه للمتداخلين في الشأن التونسي لينتجوا لنا حوارات بديلة عن الاختيار الحر للتونسيين وبدائل قد لا تستجيب لطموح الأغلبية الساحقة منهم ، وقد تفسد طعم الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة ؟ أم أن ذلك مطلوب في المرحلة القادمة تفاديا للصراعات العنيفة التي تشهدها بلدان الربيع العربي ؟، والى أي حد يمكن أن تشكّل دعوة حركة النهضة إلى توافق حول شخصية رئيس الجمهورية انتكاسا عن مبدأ الاختيار الحر وعودة لمبدا المناشدة والزعيم الملهم الذي يحوز على 99بالمائة من أصوات الناخبين ؟ أليس من حق التونسيين أن يعيشوا حالة التشويق الانتخابي شان الديمقراطيات العريقة فينتظرون لآخر لحظة معرفة رئيس بلادهم من خلال صندوق الاقتراع ، أم أن قدرنا أن نعيش في ظل المبايعات بعد أن ذقنا طويلا مرارة المناشدات ؟
)ا(لجزء القادم حول مخاطر الانتداب في ظل القانون الانتخابي)
المحامي عمر الرواني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.