في أول حلقة من برنامجه العائد "دليلك ملك" (بث في الليلة الأولى من شهر رمضان على قناة "التونسية") اختار المنشط المتميز سامي الفهري أن يبدأ الحلقة بإلقاء شبه مرافعة في مسألة إقامته بالسجن ( لمدة "عام وشهر" حسب تصريحه) وبتقديم نوع من العرض الوصفي لأوضاع المساجين من خلال تجربته الشخصية. وبما أني كنت ممن استنكروا إيداع هذا الإعلامي الموهوب السجن شعرت بنوع من العطف عليه وهو يدقق في وضعية السجين. لكن لمّا بلغ البرنامج صلب موضوعه – وهو الرهان على مئات الملايين – وأنا لم أستكمل احتساء شُربتي الرمضانية الأولى، راودني نفس الانطباع القديم عن البرنامج وفِكرته وانتهيت إلى السخط عليه مثلما فعلتُ قبل سنوات. عندئذ خامر ذهني سؤال وحيد: هل أنّ سامي الفهري غادر السجن، ثم اختار توصيف معاناة السجين، لكي يردع الناس عن فعل الشر وتفادي السجن أم أنه يريد حثهم على إيجاد طريق إلى السجن؟ بعبارة عامية هل أنه "حَجْ وزَمزمْ وجا للبْلا مِتحَزّمْ؟" لم أجد صعوبة تذكر في استقراء إجابة عن سؤالي حيث إني كنت قد تدربت طويلا عبر سنينَ خلت على التفكير في موضوع برنامجِه وفي فكرة الرهان. فما أعيبه على الفهري ليس بالشيء القليل. إنّ هذا المنشط، بعنوان الترفيه الرمضاني، يفسد عقول الناس فضلا عن إرباك معدة الصائم أثناء الإفطار . ألا يعلم الفهري ومَن معه من ممولين ومن "مُريدين" أنّ وراء كل متسابق يربح 200 مليون أو أكثر في الحصة الواحدة هناك ملايين من المشاهدين الذين سوف يتوهمون الربح السهل ويحلمون بمئات الملايين التي تأتي "هناني بناني" بدون "لا خدمة لا ڤدمة"، وفي رمضان شهر العفة وكبح جماح النفس الأمارة السوء؟ بناء على التصور الفاسد والمفسد للترفيه الذي يسند "دليلك ملك" أستنتج من حدث عودة هذا الأخير أنه: عودة مدوّية للفساد ولصناعة عقلية الفساد عبر أعتى وسيلة إعلام جماهيرية وبواسطة كفاءات فنية مشهود لها. عودة بالشعب التونسي إلى عهد خِلناه قد ولّى وانقضى، عهد لوبيات المال و"العمايل" التي تستحمر المواطنين وتبث لهم السموم بينما هم بصدد جني البركات أثناء تناولهم لفطورٍ استحقوه بعد يوم من الجهد والعناء والصبر. تثبيتٌ وقحٌ لعقلية الاسترزاق المحظور دينيا وأخلاقيا وبالتالي تضليلٌ للشعب كي يجانب مشكلاته الحقيقية التي تتمثل في ضرورة إيجاد السبل الكفيلة بتشغيل المعطلين وبتنمية روح التعاون والتضامن بين كل الفئات وما تتطلبه من إحياء لقيم القناعة والتعويل على النفس والغيرية والتوكل على الله. تعاونٌ مشبوه بين جانب من الإعلام مع أسياد الشر ابتغاء تعويم وعي المواطن في وقت تحتاج فيه البلاد إلى جيل جديد من الحالمين المُحقّين في حلمهم ومن صانعي القرار الصائب. حثٌّ صريح على الشغف بالمال وبالمادة، مما قد يدفع بالشباب - إن العاطل أم العامل - وبمختلف شرائح المجتمع الفقيرة منها والميسورة إلى إتباع سبل اللهث وراء المال الحرام وبالتالي إلى المخاطرة التي قد تنتهي بهم إلى طَرق باب السجن حتى يكلّ كاهلهم. بالنهاية ماذا يُريدُ (و) سامي الفهري ومَن وراءه، مِن التونسيين؟ أيُريدُ (و) أن تفلس الطبقة المتوسطة قيميّا بعد أن أفلست ماديا؟ أيريدُ(و) أن يزداد عدد المنتحرين في صفوف اليائسين والمحرومين؟ أم يُريدُ (و) مزيدا من تهافت الأثرياء على الملايين والمليارات لكي يكون لتونس على الأقل علامة مسجلة في كتاب 'ڤينيس'، علامة الرقم القياسي لعدد "المليارديرات "الثوريين" ؟ محمد الحمّار