من الأحاجي التي لم تجد لها الحكومات المتعاقبة حلا جذريا أو حتى مقاربة موضوعية لفك طلاسمها ورموزها المشفرة حتى أصبح الأمر كلعبة الغميضة بحيث تعلم بوجود الشيء ولا تراه ولا تستطيع الإمساك به وكأنه الهواء هي ظاهرة الاقتصاد الموازي. وللاقتصاد الموازي تعاريف كثيرة نذكر منها الاقتصاد المهمش والاقتصاد اللاقانوني والاقتصاد الخفي والاقتصاد ما تحت الأرضي والاقتصاد الغير مهيكل وهو كل نشاط اقتصادي ممنوع لا يخضع لترخيص قانوني من طرف أجهزة الدولة ورقابتها و لا يؤدي ما عليه من واجبات الأداءات الجبائية المستوجبة. وأكثر أنواع النشاطات الاقتصادية الموازية شيوعا هو نشاط التهريب الحدودي وقد ازدهر وتطور بصفة ملحوظة بعد انتفاضة 2014 مع تراخي القبضة الأمنية والديوانية في ظل الانفلات السياسي والاضطرابات الاجتماعية. وقد أجمع الكثير من الخبراء أن قيمة معاملات الاقتصاد الموازي تمثل نسبة 40 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للبلاد ويمكن أن تكون هذه النسبة أكبر من ذلك بكثير في غياب معطيات دقيقة في هذا الشأن لصعوبة حصر وتتبع النشاطات الممنوعة والتي تتحرك عشوائيا وتحت جنح الظلام. ويفسر البعض تطور هذه الظاهرة وعجز الحكومات المتعاقبة بالإمساك بخيوطها وآلياتها، حتى استفحلت كثيرا وأصبحت تهدد الاقتصاد الوطني بأن وراءها هياكل قوية النفوذ داخليا وخارجيا تتمعش من ريعها ومن الامكانيات المالية التي تدرها على أصحابها دون تعب وشقاء. كما أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتدنية لغالبية سكان الجهات الحدودية وتفشي البطالة والفقر ساهمت في انخراط هؤلاء في منظومة الاقتصاد الموازي رغم المخاطر المحدقة والتتبعات العدلية لغياب بديل عن هذه الأنشطة الممنوعة. فالاقتصاد الموازي يشكل عائقا كبيرا أمام التنمية لأنه يحرم خزينة الدولة من عائدات جبائية كبيرة ومؤثرة كما يحرم البنك المركزي من العملة الصعبة التي لا تمر داخل الجهاز البنكي زد على ذلك التأثير السلبي على توازنات السوق الداخلية بحيث تنعدم فرص المزاحمة الشريفة بين قطاع يخضع للضريبة وآخر لا يلتزم بها مع انعدام المراقبة وجودة السلع مما يقلل من الانتفاع الأمثل ورفاهية المستهلك. لكن في المقابل أن هذه الظاهرة التي ربما وراءها حيتان كبيرة لا تستطيع الدولة الوليدة في ظل تجاذبات سياسية ورهانات انتخابية مقبلة التصدي لها وإخضاعها لمنطق القانون والمساءلة بصفة جذرية وحاسمة يبقى السكوت عنها أمرا محيرا وعملية كر وفر دون تحديد استراتيجية شاملة لمعالجتها ليس إلا ذر الرماد في العيون وتأجيل الموضوع لوقت ربما لن يأت أبدا. والتفسير الموضوعي لهذه الغفلة هومن خلال المقاربة السياسية بحيث أن هذه الظاهرة الشائكة تؤدي عملا إيجابيا رغم مضارها الاقتصادية الثابتة والمعروفة ألا وهو امتصاص البطالة بحيث يعد الاقتصاد الموازي رافدا مهما لتشغيل الأعداد الهائلة من البطالين وأصحاب الشهائد العليا والمحتاجين واليد العاملة الغير ماهرة مما يساهم في الحد من المطلبية الشعبية والاحتجاجات والمصادمات والاضطرابات الاجتماعية. وهذا الأمر يعد في السياسة غض طرف وحسب المفهوم الشعبي المتداول لعبة غميضة وكأن الأمر متفق عليه ضمنيا بين الأطراف المتواجدة على الساحة وبيدها الحل والعقد في ظل غياب استراتيجية شاملة وواضحة للحسم مع هذه المسألة بصفة جذرية. ولا بد لنا أن نعترف أن علاجها من الأمور الشائكة والمستعصية لكن الأمر غير مستحيل إذا وجدت الإرادة والعزيمة والبداية تكون بحصر الظاهرة من كل جوانبها وتحديد الهياكل المتحكمة فيها والأشخاص الذين بيدهم خيوط اللعبة ثم وضع استراتيجية تنفذ على مراحل مع تمكين الناشطين في هذا القطاع المهمش من حوافز للعمل والنشاط القانوني المهيكل كمنحهم القروض للانتصاب الخاص ووضع الفضاءات التجارية وتهيئتها على ذمتهم في المدن والقرى ومتابعتهم من طرف هياكل تبعث للغرض تقدم لهم المشورة والدعم التقني والإداري والمالي. وبهذا يتم استعادة الاقتصاد الموازي لحضيرة الاقتصاد الوطني فيكون بذلك رافدا من روافد التنمية خاصة في الجهات المحرومة والتي تنخر شبابها البطالة وتتفشى فيها مظاهر الفقر والخصاصة والعوز والجريمة المنظمة.
كما أن إعادة الاقتصاد الموازي إلى حضن الاقتصاد الوطني يساهم في محاربة ظاهرة الارهاب وذلك بتجفيف منابعه لأن أهم مصدر لتمويل الإرهاب يأتي من التهريب الحدودي والنشاطات المختلفة للاقتصاد الموازي.