المولدي الزوابي أعتقد أن هناك خلافا بين تونسيين حول المبدأ العام المعلن باسم التآزر والتعاون والتضامن الذي قام عليه الصندوق الوطني للتضامن 26 /26 ولا على الهدف الذي سوّق عبر وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية للدعاية لهذا الصندوق "المنجز" في عهد "التغيير". ذلك أن حب البلاد والولاء لها والدفاع عنها وعليها امرا لا يقبل التشكيك أو المزايدة من أي تونسي ،ولكن أن يتحول هذا الصندوق إلى آلية من آليات النهب والاستغلال عبر طرق تتراوح بين الترغيب والترهيب والتهديد والوعيد تستغل فيها السلطة نفوذها وخوف وطمع المواطنين بشتى شرائحهم فذلك امرأ لا يقبله أيّ كان. السلطات التونسية استخدمت أشكال من الضغوط مارستها عبر مؤسسات إدارية وأخرى حزبية وجمعياتية ( العمد، هياكل الحزب الحاكم،رؤساء الجمعيات والمؤسسات...) كلها مجندة منذ أن انتهى الاحتفال بذكرى " 7 نوفمبر" لتجميع الأموال . التحديد الذي حل محل التطوع أصبح عنوان هذا التجميع ،الأطفال في رياضهم بل وفي محاضنهم ومدارسهم والطلبة في كلياتهم والموظفون في مؤسساتهم والعمال في ضيعاتهم وأصحاب وسائل النقل والفلاحون في مزارعهم والتجار في متاجرهم الأطباء في عياداتهم والقائمة تطول.... جمبعه مطالبون بالدفع وفق رزنامة اعدتها لجان مختصة في ممارسة الغوط حتى وان لم يكلفوا بها. المراسم التي طلت بها علينا السلطات المحلية والجهوية في بلادنا هذه السنة ولئن لم تختلف عن سابقاتها إلا أنها حولت مراكز السيادة إلى محلات لتجميع الأموال نقدا وعبر الشيك البنكي والبريدي حتى العقود التي أبرمتها الجمعيات التنموية اشترط تسجيلها بالقباضات المالية أو التعريف بإمضائها بالبلديات بالدفع لفائدة الصندوق؟ تلك المراسم دفعتني للعودة إلى قراءة بعض كتب التاريخ عن عهد البايات وضريبة المجبى التي كانت تدفع على الاعناق والتي ضاعفها الصادق باي فكانت احد أهم أسباب اندلاع انتفاضة علي بن غذاهم سنة 1864 وفتح باب إغراق ميزانية الدولة في ديون وما انجر عليها من تداعيات قادت متنفذي أوروبا ومنظري السياسة الاستعمارية لفرض الحماية . اعلم كما يعلم الجميع أن تونس دعت إلى إنشاء صندوق عالمي للتضامن اقتداء بما عرف بنجاح تونس في برنامجها الاجتماعي وبلوغها مصاف الدول المتقدمة ببرنامجها الاقتصادي بما يعني أن المشروع افرغ من مضمونه ولكن استمرار السلطة في نهجها لم يعد خفي في أن هذا المشروع حاد عن مساره وهدفه الذي يظل هدف نبيل طالما انه سيقاوم الفقر والخصاصة والحرمان تحت مسميات عدة. من المتعارف عليه في التاريخ البشري وفي معظم دول العالم أن الدولة عادة ما تخصص هياكل ومؤسسات وأجهزة أمنية وإدارية لكشف ما يدور عبر السنة المواطنين من أحاديث وإشاعات لاسيما في غياب حرية إعلام وتعبير يخشى هذا المواطن الكشف عنها ويعتم الإعلام الرسمي وشبه الرسمي عنها في إطار سياسة مرسومة الأهداف ،تلك الدول والأنظمة علمت أعوانها ان تنقل حقيقة ما يجري وما يقال وما يطالب به المواطنين وما يدور وما يحصل من تجاوزات بكل أمانة وخصصت لها خبراء للتحليل والاستنتاج وجعل ما يحصل دروس لتطوير المجتمعات وحفظ حقوق المواطن "الرعية" على أن تصل إلى أعلى هرم في السلطة كما هي دون تحريف أو زيادة أو نقصان. ذلك انه لا احد ينكر أن التذمر قائم في صفوف كل شرائح المجتمع بدون استثناء ولا جدال في أن الامتعاض أرهق مئات ألاف التونسيين في الداخل والخارج مبرره في ذلك معاملين أساسيتين: الأول: يتمثل في عدم رضا المواطن عن عنوان الطريقة التي يتم بها تجميع الأموال والتي غدتها التهديدات أحيانا والترغيب أحيانا أخرى بما يوحي ان لا دولة تحكم؟ الثاني: أن المواطن لم يعد خاف عنه أن المشروع وبعد نحو 19 سنة من انبعاثه لم يستطع الاجابة على تلك الاسئلة التي طرحت حول جدواه والأهداف التي رسمت له لاسيما وان الفقر والجوع والسكن لازال قائما في اكواخا جمعت كل مكونات المشهد الريفي في كوخ ينام فيه البشر صحبة حيواناته مفترشا مادة الديس؟ ولعل في احتجاجات الفقراء والعمال وشكاياتهم المتزايدة يوم بعد يوم والتي لم تخلو منه أية جهة تحت عناوين مختلفة ومتفاوتة منها على سبيل الذكر لا الحصر انعدام الماء الصالح للشراب لمئات القرى والأرياف وضعف البنية التحتية وتراجع المقدرة الشرائية وارتفاع صيحات العاطلين عن العمل ودافعي الضرائب وتوسع دائرة السرقة بشتى أنواعها فيها من الدلالات والحجج ما يؤكد فشل هذا المشروع . المؤلم في هذه المراسم هو استغلال خوف المواطنين على أرزاقهم وممتلكاتهم فضلا على استغلال طمع رؤساء العائلات في تشغيل أبنائهم والتمتع بحقوقهم. الهاتف الجوال كان احد الآليات التي استخدمت في استدعاء المواطنين للحضور والدفع مباشرة أمام السلط ووجهاء المدن فكان أن قبل البعض الحضور والدفع وان أغلق البعض هاتفه كرسالة دالة على الرفض بل ان غادر البعض محلاتهم وأنشطتهم لبعض الأيام والسبب لا يستدعي الشرح والتأويل؟ لا اعتقد أن المواطن التونسي معترضا عن المساهمة في هذا الصندوق لولا تحوله إلى صندوق عجيب صعب حل ألغازه وألغامه التي أصبحت تهدد امن المواطن ولا اعتقد أن التونسي غاب عنه مال تلك الأموال التي تقام لها المهرجانات التي تغذيها البهرجة والنجاحات المفبركة والشهادات المشبوهة. كما لا اعتقد ان التنمية في مفهومها الشامل قادرة على تحقيق أهدافها في شتى الميادين بتلك الأشكال التي ولى عليها الدهر بعد أن خبرت الشعوب فشلها وأخطارها على مستقبلها لذلك كان الأجدى أن ننظر إلى مستقبل بلادنا بشيء من الحكمة على أن تكون فلسفة حقوق الإنسان حقل ممارسة فعلية وميدانية بكشف مصير أكثر من 900 الف م .د جمعت على امتداد عمر الصندوق دون النظر في ما سلب فضلا على ما رصد في اطار التعاون الدولي من امولا ومعدات يكشف واقع الحال انها لم تكن في طريقها.