لندن – كشفت دراسة حديثة عن أن المسلمين في بريطانيا هم الأكثر وطنية في أوروبا، وهو ما يفتح المجال أمام النقاشات المتعلقة بمسألة التنوع الثقافي في بلدان الاتحاد الأوروبي والسياسات الخاصة بهذه المسألة، بحسب صحيفة "الصنداي تايمز" البريطانية الأحد 13-12-2009. ونقلت الصحيفة مقتطفات من الدراسة التي مولها الملياردير الأمريكي من أصل يهودي جورج سوروس، كشفت عن أن حوالي 78% من مسلمي بريطانيا يرون أنفسهم بريطانيين، باستثناء مناطق شرق لندن، التي تزداد فيها نسبة المهاجرين من الدول المسلمة في وسط وجنوب آسيا، وخصوصا باكستان؛ حيث تراجعت نسبة من يرون منهم أنفسهم بريطانيين إلى مستوى 72%، بانخفاض ست درجات عن المتوسط العام لمسلمي بريطانيا في هذا الشأن. وكلتا النسبتين هي الأعلى بالمقارنة مع مسلمي أوروبا في البلدان الأخرى ممن يرون أنفسهم ينتمون إلى البلدان التي يقيمون فيها؛ حيث بلغت نسبة هؤلاء في فرنسا 49%، و23% في ألمانيا. وأرجعت الدراسة ذلك التراجع في كلا البلدين، إلى أن المسلمين المهاجرين إلى ألمانيا لم ينالوا حقوقهم المدنية إلا في العام 1990، بينما لعبت سنوات الاستعمار الفرنسي للجزائر دورها في تقليص النسبة لدى مسلمي فرنسا. واعتمدت نتائج الدراسة على 2200 مقابلة شخصية، أجريت على مدار عامين ونصف، وسط أكثر من 60 مجموعة سكانية في 11 مدينة أوروبية، هي الأكثر تعبيرا عن الواقع الديموجرافي للمسلمين في الاتحاد الأوروبي، بحسب الصحيفة. وأشارت إلى أن مسلمي بريطانيا البالغ عددهم حوالي 2.5 مليون نسمة بحسب آخر إحصائية رسمية- يشكلون نسبة 3.3% من تعداد سكان بريطانيا الذي ناهز الستين مليونا- هم الأكثر اندماجا في مجتمعهم من أي بلد آخر من بلدان الاتحاد الأوروبي. وكشف المسح الذي أجرته الدراسة أن مستوى الانتماء الوطني أو الوطنية أعلى بكثير لدى الجيل الثاني من المسلمين، ففي ليستر، التي تعد مثالا ناجحا للتعددية الثقافية بحسب قول الصحيفة، قال 72% من المسلمين المولودين خارج بريطانيا إنهم بريطانيون، بينما ارتفعت النسبة إلى 94% لدى المسلمين المولودين في المملكة المتحدة. نقاشات حول الاندماج ورأت "الصنداي تايمز" أن هذه الدراسة سوف تعيد فتح المجال أمام النقاشات المتعلقة بمزايا التعددية الثقافية، والسياسات الخاصة بها، والتي دعمت التنوع الثقافي والديني لدى الأقليات في بريطانيا. لكن هذه السياسات تلاقي انتقادات من أطراف حقوقية قالت بأن دعم التنوع الثقافي والديني وخصوصيات كل أقلية تعوق الاندماج، ومن بين هؤلاء تريفور فيليبس رئيس لجنة المساواة وحقوق الإنسان في بريطانيا. وتختلف السياسات المتبعة في بريطانيا في هذا الإطار عن تلك الموجودة في فرنسا، التي تفخر -بحسب تعبير الصحيفة- بأنها تتبنى العلمانية رسميا، وتطبقها على مختلف ألوان طيف المواطنين الفرنسيين، وفيهم المسلمون؛ حيث تم -على سبيل المثال- منع ارتداء الحجاب داخل الفصول في المدارس الحكومية الفرنسية. وبالمقارنة مع نتائج الدراسة التي مولها سوروس، أشارت دراسة أخرى حديثة أجراها معهد المجتمع المفتوح البريطاني إلى أن 41% فقط من مسلمي فرنسا يرون أنفسهم فرنسيين. كما أن نتائج الدراسة تبدو متناقضة مع بعض نتائج بعض الدراسات والبحوث الأخرى التي أجريت في بريطانيا في السنوات الأخيرة، والتي تشير إلى أن بعض المسلمين قد فشلوا في تبني القيم البريطانية. ففي العام 2006 وجد استطلاع شعبي للرأي، أن 7% من البريطانيين قالوا إن الهجمات الانتحارية ضد المدنيين يمكن تبريرها. وفي الفترة الأخيرة زادت مساحة النقاشات بشأن اندماج ال20 مليون مسلم الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء المثير للجدل الذي أجرى في سويسرا، بشأن حظر بناء المآذن في البلاد، كما يعبر الكثير من الأوروبيين عن مخاوفهم بشأن "عدم اتفاق بعض أحكام الإسلام مع قيم أوروبا المسيحية العلمانية". وأظهر استطلاع أجراه مركز "سي. إس. إيه" لاستطلاعات الرأي لصالح صحيفة "لوباريزيان"، ونشرت نتائجه الخميس 10-12-2009، أن 54% فقط من الفرنسيين يرون أن الإسلام لا يشكل أي تهديد لقيمهم، كما كشف عن تباين واضح بين الأجيال المختلفة في موقفها من الإسلام؛ حيث أشار إلى أن الشباب الفرنسي أكثر انفتاحا على الإسلام ممن هم أكبر سنا. ويمثل المسلمون البالغ عددهم حوالي 20 مليونا في دول الاتحاد الأوروبي، نسبة 4% من تعداد سكان دول الاتحاد ال27 البالغين حوالي 499.8 مليون نسمة في الأول من يناير 2009، بحسب إحصائيات المكتب الأوروبي للإحصاء "يوروستات". تمييز كما كشفت دراسة سوروس في الوقت ذاته، عن أن 55% من المسلمين الذين يعيشون في بلدان الاتحاد الأوروبي ال27، يؤمنون بأن التمييز الديني والعرقي قد ازداد ضدهم في السنوات الخمس الماضية، لكنها أثبتت أنه لا يوجد تأثير أو ارتباط بين درجة التدين وبين مستوى الشعور بالانتماء الوطني. وركز باحثو الدراسة في دراستهم على ليستر سيتي، والتي غالبا ما يتم الإشارة إليها كنموذج ناجح للتعددية الثقافية، وكذلك منطقة والتايم فوريست، التي في شرق لندن، والتي بدا من نتائج المسح الذي أجري فيها تأثيرات المداهمات التي أجرتها الشرطة البريطانية في أوساط المسلمين هناك في العام 2006، على زيادة نسبة ابتعاد المسلمين عن الانتماء الوطني إلى بريطانيا. وفي تعليقها على نتائج الدراسة، قالت نادية حسين مديرة المشروع البحثي، إن هناك ما وصفته ب"رسالة مزعجة" وراء هذه النتائج، فعلى الرغم من إشارة الدراسة لارتفاع نسبة الانتماء الوطني بين المسلمين؛ لكن تظل هناك شرائح منهم لا ترى في بريطانيا وطنا لهم، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية سياسات الاستيعاب والدمج المتبعة في المملكة المتحدة. وبعد تفجيرات لندن التي وقعت في يوليو 2005، وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، زادت الحملات الأمنية الموجهة في داخل التجمعات المسلمة في أنحاء مختلفة في بريطانيا، خصوصا في العاصمة لندن وضواحيها، تحت بند مكافحة الإرهاب.