تجد تونس نفسها اليوم في مفترق طرق حقيقي ، فالانتخابات الرئاسية القادمة التى هي اقرب الى استفتاء تقرير المصير أما ان تؤدي بنا الى نفق مظلم من الصعب التكهن بنهاياته في صورة صعود اي من مرشحي الآلة التجمعية ، وقد بدأت نذائره تطفو على سطح تصريحات قياداته التسلطية كالتلويح بالغاء قانون العدالة الانتقالية وبحل كل الاحزاب التى ساندت الرئيس المرزوقي في حملته الانتخابية وما صدر مؤخرا من تهديد بمحاكمة اعلى مسؤولي الدولة وغيرها من التصريحات التى تفوح منها روائح الرغبة في الانتقام الدموي من الثورة ورموزها والعودة القوية الى سياسة العصى الغليظة واعادة سلطة الخوف على رقاب الخلق بعدما كدنا نعتقد انه ولّى وبغير رجعة في النفوس ، ولا نستبعد تحضيرا لذلك اكساء العملية صبغة قانونية كعادة كل الانقلابات على الحكم في بلدنا فلا نستبعد تطبيق الفصل 99 من الدستور الذي يمنح رئيس الجمهورية امكانية حل المجلس التشريعي في صورة عجز رئيس الحزب الاغلبي عن تشكيل حكومة في الاجل القانوني المحدد ، وهو ما يمكن افتعاله في وقت لاحق لسبب او لآخر، اوحتى لما سماه الدستور بالخطر الملم ، وذلك ولو بعد مزيد التمكن من والسيطرة على كامل اجهزة الدولة وستقع الدعوة لانتخابات جديدة تكون هاته المرة على المقاس التجمعى والعربي عموما المعروف بانتصار الحزب الحاكم بنسبة 99،99 بالمائة ، فتكون لهم اغلبية الاجماع ، لا فقط الثلثين المطلوبة لتعديل الدستور والغاء كل موانع الاستبداد والحكم الفردي الكلياني الوارد بالدستور كالهيئات الدستورية جميعا والحكم المحلي وغيرها من معطلات الاستبداد ، واذا تهيأ الوضع من جديد لعودة التجمع وبنفس الأشخاص والرموز التى حكمت تونس بالحديد والنار طيلة عشرات السنين ، والذين لا تجربة لهم في ادارة الاختلاف وقبوله ، وبعد النكسة النفسية التى احدثتها الثورة في نفوس الفاسدين والقوادين والمستفيدين من عرق الفقراء وثروة البلد وبعد تمريغ انوفهم في التراب وسقوط الكبر الذي كانوا يسوقون به الناس ، اذا تهيأ لهم الوضع فسيمثل منعرجا خطيرا لحكم انتقامي دامي قد يؤهل البلاد الى صراعات سياسية كبرى نأمل الا تتحول الى العنف والى عواقب وخيمة قد تهدد الحريات العامة والخاصة وكيان الدولة برمتها ، هذا الكيان الذي بدا يلملم نفسه ويسترجع انفاسه في السنوات الثلاث الاخيرة ، وقد يتراكم القمع فيطيح حقيقة بهيبه الدولة بصفة كلية و يتهيأ الوضع الى ما تنبأ به الرئيس الثائر المرزوقي من ثورة شعبية ثانية في وقت قياسي في تاريخ الثورات وتكون شاملة هاته المرة واكثر صرامة في مسألة المحاسبة وقد لا يحتاج الناس الى تضييع كثير من الوقت للبحث عن عدالة انتقالية وقد يكون المجال مهيأ اكثر من اي وقت مضى الى عدالة ثورية عشوائية تترجم غضب الكريم على اللئيم العائد . واما التطلع الى افق الحرية الذي طالما حلم به الرئيس الثائر الدكتور المرزوقي وحلمنا به معه جميعا ، والذي اعتقد البعض انه قوس حلم استمر لثلاث سنوات وسيغلق الى الابد ، للتأكيد بان خيار الحرية لا رجعة فيه ، ولعل الدكتور المرزوقي هو الضمانة الوحيد المتبقية لذلك بالطرق الانتخابية والديمقراطية ، وهو الكفيل بضمان تطبيق الدستور وتنفيذ ما بشر به من حقوق وحريات وما وضعه من هيئات ومؤسسات وما ارساه من حكم محلي تشاركي مكسر لشوكة المركزية المفرطة ولعلامات الحكم الاستبدادي الكلياني الذي لا يترك قطعة منت قطع السلطة الا واستاثر بها لخاصة نفسه ، ان تنزيل ما ورد بالدستور من مبادىء ثورية في اعادة توزيع اوراق السلطة داخل البلد ومن نظام سياسي جديد قاطع لدابر الاستبداد ، يتطلب حقيقة رئيس ثوري مؤمنا حقيقة بالثورة ومبادئها وفي مستوى تطلع شبابها وكل المؤمنين بالحرية والديمقراطية والتعدد وقبول الاخر والتداول السلمي على الحكم بواسطة صناديق الاقتراع ، لقد اثبت الدكتور المرزقي انه رئيس كل التونسيين ولم يتحدث بلغة نحن وانتم الا بالقدر الذي يميز به بين المؤمن بالحرية والكافر بها واتسع صدره لكل الفئات والتوجهات والافكار والاشخاص بقطع النظر عن المعتقدات وتجاوز عن كل ما من شانه ان يصنع الاستبداد وعلمنا كيف يتسع الصدر للخصم حتى ولو كان رديئا هابطا ، عشنا في ظل رئاسة المرزوقي حرية لا محدودة اساء فهمها الكثير ولكنها كانت خلاقة ومبدعة ولو في الشر في جزء كبير منها وعشنا ديمقراطية اكثر تطورا من كل ديمقراطيات العالم حتى انزعج هواة العبودية وتنادوا بالاستبداد بايعاز من اعداء الحرية والديمقراطية من عربان وعجم سيسجل التاريخ هاته السنوات الثلاث الحبلى بالآمال والاشواق والانتظارات وسنظل نشتاق لها دوما ، ونتطلع مع الرئيس المرزوقي الى الأفق بما يوحى اليه الأفق من اتساع وتحرر وامل وبناء ...ومهما كانت النتائج فلن ننتظر و سننتصر . الأستاذ عمر الرواني .