الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سينما الأنوار أم الإستتيقا المعلقة!
نشر في الحوار نت يوم 01 - 12 - 2014


توطئة:
أثارت مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية في السنين الأخيرة جدلا واسعا في صفوف المختصين بالحقل السينمائي وبالنسبة للرأي العام، وموضوع هذا الجدل هو حضور "الكلام الفاحش" و"المشاهد الجنسية الإباحية" في أفلام مثل "ماروك"، "سميرة في الضيعة"، "حجاب الحب"، و"كازانيكرا"، حيث يرى البعض أن ما تتناوله هذه الأفلام هو خروج سافر على الحياء العام وعلى آداب المجتمع وعوائده وقيمه، بينما يرى آخرون أن الفن إبداع، والإبداع لا يكون ممكنا إذا غابت الحرية، وأن ما يتناوله الفنان السينمائي هو الواقع المغربي بكل تناقضاته وسقطاته، أي ما يعيشه المغاربة وينتجونه وينخرطون فيه عن وعي أو عن غير وعي.
وبالنظر إلى الكم الهائل لعدد المهرجانات الوطنية التي تعنى بالسينما وتحتفي بها، وإلى الأموال التي تصرف على الأفلام الوطنية من طرف صندوق الدعم الذي يملأ بأموال دافعي الضرائب، ونظرا كذلك إلى أن المغرب يعد "أرض السينما" منذ مدة طويلة، وموقعا تصويريا مفضلا للعديد من أشهر الأفلام العالمية الضخمة، فإن البحث في طبيعة هذا الفن وفي طبيعة علاقته بالجمال والأخلاق يعد ضروريا في زمن يقال عنه إنه زمن الصورة، لنستظل بالمعرفة ونسترشد بها في التعامل مع طلاسم الصورة وشيطنتها الجميلة والخبيثة في آن واحد[1].
1- في معنى الفن والسينما:
1-1 معنى الفن:
الفن بصفة عامة، جملة طرق تفيد توليد نتيجة معينة. بهذا المعنى يتعارض الفن مع: أولا: العلم بوصفه معرفة خالصة مستقلة عن التطبيقات. ثانيا: الطبيعة بوصفها قوة منتجة بلا روية، وبهذا المعنى تتعلق التعابير: فنون آلية، نجارة، فن المهندس؛ - فنون جميلة، تلك التي يكون هدفها الرئيس إنتاج الجمال، وخصوصا الجمال التشكيلي: رسم، نحت، نقش، عمارة، فن تزييني؛ - فنون حرة (أو الفنون السبعة). وفي الجماليات يدل الفن، أو الفنون بلا نعت على كل إنتاج للجمال من خلال أعمال كائن واع[2].
الفن إذن هو إنتاج للجمال يتم من طرف الإنسان، فهل السينما فن، وما طبيعة هذا الفن؟ وما نوع الجمال الذي ينتجه؟
1-2 معنى السينما:
السينما هي : مصطلح يشار به إلى التصوير المتحرك الذي يعرض للجمهور، إما في أبنية فيها شاشات كبيرة تسمى دور السينما، أو على شاشات أصغر وخاصة التلفاز.
يعتبر التصوير السينمائي وتوابعه من إخراج وتمثيل واحدا من أكثر أنواع الفن شعبية. ويسميه البعض الفن السابع مشيرين بذلك لفن إستخدام الصوت والصورة سوية من أجل إعادة بناء الأحداث على شريط خلوي.
هناك أنواع من التصوير السينمائي، فمنها ما هو أقرب للمسرح، ويشمل أفلام الحركة والدراما وغيرها من الأفلام التي تصور أحداثا خيالية، أو تعيد أحداثا حدثت بالفعل في الماضي، تعيدها عن طريق التقليد بأشخاص مختلفين وظروف مصطنعة. وهناك التصوير السينمائي الوثائقي، الذي يحاول إيصال حقائق ووقائع تحدث بالفعل بشكل يهدف إلى جذب المشاهد، أو إيصال فكرة أو معلومة بشكل واضح وسلس أو مثير للإعجاب.
2- متى نشأت السينما وكيف ؟
منذ أن شرع الإنسان يتعلم الرسم راح يسائل نفسه حول الحركات وبالأخص حركات الحيوان. كيف نصور حصانا يركض؟ إننا لن نتمكن من إستعادة تفاصيله، بالإعتماد على الذاكرة. إذن ما العمل؟ يقدم لنا الرائد الكبير ليوناردو دافينتشي (1452-1519) مثالا عن هذا البحث الحركي وذلك حين رسم خيولا ذات قوائم كثيرة، محاولا بذلك إعادة خلق حركات الحيوان... هيهات؟ إذ لا يكمن للحركة أن تعرض بهذا الشكل... وسيستمر الناس في البحث طوال السنين. إلى أن يتوصل عالم إنجليزي يدعى تشارلز باباج ( 1792-1871) إلى نتيجة هامة:"سألني السيد جون هيرشل ذات ليلة، عما إذا كنت قادرا على أن أظهر وجهي قطعة نقدية ( التشلنغ ) في آن واحد. فظننت أني سأحل المشكل بوضع التشلنغ أمام مرآة. ساعتها ضحك هيرشل ثم أخذ القطعة النقدية ووضعها فوق طاولة وأخذ يديرها بسرعة .... )
إنطلاقا من هذه الفكرة سيبتكر الدكتور "باريس" أول رسم متحرك باسم taumatrope وهو عبارة عن لعبة تنتج في دورانها وهما بصريا، إذ أن الوجوه المرسومة على كل جهة تتتابع بسرعة فائقة إلى درجة أن العين تلتقطها في نفس الوقت. في جانب من هذا ( الطوماتروب) رسم الفنان ساعدا يمسك بقنينة وفي الجانب الآخر رأس رجل: وحين تدور الأسطوانة توحي الصورتان بأن الرجل يشرب. يتعلق الأمر هنا بظاهرة مهدت الطريق للسينما، وتتمثل في إستمرارية الصور الشبكية، و هذه ميزه تختص بها عين الإنسان. إذا حدق المرء في الشمس سوف تبقى راسخة في شبكتيه، حتى لو أغمض جفنيه. لأن الصور التي نلتقطها تمكث طويلا في شبكية العين. وعيون بعض الحشرات مثل الذباب ليست لها هذه الملكة. فهي لن ترى سوى تعاقب صور ثابتة تعكس مواقف مختلفة، في حين نرى نحن الحركة. في الوقت الذي إبتكر فيه نيبس وداغير فن التصوير، كان الكثير من الباحثين يشتغلون على هذا الوهم البصري، و في شهر فبراير 1831 نشر الفيزيائي الإنجليزي "فارادي" إكتشافا قد يبدو عديم الجدوى:"هناك وهم عجيب يحدث حين ندير عجلة مسننة أمام مرآة، و إذا وقفنا على بعد مسافة منها سنراها تدور. أما إذا إنحنينا ونظرنا من خلال أسنانها فإننا سنراها ثابتة"[3].
ويعود الفضل في إختراع السينما إلى الأخوين الفرنسيين لوميير، حيث صنع "لويس لوميير" سنة 1895 جهازاً أسماه "السينما توغراف" ومنه إشتقت كلمة "سينما" وهو جهاز يجمع بين الغرفة السوداء والمنوار والسحابة للصور الإيجابية. وقد سمى ريتشيوتو كانودو السينما بالفن السابع لأنها جاءت في المرتبة السابعة والأخيرة، ولأن السينما تجمل وتضم وتجمع تلك الفنون الستة كالمسرح والتشكيل والشعر والرقص.
3- السينما والأدب اللاتيني:
يمثل الأدب اللاتيني مثالا لهذا التوظيف السينمائي، فالأدب موجود في جذور وسائل الإعلام ويقوم بالنسبة لها بدور الأنموذج الذي تحتذيه. في تاريخ السينما الأرجنتينية ليس ثمة من عمل سينمائي لا يعتمد على رواية أو على قصة مشهورة مثل "سجناء الأرض" و"الحرب الرعوية" و"أيام كراهية" و"ارياس غارديليتو". تحاول الاسطوانة اليوم بث صوت (بورخيس) بواسطة آلاف النسخ أو نشر صوت (نيرودا) الكئيب أو أصوات بعض الروائيين الذين يقرؤون مقاطع من رواياتهم أو أنهم يشرحون للجمهور لماذا كتبوا هذه الرواية أو تلك وكيف كتبوها. يقول السينمائي البرازيلي (غلوبير روشا):"أما كانت السينما التجارية هي التقليد والعادة فإن سينما المؤلف الكاتب لهي الثورة".
لقد أعد مجموعة من كبار الروائيين الأمريكيين اللاتينيين، نذكر منهم (اوغستو روا باستوس) و(دافيد بينياس) و(كارلوس فوينتيس) و(غابرييل غارثيا ماركيث) و(خوليو كورتاثار) أعمالا أدبية للسينما، سواء عن طريق كتابة قصص سينمائية أو عن طريق تطويع روايات لهم أو لغيرهم في سبيل الإعداد السينمائي. إن هذه العلاقة بين الكتاب وبين السينما لا تطرح مشاكل إجتماعية أو ثقافية فحسب، بل كذلك بعض المسائل باللغة وبالأنماط الروائية[4].
4- السينما المغربية:
4-1 المرأة في السينما المغربية:
يدعي وجود المرأة في السينما المغربية حضورا إشكاليا وليس حضورا عاديا تكون فيه ندا مساعدا أو ديكوريا أو ثاويا، وذلك بناء على الأدوار التشخيصية المسندة والملاحظة في جل الأفلام، ومن حيث الموضوعات الأساسية المرافقة لهذا الحضور وهذا التشخيص السائد. ونعني بذلك الهم الذي يحكم التصور القبلي للدور المسنود للمرأة عند الكتابة الأولية لفيلم ما، وهو هم التعبير عن المرأة من حيث هي إمرأة وعن مشاكلها ووضعها الإجتماعي، ودورها العملي وعن قدرتها على الإستقلال وإمكانات الإنخراط في البناء المجتمعي والمساهمة في التحرر العام.
إنها لا تحضر كنجمة تؤدي دورا محايدا أو كمعادل طبيعي لدور رجالي أول في حكاية فيلمية عادية. ولا تحضر من أجل الجسد إستثارة للرغبة الذكورية أو اللعب على الجانب الإيروسي. فالكم المنتج من الفيلم المغربي لحد الساعة ينذر أن تجد فيه دورا نسائيا موظفا لهذه الأغراض.
هو إدعاء نابع من طبيعة الفيلم المغربي. فهذا الأخير تميز من ولادته في الشكل الروائي الطويل المعروف، بكونه ليس ذي طابع تجاري إستهلاكي أو مقاولاتي، بل يدعي بذوره الإبداعية في تصوره الأول وفي غايته، وإن لم تتحقق بالشكل المرغوب في العديد من الأفلام، ولم تحض بالشكل الفني الذي يميز كل ما هو إبداعي. و تماشيا مع هذه الرغبة، فاهتمامات الفيلم المغربي تتغيا في الغالب أيضا التطرق إلى الموضوعات ذات المنحى الإشكالي، ومنها ما يبرز بشكل ظاهر، كما هو الأمر بمسألة حضور المرأة سينمائيا.
فأغلب الأفلام المغرية يتجلى فيها طغيان تصور للمرأة كقضية بشكل أو بأخر، رئيسي أو ثانوي. و ليس كثابت درامي له دور في إطار تعبير تخيلي صوري ينتهي بانتهاء عرض الفيلم. والصورتان البارزتان للمرأة كقضية راسخة في الخيال الفيلمي المغربي تشكلهما المرأة الضحية والمرأة المتمردة. فالملاحظ تراوح الحضور النسوي بين هذين الصفتين الذي يجملان كفاية صورة إشكالية التواجد للمرأة سينمائيا.
وينقسم دور المرأة المغربية في السينما المغربية إلى ثلاثة أقسام:
المرأة في صورة الضحية، حيث تظهر المرأة مغتصبة كما في فيلم "شاطئ الأطفال الضائعين" لمخرجه الجيلالي فرحاتي أو في "مكتوب" لنبيل عيوش، كما تظهر كمومس أو ممارسة للبغاء كما في "وبعد.." لمحمد إسماعيل.
المرأة في صورة المتمردة، كما في فيلم "نساء ونساء" لسعد الشرايبي، حيث تبدو البطلة امرأة تفرض على نفسها وعلى الآخرين الحق في ممارسة حياتها ندا لند مع الرجل في جميع جوانبها، فهي موظفة في الإعلام تفرض فيه رأيها، وفي حياتها الإجتماعية لا تتردد في مساعدة صديقاتها بفضح ما يتعرضن له من إذلال وتعنيف على مرأى الجميع وبتوظيف القانون أو غيره، وفي حياتها الخاصة تربط علاقة عاطفية مع عشيق لا تتردد في طرده من منزلها حين أبدى إستعلاء تشتم فيه رائحة تهوين ذكوري.
المرأة من زاوية نسوية، كما في فيلم "كيد النساء" للمخرجة فريدة بليزيد، والشريط عبارة عن حكاية لا تاريخية لكونها تحيل على زمن عجائبي. وقد منحت الغلبة فيه والإمتياز للمرأة، وذلك في شخص إمرأة تفوز بقلب أمير وتتزوجه، وتروضه وتنتصر عليه، وتبرهن له عن قدراتها وقوة شخصيتها، بتوظيف الحيلة والمكر الإيجابي، فالفيلم يعلن عن تمرد ليس على واقع قريب وحي سلبي بالنسبة للمرأة، بل على واقع المرأة كما تسرده الحكايات اللازمنية المعروفة.
يلاحظ مما سبق أن صورة المرأة كما رسم ملامحها المخرج المغربي صورة نمطية من ناحية النوعية. ففي أدوار البطولة لا تخرج عن الإطارين الذين تم تحديدهما آنفا. وبالطبع فالمرأة في حالات متعددة ومتنوعة موجودة بشكل أو آخر وبقدر أكبر أو أصغر، لكن عدم حضور هذه الحالات في أدوار بطولية ينقص من قيمتها ولا يمكن إعتبارها في تحليل يريد أن يكون رصينا أو شاملا. وأكيد أن الأعمال السينمائية القادمة ستراعي هذا النقص، خاصة وأن الإنتاج المغربي يزداد باضطراد مستمر[5].
4-2 السينما الوطنية: إنتاج الجمال أم القبح؟
4-2-1 الحصيلة الإيجابية:
فعلا، إزداد الإنتاج الوطني كما أن إستغلال القاعات السينمائية وإستثمارات السينما الأجنبية بالمغرب قد إرتفعت هي الأخرى. فقد سجل المدير العام للمركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل أن الموسم السينمائي 2012 عرف إرتفاعا مهما في إستثمارات السينما الأجنبية بالمغرب التي تضاعفت ب3 مرات مقارنة مع السنة الماضية، حيث حققت 312 مليونا و511 ألف درهم. وأفادت الحصيلة ذاتها أن حجم إستغلال القاعات السينمائية بالمغرب سجل بدوره إرتفاعا ملحوظا، إذ بلغ 69 مليونا و172 ألف درهم، سنة 2012، مقابل 68 مليون درهم سنة 2011.
واستطاعت 4 أفلام مغربية إحتلال المراتب الأولى في قائمة الأفلام العشرة الأكثر مشاهدة بالقاعات السينمائية المغربية، ويتعلق الأمر بأفلام "الطريق إلى كابول"، للمخرج إبراهيم الشكيري، الذي إحتل الصدارة ب230 ألفا و429 تذكرة، محققا إيرادات قدرت بسبعة ملايين و759 ألف درهم، متبوعا ب"مروكي في باريس" لسعيد الناصري(90 ألفا و901 تذكرة، و589 ألف درهم). وكشفت الحصيلة أن السينما المغربية حصلت على 65 جائزة دولية، وتربع فيلم "يا خيل الله" لنبيل عيوش على قائمة الأفلام المتوجة دوليا بمجموع 13 جائزة، من أبرزها جائزة "فرانسوا شالي" من مهرجان "كان"، متبوعا بفيلم "موت للبيع" لفوزي بنسعيدي بخمس جوائز، أبرزها جائزة "بانوراما" من مهرجان برلين السينمائي[6].
4-2-2 السينما والإستتيقا المعلقة:
مما لاشك فيه أن المغرب في الوقت الراهن، هو الأول على المستوى العربي والإفريقي في تنظيم المهرجانات السينمائية الدولية، إلى جانب ريادته في الإنتاج السينمائي. غير أن هذه الدينامية اللافتة للنظر في السنين الأخيرة، إضافة إلى الدخول في تنافس محموم وغير معلن، مع مهرجانات عربية دولية أخرى وفي مقدمتها مهرجان القاهرة ومهرجان دبي في الإمارات العربية المتحدة، لا يعكس رتبته وموقعه في حقل الإنتاج السينمائي، ولا حتى الوضع الحقيقي الموضوعي للبنية التحتية واللوجستيكية للسينما الوطنية وللأوضاع المهنية للسينمائيين المغاربة. وقد صرح الكاتب المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد بهذا الصدد بقوله:"يجب على المهرجانات أن تعكس وجود حركة وصناعة سينمائية قائمة على أقدامها، وهي التي لا تتوفر في القطاع السينمائي في المغرب".
كيف يمكن تبرير عشرات المهرجانات السينمائية في المغرب، ومجموعة من قاعات السينما تحولت إلى عمارات ومقاه وأسواق تجارية؟ وكيف يمكن أن نبرر هذه المهرجانات في غياب شركات ورأسمال وطني كفيل بتطوير القطاع السينمائي بالبلاد، على غرار بعض البلدان التي نهضت السينما فيها على أكتاف "رساميلها" المحلية والوطنية. ثم كيف نبرر مهرجانات تقام في مدن لا تتوفر على قاعات سينمائية ولا على نواد سينمائية ولا على أية بنية ثقافية تحتية تهتم بالفن السابع؟!
كيف نتحدث عن أدوار سينمائية دولية يلعبها المغرب بكل هذا الإفتخار الزائد عن حده، في وقت مازالت فيه الصناعة السينمائية الوطنية تنتظر من سنة إلى أخرى مساعدات صندوق الدعم، دون أن يظهر في الأفق أن هناك مخططا أو تفكيرا بديلا، للبحث عن سيناريوهات أخرى للسير إلى الأمام بشكل أفضل وأسرع؟ وفي وقت تتراجع فيه نسب المشاهدة والإقبال على القاعات السينمائية سنة بعد أخرى؟
يعد المغرب "أرض السينما" منذ مدة طويلة، وموقعا تصويريا مفضلا للعديد من أشهر الأفلام العالمية الضخمة، فإلى متى سيظل المغرب مجرد موقع ساحر وأسطوري لتصوير الأفلام العالمية الكبرى في إستوديوهات ورزازات، والإحتفال الفاحش والباذخ ببعضها الآخر، دون أن نرى أثرا إيجابيا واضح المعالم على الصناعة السينمائية الوطنية، إلا ما تعلق من تسهيل المقام وأجواء الإستجمام، ووضع قوافل عريضة من "الكومبارس" المغاربة العاطلين عن العمل، رهن إشارة شركات الإنتاج السينمائي العالمي؟[7]
خاتمة:
على نفس السجاد الأحمر الذي يفترش للمدعوين للمهرجان السينمائي نقول إن السينما عالم فريد من الخيال يصنع الجمال في كل الأرجاء مثلما تصنع القيم التي يراد لها أن تحكم وتسود وتسافر كسفير للنوايا الحسنة إلى حيث يمكن أن تنصر العدل والخير والجمال. غير أن السينما اليوم هي نمط من أنماط القوة التي تستعرض بها كل دولة مقوماتها الحضارية وموقعها القيمي على خريطة العالم، تماما كما تفعل سينما هوليود، فالقوي سينمائيا اليوم هو القوي سيميائيا، حيث أضحت صناعة القيم وتشكيل الرأي العام بيد القوي، وهو ما يخرجها عن مجرد إنتاج بريء للجمال لتتحول إلى لغة تصنع التاريخ باسم المفرد الأمريكي[8].
وفي المغرب تمثل السينما إحدى أهم الأحداث الثقافية والفنية الوطنية، نظرا للإهتمام الإعلامي الواسع بكل ما يتعلق بها، وللكم المنظم من المهرجانات، حتى صارت المدرسة العمومية هي الأخرى مدعوة إلى الإرتماء في أحضانها والإشتغال بأدواتها في تربية النشء وفي تشكيل رسائل تربوية هادفة.
وأهم ما صار يثير الجدل هو العلاقة بين ما هو جمالي وما هو أخلاقي في الأفلام السينمائية المغربية، إذ يتساءل البعض: لماذا تتحول بعض المهرجانات الكبرى إلى مناسبات عمومية للإستهتار بالقيم الدينية للمجتمع المغربي، ولخدش الحياء، والعبث بمقومات الشخصية الحضارية للمواطنين؟ هذه المرافعة نسمعها كل سنة على ألسنة جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، إضافة لبعض العلماء المغاربة الذين يتدخلون أحيانا حول هذا الموضوع[9].



[1]- هذا المقال هو نتاج عمل مشترك مع عبد الواحد حمدي، سناء كادي، فاطمة أحرى، غزلان وربح، وبتأطير وإشراف من الأستاذ مونير كوبي.
[2] - لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة خليل أحمد خليل، المجلد الأول، منشورات عويدات، بيروت- باريس،2001، ص 95-96.

[3] - موسوعة المعارف الحديثة، منشورات عكاظ - فيليب اوزو ، الفنون 1 السينما ، منشورات عكاظ ، 2006، المغرب، ص83.
[4] - محمود صبح، ثقافة أمريكا اللاتينية، مجلة عالم الفكر، المجلد 19، العدد1، أبريل- مايو- يونيو 1988، ص98- 99.
[5] - مبارك حسني، المرأة في السينما المغربية (التسعينات)، مجلة الملتقى، العدد 17 – خريف 2007، ص13.
[6] - خالد لمنوري، إستثمارات السينما الأجنبية بالمغرب ترتفع إلى 312 مليون درهم، يومية المغربية، العدد8403، بتاريخ : السبت/الأحد 16/17 فبراير 2013.
[7] - فريد المريني، المغرب الثقافي: الملامح الهاربة ورائحة الكون، حالة المغرب 2009- 2010، كراسات إستراتيجية، العدد6، منشورات وجهة نظر، المغرب،2010، ص145- 146- 147.
[8] - أنظر بهذا الصدد مقال لمونير كوبي: "القوي سينمائيا القوي سيميائيا" منشور في موقع: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=189258
[9] - فريد المريني، مرجع سابق، ص144.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.