اضطراب وانقطاع مياه الشرب بمدينة سجنان وأحوازها    بشرى للطبقة المتوسطة: أسعار شقق السنيت... من 106 ألف دينار!    عاجل/ من بين الضحايا سائحون أجانب: فاجعة مروعة في مصر..    إستعدادا لقادم الإستحقاقات: تغيير موعد المباراتين الوديتين للمنتخب الوطني    المنتخب الوطني لكرة السلة: التحول إلى تركيا.. وثنائي يغيب عن التربص بداعي الاصابة    المنتخب التونسي يفتتح الأربعاء سلسلة ودياته بمواجهة موريتانيا استعدادًا للاستحقاقين العربي والإفريقي    نائب رئيس النادي الإفريقي في ضيافة لجنة التحكيم    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    زيت الزيتونة كل يوم ؟: الكمية الصحيحة اللي لازمك تعرفها!    حاجة تستعملها ديما...سبب كبير في ارتفاع فاتورة الضوء    نقص في الحليب و الزبدة : نقابة الفلاحين تكشف للتوانسة هذه المعطيات    حذاري.. أكثر من 2000 بناية مهددة بالانهيار في تونس!    عاجل: هذا ما حكمت به الفيفا بين الترجي ومدربه الروماني السابق    الدكتور ذاكر لهيذب: '' كتبت التدوينة على البلايلي وساس وقلت يلزم يرتاحوا ما كنتش نستنقص من الفريق المنافس''    عاجل/ زلزالان يضربان غربي تركيا..    عاجل: حبس الفنان المصري سعد الصغير وآخرين..وهذه التفاصيل    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على تأمين الشريطين الحدوديين البري والبحري    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    دراسة علمية تحسم الجدل وتكشف حقيقة علاقة وجود صلة بين التوحد وتناول الباراسيتامول خلال الحمل..    الكنيست الإسرائيلي يصادق على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في القراءة الأولى    مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    ياخي الشتاء بدا يقرّب؟ شوف شنوّة يقول المعهد الوطني للرصد الجوي!    وزير السياحة يبحث مع نظيرته الإيطالية سبل تطوير التعاون الثنائي في المجال السياحي    مشروع قانون المالية: الزيادة في الأجور... بين 50 و100 دينار.. التفاصيل!    بقرار أمريكي.. سوريا تستعيد حضورها في قلب واشنطن    العراق ينتخب.. ماذا سيحدث من يوم الاقتراع لإعلان النتائج؟    العربي سناقرية " لو لم يصب البلايلي وساس لسجلت الترجي اربعة أهداف ولغادر جمهورها من الشوط الاول"    رئيسة الغرفة الوطنية لمنتجي الزياتين: الأسعار الحالية لا تغطي كلفة الإنتاج والفلاحون في انتظار تنفيذ القرارات الرئاسية    وزير الداخلية: استراتيجية استباقية لضرب شبكات تهريب المخدرات وتعزيز الأمن السيبرني    ترامب: أنا على وفاق مع الرئيس السوري وسنفعل كل ما بوسعنا لجعل سوريا ناجحة    نواب مجلس الجهات والأقاليم يثيرون استقلالية المجالس المنتخبة وعلاقتها بالسلط الجهوية والمحلية    تونس/الصين: بحث سبل تعزيز التعاون السياحي    افتتاح الوحدة الثالثة في تونس للشركة العالمية في صناعة الأدوية " حكمة" بقيمة استثمارية تقدر ب 50 مليون دينار    هذا النجم المصري يعلن انفصاله رسمياً عن زوجته... التفاصيل    ظاهرة طبية مقلقة: عندما تسبّب الأدوية الألم بدلاً من تخفيفه... كيف ذلك؟    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    مونديال تحت 17 عاما: المنتخب التونسي يترشح إلى الدور السادس عشر    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    بنزرت: إنتشال 5 جثث لفضتها الأمواج في عدد من شواطئ بنزرت الجنوبية    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    عاجل/ وزير التجارة: صابة قياسيّة في زيت الزيتون والتمور والقوارص    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    عاجل: يوسف البلايلي يتعرض لإصابة على مستوى الأربطة المتقاطعة    عاجل: هذه الدول العربية تحت تأثير الكتلة الحارة    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا هو العدل الذي ينشده الإسلام
نشر في الحوار نت يوم 18 - 03 - 2015

قضت اليوم أعلى هيئة قضائية دستورية في ألمانيا بقولها أن منع إرتداء الخمار بالجملة أي دون تمييز لا يتناسب مع الفصل الدستوري الأول والأعظم وهو حرية التدين. تلك هي الصيغة ومفادها هو أن الإختمار وليس الإنتقاب من لدن النساء في ألمانيا أمر مباح قانونا فلا يجرم صاحبه ولا يساءل ولا يمثل أمام أي هيئة أمنية ولا قضائية.
من منا لا يسعد لمثل هذا. صحيح أن هذه الإباحة أبطأت قليلا أي لتكون إباحة قانونية صريحة من أعلى هيئة قضائية دستورية في البلاد. ولكن العبرة هنا ليست في ذلك إنما العبرة في الشيء الذي أستحق به الأروبيون أو أغلبهم على الأقل صفة العدل والحرية والكرامة والقانون والمساواة وغير ذلك من القيم التي زرعها سبحانه في البشرية جمعاء قاطبة فطرة مفطورة ثم جاء الإسلام ليشرعها بناء على تلك الفطرة المفطورة.
ذاك ما ينشده الإسلام في تشريعه من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. أي إتاحة الحرية لهم كاملة غير منقوصة ليكونوا كما يريدون هم وليس كما يريد القوي فيهم والمتنفذ أن يكونوا.
ورثنا ثقافة فقهية في أكثرها أجل أعي ما أقول ومن عنده غير ذلك فليأتني به لأراجع نفسي تعيسة بئيسة وخاصة فيما إتصل بحق الحريات و الكرامات والحقوق والحرمات وبصفة أخص عندما يتعلق الأمر بالمرأة. ورثنا ذلك الجهل المركب من بعد ما وقع الإنقلاب على الآلية الدستورية العظمى والأولى التي تراقب الحاكم وتحاسب المسؤول وهي توليه وهي تعزله أي الشورى. ومن بعد ذلك الإنقلاب ضد أعظم قيم الإسلام أي الشورى التي هي أكبر رمز من رموز كرامة الإنسان وقع الإنقلاب ضد المرأة.
ذاك هو يقيني : نحن مسلمون متخلفون محتلون فقراء مشتتون وهم غير مسلمين متقدمين متحضرين أقوياء أغنياء موحدين .. وليس ذلك بسبب الإسلام كما يكذب الشيوعيون والماركسيون والعالمانيون واللادينيون ولكن بسبب ركلنا للميزان الذي به نحسن فقه الإسلام.
ذاك هو يقيني : هم أقوياء رغم عدم إسلامهم لأنهم أطاعوا الله سبحانه فيما عصيناه فيه نحن. هم أطاعوه في الأخذ بالسنن العمرانية والإجتماعية والسياسية والمالية فتقدموا وتحضروا وترقوا وتمدنوا وأثمر ذلك عندهم قيم الإسلام شبرا بشبر أي العدل والكرامة والمساواة والعزة والوحدة والحرية والشورى والتراحم والتكافل والتضامن والمحافظة على الهوية حتى لو كانت هوية لا يسندها منطق عقلي ولا سنة إجتماعية.
ذاك هو يقيني : تأخرنا نحن ونحن مسلمون لأننا أطعناه سبحانه في الصغائر وليس في الكبائر أو في الجزئيات والتفاصيل وليس في المحكمات و العزائم أو بكلمة أخرى ربما تكون أدق : أطعناه طاعة قلبية عاطفية أي أطعناه بجهل وهو لا يعبد سبحانه بجهل وعصيناه فيما يحب هو ألا يعصى فيه أولا أي عصيناه عصيانا عقليا وفكريا ومعرفيا.
ذلك هو مصداق قوله سبحانه ولكن هل نحن فعلا قوم نحمل الكتاب ونفقهه بالميزان ونتلو لنفهم ونقرأ لنفقه أم نتخذ الكتاب أحجيات وطلاسم وعقاقير وادوية بدنية ورحمات للأموات في حين يطحن الأحياء بالمديونيات والإحتلالات والإستبدادات تعصف بهم كما تعصف الرياح المجنونة برماد في يوم إشتدت فيه الكآبة والمجاعة.. قال سبحانه في آية لو تدبرناها هي وحدها لكان لنا شأن آخر :" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ". ذكر الذين يريدون الدنيا فحسب والألمان يريدون الدنيا فحسب وذكر الذين يريدون الآخرة ثم ثبت قانونه الغلاب سبحانه.
أعطاهم الله قيم العدل والحرية والكرامة والمساواة وكل قيم الإسلام الدنيوية تقريبا وهم غير مسلمين بسبب طاعتهم العقلية له وإن كانت طاعة جزئية لأن العقيدة الإسلامية هي الطاعة العقلية الأولى وهي الإسلام الفكري الأكبر. ولكن ربك سبحانه يعطي على قدر العطاء لهم.
ومنعنا نحن ذلك ونحن مسلمون فلم تغن عنا عقيدة ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج فلم؟ لم يا ترى؟ هل لأنها أمور فارغة أم هي أمور صغيرة أم أننا تقحمناها من غير ابوابها. طبعا تقحمناها من غير أبوابها فنؤمن بغير نظر في الكون وفي التاريخ وفي القصة وفي العصر وهذا إيمان عقيم لا يثمر كثيرا بل لا يدوم كثيرا ونعبد عبادات شكلية عفوا من الروح فلا تنهانا الصلاة عن فحشاء ولا عن منكر ولا يجعلنا الصيام متكافلين ولا نزكي إ لا مكرهين متبرمين متضجرين بل لا ندفعها للعاملين عليها الذين يؤدونها بدورهم لرئيس الأمة والذي يقسمها بدوره بين أهلها إذ ليس لأمتنا رئيس واحد بل هم كثير وليس لنا مؤسسة زكاة رسمية ولذا نزكي كما نريد وعصينا أمره سبحانه : فاستقم كما أمرت . مستقيمون نحن ولكن كما نهوى نحن الإستقامة وليس كما يريد هو سبحانه.
لب الكلمة : كم من دار إسلامية إسما ورسما هي اليوم بلاد حرب مصر مثلا اليوم في ظل السفاح السيسي وتونس بالأمس لما كان يصول فيها المخلوع بن علي وزوجه ليلى وبلاد أخرى. وكم من دار غربية هي اليوم دار إسلام ودار أمان ودار دعوة ودار قرار.
لا دار للإسلام لمن يريد الكلمة وإن لم يكن لها أصل في الإسلام إلا تلك الدار التي يكون أكثر أهلها مسلمين أو تعلو فيها قيم الإسلام العظمى أولا من مثل الحرية والكرامة والعدل والقسط والأمن والأمانة والوحدة والمساواة وإمكانات التعارف والدعوة. كل تلك في ديار الغرب بأقدار متفاوتة دارا دارا وقيمة قيمة موجودة وزيادة.
لكم أنا موجوع والله محزون مألوم وقد عشت هناك ازيد من عقدين كاملين .. لكم أنا موجوع محزون مألوم لما أجد هناك من قيم الإسلام التي بها يتم الخير وينمو حتى وأغلبهم مسيحيون أو يهود أو لا دينيون أصلا ولا أجد هنا إلا ما يحيلك إلى الفوضى والإضطراب والإكتظاظ والضوضاء والضجيج حقا وحكما معا. أي مادة ومعنى معا. أي مبنى ومعنى معا. إلا قليلا جدا ممن رحم ربك سبحانه.
سيظل الأربيون أقوياء اغنياء لهم علينا صولات وجولات ويديرون الأرض بما تيسر لهم لأنهم أعلم منا بالدنيا وبالشأن القومي سياسة ومالا وعلاقات داخلية وخارجية .. عندما نقول أنهم كذلك وهم غير مسلمين فلا يعني ذلك عند الغفل الحمقى إلا أن الله سبحانه ليس عادلا في ملكه ولكني أرى أنه من تمام عدله ورحمته ولطفه أنه حباهم بما لم يحبونا به من مرافق العيش الكريم والحريةو الكرامة والعدل بسبب طاعتهم له في الأشياء الكبرى المتعلقة بالدنيا فلما عصيناه نحن في ذلك خسف بنا الأرض أي خسفا معنويا وليس ماديا لأن الخسف المادي ولى زمانه.
لم تعد تستهويني شتائمنا ضدهم وأنهم سبب أزمتنا لأني أؤمن بالقرآن الذي يقول : قل هو من عند أنفسكم. وبه الذي يقول : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إن كنا أهل عدل وحق فعلا فلنسب أنفسنا ولنتشم أنفسنا ولنحاسب أنفسنا ثم لنقرر مزيدا من الهبوط أو محاولة للنهضة.
أما لعنهم سيما من خطباء الجمعة الذين يلعنون اليهود بالمطلق والنصارى معهم بالجملة فهؤلاء أغبى من الغباء دينا أولا لأن ذلك لم يرد أصلا وعند الحديث عنهم يتوخى الخطاب القرآني صيغ الموضوعية والتبعيض " منهم " و ّ" من الناس " إلخ .. ولا هو مفيد خطابا ودنيا وبناء لعقل إيجابي جديد ومعاصر.
أنا لا ألعن ولا أشتم ولا أسب بل لا أزدري أصلا قوما توخوا العدل في أبهى مظاهره الشرعية الإسلامية حتى حكموا بحرية اللباس للمرأة المسلمة في بلاد أكثرها مسيحيون ويهود ودستورها عالماني خالص.
العدل يأبى علي ذلك. إذا كان لا بد من اللعن والسب والشتم ولا فائدة منه أصلا لا دينا ولا دنيا فنحن أولى باللعن والسب والشتم لأننا تديننا تدينا مغشوشا مزيفا لا يقدم ولا يؤخر بل يؤخر.
أيهما دار الإسلام : دار تحرم بالقانون العلوي ما أباح سبحانه وتونس نفسها متورطة في هذا تورطا عجيبا في أمرين إثنين على الإقل لا مناص منهما للحياة وجنى الناس هنا منهما شرورا ومازالوا .. وغير تونس بلاد أخرى كثيرة متورطة في مثل ذلك وأكثر منه. أو دار تبيح الحرية على مصراعيها فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر كما فعلت ألمانيا مثلا فهي تبيح الإختمار ومن حقها أن تمنع الإنتقاب أو تقيده بقيود التفتيش مثلا أو غير ذلك لا عدوانا على حرية ولكن أمنا للبلاد والعباد وتبيح الشذوذ كذلك.
الإسلام لا هو هنا ولا هو هناك. الإسلام شيء آخر شريعة. ولكن أيهما أدنى إلى الإسلام وشريعته. أظن بل كلي يقين أن الدار التي تتيح الحرية هي أدنى إلى الإسلام وشريعته وإن لم تكن إسلامية خالصة اما الدار التي تمنع ما يبيحه الإسلام فلا علاقة لها بدار الإسلام ولا بالأمن والسلام.
ذلك أن أول وأكبر وأعظم مقصدي عقدي وليس شرعي فحسب هو الحرية وليس سوى الحرية. فمن يتيح الحرية هو أدنى إلى العقيدة ممن يمنعها.
تلك هي رؤيتي وذلك هو فهمي فمن له ما يعارضني به فأهلا وسهلا ومرحبا على قاعدة الحجة والبرهان وليس الخوض الباطل وعلى قاعدة الأدب وليس الطيش والحدة.
- See more at: http://www.achahed.com/%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d9%8a%d9%86%d8%b4%d8%af%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85.html#sthash.8SEqVy3f.dpuf
قضت اليوم أعلى هيئة قضائية دستورية في ألمانيا بقولها أن منع إرتداء الخمار بالجملة أي دون تمييز لا يتناسب مع الفصل الدستوري الأول والأعظم وهو حرية التدين. تلك هي الصيغة ومفادها هو أن الإختمار وليس الإنتقاب من لدن النساء في ألمانيا أمر مباح قانونا فلا يجرم صاحبه ولا يساءل ولا يمثل أمام أي هيئة أمنية ولا قضائية.
من منا لا يسعد لمثل هذا. صحيح أن هذه الإباحة أبطأت قليلا أي لتكون إباحة قانونية صريحة من أعلى هيئة قضائية دستورية في البلاد. ولكن العبرة هنا ليست في ذلك إنما العبرة في الشيء الذي أستحق به الأروبيون أو أغلبهم على الأقل صفة العدل والحرية والكرامة والقانون والمساواة وغير ذلك من القيم التي زرعها سبحانه في البشرية جمعاء قاطبة فطرة مفطورة ثم جاء الإسلام ليشرعها بناء على تلك الفطرة المفطورة.
ذاك ما ينشده الإسلام في تشريعه من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. أي إتاحة الحرية لهم كاملة غير منقوصة ليكونوا كما يريدون هم وليس كما يريد القوي فيهم والمتنفذ أن يكونوا.
ورثنا ثقافة فقهية في أكثرها أجل أعي ما أقول ومن عنده غير ذلك فليأتني به لأراجع نفسي تعيسة بئيسة وخاصة فيما إتصل بحق الحريات و الكرامات والحقوق والحرمات وبصفة أخص عندما يتعلق الأمر بالمرأة. ورثنا ذلك الجهل المركب من بعد ما وقع الإنقلاب على الآلية الدستورية العظمى والأولى التي تراقب الحاكم وتحاسب المسؤول وهي توليه وهي تعزله أي الشورى. ومن بعد ذلك الإنقلاب ضد أعظم قيم الإسلام أي الشورى التي هي أكبر رمز من رموز كرامة الإنسان وقع الإنقلاب ضد المرأة.
ذاك هو يقيني : نحن مسلمون متخلفون محتلون فقراء مشتتون وهم غير مسلمين متقدمين متحضرين أقوياء أغنياء موحدين .. وليس ذلك بسبب الإسلام كما يكذب الشيوعيون والماركسيون والعالمانيون واللادينيون ولكن بسبب ركلنا للميزان الذي به نحسن فقه الإسلام.
ذاك هو يقيني : هم أقوياء رغم عدم إسلامهم لأنهم أطاعوا الله سبحانه فيما عصيناه فيه نحن. هم أطاعوه في الأخذ بالسنن العمرانية والإجتماعية والسياسية والمالية فتقدموا وتحضروا وترقوا وتمدنوا وأثمر ذلك عندهم قيم الإسلام شبرا بشبر أي العدل والكرامة والمساواة والعزة والوحدة والحرية والشورى والتراحم والتكافل والتضامن والمحافظة على الهوية حتى لو كانت هوية لا يسندها منطق عقلي ولا سنة إجتماعية.
ذاك هو يقيني : تأخرنا نحن ونحن مسلمون لأننا أطعناه سبحانه في الصغائر وليس في الكبائر أو في الجزئيات والتفاصيل وليس في المحكمات و العزائم أو بكلمة أخرى ربما تكون أدق : أطعناه طاعة قلبية عاطفية أي أطعناه بجهل وهو لا يعبد سبحانه بجهل وعصيناه فيما يحب هو ألا يعصى فيه أولا أي عصيناه عصيانا عقليا وفكريا ومعرفيا.
ذلك هو مصداق قوله سبحانه ولكن هل نحن فعلا قوم نحمل الكتاب ونفقهه بالميزان ونتلو لنفهم ونقرأ لنفقه أم نتخذ الكتاب أحجيات وطلاسم وعقاقير وادوية بدنية ورحمات للأموات في حين يطحن الأحياء بالمديونيات والإحتلالات والإستبدادات تعصف بهم كما تعصف الرياح المجنونة برماد في يوم إشتدت فيه الكآبة والمجاعة.. قال سبحانه في آية لو تدبرناها هي وحدها لكان لنا شأن آخر :" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ". ذكر الذين يريدون الدنيا فحسب والألمان يريدون الدنيا فحسب وذكر الذين يريدون الآخرة ثم ثبت قانونه الغلاب سبحانه.
أعطاهم الله قيم العدل والحرية والكرامة والمساواة وكل قيم الإسلام الدنيوية تقريبا وهم غير مسلمين بسبب طاعتهم العقلية له وإن كانت طاعة جزئية لأن العقيدة الإسلامية هي الطاعة العقلية الأولى وهي الإسلام الفكري الأكبر. ولكن ربك سبحانه يعطي على قدر العطاء لهم.
ومنعنا نحن ذلك ونحن مسلمون فلم تغن عنا عقيدة ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج فلم؟ لم يا ترى؟ هل لأنها أمور فارغة أم هي أمور صغيرة أم أننا تقحمناها من غير ابوابها. طبعا تقحمناها من غير أبوابها فنؤمن بغير نظر في الكون وفي التاريخ وفي القصة وفي العصر وهذا إيمان عقيم لا يثمر كثيرا بل لا يدوم كثيرا ونعبد عبادات شكلية عفوا من الروح فلا تنهانا الصلاة عن فحشاء ولا عن منكر ولا يجعلنا الصيام متكافلين ولا نزكي إ لا مكرهين متبرمين متضجرين بل لا ندفعها للعاملين عليها الذين يؤدونها بدورهم لرئيس الأمة والذي يقسمها بدوره بين أهلها إذ ليس لأمتنا رئيس واحد بل هم كثير وليس لنا مؤسسة زكاة رسمية ولذا نزكي كما نريد وعصينا أمره سبحانه : فاستقم كما أمرت . مستقيمون نحن ولكن كما نهوى نحن الإستقامة وليس كما يريد هو سبحانه.
لب الكلمة : كم من دار إسلامية إسما ورسما هي اليوم بلاد حرب مصر مثلا اليوم في ظل السفاح السيسي وتونس بالأمس لما كان يصول فيها المخلوع بن علي وزوجه ليلى وبلاد أخرى. وكم من دار غربية هي اليوم دار إسلام ودار أمان ودار دعوة ودار قرار.
لا دار للإسلام لمن يريد الكلمة وإن لم يكن لها أصل في الإسلام إلا تلك الدار التي يكون أكثر أهلها مسلمين أو تعلو فيها قيم الإسلام العظمى أولا من مثل الحرية والكرامة والعدل والقسط والأمن والأمانة والوحدة والمساواة وإمكانات التعارف والدعوة. كل تلك في ديار الغرب بأقدار متفاوتة دارا دارا وقيمة قيمة موجودة وزيادة.
لكم أنا موجوع والله محزون مألوم وقد عشت هناك ازيد من عقدين كاملين .. لكم أنا موجوع محزون مألوم لما أجد هناك من قيم الإسلام التي بها يتم الخير وينمو حتى وأغلبهم مسيحيون أو يهود أو لا دينيون أصلا ولا أجد هنا إلا ما يحيلك إلى الفوضى والإضطراب والإكتظاظ والضوضاء والضجيج حقا وحكما معا. أي مادة ومعنى معا. أي مبنى ومعنى معا. إلا قليلا جدا ممن رحم ربك سبحانه.
سيظل الأربيون أقوياء اغنياء لهم علينا صولات وجولات ويديرون الأرض بما تيسر لهم لأنهم أعلم منا بالدنيا وبالشأن القومي سياسة ومالا وعلاقات داخلية وخارجية .. عندما نقول أنهم كذلك وهم غير مسلمين فلا يعني ذلك عند الغفل الحمقى إلا أن الله سبحانه ليس عادلا في ملكه ولكني أرى أنه من تمام عدله ورحمته ولطفه أنه حباهم بما لم يحبونا به من مرافق العيش الكريم والحريةو الكرامة والعدل بسبب طاعتهم له في الأشياء الكبرى المتعلقة بالدنيا فلما عصيناه نحن في ذلك خسف بنا الأرض أي خسفا معنويا وليس ماديا لأن الخسف المادي ولى زمانه.
لم تعد تستهويني شتائمنا ضدهم وأنهم سبب أزمتنا لأني أؤمن بالقرآن الذي يقول : قل هو من عند أنفسكم. وبه الذي يقول : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إن كنا أهل عدل وحق فعلا فلنسب أنفسنا ولنتشم أنفسنا ولنحاسب أنفسنا ثم لنقرر مزيدا من الهبوط أو محاولة للنهضة.
أما لعنهم سيما من خطباء الجمعة الذين يلعنون اليهود بالمطلق والنصارى معهم بالجملة فهؤلاء أغبى من الغباء دينا أولا لأن ذلك لم يرد أصلا وعند الحديث عنهم يتوخى الخطاب القرآني صيغ الموضوعية والتبعيض " منهم " و ّ" من الناس " إلخ .. ولا هو مفيد خطابا ودنيا وبناء لعقل إيجابي جديد ومعاصر.
أنا لا ألعن ولا أشتم ولا أسب بل لا أزدري أصلا قوما توخوا العدل في أبهى مظاهره الشرعية الإسلامية حتى حكموا بحرية اللباس للمرأة المسلمة في بلاد أكثرها مسيحيون ويهود ودستورها عالماني خالص.
العدل يأبى علي ذلك. إذا كان لا بد من اللعن والسب والشتم ولا فائدة منه أصلا لا دينا ولا دنيا فنحن أولى باللعن والسب والشتم لأننا تديننا تدينا مغشوشا مزيفا لا يقدم ولا يؤخر بل يؤخر.
أيهما دار الإسلام : دار تحرم بالقانون العلوي ما أباح سبحانه وتونس نفسها متورطة في هذا تورطا عجيبا في أمرين إثنين على الإقل لا مناص منهما للحياة وجنى الناس هنا منهما شرورا ومازالوا .. وغير تونس بلاد أخرى كثيرة متورطة في مثل ذلك وأكثر منه. أو دار تبيح الحرية على مصراعيها فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر كما فعلت ألمانيا مثلا فهي تبيح الإختمار ومن حقها أن تمنع الإنتقاب أو تقيده بقيود التفتيش مثلا أو غير ذلك لا عدوانا على حرية ولكن أمنا للبلاد والعباد وتبيح الشذوذ كذلك.
الإسلام لا هو هنا ولا هو هناك. الإسلام شيء آخر شريعة. ولكن أيهما أدنى إلى الإسلام وشريعته. أظن بل كلي يقين أن الدار التي تتيح الحرية هي أدنى إلى الإسلام وشريعته وإن لم تكن إسلامية خالصة اما الدار التي تمنع ما يبيحه الإسلام فلا علاقة لها بدار الإسلام ولا بالأمن والسلام.
ذلك أن أول وأكبر وأعظم مقصدي عقدي وليس شرعي فحسب هو الحرية وليس سوى الحرية. فمن يتيح الحرية هو أدنى إلى العقيدة ممن يمنعها.
تلك هي رؤيتي وذلك هو فهمي فمن له ما يعارضني به فأهلا وسهلا ومرحبا على قاعدة الحجة والبرهان وليس الخوض الباطل وعلى قاعدة الأدب وليس الطيش والحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.