إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    سيدي بوزيد: تواصل عمليات التحسيس حول التوقي من داء الكلب    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 28 أفريل إلى 3 ماي 2025)    مع محمود"... الصحراء الغربية ، الخلاف التاريخي بين المغرب و الجزائر "    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل/ سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب المطار الرئيسي في إسرائيل..    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    جيش الإحتلال يقر بسقوط صاروخ أطلق من اليمن في محيط مطار بن غوريون في تل أبيب    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    باكستان تغلق موانئها أمام السفن الهندية    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    برشلونة يقلب الطاولة على بلد الوليد ويبتعد بصدارة "الليغا"    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    مؤشر إيجابي بخصوص مخزون السدود    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    غدا: حرارة في مستويات صيفية    بداية من 6 ماي: انقطاع مياه الشرب بهذه المناطق بالعاصمة    الأطباء الشبان يُهدّدون بالإضراب لمدة 5 أيّام    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    طقس الليلة: الحرارة تصل الى 27 درجة    العاصمة: بعد تنفيذه لبراكاج وسلبه أموال وأمتعة مواطن...منحرف خطيرة في قبضة الامن    قرابة 144 ألف تلميذ يجتازون انطلاقا من يوم الإثنين المقبل امتحانات "البكالوريا التجريبية"    غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    فتح بحث إثر تعرّض منزل منصف المرزوقي بالقنطاوي إلى السرقة    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يعلن إنتشاره في جنوب سوريا    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا هو العدل الذي ينشده الإسلام
نشر في الحوار نت يوم 18 - 03 - 2015

قضت اليوم أعلى هيئة قضائية دستورية في ألمانيا بقولها أن منع إرتداء الخمار بالجملة أي دون تمييز لا يتناسب مع الفصل الدستوري الأول والأعظم وهو حرية التدين. تلك هي الصيغة ومفادها هو أن الإختمار وليس الإنتقاب من لدن النساء في ألمانيا أمر مباح قانونا فلا يجرم صاحبه ولا يساءل ولا يمثل أمام أي هيئة أمنية ولا قضائية.
من منا لا يسعد لمثل هذا. صحيح أن هذه الإباحة أبطأت قليلا أي لتكون إباحة قانونية صريحة من أعلى هيئة قضائية دستورية في البلاد. ولكن العبرة هنا ليست في ذلك إنما العبرة في الشيء الذي أستحق به الأروبيون أو أغلبهم على الأقل صفة العدل والحرية والكرامة والقانون والمساواة وغير ذلك من القيم التي زرعها سبحانه في البشرية جمعاء قاطبة فطرة مفطورة ثم جاء الإسلام ليشرعها بناء على تلك الفطرة المفطورة.
ذاك ما ينشده الإسلام في تشريعه من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. أي إتاحة الحرية لهم كاملة غير منقوصة ليكونوا كما يريدون هم وليس كما يريد القوي فيهم والمتنفذ أن يكونوا.
ورثنا ثقافة فقهية في أكثرها أجل أعي ما أقول ومن عنده غير ذلك فليأتني به لأراجع نفسي تعيسة بئيسة وخاصة فيما إتصل بحق الحريات و الكرامات والحقوق والحرمات وبصفة أخص عندما يتعلق الأمر بالمرأة. ورثنا ذلك الجهل المركب من بعد ما وقع الإنقلاب على الآلية الدستورية العظمى والأولى التي تراقب الحاكم وتحاسب المسؤول وهي توليه وهي تعزله أي الشورى. ومن بعد ذلك الإنقلاب ضد أعظم قيم الإسلام أي الشورى التي هي أكبر رمز من رموز كرامة الإنسان وقع الإنقلاب ضد المرأة.
ذاك هو يقيني : نحن مسلمون متخلفون محتلون فقراء مشتتون وهم غير مسلمين متقدمين متحضرين أقوياء أغنياء موحدين .. وليس ذلك بسبب الإسلام كما يكذب الشيوعيون والماركسيون والعالمانيون واللادينيون ولكن بسبب ركلنا للميزان الذي به نحسن فقه الإسلام.
ذاك هو يقيني : هم أقوياء رغم عدم إسلامهم لأنهم أطاعوا الله سبحانه فيما عصيناه فيه نحن. هم أطاعوه في الأخذ بالسنن العمرانية والإجتماعية والسياسية والمالية فتقدموا وتحضروا وترقوا وتمدنوا وأثمر ذلك عندهم قيم الإسلام شبرا بشبر أي العدل والكرامة والمساواة والعزة والوحدة والحرية والشورى والتراحم والتكافل والتضامن والمحافظة على الهوية حتى لو كانت هوية لا يسندها منطق عقلي ولا سنة إجتماعية.
ذاك هو يقيني : تأخرنا نحن ونحن مسلمون لأننا أطعناه سبحانه في الصغائر وليس في الكبائر أو في الجزئيات والتفاصيل وليس في المحكمات و العزائم أو بكلمة أخرى ربما تكون أدق : أطعناه طاعة قلبية عاطفية أي أطعناه بجهل وهو لا يعبد سبحانه بجهل وعصيناه فيما يحب هو ألا يعصى فيه أولا أي عصيناه عصيانا عقليا وفكريا ومعرفيا.
ذلك هو مصداق قوله سبحانه ولكن هل نحن فعلا قوم نحمل الكتاب ونفقهه بالميزان ونتلو لنفهم ونقرأ لنفقه أم نتخذ الكتاب أحجيات وطلاسم وعقاقير وادوية بدنية ورحمات للأموات في حين يطحن الأحياء بالمديونيات والإحتلالات والإستبدادات تعصف بهم كما تعصف الرياح المجنونة برماد في يوم إشتدت فيه الكآبة والمجاعة.. قال سبحانه في آية لو تدبرناها هي وحدها لكان لنا شأن آخر :" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ". ذكر الذين يريدون الدنيا فحسب والألمان يريدون الدنيا فحسب وذكر الذين يريدون الآخرة ثم ثبت قانونه الغلاب سبحانه.
أعطاهم الله قيم العدل والحرية والكرامة والمساواة وكل قيم الإسلام الدنيوية تقريبا وهم غير مسلمين بسبب طاعتهم العقلية له وإن كانت طاعة جزئية لأن العقيدة الإسلامية هي الطاعة العقلية الأولى وهي الإسلام الفكري الأكبر. ولكن ربك سبحانه يعطي على قدر العطاء لهم.
ومنعنا نحن ذلك ونحن مسلمون فلم تغن عنا عقيدة ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج فلم؟ لم يا ترى؟ هل لأنها أمور فارغة أم هي أمور صغيرة أم أننا تقحمناها من غير ابوابها. طبعا تقحمناها من غير أبوابها فنؤمن بغير نظر في الكون وفي التاريخ وفي القصة وفي العصر وهذا إيمان عقيم لا يثمر كثيرا بل لا يدوم كثيرا ونعبد عبادات شكلية عفوا من الروح فلا تنهانا الصلاة عن فحشاء ولا عن منكر ولا يجعلنا الصيام متكافلين ولا نزكي إ لا مكرهين متبرمين متضجرين بل لا ندفعها للعاملين عليها الذين يؤدونها بدورهم لرئيس الأمة والذي يقسمها بدوره بين أهلها إذ ليس لأمتنا رئيس واحد بل هم كثير وليس لنا مؤسسة زكاة رسمية ولذا نزكي كما نريد وعصينا أمره سبحانه : فاستقم كما أمرت . مستقيمون نحن ولكن كما نهوى نحن الإستقامة وليس كما يريد هو سبحانه.
لب الكلمة : كم من دار إسلامية إسما ورسما هي اليوم بلاد حرب مصر مثلا اليوم في ظل السفاح السيسي وتونس بالأمس لما كان يصول فيها المخلوع بن علي وزوجه ليلى وبلاد أخرى. وكم من دار غربية هي اليوم دار إسلام ودار أمان ودار دعوة ودار قرار.
لا دار للإسلام لمن يريد الكلمة وإن لم يكن لها أصل في الإسلام إلا تلك الدار التي يكون أكثر أهلها مسلمين أو تعلو فيها قيم الإسلام العظمى أولا من مثل الحرية والكرامة والعدل والقسط والأمن والأمانة والوحدة والمساواة وإمكانات التعارف والدعوة. كل تلك في ديار الغرب بأقدار متفاوتة دارا دارا وقيمة قيمة موجودة وزيادة.
لكم أنا موجوع والله محزون مألوم وقد عشت هناك ازيد من عقدين كاملين .. لكم أنا موجوع محزون مألوم لما أجد هناك من قيم الإسلام التي بها يتم الخير وينمو حتى وأغلبهم مسيحيون أو يهود أو لا دينيون أصلا ولا أجد هنا إلا ما يحيلك إلى الفوضى والإضطراب والإكتظاظ والضوضاء والضجيج حقا وحكما معا. أي مادة ومعنى معا. أي مبنى ومعنى معا. إلا قليلا جدا ممن رحم ربك سبحانه.
سيظل الأربيون أقوياء اغنياء لهم علينا صولات وجولات ويديرون الأرض بما تيسر لهم لأنهم أعلم منا بالدنيا وبالشأن القومي سياسة ومالا وعلاقات داخلية وخارجية .. عندما نقول أنهم كذلك وهم غير مسلمين فلا يعني ذلك عند الغفل الحمقى إلا أن الله سبحانه ليس عادلا في ملكه ولكني أرى أنه من تمام عدله ورحمته ولطفه أنه حباهم بما لم يحبونا به من مرافق العيش الكريم والحريةو الكرامة والعدل بسبب طاعتهم له في الأشياء الكبرى المتعلقة بالدنيا فلما عصيناه نحن في ذلك خسف بنا الأرض أي خسفا معنويا وليس ماديا لأن الخسف المادي ولى زمانه.
لم تعد تستهويني شتائمنا ضدهم وأنهم سبب أزمتنا لأني أؤمن بالقرآن الذي يقول : قل هو من عند أنفسكم. وبه الذي يقول : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إن كنا أهل عدل وحق فعلا فلنسب أنفسنا ولنتشم أنفسنا ولنحاسب أنفسنا ثم لنقرر مزيدا من الهبوط أو محاولة للنهضة.
أما لعنهم سيما من خطباء الجمعة الذين يلعنون اليهود بالمطلق والنصارى معهم بالجملة فهؤلاء أغبى من الغباء دينا أولا لأن ذلك لم يرد أصلا وعند الحديث عنهم يتوخى الخطاب القرآني صيغ الموضوعية والتبعيض " منهم " و ّ" من الناس " إلخ .. ولا هو مفيد خطابا ودنيا وبناء لعقل إيجابي جديد ومعاصر.
أنا لا ألعن ولا أشتم ولا أسب بل لا أزدري أصلا قوما توخوا العدل في أبهى مظاهره الشرعية الإسلامية حتى حكموا بحرية اللباس للمرأة المسلمة في بلاد أكثرها مسيحيون ويهود ودستورها عالماني خالص.
العدل يأبى علي ذلك. إذا كان لا بد من اللعن والسب والشتم ولا فائدة منه أصلا لا دينا ولا دنيا فنحن أولى باللعن والسب والشتم لأننا تديننا تدينا مغشوشا مزيفا لا يقدم ولا يؤخر بل يؤخر.
أيهما دار الإسلام : دار تحرم بالقانون العلوي ما أباح سبحانه وتونس نفسها متورطة في هذا تورطا عجيبا في أمرين إثنين على الإقل لا مناص منهما للحياة وجنى الناس هنا منهما شرورا ومازالوا .. وغير تونس بلاد أخرى كثيرة متورطة في مثل ذلك وأكثر منه. أو دار تبيح الحرية على مصراعيها فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر كما فعلت ألمانيا مثلا فهي تبيح الإختمار ومن حقها أن تمنع الإنتقاب أو تقيده بقيود التفتيش مثلا أو غير ذلك لا عدوانا على حرية ولكن أمنا للبلاد والعباد وتبيح الشذوذ كذلك.
الإسلام لا هو هنا ولا هو هناك. الإسلام شيء آخر شريعة. ولكن أيهما أدنى إلى الإسلام وشريعته. أظن بل كلي يقين أن الدار التي تتيح الحرية هي أدنى إلى الإسلام وشريعته وإن لم تكن إسلامية خالصة اما الدار التي تمنع ما يبيحه الإسلام فلا علاقة لها بدار الإسلام ولا بالأمن والسلام.
ذلك أن أول وأكبر وأعظم مقصدي عقدي وليس شرعي فحسب هو الحرية وليس سوى الحرية. فمن يتيح الحرية هو أدنى إلى العقيدة ممن يمنعها.
تلك هي رؤيتي وذلك هو فهمي فمن له ما يعارضني به فأهلا وسهلا ومرحبا على قاعدة الحجة والبرهان وليس الخوض الباطل وعلى قاعدة الأدب وليس الطيش والحدة.
- See more at: http://www.achahed.com/%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d9%8a%d9%86%d8%b4%d8%af%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85.html#sthash.8SEqVy3f.dpuf
قضت اليوم أعلى هيئة قضائية دستورية في ألمانيا بقولها أن منع إرتداء الخمار بالجملة أي دون تمييز لا يتناسب مع الفصل الدستوري الأول والأعظم وهو حرية التدين. تلك هي الصيغة ومفادها هو أن الإختمار وليس الإنتقاب من لدن النساء في ألمانيا أمر مباح قانونا فلا يجرم صاحبه ولا يساءل ولا يمثل أمام أي هيئة أمنية ولا قضائية.
من منا لا يسعد لمثل هذا. صحيح أن هذه الإباحة أبطأت قليلا أي لتكون إباحة قانونية صريحة من أعلى هيئة قضائية دستورية في البلاد. ولكن العبرة هنا ليست في ذلك إنما العبرة في الشيء الذي أستحق به الأروبيون أو أغلبهم على الأقل صفة العدل والحرية والكرامة والقانون والمساواة وغير ذلك من القيم التي زرعها سبحانه في البشرية جمعاء قاطبة فطرة مفطورة ثم جاء الإسلام ليشرعها بناء على تلك الفطرة المفطورة.
ذاك ما ينشده الإسلام في تشريعه من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. أي إتاحة الحرية لهم كاملة غير منقوصة ليكونوا كما يريدون هم وليس كما يريد القوي فيهم والمتنفذ أن يكونوا.
ورثنا ثقافة فقهية في أكثرها أجل أعي ما أقول ومن عنده غير ذلك فليأتني به لأراجع نفسي تعيسة بئيسة وخاصة فيما إتصل بحق الحريات و الكرامات والحقوق والحرمات وبصفة أخص عندما يتعلق الأمر بالمرأة. ورثنا ذلك الجهل المركب من بعد ما وقع الإنقلاب على الآلية الدستورية العظمى والأولى التي تراقب الحاكم وتحاسب المسؤول وهي توليه وهي تعزله أي الشورى. ومن بعد ذلك الإنقلاب ضد أعظم قيم الإسلام أي الشورى التي هي أكبر رمز من رموز كرامة الإنسان وقع الإنقلاب ضد المرأة.
ذاك هو يقيني : نحن مسلمون متخلفون محتلون فقراء مشتتون وهم غير مسلمين متقدمين متحضرين أقوياء أغنياء موحدين .. وليس ذلك بسبب الإسلام كما يكذب الشيوعيون والماركسيون والعالمانيون واللادينيون ولكن بسبب ركلنا للميزان الذي به نحسن فقه الإسلام.
ذاك هو يقيني : هم أقوياء رغم عدم إسلامهم لأنهم أطاعوا الله سبحانه فيما عصيناه فيه نحن. هم أطاعوه في الأخذ بالسنن العمرانية والإجتماعية والسياسية والمالية فتقدموا وتحضروا وترقوا وتمدنوا وأثمر ذلك عندهم قيم الإسلام شبرا بشبر أي العدل والكرامة والمساواة والعزة والوحدة والحرية والشورى والتراحم والتكافل والتضامن والمحافظة على الهوية حتى لو كانت هوية لا يسندها منطق عقلي ولا سنة إجتماعية.
ذاك هو يقيني : تأخرنا نحن ونحن مسلمون لأننا أطعناه سبحانه في الصغائر وليس في الكبائر أو في الجزئيات والتفاصيل وليس في المحكمات و العزائم أو بكلمة أخرى ربما تكون أدق : أطعناه طاعة قلبية عاطفية أي أطعناه بجهل وهو لا يعبد سبحانه بجهل وعصيناه فيما يحب هو ألا يعصى فيه أولا أي عصيناه عصيانا عقليا وفكريا ومعرفيا.
ذلك هو مصداق قوله سبحانه ولكن هل نحن فعلا قوم نحمل الكتاب ونفقهه بالميزان ونتلو لنفهم ونقرأ لنفقه أم نتخذ الكتاب أحجيات وطلاسم وعقاقير وادوية بدنية ورحمات للأموات في حين يطحن الأحياء بالمديونيات والإحتلالات والإستبدادات تعصف بهم كما تعصف الرياح المجنونة برماد في يوم إشتدت فيه الكآبة والمجاعة.. قال سبحانه في آية لو تدبرناها هي وحدها لكان لنا شأن آخر :" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ". ذكر الذين يريدون الدنيا فحسب والألمان يريدون الدنيا فحسب وذكر الذين يريدون الآخرة ثم ثبت قانونه الغلاب سبحانه.
أعطاهم الله قيم العدل والحرية والكرامة والمساواة وكل قيم الإسلام الدنيوية تقريبا وهم غير مسلمين بسبب طاعتهم العقلية له وإن كانت طاعة جزئية لأن العقيدة الإسلامية هي الطاعة العقلية الأولى وهي الإسلام الفكري الأكبر. ولكن ربك سبحانه يعطي على قدر العطاء لهم.
ومنعنا نحن ذلك ونحن مسلمون فلم تغن عنا عقيدة ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج فلم؟ لم يا ترى؟ هل لأنها أمور فارغة أم هي أمور صغيرة أم أننا تقحمناها من غير ابوابها. طبعا تقحمناها من غير أبوابها فنؤمن بغير نظر في الكون وفي التاريخ وفي القصة وفي العصر وهذا إيمان عقيم لا يثمر كثيرا بل لا يدوم كثيرا ونعبد عبادات شكلية عفوا من الروح فلا تنهانا الصلاة عن فحشاء ولا عن منكر ولا يجعلنا الصيام متكافلين ولا نزكي إ لا مكرهين متبرمين متضجرين بل لا ندفعها للعاملين عليها الذين يؤدونها بدورهم لرئيس الأمة والذي يقسمها بدوره بين أهلها إذ ليس لأمتنا رئيس واحد بل هم كثير وليس لنا مؤسسة زكاة رسمية ولذا نزكي كما نريد وعصينا أمره سبحانه : فاستقم كما أمرت . مستقيمون نحن ولكن كما نهوى نحن الإستقامة وليس كما يريد هو سبحانه.
لب الكلمة : كم من دار إسلامية إسما ورسما هي اليوم بلاد حرب مصر مثلا اليوم في ظل السفاح السيسي وتونس بالأمس لما كان يصول فيها المخلوع بن علي وزوجه ليلى وبلاد أخرى. وكم من دار غربية هي اليوم دار إسلام ودار أمان ودار دعوة ودار قرار.
لا دار للإسلام لمن يريد الكلمة وإن لم يكن لها أصل في الإسلام إلا تلك الدار التي يكون أكثر أهلها مسلمين أو تعلو فيها قيم الإسلام العظمى أولا من مثل الحرية والكرامة والعدل والقسط والأمن والأمانة والوحدة والمساواة وإمكانات التعارف والدعوة. كل تلك في ديار الغرب بأقدار متفاوتة دارا دارا وقيمة قيمة موجودة وزيادة.
لكم أنا موجوع والله محزون مألوم وقد عشت هناك ازيد من عقدين كاملين .. لكم أنا موجوع محزون مألوم لما أجد هناك من قيم الإسلام التي بها يتم الخير وينمو حتى وأغلبهم مسيحيون أو يهود أو لا دينيون أصلا ولا أجد هنا إلا ما يحيلك إلى الفوضى والإضطراب والإكتظاظ والضوضاء والضجيج حقا وحكما معا. أي مادة ومعنى معا. أي مبنى ومعنى معا. إلا قليلا جدا ممن رحم ربك سبحانه.
سيظل الأربيون أقوياء اغنياء لهم علينا صولات وجولات ويديرون الأرض بما تيسر لهم لأنهم أعلم منا بالدنيا وبالشأن القومي سياسة ومالا وعلاقات داخلية وخارجية .. عندما نقول أنهم كذلك وهم غير مسلمين فلا يعني ذلك عند الغفل الحمقى إلا أن الله سبحانه ليس عادلا في ملكه ولكني أرى أنه من تمام عدله ورحمته ولطفه أنه حباهم بما لم يحبونا به من مرافق العيش الكريم والحريةو الكرامة والعدل بسبب طاعتهم له في الأشياء الكبرى المتعلقة بالدنيا فلما عصيناه نحن في ذلك خسف بنا الأرض أي خسفا معنويا وليس ماديا لأن الخسف المادي ولى زمانه.
لم تعد تستهويني شتائمنا ضدهم وأنهم سبب أزمتنا لأني أؤمن بالقرآن الذي يقول : قل هو من عند أنفسكم. وبه الذي يقول : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إن كنا أهل عدل وحق فعلا فلنسب أنفسنا ولنتشم أنفسنا ولنحاسب أنفسنا ثم لنقرر مزيدا من الهبوط أو محاولة للنهضة.
أما لعنهم سيما من خطباء الجمعة الذين يلعنون اليهود بالمطلق والنصارى معهم بالجملة فهؤلاء أغبى من الغباء دينا أولا لأن ذلك لم يرد أصلا وعند الحديث عنهم يتوخى الخطاب القرآني صيغ الموضوعية والتبعيض " منهم " و ّ" من الناس " إلخ .. ولا هو مفيد خطابا ودنيا وبناء لعقل إيجابي جديد ومعاصر.
أنا لا ألعن ولا أشتم ولا أسب بل لا أزدري أصلا قوما توخوا العدل في أبهى مظاهره الشرعية الإسلامية حتى حكموا بحرية اللباس للمرأة المسلمة في بلاد أكثرها مسيحيون ويهود ودستورها عالماني خالص.
العدل يأبى علي ذلك. إذا كان لا بد من اللعن والسب والشتم ولا فائدة منه أصلا لا دينا ولا دنيا فنحن أولى باللعن والسب والشتم لأننا تديننا تدينا مغشوشا مزيفا لا يقدم ولا يؤخر بل يؤخر.
أيهما دار الإسلام : دار تحرم بالقانون العلوي ما أباح سبحانه وتونس نفسها متورطة في هذا تورطا عجيبا في أمرين إثنين على الإقل لا مناص منهما للحياة وجنى الناس هنا منهما شرورا ومازالوا .. وغير تونس بلاد أخرى كثيرة متورطة في مثل ذلك وأكثر منه. أو دار تبيح الحرية على مصراعيها فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر كما فعلت ألمانيا مثلا فهي تبيح الإختمار ومن حقها أن تمنع الإنتقاب أو تقيده بقيود التفتيش مثلا أو غير ذلك لا عدوانا على حرية ولكن أمنا للبلاد والعباد وتبيح الشذوذ كذلك.
الإسلام لا هو هنا ولا هو هناك. الإسلام شيء آخر شريعة. ولكن أيهما أدنى إلى الإسلام وشريعته. أظن بل كلي يقين أن الدار التي تتيح الحرية هي أدنى إلى الإسلام وشريعته وإن لم تكن إسلامية خالصة اما الدار التي تمنع ما يبيحه الإسلام فلا علاقة لها بدار الإسلام ولا بالأمن والسلام.
ذلك أن أول وأكبر وأعظم مقصدي عقدي وليس شرعي فحسب هو الحرية وليس سوى الحرية. فمن يتيح الحرية هو أدنى إلى العقيدة ممن يمنعها.
تلك هي رؤيتي وذلك هو فهمي فمن له ما يعارضني به فأهلا وسهلا ومرحبا على قاعدة الحجة والبرهان وليس الخوض الباطل وعلى قاعدة الأدب وليس الطيش والحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.