رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أجل.. الثورة فتنة فاتنة ..
نشر في الحوار نت يوم 09 - 03 - 2011


الشيخ هادي بريك
قال تعالى : „ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا”.( الأحزاب 39).

وأخرج إبن ماجة أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا : رجل أم قوما وهم له كارهون وأخوان متصارمان وإمرأة باتت وزوجها عنها ساخط”.

ما هو موضوع الموعظة؟

لك أن تقول أن النعيق الذي أراد أن يصرم به علماء البلاط ثورات الشعوب الراهنة بحسبانها فتنة هي فتنة ولكنها فتنة لهم.

كما لك أيضا أن تصوغ الأمر بما يناسب هذا السؤال : أيهما أقرب إليك : شيوعي ناصر الثورة أم مؤمن عاداها؟ أما عندما يكون أعداء الثورة ليسوا سوى بعضا من “ الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله “ فإن الخطب سيكون جللا بالحتم.

بقي سؤال ثالث أخير في هذه المقدمة. هل تحتاج الفتنة التي أوراها بعض عميان البصيرة ممن ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية بالضرورة بسبب مناصبهم الحكومية أو زعاماتهم الشعبية.. هل تحتاج إلى إهراق مداد؟ أم ينطبق عليها قول الشاعر : وما ضر نهر الفرات يوما .. أن خاض فيه بعض الكلاب.

ولكنها تداولات الأيام التي قال فيها الشاعر : جزى الله الشدائد عني كل خير .. عرفت بها العدو من الصديق.

أجل. جزى الله الثورات العربية الراهنة عنا كل خير إذ كانت ميزانا إختبرت به الأمة علماءها وفنانيها وهو إختبار ضروري قبل تدشين مرحلة جديدة وهل ضر جيش أحد أن إنسلخ عنه قريبا من ثلثه في الطريق؟ أبدا. ما ضره ذاك ولكن ضره شره بعضه ( الرماة) إلى الدنيا.

هما إبتلاءان : نجحت الأمة في ثوراتها الراهنة عندما تخلصت من علماء البلاط ممن يقيم الدنيا ولا يقعدها في ما سموه علم الجن والشياطين والسحر والرقى حتى إذا إتصل الأمر بعروش خاوية آلت إلى التهافت حرسوها بفتاوى تفعل فعل السم في الدسم. ولكن أمام الأمة اليوم إبتلاء آخر هو إبتلاء أهل أحد : هل يسيل اللعاب شرها إلى الدنيا أم تقدم القيم وأولها قيمة الإخلاص؟

من هم أولئك أولا؟

تولى كبر الفتنة ممن أعمى فتات العروش المتهافتة بصائرهم مفتي العربية السعودية الذي لم يجد غير الفتنة وصفا مناسبا لثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها وإذا كان ذلك المفتي مقتصدا في الحديث رغم بشاعة الوصف فإن صالح اللحيدان وهو عضو سابق بهيئة كبار علماء المملكة ورئيس سابق لهيئة قضائية شرعية لم يكن مقتصدا في تصريحه الذي وصف المظاهرات بأنها : „ من الفتن غير المحمودة شرعا “ مدعيا “ أنه لم يعرف عن أحد من الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة أنه حث الناس عند الإستنكار على القيام بالتظاهر أو بالمغالبة “ وختم شهادة الزور بقوله :“ على الناس السمع والطاعة حتى إذا كان الوالي غير مرضي عنه ما لم يكفر”.

ومن أولئك كذلك الشيخ حسان الداعية المصري المعروف. والداعية الأزهري المصري المعروف كذلك خالد الجندي الذي رشاه الذنب المبتور ( مبارك) بفضائية دينية قبل رحيله ظانا أن الرشوة ذات إتجاه واحد والحقيقة أن الرشوة في الدين والسياسة والمال طريق ذات إتجاهين إذ لا يرشى أحد قبل أن يرشي ولذلك شمل اللعن منه عليه الصلاة والسلام الراشي والمرتشي والرائش بينهما.

أما عن فضيحة وزارة الداخلية السعودية فلا تسل.

أصدرت في الأيام الأخيرة بيانا حذرت فيه المواطنين من التظاهر بسبب أن “ ذلك يتنافى مع الشريعة الإسلامية”. لا شك أن وزارة الداخلية السعودية أصدرت ذلك بعد ضمان موافقة هيئات القضاء العليا والطاقم الديني الذي لا يختلف في فعله ذاك عن السلط الكنسية التي تصدر صكوك الغفران لمن تشاء وتحجبها عمن تشاء.

لكلمة الحق رجال يصدعون بها دوما.

نبراس أولئك جميعا الإمام القرضاوي دون ريب ولكن أنتجت معركة الثورة الراهنة رجالا آخرين لم يتلجلجوا في قول الحق منهم الداعية السعودي المعروف الشيخ عايض القرني الذي ذكر إتصال سيف الإسلام ( سيف الجاهلية كما سماه الإمام القرضاوي ) به إبتغاء فتوى تحرم الإحتجاج في ليبيا ومنهم الداعية السعودي المعروف هو كذلك الشيخ العريفي وآخرون ممن لم ينقل إلينا الإعلام أصواتهم ومواقفهم منهم دون ريب الشيخ الغرياني من ليبيا.

هل هؤلاء جهلة أم منافقون؟

لا تلمني يرحمك الله تعالى في ما قد تراه تعبيرا قاسيا ضد هؤلاء بسبب أمرين :

1 كرامة الإنسان فيما تعلمت من الإسلام وهو مبسوط في القرآن والسنة لكل متعلم هي أول وأكبر وأعظم ثابت في الحياة بعد توحيد الرحمان الديان سبحانه. لم أجد في الإسلام أمرا عظمه الإسلام بعد الله سبحانه من أمر الإنسان تكريما وإستخلافا وإستئمانا. وأي كرامة للإنسان إذا قدم الإسلام من لدن الجهلى أو المنافقين على أنه يحط من قدر الإنسان ويرفع من قدر الحاكم إلى درجة الكذب المفترى الذي لا يبيح للإنسان المقهور مجرد الصراخ والعويل إحتجاجا أو تظلما حتى لو قام الحاكم “ بلطم وجهه وأخذ ماله وجلد ظهره”. أنا لا أتردد لحظة واحدة علنا وسرا في التعبير عن براءتي من هذا الدين الإسلام إذا كان ذاك موقفه من الإنسان. إذا كان الجهلة والمنافقون يرمون الإسلام في أعز ما أظن أنه يملكه أي كرامة الإنسان إلى حد تقريره إهدار دمه بنفسه مقاومة لحاكم جائر ولو كان مسلما : „ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر “ إذا كان الجهلة والمنافقون يفترون على الإسلام بمثل ذلك فإنا أو إياهم ورب الكعبة حقا وصدقا وعدلا لعلى هدى أو في ضلال مبين. ليس هناك طريق ثالث هنا. لأن المسألة متعلقة بأكبر وأعظم وأول ثابت في الإسلام بعد توحيد الله سبحانه. لو كانت فرضا من الفروض لهان الأمر ولو كانت مستحبا لهان الأمر كذلك ولو كانت أمرا مختلفا فيه لهان الأمر مرة ثالثة أخرى.

2 السبب الثاني هو أن الثورات العربية الراهنة هي فرصة الأمة في التحرر والإنعتاق من حقبات الجور والقهر والظلم على معنى أن الذي يعيق الأمة منذ قرون وعقود أن تستعيد دورها الريادي الرسالي المجيد خير أمة أخرجت للناس ليس سوى إنتصاب أنظمة القهر والإستعباد والإسترقاق والفساد وموالاة أعدائها بالحديد والنار. ملخص كل ذلك في قاعدة من قواعد التحرر والنهضة إسمها : الحرية أسبق من الشريعة. الحرية أولى لأن الشريعة في مناخات العبودية ظلم وقهر وإجحاف. الحرية أم والشريعة بنت. الحرية كفيلة بتحرير الإنسان من أنماط القهر والجور والفساد والإستغلال المحمي بسلطان الدولة وكلابها أما الشريعة فهي تحمي الإنسان من الإنسان من بعد ذلك. ولا شك أن الحماية من قهر الدولة أولى بالتقديم.

السبب الثاني معناه أن الثورات العربية الراهنة مفتاح التقدم والنهضة وإستعادة المجد برشد وتدرج وتكافل. فإذا كانت كذلك فإن صديقها هو صديق الأمة والإسلام وعدوها هو عدو الأمة والإسلام. فما بالك إذا كان عدوها يملك سلطان الفتوى في أمة مسلمة؟ ذلك يرتقي لو كان في الأمة نظام دستوري قضائي أعلى يحمي الأمة إلى ما ترتقي إليه الخيانة العظمى. أجل. خيانة عظمى أن يفتي مسؤول حكومي من موقع النفاذ والقرار والتمكين بأن الإحتجاج السلمي فتنة أو أن التظاهر مخالف للشريعة. أن يفتي بذلك داعية مغمور أو مشهور هو جهل بالتأكيد ولكن موقعه الشعبي كفيل بخفضه وأي ميزان أصدق من ميزان الأمة يرفع بها سبحانه من يشاء ويخفض بها سبحانه من يشاء.

هي الثورة : إمتحان يصطفى به من يشاء شهيدا ويرفع به من يشاء راسخا في العلم لا يخاف فيه سبحانه لومة لائم ويخفض به من يشاء سبحانه من الجهلى والمنافقين.

لنفترض أنهم جهلة.

1 القضية ليست خلافية حتى ينبري لها الراسخون تحقيقا وتأييدا وإشباعا بالأدلة. إذا كانت قضية كرامة الإنسان في الإسلام خلافية فما الذي بقي من الإسلام؟ الثوابت لا خلاف عليها في الإسلام. ولكنها الفتنة عندما يعمد الجهلة والمنافقون لجعل بعض الأمور الثابتة القطعية خلافية. تلك هي الفتنة الحقيقية التي قال فيها سبحانه في أوائل الزهراء الثانية : „ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه أيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا”.

2 أليس يلفى كل من يقرآن القرآن الكريم مرة واحدة أن الله سبحانه يشن حربا في إثرها حرب ضد الفراعنة والهوامين والقوارين؟ ألم يسل هؤلاء أنفسهم هذا السؤال البدهي : أي محل لفرعون وهامان وقارون وجنودهم في القصص القرآني الذي يحتل من القرآن الكريم ما لا يقل عن ثلثه بل أزيد في زمن “ ولى فيه الفراعنة والهوامين والقوارين”؟ كل من يقرأ القرآن الكريم لأول مرة يخرج بنتيجة صارخة هي : لا يبغض الله سبحانه شيئا بغضه للظلم والقهر وإستعباد الإنسان حتى قال : „ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم”. بل قال في الحديث القدسي الصحيح : „ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا “. ما الذي يجعله سبحانه يقول : حرمت الظلم على نفسي؟ إنما لتبشيع الظلم وتسويغ تحريمه على الناس.

3 هل خلص موسى عليه السلام لا يقولن جاهل أن الإستشهاد بموسى عليه السلام من القرآن الكريم غير ذي موضوع لأنه شريعة من قبلنا لأن القول بشريعة من قبلنا في المعاملات وليست في الأسس العقدية العظمى المقدمة وكرامة الإنسان حماية له من الظلم والقهر إقتضاء عقدي وليس مجرد عمل جارحي هل خلص موسى عليه السلام قومه بني إسرائيل من فرعون لأنهم إسرائيليون أم هل خلص المؤمنين منهم فحسب؟ كل من يقرأ القرآن الكريم يدرك أنه خلصهم من فرعون أولا لا فرق بين مؤمنهم وكافرهم ثم عرض عليهم دينهم. ليس أدل على ذلك من أن بعضهم ممن إتبعوه قالوا له بعد خلاصهم من فرعون : „ إجعل لنا إلها كما لهم آلهة”. أي أنه مأمور بتخليصهم من القهر ثم بعرض الدين عليهم. لم أورد ذلك في القرآن الكريم وهو كتاب محمد عليه الصلاة والسلام وليس كتاب موسى عليه السلام؟ لأنه قاعدة عقدية عظمى مقدمة. لأن الحرية في الدين كله والإسلام بصفة خاصة هي فيصل العقيدة في الإسلام.

4 أخلص إلى أن هؤلاء ليسوا جهلى لأن الأمر في كرامة الإنسان وأولوية الحرية في الإسلام وما يطفح به الكتاب العزيز فضلا عن السنة والسيرة هو أمر عقدي باهر معلوم من الإعتقاد الإسلامي بالضرورة وليس هو واجب عادي أو فريضة عادية بله أن يكون أمرا محل خلاف بين العلماء. وبعد ذلك وقبله فإن النفور من الظلم والقهر غريزة سبقت الدين لأن الفطرة أسبق من الدين فالدين هو الذي تعزر بالفطرة والغريزة والجبلة وليست الجبلة هي التي تأيدت بالدين.

5 الفتنة التي أراد هؤلاء المنافقين من علماء السلطان نشرها لا تنطلي حتى على العجماوات والبكماوات والحيوانات لأن هذه مفطورة هي أيضا على النفور من القهر والظلم فهي تقاومه ولكن صدق الحق في قوله : „ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.

بل هم منافقون من طراز خطير جدا ووضيع جدا كذلك.

أجل. إذا إنتفت إمكانية جهلهم بما هو معلوم من الإعتقاد الإسلامي بالضرورة بل بما هو معلوم من الجبلة البشرية بالضرورة فإنه لا مناص من أن يكونوا منافقين خطيرين يبثون الفتنة في صف الأمة ولكنهم منافقون من طراز وضيع جدا. لأنهم آثروا فتات موائد السحت على الآخرة وقبل ذلك على سعادتهم الداخلية وراحة نفوسهم الذاتية. إنما مثلهم مثل بلعم الذي قال فيه سبحانه : „ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض وإتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث”.

نعم الثورة ثورة خفضت أشباحا كنا نعدهم رجالا.

لو لم نجن من هذه الثورات العربية الراهنة المباركة غير ذاك لكفاها فخرا وكفانا. الثورة غربال جمعت فيه الأمة أبناءها فسقط الذي سقط وبقي الذي بقي عالقا بالذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : „ لا تجتمع أمتي على ضلالة “. إذا أجمعت الأمة على الإحتجاج السلمي ضد أئمة الفساد والقهر والجور والتصهين فيها فإن ذلك الإجماع منها هو الإسلام لأن الأمة معصومة في مجموعها وليست معصومة في آحادها. من ذا يجد حكم الأغلبية ( الديمقراطية) مشروعيته.

علماء البلاط السلطاني الفاسد ليسوا أرفع من الفنانين الذين أسقطتهم الثورة.

الثورة ميزان. ميزان شعبي جماهيري رفع المخلصين من أبناء الأمة وخفض المنافقين. لا بد من ذلك في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات “ ليميز الله الخبيث من الطيب “. كيف يشتد سخطنا على الفنانين الذين إتخذوا مواقف سلبية من الثورات العربية الراهنة في تونس ومصر من مثل عادل إمام ولا يشتد منا السخط ذاته على العلماء والفقهاء والأئمة والوعاظ الذين إتخذو الموقف ذاته. تلك قسمة ضيزى. بل هؤلاء أشد منا بالسخط من أولئك لأن هؤلاء يستخدمون الإسلام زورا وبهتانا تأبيدا لحكم القهر والجور والفساد والتصهين علينا.

أجل. الثورة فتنة.

أجل. الثورة بمثل ما أفتى جهلة ومنافقي البلاط السلطاني الفاسد في السعودية ومصر وتونس وغيرها الثورة فتنة. ولكنها فتنة فتن بها سبحانه الناس أي إبتلاهم وإختبرهم وإمتحنهم لغة فطهرت الفتنة الخلص من أبناء الأمة من صدإ الفتاوى المستكبرة المتعالية ووأدت الجهلى وما هم بجهلى ولكنهم منافقون . هي فتنة بمعنى قوله سبحانه : „ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون “. فتن الناس بالثورة فنجا الذي نجا منحازا إلى إرادة المجتمع التي هي من إرادة الله سبحانه ولذلك أجرى الملك على في شاعر الخضراء الشابي عليه الرحمة .. أجرى على لسانه قوله : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.. أجرى ذلك على لسانه لأن ربه هو القائل : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. فتن الناس بالثورة فنجا من نجا منحازا إلى إرادة المجتمع لأنها من إرادة الله سبحانه وهلك من هلك ممن إنحاز إلى الظالمين والمجرمين والمتكبرين والحمد لله رب العالمين.

هذا هو الفقه الإسلامي الراشد.

صل أو لا تصل. سواء عليك. إذا كنت إماما ليس المقصود من إمامة الحديث إمام الصلاة دون إمام السياسة إلا عند من طمست بصيرته من الجهلى والمنافقين بل إن إمامة السياسة والحكم أشد قصدا هنا لأنها أشد أثرا من إمامة الصلاة إذا كنت إماما في أي موضع يستدعي رضى الناس فصل أو لا تصل سواء عليك. لا تقبل منك صلاتك لأنك أممت الناس دون رضاهم. ذلك هو الفقد الإسلامي الراشد. وذلك هو أول وأكبر وأعظم ناقض من نواقض الصلاة حري بالفقهاء أن يضمنوه كتبهم حتى تتصل حلقات الشريعة بالعقيدة. أما الإجتزاء فعاقبته وخيمة وهو ضرب من الإقصاء والإستثناء الذي نشكو منه في الحياة السياسية وهو في الحياة الدينية أشد ضرا وأحرى بالحرب حتى يزاح.

أيهما أقرب إليك شيوعي ناصر الثورة أم مؤمن عاداها؟

أما أنا فلا أتردد وبصوت عال عن الإعلان أني منحاز إلى الميزان الإسلامي المعمول به هنا. معلوم أن الإسلام له أكثر من ميزان في تعيير الأمور. هي موازين متكاملة بحسب إختلاف الحقل وليست موازين متقابلة أو متضاربة بحسب الأهواء والأمزجة. منها ميزان الحق والباطل في العقيدة ومنها ميزان العدل والجور في المعاملة مع الناس ومنها ميزان الخير والشر في الفضائل والرذائل ومنها ميزان المصلحة والمفسدة في ما شأنه التبدل والتحول .. إلى آخر ذلك مما لسنا بصدده الآن. ميزان الثورة هو ميزان العدل والجور وليس ميزان الكفر والإيمان مثلا أو أي ميزان آخر.

بناء على ذلك أعلن دون أي تردد ولا وجل أني مع ذلك الميزان : أي ميزان العدل والجور. فمن كان مع الثورة من منطلق نشدان العدل وعضل الجور فهو رفيق دربي نتعاون فيما إتفقنا فيه ونتحاور فيما إختلفنا فيه ومن كان ضد الثورة فلا رفقة بيني وبينه. فما بالك إذا كان عدو الثورة أو المخذل عنها من أهل الذكر الإسلامي من مثل العلماء والفقهاء وسدنة أوكار الفساد العشائري في الخليج والمغرب؟ سيكون الخطب جللا بالحتم ولا مناص.

صلاة الخاشع له أما مساندته للثورة التي تنصر العدل والعدل أوكد مطالب الإسلام دون أي منازع فهي لي وللشعب والأمة. ولكني لا أظن قطعا أن إمرءا يخشع في صلاته أو يبكي في خلوته إبتغاء مرضاة الله سبحانه طمعا فيما عنده أو خوفا من عذاب النار يوم القيامة .. لا أظن قطعا وأبدا أنه يأتي ذاك ثم يؤزه الشيطان ويحصل منه على ما يبغي أي موالاة الظالم ضد المظلوم. ذلك أمر لا أعتقده حتى ساعتي هذه من يومي هذا.

ليس هناك خشوع في الصلاة والخلوة يفضي إلى فجور في الحياة والعلن.ذلك دليلي على أن قطعان السفاهة من علماء البلاط السلطاني الفاجر منافقون وليسوا جهلى بالحكم الشرعي. إذا لم يسددك سبحانك في أمر العامة ( لا تعيش الأمة اليوم أمرا أكبر من أمر العامة مثل الثورة) فإن الجدار الذي بينك وبين النفاق وليس الجهل جرى له ما جرى لجدار برلين عام 1990.

والله أعلم.

الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.