خرج الوزير الاول الاسبق رشيد صفر عن صمته فيما يتعلق بالصراعات السياسية والحزبية التي سبقت الاطاحة بالرئيس الحبيب بورقيبة في نوفمبر 1987 "في أجواء الاعتقالات والمحاكمات السياسية الخطيرة لقيادات حركة الاتجاه الاسلاميب وبينهم رئيسها راشد الغنوشي. الاستاذ رشيد صفر الذي كان يواكب أربعينية المناضل الوطني الكبير عبد الله عبعاب بحضور عشرات من رفاقه ومن رجال الدولة السابقين تدخل ليقدم شهادة عن الاجواء التي عاش فيها محاكمة قيادات "الاتجاه الاسلامي" وسط في مناخ مشحون كان البعض يدفع فيه نحو اصدار أحكام بالإعدام "لما لا يقل عن 20 قياديا اخوانيا" بينهم الغنوشي ومحمد شمام وعلي العريض وحمادي الجبالي وصالح كركر.. الوزير الاول وقتها الاستاذ رشيد صفر كشف لأول مرة أن "غالبية المسؤولين في الدولة والوزراء كانوا ضد الدفع بالبلاد نحو المجهول وضد اصدار احكام الاعدام التي ستعني الوصول الى نقطة اللاعودة". وأوضح صفر أن تيارين كانا يتقاسمان المسؤولين في الدولة والنخب : الاول يدفع نحو الاعدام وكان من يبرر موقفه ويسعى الى جلب بورقيبة الى صفه بحجة اقدام شبان محسوبين على التيار الاسلامي في أعمال عنف وفي عملية التفجيرات التي استهدفت مؤسسات سياحية في المنستيروسوسة عشية احتفال الرئيس بورقيبة بعيد ميلاده في قصره بصقانس في المنستير. ضغط الصحافة والسفارات أما التيار الثاني الذي قال رشيد صفر أنه كان أغلبيا واورد ان وزيرين او ثلاثة فقط كانا مع الاعدام فكان يتفاعل مع الانتقادات التي تصل الحكومة والرئيس بورقيبة يوميا للاعتقالات والمحاكمات وخاصة لمؤشرات اعدام قيادات "حركة الاتجاه الاسلامي". اورد صفر أن وسائل الاعلام الدولية وشخصيات حقوقية وسياسية تونسية وكثيرا من السفارات كانت تعارض احكام الاعدام ودفع البلاد نحو "نقطة اللاعودة". وكان بورقيبة يطلع يوميا على ردود الفعل على حملة الاعتقالات والمحاكمات وسيناريو استصدار محكمة أمن الدولة حكما بالإعدام ضد السيد راشد الغنوشي وعشرين من رفاقه. لكن بورقيبة وانصار "الحكم الاقصى" كانوا يبررون غضبهم بتفجيرات فنادق في سوسةوالمنستير بالقرب من القصر الرئاسي بسقانص وبأعمال العنف التي تستهدف مؤسسات وشخصيات رسمية (من بينها قضاة وائمة جوامع(. اعدام سيد قطب وكشف رشيد صفر أنه وثلة من كبار المسؤولين أطلعوا الزعيم الحبيب بورقيبة على التقارير الصحفية والديبلوماسية والمواقف الحقوقية الدولية المعارضة للإعدام وللمحاكمات القاسية . كما قام بتذكيره بموقفه أوساط الستينات المعارضة لإعدام الكاتب والمفكر المصري القيادي في حركة الاخوان المسلمين سيد قطب ثم تنظيمه حملة احتجاج على تنفيذ حكم الاعدام فيه. لكن صفر يستطرد قائلا :" مشكلتي ومشكلة كثير من السياسيين في عهد الرئيس بورقيبة أننا كنا نلتقيه ونتحاور معه لكن غيرنا كان يؤثر فيه بعدنا في جلسات العشاء وفطور الصباح وفي دردشات "عائلية خاصة". وسجل صفر انه اختار مع بورقيبة في مكتبه اسمي النائبين عبد الله عبعاب ومحمد المستوري ليكونا في تركيبة هيئة المحكمة. واورد ان وزير الداخلية بن علي مكنه من تجهيزات خاصة في مكتبه في الوزارة الاولى يتابع من خلالها مباشرة سير المحاكمة وتصريحات المتهمين ومرافعات المحامين . "وقد كانت الاجواء والتصريحات تدفع نحو سيناريو الاعدامب. لقاءات بورقيبة مع رئيس المحكمة وسجل السيد رشيد صفر أن الزعيم بورقيبة التقى مرارات مع رئيس محكمة امن الدولة ورئيس النيابة العمومية فيوزارة العدل وقتها المرحوم الهاشمي الزمال . واوضح انه لا يدري ماذا طلب منه بورقيبة بالضبط بالنسبة للاحكام التي كانت محكمة أمن الدولة سوف تصدرها في حق قيادات « حركة الاتجاه الاسلامي" (رغم ما تردد من كون بورقبية طلب منه "الدم" و"قطع ما لا يقل عن 20 رأسا). " لكن رشيد صفر استطرد قائلا: الشيء الوحيد الذي أؤكده هو ان الرئيس بورقيبة قال امامي بحضور وزيرين ( بن علي والسخيري) لرئيس محكمة امن الدولة الهاشمي زمال : اذا حكمكتم بالإعدام فلن اقبل مطالب العفو فتحملوا مسؤوليتكم كاملة,,. وبعد انتهاء المقابلة يقول رشيد صفر خرج الجميع «وكان الهاشمي الزمال يسير بجانبي في الممر المؤدي الى مكتب الرئيس حيث صور بايات تونس القدامى فالتفت الى رئيس المحكمة قائلا : هل فهمت رسالة الرئيس بورقيبة عليكم أن تتحملوا مسؤوليتكم كاملة لأن اصداركم أي حكم بالإعدام سيؤدي الى تنفيذه لان بورقيبة قرر أن لن يلغيه مستخدما حقه الدستوري في العفو". في مكتبي بن ضياء وبن علي لكن "المنعرج"حصل أثناء المحاكمة لما تضاعفت الضغوطات الصحفية والديبلوماسية الدولية وتعاقب زيارات السفراء الى مكتبي ومكتب مدير الحزب الدستوري آنذاك المرحوم الوزير عبد العزيز بن ضياء لمحاولة الضغط في اتجاه تجنب «نقطة اللاعودةب أي حكم الاعدام. ويمضي صفر قائلا :»افي احد ايام المحاكمة جاءني المرحوم عبد العزيز بن ضياء الوزير المعتمد لدى الوزير الاول ومدير الحزب ليعلمني بأمرين: الاول ان عدة شخصيات وطنية وسفراء اتصلوا به طالبين عدم اصدار حكم الاعدام والثاني أنه التقى النائبين عبد الله عبعاب ومحمد المستوري وفهم منهما انهما سوف يصوتان ضد حكم الاعدام اذا اقترحه رئيس المحكمة الهاشمي الزمال". يقول صفر:"نزل هذا الخبر علي بردا وسلاما لأن هيئة محكمة امن الدولة تحتاج الى اجماع الاعضاء لإصدار احكامها بالإعدام ولان سي عبد العزيز بن ضياء أعلمني أن النائبين عبد الله عبعاب والمستوري قررا الاتصال كذلك بوزير الداخلية آنذاك زين العابدين بن علي لإعلامه بموقفهما". ويستنتج صفر ان تونس "تجنبت الحكم بالإعدام في محاكمات امن الدولة 1987 بفضل النائبين عبعاب والمستوري ودعم بعض كبار المسؤولين في الحكومة لهذا التمشي". دستوريون وعسكريون وطنيون ونوه رشيد صفر بالمناسبة بوطنية المرحوم القائد العسكري والنضالي الوطني والنائب سابقا عبد الله عبعاب وبتيار كامل من الدستوريين الذين خدموا تونس خلال الكفاح ضد الاحتلال الاجنبي ثم عند مرحلة بناء الدولة الوطنية الحديثة منذ 1956 .كما توقف عند المواقف الشجاعة لعدد كبير من الدستوريين من التعددية والديمقراطية بينهم المرحوم عبد الله عبعاب الذي ادلى في المحاكمة السياسية التي نظمت للمعارضين اليوسفيين وزعمائهم وبينهم الزعيم علي الزليطني وتمسك بشهادة لصالحه ساعدت في تجنب اصدار حكم الاعدام ضده. واذ نوه صفر بتطورات الخطاب السياسي للأطراف السياسية حاليا فانه توجه مرارا الى قيادات حركة النهضة وزعامات الاتجاه الاسلامي سابقا بنداءات ل» تونسة « خطابهم الفكري والسياسي وب» التأقلم مع الواقع التونسي « والقطع مع الافكار المتشددة والتأويلات المتطرفة للدين الاسلامي» التي تسببت في تنامي مخاطر العنف السياسي والارهاب باسم الدين في مناطق عديدة من العالم بينها تونس«.