وزارة الفلاحة تدعو البحّارة إلى عدم المجازفة والإبحار الى غاية إستقرار الأحوال الجويّة    خطير/ تدليس تواريخ صلاحية منتجات لبيعها بمناسبة رأس السنة..!    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    عاجل : شركة التونسية للملاحة تفتح مناظرة لانتداب 61 إطار وعون إداري    صادم/ كهل يحتجز فتاتين ويغتصب احداهما..وهذه التفاصيل..    النادي الإفريقي: مهدي ميلاد تحت الضغط    رئيس جامعة البنوك: تم تاجيل إضراب القطاع إلى ما بعد رأس السنة    السعودية.. الكشف عن اسم وصورة رجل الأمن الذي أنقذ معتمرا من الموت    كأس إفريقيا للأمم : تعادل أنغولا وزيمبابوي (1-1)    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    توزر: تنشيط المدينة بكرنفالات احتفالية في افتتاح الدورة 46 من المهرجان الدولي للواحات    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    صادم : أم تركية ترمي رضيعتها من الطابق الرابع    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    القصرين: تدعيم المستشفى الجامعي بدر الدين العلوي والمستشفى الجهوي بسبيطلة بآلتي مفراس حديثتين    جريمة مزلزلة: أم ترمي رضيعتها من الطابق الرابع..!    ممثلون وصناع المحتوى نجوم مسلسل الاسيدون    مقتل شخصين في عملية دهس وطعن شمالي إسرائيل    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    عاجل-مُنتصر الطالبي: ''نحبوا نكملو لولالين في المجموعة''    نجم المتلوي: لاعب الترجي الرياضي يعزز المجموعة .. والمعد البدني يتراجع عن قراره    تونس والاردن تبحثان على مزيد تطوير التعاون الثنائي بما يخدم الأمن الغذائي    خبير تونسي: هاو علاش لازمك تستعمل الذكاء الإصطناعي    سيدي بوزيد: "رفاهك في توازنك لحياة أفضل" مشروع تحسيسي لفائدة 25 شابا وشابة    بُشرى للجميع: رمزية 2026 في علم الأرقام    عاجل/ انفجار داخل مسجد بهذه المنطقة..    مارك زوكربيرغ يوزّع سماعات عازلة للحس على الجيران و السبب صادم    محكمة الاستئناف : تأجيل النظر في قضية "انستالينغو" ليوم 09 جانفي القادم    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    إهمال تنظيف هذا الجزء من الغسالة الأوتوماتيك قد يكلفك الكثير    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    عاجل: دار الإفتاء المصرية ''الاحتفال برأس السنة جائز شرعًا''    عاجل: المعهد الوطني للرصد الجوي يعلن إنذار برتقالي اليوم!    سليانة: ضبط برنامج عمل مشترك إستعدادا للاحتفال برأس السنة الإدارية    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    من الهريسة العائلية إلى رفوف العالم : الملحمة الاستثنائية لسام لميري    رئيس غرفة تجار المصوغ: أسعار الذهب مرشّحة للارتفاع إلى 500 دينار للغرام في 2026    تونس : آخر أجل للعفو الجبائي على العقارات المبنية    عاجل/ مع اقتراب عاصفة جوية: الغاء مئات الرحلات بهذه المطارات..    هام/ كأس أمم افريقيا: موعد مباراة تونس ونيجيريا..    أمطار غزيرة متوقعة آخر النهار في هذه المناطق    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مقابلات اليوم من الجولة الثانية    عاجل : لاعب لريال مدريد يسافر إلى المغرب لدعم منتخب عربي في كأس الأمم الإفريقية    مصر ضد جنوب إفريقيا اليوم: وقتاش و القنوات الناقلة    عاجل: هكا باش يكون طقس ''فاس المغربية'' في ماتش تونس ونيجريا غدوة    عاجل/ قتلى وجرحى في اطلاق نار بهذه المنطقة..    أبرز ما جاء لقاء سعيد برئيسي البرلمان ومجلس الجهات..#خبر_عاجل    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز... التفاصيل    ترامب يعلن شن ضربة عسكرية على "داعش" في نيجيريا    تظاهرة «طفل فاعل طفل سليم»    أولا وأخيرا .. رأس العام بلا مخ ؟    يتميّز بسرعة الانتشار والعدوى/ رياض دغفوس يحذر من المتحور "k" ويدعو..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصفة علمانية لإنقاذ الاسلام
نشر في الحوار نت يوم 26 - 04 - 2015

من حين لآخر تخرج الرموز العلمانية " المسلمة " بمبادرات جريئة لخدمة الاسلام وإنقاذه من التردّي الذي يرتكس فيه ، حسب وجهة نظرهم ، وفي هذا السياق وجّه من فرنسا " الفيلسوف " عبد النور بيدار ما أسماه " رسالة مفتوحة إلى العالم الاسلامي " في أكتوبر 2014 ، ضمّنها وصفة سحرية لحلّ مشكلات المسلمين ، اتّسمت بدرجة كبيرة من العجرفة والغرور.
دعا بيدار – الذي وصف نفسه في الرسالة المفتوحة بالفيلسوف الذي شبّ منذ نعومة أظفاره على التصوّف وعلى الفكر الغربي – العالم الاسلامي إلى أن يهبّ أبناؤه إلى " إصلاح الاسلام " بإعادة اكتشاف عبقريته فيما وراء أشكاله التاريخية من أجل مساعدة الانسانية على إيجاد حياة روحية للقرن العشرين.
وأكّد بداية أن المليار ونصف من المسلمين في العالم كلّه يعانون مرضا خطيرا لم ينجُ منه إلا قلّة قليلة من " المستنيرين " مثله ناتجِ عن جهل مطبق بالإسلام " الصحيح " ، وداءُ المسلمين الأول الذي جعلهم عرضة - أو مصدرا – للتخلف والإرهاب هو اعتقادهم أن الاسلام هو الدين الحقّ وهو أفضل من الأديان الأخرى ! ( وقد علّق الصحفي الفرنسي آلان كريش على ذلك بقوله : " لم يضع – حسب علمي - لا البابا ولا أكبر راهب يهودي دينه على نفس مستوى الأديان الأخرى " )، لكن السرّ الأكبر الذي كشف عنه بيدار وقد بقي خفيا ومجهولا منذ 15 قرنا هو أن " القرآن يصرّح بأن على الانسان أن يتعالى حتى يصبح خالقا " ، وكذلك أن " أيّ كائن بشري يجب أن يكون حرا وسيّد نفسه ولا يبقى مخلوقا ولا عبدا لأيّ أحد " !، هذا ما غاب عن المسلمين رغم أن كتابهم المقدس يصرّح به منذ نزوله لكن أحدا لم يفهمه قبل الفيلسوف المعاصر !والذي حرّف القرآن إذًا وحوّل الاسلام إلى آلة جهنمية تنتج التقتيل والتخريب هم بكل ّ بساطة علماء الدين منذ فجر الاسلام ، ويكمن العيب الأكبر حتى اليوم في ترك التحدث باسم الدين لجهلة منغلقين شكلتهم الذهنية الدينية ... فما الحلّ إذًا ؟ ومَن المؤهل لتفسير الاسلام ؟ إنهم فقط المفكرون من أصل إسلامي الذين يعيشون في الغرب ويتبنون قيمه وثقافته ، وتتلخص المهمة الموكلة إليهم في " علمنة " الاسلام و" أنسنته " حتى لا تبقى له صلة بالوحي والمقدّس والتاريخ الذي صنعه المسلمون في كنفه ، ومستقبل المسلمين – ومعه البشرية – قاتم إذا بقي الاسلام ينتج وحوشا بسبب عدم تكيّفه مع الحضارة الغربية.
و لا ينسى عبد النور بيدار أن يضيف دواء أساسيا فعالا لمعالجة " مرض " الإسلام وهو التصوّف أي بعث تديّن وجداني بحت ، " محايد " لا علاقة له بشؤون الحياة ، يحيي معاني التديّن البشري الذي لم يتعكّر بالخوض في السياسة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و ونحوها من الانشغالات الدنيوية التي تفسد الدين ويتاجر بها العلماء فضلا عن الحركات والأحزاب والجماعات الاسلامية ، فلا بدّ من أجل إصلاح الاسلام من " المشاركة في تجديد كامل للعلاقة التي أقامتها البشرية إلى حدّ الآن مع آلهتها " ، وهذا التجديد ليس سوى قطع العلاقة مع الدين السماوي واتخاذ دين بشري – يسميه بعضهم الدين الطبيعي – لا مقدس فيه ولا أحكام ولا ثوابت ، أي الانخراط في فلسفة الحياة الغربية والقطيعة التامة مع القرآن والسنة لأنهما مصدر الإزعاج لهذه المساعي التغريبية ، ويتناسى بيدار أن الاسلام الذي يتهمه في أصله كمنتج للإرهاب يدحضه تاريخ الحضارة الاسلامية الناصع التي أقامها المسلمون انطلاقا من الوحي وقيمه وأحكامه وأخلاقه ، وبيدار يسمي اقتراحه " الخروج من السجن الأخلاقي والاجتماعي لدين متحجّر جامد ، وأحيانا شمولي " ، ويسوق كالعادة " مثالب " هضم حقوق المرأة والأقليات الدينية والعجز عن الانخراط في الديمقراطية " .
والعالم الاسلامي كلّه مريض – حسب الفيلسوف – بالشقاء والعدوانية بسبب الهيمنة التي أعطاها للدين على الحياة كلها وبسبب الخلط بين الروحانية والعبودية ، ولا عبودية للإنسان لأيّ أحد بل إن حجر الأساس لإصلاح الاسلام هو إشاعة الحرية العقدية والاشتغال بالرقي المادي والسعي الدنيوي بلا سلطة لأحد على ضمير الانسان ، أما الشيوخ والفقهاء والمفتون الذين يقولون غير هذا فقد خانوا النص المقدس لدينهم واخترعوا عبر العصور قوانين أفسدوا بها الدين وأرهقوا كاهل المسلمين ، والإسلام الذي يؤمن به المسلمون " دين رجعي متحجّر حرفي شكلاني ذكوري محافظ منكفئ " ، بل أكثر من ذلك ، إذ على المسلمين الاقرار " بأنّ الدين أضحى مجرّد واقعة اجتماعيّة ضمن بقيّة الوقائع الاجتماعيّة في جميع أنحاء العالم، وبأنّه لم يعد لتكاليفه الباهظة أيّ شرعيّة " ، والبديل هو فقط التخلّي عن مقولات " وحدة العقيدة الإسلاميّة وأنّ طاعة أركان الإسلام هي وحدها الصراط المستقيم " ، ويسمّي كل هذا " إعادة إشراقة النور " للعالم الاسلامي التي تقتضي حتما إعادة تشكيل حياة المسلمين وفق " المبادئ الكونية " أي حرّية الضمير، والديمقراطيّة، والتسامح، وحقوق المواطنة لجميع تنوّعات رؤى العالم والمعتقدات، والمساواة بين الجنسين وتحرير المرأة من كلّ وصاية ذكوريّة، والتفكير وثقافة النقد الديني في الجامعات، والأدب، والإعلام.
خلاصة رسالة الفيلسوف أن أصل الداء في العالم الاسلامي هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، والدواء إذًا هو التخلي عنه - عقيدة وشريعة ومرجعية – والأخذ بما أخذ به الغرب ، وإلا فإن العالم كله – بدءا بالمسلمين – سيكون ضحية " الوحوش " الذين أنتجهم الاسلام.
تندرج خطوة هذا الرجل ضمن حملة فكرية إعلامية انطلقت في الغرب – وفي فرنسا بالذات – منذ مدة توكِل مهمةَ هدم الاسلام من الداخل إلى مفكرين وصحفيين يحملون أسماء عربية متشبعين حتى النخاع بالقيم الغربية – ولا أقول الانسانية – يحملون بغضا شديدا للإسلام ويعملون على " إصلاحه " ، يؤلفون ويكتبون وتشرع لهم القنوات والصحف الغربية – والفرنسية بالذات – الأبواب وتحيطهم بهالات من التضخيم ليتولوا تقديم الاسلام بتفسير جديد لا يعرفه مسلم منذ البعثة النبوية ، فلا تخلو قناة فرنسية من تحليلات " علمية " لحالة الاسلام والمسلمين كتهديد للحضارة والبشرية يقوم بها علمانيون متطرفون أمثال عبد النور بيدار وعبد الوهاب المؤدب – الذي وافاه الأجل في المدة الأخيرة – ومحمد سيفاوي ، أصحاب اجتهاد من غير أهله في غير محله يهدف باسم التجديد إلى تبديد الدين الإسلامي في سعي اشتشراقي حديث يوظف الشبهات وأحداثا مجزّأة من التاريخ ومقتضيات العصر لتحميل الاسلام مسؤولية ما تعانيه كثير من البلاد الاسلامية من مظاهر سلبية على أكثر من مستوى ، وإنما ينخرطون بذلك في مبادرة الغرب لصنع عدوّ استراتيجي يخلف الشيوعية ، وقد سموه " الخطر الأخضر " ، وكان لمن يُطلق عليهم " المفكرون المسلمون الجدد " أو " التنويريون " دور كبير في تسويق صورة الاسلام ككبش فداء يسهل النيل منه وتحميله مسؤولية جزء كبير من مآسي العالم كله ، وإذا سلك بيدار وزملاؤه سبيل الحضور الصحفي فإن أمثال محمد أركون سلكوا سبيل الدراسات الأكاديمية لخدمة الغرض نفسه : الاسلام هو الشرّ المطلق ، وما الإرهاب إلا ناتج طبيعي لهمجية هذا الدين وعدوانيته المتأصّلة في مرجعيته ونصوصه وتطبيقاته.
قد لا يجد هذا الخطاب التحريضي ضدّ الاسلام صدى في البلاد الاسلامية رغم جهود غلاة العلمانيين المضنية والتسهيلات التي يحضون بها من طرف الأنظمة الاستبدادية – وهو ما اعترف به أركون في آخر حوار قبل وفاته – لكن وقعه في الغرب كبير إلى حدّ ما إذ يتكأ عليه اليمين المتطرف كشهادة قطعية من داخل الاسلام على عدوانيته المتأصلة وعدم صلاحيته للمجتمعات المتحضرة ، ولا بدّ إذاً من خطاب إسلامي قويّ يشغل الساحة الاعلامية والفكرية الغربية لدحض شبهات هؤلاء اللادينيين وتقديم رؤية أصيلة مدعّمة بالأدلة والشواهد ، وهو عمل يؤديه بكثير من التوفيق أمثال طارق رمضان ، بصبر كبير عبر الحوار والنقاش والمناظرة والكتابة الصحفية والأكاديمية ، ويُنتظر ان يتدعّم بجهود العلماء والدعاة والمفكرين العارفين بدينهم المخلصين ، والعارفين بالواقع وآلياته ولغاته ، وقد عرفنا من قطعيات القرآن والسنة ان المنافقين أخطر على المجتمعات المسلمة من الكفار أنفسهم.

عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.