تونس-الصباح الأسبوعي- مازال الوضع في ليبيا معقدا ولم يتضح الى حد اليوم ان كان القرار النهائي بالتدخل قد اتخذ فعليا أم لا. كما أن الحل السياسي لم يتحقق بعد فالحكومة الليبية المرتقبة والتي تعلق عليها آمال كبيرة ،محكوم عليها بالفشل قبل حتى أن تباشر أعمالها نتيجة تعقيد الوضع الليبي على الميدان واختلاف الآراء بخصوص حصولها على الدعم الفعلي داخليا وخارجيا.. خاصة وأن القوات الكبرى تتدخل بغض النظر عن تطورات الحل السياسي ضاربة عرض الحائط بتنديدات الحكومة المرتقبة بخصوص انتهاك السيادة الليبية من أمريكيا ورفض التدخل الأجنبي في الأراضي الليبية. عمليا يبدو الوضع في ليبيا قائما على خطين متوازيين. الخط الأول يتمثل في دق طبول الحرب والنقاشات التي لا تنتهي حول أهداف التدخل العسكري والقوات المشاركة وارتباط التدخل من عدمه بمعطى تشكيل الحكومة واختلاف الآراء الأوروبية والأمريكية في هذا الخصوص. أما الخط الثاني فيبدو ميدانيا بحضور قوى أجنبية على الأرض الليبية وتوجيه ضربات عسكرية الى أهداف في ليبيا تصنف على أنها ارهابية. كل ذلك يجعلنا نتساءل إن كانت البروباغاندا المصاحبة لاحتمال الحرب مجرد «بالون الهاء» يسمح للقوات الموجودة على الأرض بالتحرك بعيدا عن الأنظار؟ كما تجعلنا نتساءل عن معنى أي تدخل قادم في ظل وجود قوات أجنبية تتحرك بحرية على التراب الليبي؟ كما لا تبدو السماء الليبية بعيدة عن التحركات الحرة للطائرات الأمريكية دون طيار توجه ضرباتها هنا وهناك كما تشاء. بريطانيون في مهمة سرية صحيفة «التلغراف» البريطانية كشفت أمس ،أن هنالك وحدة خاصة من القوات البريطانية في مهمة سرية في ليبيا. وليس ذلك مستغربا فعقب اتفاق الصخيرات ،الذي أسفر عن خارطة طريق لمرحلة انتقالية في ليبيا ما انجر عنه اتفاق على شخصية رئيس الحكومة فايز السراج، صرحت بريطانيا أنها سترسل قوات الى ليبيا لدعم الجيش الليبي في المرحلة الانتقالية للتصدي للنفوذ المتزايد لتنظيم «داعش» في البلاد. وما كشفته الصحيفة البريطانية يحيل على أن تعثر اعلان الحكومة الليبية أدى الى تحركات القوى الكبرى ميدانيا بعيدا عن الحل السياسي الذي يبدو صعب المنال. ولا يقتصر الامر حسب الصحيفة على القوات البريطانية الخاصة فقط بل تفيد مصادرها بأن هناك تنسيقا على الأرض بين هذه القوات ونظيرتها الأمريكية في مدينة مصراتة في محاولة للتصدي لتنظيم «داعش». كما أن هذا التنسيق ظهر أيضا من خلال العملية التي نفذت في صبراطة والتي اعتمدت على معلومات استخباراتية بريطانية. ولكن الأخطر من كل ذلك هو حديث الصحيفة عن أن القوات الأمريكية بدأت في تنفيذ «تدريبات تكتيكية لمليشيات ليبية مختارة.» وهو معطى يطرح عديد التساؤلات التي سنعمل على تفصيلها لاحقا. الفرنسيون وحربهم السرية قبل ذلك كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن وحدة من القوات الخاصة وخدمة العمليات السرية لوكالة المخابرات الفرنسية تشارك في المعارك ضد تنظيم «داعش» في ليبيا. العملية تأتي في اطار ما أسمته الصحيفة «الحرب السرية» والهدف منها وان كان يقوم أيضا على التنسيق مع الولاياتالمتحدةوبريطانيا فانه لا يتعلق بتدريب مليشيات أو بتوجيه ضربات لكل من ينضوي تحت لواء التنظيم بل بالأساس بعمليات تستهدف الصف الأول من قيادات التنظيم في ليبيا. الصحيفة قالت ان المخابرات الفرنسية نفذت ضربة في نوفمبر الماضي قتل خلالها العراقي المعروف باسم أبو نبيل وهو نفس الشخصية القيادية البارزة في التنظيم التي أعلن البنتاغون الأمريكي نجاحه في تصفيتها وقد يعني ذلك ان هنالك تنسيقا فرنسياأمريكيا خلال تنفيذ تلك الضربة. ضربات من السماء أشارت مصادر صحفية أمريكية إلى وجود قوات كومندوس أمريكي وصلت إلى ليبيا بعيد اتفاق الصخيرات ولكن سرعان ما غادرت البلاد. الصور المنشورة لها في صحيفة بريطانية خلفت انطباعا بأن الحرب بدأت. لكن الخيار الاستراتيجي في ليبيا يبدو وضاحا من خلال العمليات الأخيرة ويتمثل في توجيه ضربات جوية لأهداف تصنف على أنها إرهابية مرتبطة بتنظيم «داعش» كانت ضربة صبراطة ثالثها. حضور قوات مختلفة في ليبيا يفسر في الآن ذاته الأخبار الواردة بتوجيه ضربات من طيارات تقدم على انها مجهولة ولا يعرف شيءعن الدولة أو الجهاز الاستخباراتي المسؤول عليها. فهل يعني كل ذلك أن القوى الكبرى تتحرك فعليا للسيطرة على تنظيم «داعش» في ليبيا دون انتظار قرار أممي أو قرار علني بالانخراط فعليا في أية مواجهات في ليبيا كنتيجة لتدخل فاشل أول في البلاد؟ وهل أن الحرب السرية أو الصامتة هذه خيار دال عن دق طبول حرب معلنة لا يمكن التنبؤ بحجم خسائرها الحقيقي؟ لعبة الكواليس يبدو أن لعب تلك الأدوار والتي أتقنتها نفس القوى في 2011 سيتكرر مرة أخرى ولكن بأسلوب مغاير .. لن تسلط عليه الأضواء هذه المرة. فرنسا ،وحسب مصادر من وزارة دفاعها، تخير لعب دورها بشكل سري بعد أن كانت عربة التدخل الأول وذلك لأن الانخراط بشكل معلن في حرب جديدة يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية في حين أن العمل بشكل مكثف ميدانيا يحقق أهداف الحرب دون تكبد خسائرها. كما أن التدخل على هذا الشكل وتوجيه ضربات محددة لا يلقى اعتراضا من دول الجوار التي تعارض خيار الحرب على التنظيم في ليبيا وما ستنجر عنه من مخاطر أمنية واقتصادية واجتماعية عليها. ولكنها تفضل هذه العمليات التي تكون تبعاتها محدودة في الزمان والمكان ولن تنتج موجة من اللاجئين أو توفر الظروف الملائمة لتسلل المقاتلينالى دول الجوار هربا من بطش الحرب. ولكن حضور هذه القوات على الأرض وتدريبها لمليشيات بعينها يجعلانها تصطف لصالح هذا الشق أو ذاك وهذا يعني أنها ستخلق نوعا من اختلال موازين القوى فعلى أي أساس تصنف مليشيات في ليبيا على أنها الأكثر اعتدالا والأقل تطرفا حتى تدعم لوجستيا وماديا وتكتيكيا؟ سينتج ذلك بالضرورة خللا في الصراع بين المليشيات الليبية وان أدى الى الحد من نفوذ «داعش» في ليبيا فانه سيؤدي أيضا الى احتدام الصراع في مرحلة ما بعد «داعش». وان لم يتوصل الفرقاء الليبيون باختلافاتهم اليوم إلى حل نهائي فهل يمكنهم ذلك بعد أن يصبح شق من المقاتلين أقوى من البقية ويحظى بفضل تفوقه العسكري مثلا بشرعية السيطرة وتوجيه الفرقاء. هذا يجعلنا ندرك أن أي شكل من أشكال التدخل من الخارج تكون له دائما تبعاته السلبية. ولا يمكن أن يؤدي الى تحقيق انجازات فعلية دون خسائر بعيدة المدى . فالأمر شبيه بكرة الثلج التي تسقط عبر منحدر من الدماء.. الحرب المعلنة الأولى أدت الى توفير الظروف الملائمة لظهور تنظيم «داعش» والحرب السرية الثانية ستؤدي الى انفجار الداخل الليبي أو ربما إلى خيار الفدرالية أو التقسيم .فهل يؤدي ذلك الى تدخل ثالث ورابع والى ما لا نهاية ياترى؟