يحضرني قول المعري وإني وإن كنت الاخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل فقناة سبعة وإن كانت صمتت دهرا عن التكلم في الدين أو في الفكر الاسلامي إلا أنها تبدو مؤخرا تسابق الريح في إثبات مدى حجم الردى الذي وصلنا إليها مادفعني لكتابتي لهذه الكلمات هو ما شاهدته في برنامج للفكر الإسلامي قد حضرت له مقدمته واستدعت شيوخ وأساتذة الجامعة لمناقشة فكر الأشعري وعقيدته ولاأخفي حقيقة صدمتي في الوهلة الأولى بعنوان البرنامج الذي يوحي في وهلته الأولى أننا في صراع فكري كذاك الذي حصل بين المعتزلة وأهل السنة . حدثت نفسي قائلا سيحتدم النقاش الآن بين قائل بنظرية الكسب عند الأشعري وبين تفسير لعقيدة السلف وعقيدة الخلف التي بني عليها المذهب قلت في نفسي لابد أن القوم قد اجتمعوا ليشرحوا كيف قادت الاشعري عبقريته لينقلب على المعتزلة بعد أن تربى بين شيوخها. ولكن خاب ظني فكانت صدمتي بعد سماعي البرنامج أشد منها في الأول. فلقد اتفق الجميع أن ابن أبي زيد القيرواني هو من نشر مذهب الاشعري وهم لايعلمون جهلا أنه لم يكن أشعريا أصلا فكيف يكون هو من نشر المذهب بل زاد أحدهم قول الامام مالك في الاستواء عندما سئله أحد المبتدعة الرحمان على العرش استوى كيف اسوى فقال مالك الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة وماأظنك إلا مبتدعا , فجعل قول الامام مالك هذا أصلا لمذهب الاشاعرة وهو لايعلم أن الأشاعرة يجعلون قول مالك هذا ثاني القولين في المذهب إذ يفضلون التأويل فيفسرون الاستواء بالاستيلاء وكأن الله كان في مغالبة فاستولى على العرش تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ثم يقولون أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم كناية عن قول مالك وقول التأويل ،ثم استشهد أحدهم بكتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري رحمه الله وترك كل كتب الأشاعرة وهو بهذا يثبت أنه لايفرق بين مايوجد في هذا الكتاب وبين ماهو مقرر في مذهب الاشاعرة فهذا الكتاب لايحتوي أي شئ من عقيدة التأويل عند الأشاعرة بل هو خالص في عقيدة السلف في العقيدة لعل الأشعري ألفه في آخر حياته فيكون بذلك قد رجع عن عقيدة الخلف التي تزخر بها كتب الأشاعرة التي جل اجتهاداتها من أتباع المذهب ,وبذلك كانت خلاصة البرنامج أنها لم تأتي بشئ من مذهب الأشاعرة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن في خضم هذا الصراع السلفي الأشعري إن صح فمن هم أهل السنة والجماعة فالاشاعرة يريدون حصر مسمى أهل السنة فيهم وفي الماتريدية التي لايختلفون معها كثيرا متناسين بذلك أن مسمى أهل السنة نشأ أصلا قبل مذهب الأشاعرة وأن عقيدة السلف الأولى هي ماتركها رسول الله صلى عليه وسلم ولعل السلفية في عصرنا هذا ماهي إلا امتداد لتلك الفترة المباركة ولعلها القول الأقرب لسلف الأمة وبالمقابل يريد بعض السلفية حصر مسمى أهل السنة فيهم متناسين أن علماء أجلاء من السنة كانوا أشاعرة من أمثال النووي وبن حجر رحمهما الله . وبهذا يتضح أن السلفية والأشعرية ماهي إلا رئى واجتهادات داخل مسمى أهل السنة والجماعة غفر الله للمخطئ منهم ووفق المصيب منهم .