في الفترة الأخيرة بدأ بعض العراقيين يحتفي ببعض مقالات عبد الباري عطوان ويعيد نشرها عبر مواقع التواصل. بينما كان عطوان حتى فترة ليست بالبعيدة من أبغض الكتاب العرب بالنسبة للعراقيين (طبعاً أقصد هنا العراقيين المعارضين للفاشية السابقة والإرهاب الحالي المعلن والمقنع). هل تغير عطوان فعلاً؟ لا أعتقد ذلك. بل أعتقد أن العراقيين الذين يحتفون بمقالاته الأخيرة لا يجيدون قراءة ما بين السطور وينخدعون بهجوم عطوان على السياسات السعودية والإعلام الخليجي. أمس أعاد أكثر من عراقي مقاطع من مقالة عطوان حول الموقف العربي من الفلوجة تهجم فيها على الإعلام الذي وصفه ب "الإعلام الخليجي السني" المتباكي على الفلوجة، التي يشن الجيش العراقي حملة لاستعادتها مدعوماً من قبل "القوات العربية الشيعية"، حسب وصف عطوان لفصائل الحشد الشعبي. بينما يستغرب عدم اهتمامهم بمدينة الرقة التي تحاصرها "قوات كردية مدعومة أمريكياً". ثم يتساءل في المقالة نفسها: ((هل هناك مواطنون “سنة” درجة اولى يجب حفظ ارواحهم، لان “الجزار” عربي شيعي، وآخرون درجة ثانية او ثالثة يجب اباحة دمائهم حلال لان “الجزار” كردي سني؟)). ظاهرياً يبدو عطوان وكأنه يقف إلى جانب القوات العراقية التي تريد استعادة الفلوجة المغتصبة من قبل عصابات الإرهاب الداعشي. لكن هذه قراءة سطحية لا تفهم – في رأيي- الموقف الذي ينطلق منه عطوان. رأيي في عطوان الذي كونته بعد متابعة طويلة لكتاباته أنه ليس كاتباً مرتزقاً يكتب ما يطلبه منه ممولوه كشأن عشرات الكتاب والإعلاميين العرب، بل إنه لا يكتب سوى ما يعبر عن توجهاته الشخصية حتى لو أخذ المال من بعض الأنظمة. عبد الباري عطوان ليس مأجوراً أو مرتزقاً بل هو "إرهابي". بل هو في رأيي نموذج "الإرهابي الخالص". ولو لم يكن كاتباً لكان من الممكن أن يفجر نفسه في أي مكان، في بغداد أو بيروت أو الرياض أو لندن أو كراتشي. في مقالته الأخيرة حول الفلوجة، التي ظن البعض أنه يقف فيها إلى جانب تحرير الفلوجة من "داعش"، يدافع عطوان في الحقيقة عن داعش، وهو منزعج من "الإعلام الخليجي السني" لأنه ليس متضامناً بما يكفي مع داعش، فهذا الإعلام لا يهتم للدواعش في الرقة التي تتهيأ قوات كردية لحصارها، ويرى هذا الإعلام "طائفياً ومنافقاً" في دفاعه عن داعش، لأنه (الإعلام الخليجي) يدافع عن دواعش الفلوجة كرهاً بالشيعة، بينما عطوان يدافع عن داعش حباً بداعش لا كرهاً بالشيعة أو غيرهم. هناك فرق جوهري بين عطوان وبين عشرات الكتاب المرتزقة (فيصل القاسم مثلاً) الذين يدعمون الآن داعش دون أن يكونوا معجبين بها حقاً. هؤلاء يكتبون إرضاء للموليهم من شيوخ الخليج ومن يقف خلفهم وهم جميعاً معادون في الحقيقة لداعش لكنهم يريدون استثمارها وتوظيفها في خدمة مشاريعهم التخريبية في العراق وسوريا. أما عطوان فهو داعشي حقيقي، إنه يجد نفسه في داعش وأشباهها (صدام وبن لادن والقذافي...الخ). الإرهابي الحقيقي (الذي ينفذ عملية انتحارية مثلاً) هو شخص كاره لكل شيء في العالم، ناقم، موتور، يتمنى الموت والخراب للجميع، لأنه لسبب ما يشعر باليأس والخذلان ولا يتحمل أن يرى حياة الآخرين بينما هو لا يشعر بالحياة. وهكذا هو عبد الباري عطوان.. إنه شخص موتور، مخذول، حاقد على الحياة وعلى كل البشر.. لذلك فإن كتاباته تبشر دائماً وابداً بالمزيد من الخراب والدمار.. وتحتفي بكل شخص أو تنظيم تدميري.