لاشكّ أنّ أصحاب المواقف المعادية للثورات يشكّلون معضلة على الصعيد السياسي لكنّهم ليسوا كذلك من المنظار الفكري ، فوجْه الإعضال لا يكمن في “الرفض” بحدّ ذاته بل في غياب نسق فكري صُلب يسند هذا “الرفض” ،، فعندما عارض “إدموند بيرك” التغيير الثوري في بريطانيا في القرن الثامن عشر كان ذلك من منطلق فلسفي عميق يدور حول المحافظة على كيان الدولة والاشتغال على آليات الإصلاح الذاتي والحرص على تجنّب حالة الفوضى التي تقطع ذلك “التراكم التاريخي الخلاّق” ،، ولم يكن موقف “بيرك”مبدئيا أي دوغمائيا مغلقا بل كان يقف عند الحالة البريطانية حصْرا بدليل تأييده للثورة الأمريكية مثلا ،، تجربة المفكّر الإيرلندي الشهير تُعرّي أشباه المثقّفين بعد الثورات العربية الذين مازالوا يسبّحون بحمد الأنظمة “الساقطة”عبر تقديم طروح انطباعية شعبوية تتأرجح في معظمها بين قطبيْ السيئ والأسوأ أيْ معادلة “كنا وأصبحنا” ولا يقدّمون بناءً علميا متماسكا يبرّر وجهة نظرهم”المحافظة”،، فهم لا يفكّكون طبيعة النظام (السابق) بمنهجيّة واضحة ولا يضعون أيديهم على مواطن القوة داخله وعلى مؤشّرات أو احتمالات الإصلاح من الداخل ،ولا يتعرّضون إلى المعطى الدولي والإقليمي كإكراه خارجي يحتّم التمسّك بمسار إصلاحي (ما) بدلا من الحلول الحدّيّة غير مأمونة العواقب ،، لم نر شيئا من ذلك وما رأيناه هو مجرّد صراخ نكوصي وخطاب مناكِف ومناقِر يتحدّد نقيضا بل ضديدا لكل دعوات التغيير والتثوير ،، على كلّ حال لا يمكن بداهةً لمن كان في الماضي القريب خاشعا في محراب الاستبداد أن ينتقل بين ليلة وضُحاها إلى مثقّف إصلاحي حقيقيّ ، دون أن نغفل في المقابل عن أنّ إصلاحيّي ما قبل الثورة الذين ارتموا في أحضان الثورة فور اندلاعها لم يكونوا يوما إصلاحيين حقيقيين !!..
كاتب سياسي
مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=29428&t=محافظو" الثورات العربية .. رحلة البحث عن "إدموند بيرك" !!&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"